الجمعة , 22 نوفمبر 2024
الرئيسية » شخصيات نجفية » علماء » الشيخ هاشم الكعبي

الشيخ هاشم الكعبي

معارف الرجال/محمد حرز الدين

…ـ1231

الحاج شيخ هاشم بن حردان الكعبي الأهوازي الدورقي، كان فقيها أصولياً فاضلا وأديبا بارعا وشاعرا ماهراً، يعد نظمه من الطبقة الأولى في الجودة والمتانة وحسن السبك والرقة، قرأ علم الفقه والأصول متأخراً وحظى فيهما، حدثني بعض ثقاة الأهواز والدورق من أصحابنا عن شطر من حياته منها انه كان معاصرا للرئيس الجريء الشيخ فارس الكعبي في خوزستان، ولأدبه وكماله صار كاتبا عنده، وفي يوم من الأيام اختلفا في شيء وعصى أمر الرئيس فيه فغضب عليه غضبا شديدا وخرم أذنه معاقباً له، وقام هاشم بكل جرأة وإقدام قائلاً له: بكلمات ملؤها التحذير والنقمة والتوبيخ منها وسيأتي زمان قريب تقبل فيه يدي وأنت صاغر يا فارس، فضحك مستهزءاً بهاشم، ثم هرب منه إلى العراق وأقام في النجف الأشرف وأكب على طلب العلم بشوق وطلب حثيث، هذا وكانت مقدماته العلمية وأدبياته غير يسيرة، وقيل أوسع من ذلك، وحضر مدة طويلة على أفاضل مدرسي النجف في الفقه والاصول، حتى أصبح يحضر الأبحاث الخارجة فيهما وأجيز على فضله في الفقه والأصول، ثم كر راجعاً إلى الدورق، فاستقبله قومه بحفاوة واحترام وجاءوا به إلى ديوان الرئيس الشيخ فارس، وكان الرئيس جالساً فسمع الناس تقول جاء الشيخ العالم وقام مع من قام لاستقباله وقبل يده مع الجمهور، ولما استقر بهما المجلس ونظر في وجهه ملياً عرفه وقال: هذا الشيخ هاشمن فأجابه هذا ما أوعدتك به من قبل يا شيخ فارس، ومنها انه رثى الشيخ يوسف والشيخ حسين آل عصفور وهو دليل على انه عاصرهما، ومنها ان الشيخ يوسف نقل عنه في كشكوله بعض شعره، ومنها ان الشيخ حسن مال الله قرأ شعر الحاج هاشم على السيد عدنان بن السيد شبر الموسوي الغريفي نزيل المحمرة وأفاد قائلا ان شعره كان خمسة وعشرين قصيدة وكان السيد الغريفي حافظاً لها، وعرضت عليه قصيدة عندي لم تكن في ديوانه فأقرها السيد، ومن شعره تسميطه للبيتين المنسوبين إلى الوالي داود باشا العثماني قائلاً:

باتت بجنب لئيم تكثر العذلا    تصله خفية سكرى لمى وطلا

تقول لو أن ما قالته قد حصلا    ليت الملاح وليت الراح قد جعلا

                      في جبهة الليث أو في قبة الفلك

لو أن حكم الغواني والطلا بيدي    لم تأو بيت جبان بيضة البلد

ولم يذق قط طعم الراح ذو فند    فلا يعانق محبوبا سوى أسد

                      ولا يدور بكاسات سوى ملك

ومن غرر قصائده هذه الدالية الطويلة في رثاء الامام الحسين عليه السلام مطلعها:

أرأيت يوم تحملتك القودا    من كان منا المثقل المجهودا

حملتها الغصن الرطيب وورده    وحملت فيك الهم والتسهيدا

وجعلت حظي من وصالك أن أرى    يوما به ألقى خيالك عيدا

لو شئت أن تعطي حشاي صبابة    فوق الذي بي ما وجدت مزيدا

أهوى رباك وكيف لي بمنازل    حشدت علي ضغائنا وحقودا

أمعرس الحيين ما لك لم تجب     مضنى ولم تسمع له منشودا

أأصمك الإضعان يوم تحملوا    أم صرت بعد الظاعنين بليدا

قد كنت توضح بالأسنة والظبى    معنى وتفصح موعدا ووعيدا

حيث الشموس على الغصون ولم تكن    عانيت إلاّ اوجها وقدودا

من سام عزك فاستباح من الشرى    آساده ومن الخدور الغيدا

أنى انتفى ذاك الجمال وأصبحت    أيامك البيض الليالي سودا

فاسمع أبثك إنني أنا ذلك الـ     ـكمد الذي بك لا يزال عميدا

ما بعدت منك القريب حوادث   عرضت ولا قربن منك بعيدا

لا تحسبنه هوى يخال وإن غدا    حظي الشقي تفرقا وصدودا

فلأنت أنت وإن عدت بك نية    عن ناظري وتركن دونك بيدا

ولئن أبحت تجلدي فلطالما    ألفيتني عند الخطوب جليدا

                             *   *   *

وقال في الرثاء:

تالله ما أنسى ابن فاطم والعدى    يهدى إليه بوارقا ورعودا

غدروا به إذ جاءهم من بعد ما    أسدوا إليه مواثقا وعهودا

قتلوا به بدرا فاظلم ليلهم    فغدوا قياما في الظلال قعودا

وحموه أن يرد المباح وصيروا    ظلما له ضامي الرماح ورودا

فسمت إليه أماجد عرفوا به     قصد الطريق فأدركوا المقصودا

نفر حوت جمل الثنا وتسنمت    قلل المعالي والدا ووليدا

من تلق منهم تلق كهلا أو فتى    علم الهدى بحر الندى المورودا

وتبادر طلق الأعنة لا ترى الـ    ـغمرات إلاّ المائسات الغيدا

وكأنما قصب القنا بنحورهم    درر يفصلها الطعان عقودا

واستنزلوا حلل العلا فأحلهم    غرفاته فغدى النزول صعودا

فتظن عينك أنهم صرعى وهم     في خير دار فارهين رقودا

وأقام معدوم النظير فريد بيـ    ـت المجد معدوم النصير فريدا

يلقى القفار صواهلا ومناصلا    ويرى النهار قساطلا وبنودا

ساموه أن يرد الهوان أو المنية    والمسوّد لا يكون مسودا

فانصاع لا يعبأ بهم عد عدة    كثرة عليه ولا يخاف عديدا

يلقى الكماة بوجه أبلج ساطع    فكأنما أموا نداه وفودا

يسطو فتلقى البيض تغرس في الطلى     فتعود قائمة الرؤوس حصيدا

أسد تظل له الأسود خواضعاً    فترى الفتى يحكي الفتاة الرودا

البرق صارمه ولكن لم يسق    للوبل إلاّ هامة ووريدا

والصقر لهذمه ولكن لم يصد    إلاّ قلوبا أو غرت وكبودا

بأس يسر محمداً ووصيه    ويغيظ نسل سمية ويزيدا

حتى إذا حم الحمام وآن لا     تلقى عمادا للعلى وعميدا

عمدت له كف العناد فسددت    سهما عدا التوفيق والتسديدا

فثوى بمستن النزال مقطع الـ    ـأوصال مشكور الفعال حميدا

لله مطروح حوت منه الثرى     نفس العلى والسؤدد المعقودا

ومبدد الأوصال ألزم حزنه    شمل الكمال فلازم التبديدا

ومجرح ما غيرت منه القنا    حسنا ولا أخلقن منه جديدا

قد كان بدراً فاغتدى شمس الضحى    مذ ألبسته يد الدماء لبودا

يحمي أشعته العيون فكلما    حاولن نهجاً خلته مسدودا

وتظله شجر القنا حتى أبت     إرسال هاجرة إليه بريدا

وثوا كل في النوح سعد مثلها    أرأيت ذا ثكل يكون سعيدا

ناحت فلم تر مثلهن نوائحاً    إذ ليس مثل فقيدهن فقيدا

لا العيس تحكيها إذا حنت ولا الـ    ـورقاء تحسن عندها الترديدا

إن تنع أعطت كل قلب حسرة     أو تدع صدعت الجبال الميدا

عبراتها تحيي الثرى لو لم تكن    زفراتها تدع الرياض همودا

وغدت أسيرة خدرها ابنة فاطم     لم تلق غير أسيرها مصفودا

تدعو بلهفة ثاكل لعب الأسى    بفؤادها حتى انطوى مفؤودا

تخفى الشجا جلدا فإن غلب الأسى     ضعفت فأبدت شجوها المكمودا

نادت فقطعت القلوب بشجوها    لكنما انتظم البيان فريدا

إنسان عيني يا حسين أحي يا    أملي وعقد جماني المنضودا

ما لي دعوت فلا تجيب ولم تكن     عودتني من قبل ذاك صدودا

ألمحنة شغلتك عني أم قلى     حاشاك إنك ما برحت ودودا

أفهل سواك مؤمل يدعى به     فيجيب داعية ويورق عودا

إن استعن قامت إلى ثواكل    لم تدر إلاّ النوح والتعديدا

وكفيلها فوق المطى معالج     من ضره ومن الحديد قيودا

أوحيد أهل الفضل يعجب جاهل    أن تمس ما بين الطغام وحيدا

ويلام غيث ما سقاك وانه      من بحر جودك يستمد الجودا

قد كان يعتب عند تركك ضامياً    لو كان غيرك بحره المورودا

يا ابن النبي ألية من مدنف     بعلاك لا كذبا ولا تفنيدا

ما زال سهدي مثل حزني ثابتا    والغمض مثل الصبر عنك طريدا

تأبى الجمود دموع عيني مثلما    يأبى حريق القلب فيك خمودا

والقلب حلف الطرف فيك فكلما     أسليت هذا زاد ذاك وقودا

طال الزمان على لقاك فهل قضى     للحزن والمحزون فيك خلودا

أفلم يحن حين المسرة أن ترى     عيناي ذاك الصارم المغمودا

وفصيحة عربية مأنوسة    لم تألف الوحشي والتعقيدا

ما سامها الطائي الصغار ولا الذي    قد كان يدعى خالد بن يزيدا

أنزلتها بجناب أبلج لم يخب     قصد لديه ولا يذل قصيدا

كانت به جهد المقل وإنما     عذر الفتى أن يبلغ المجهودا

لو شاء يمدح بالذي هو أهله    حصر الأنام فما سمعت نشيدا

وفاته:

توفي حدود سنة 1231هـ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.