الجمعة , 19 أبريل 2024
الرئيسية » تاريخ النجف الأشرف » قراءة في أدوار النجف الأشرف العلمية

قراءة في أدوار النجف الأشرف العلمية

قراءة في أدوار النجف الأشرف العلمية

najef5

مدرسة النجف الأشرف الفكرية من المدارس الإسلامية الأصيلة المتجذرة في عمق التاريخ، فقد مر عليها ما يقرب من ألف ومائة سنة، وهي قائمة تتجوهر كلما مر عقد من الزمن، بفضل نوابغها الذين أدركوا ان التحديات والأفكار الغريبة عن الإسلام لهم بالمرصاد، فقاموا بدورهم العلمي في أكمل وجه.

فلذا تجد أن طروحاتها ـ من أول أدوارها إلى يومنا هذا ـ أصيلة متينة مبنية على أسس علمية رصينة، حققت ما تصبو إليه في إنشاء (مدرسة فكرية) تتفوق على لداتها من المدارس الإسلامية الأخرى، بفضل منهجيتها (التحقيقية) في غربلة التراث الإسلامي بكل أبعاده ومزاياه.

والحقيقة أن هذه المدرسة سايرت الزمن، وتغلبت على مشاكله المطروحة جيلاً فجيلاً حتى العصر الحاضر.

وللنجف  ـ أيضاً ـ مكانة خاصة في قلوب المسلمين لأهميتها المتمثلة بوجود مرقد الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فيها، لذا تهفو القلوب إليها، ويأتي إليها الزائرون من كل البلدان الإسلامية، لحصول التكريم والتشريف من رب العالمين.

فمنذ إظهار قبره الشريف نحو سنة 170هـ، وإقامة (العمارة الأولى) عليه من قبل (هارون الرشيد)، ابتدأ الناس يتهافتون للزيارة والتبرك بتقبيل تلك الأعتاب، ونقل جنائز موتاهم لدفنها قرابة المرقد المطهر علناً، وكان الدفن والزيارة قبل ذلك يجرى سراً.

وعندما قامت (العمارة الثانية) نحو سنة 255هـ بمساعي المجاهد الشريف (محمد بن زيد الداعي الحسني) بعدما خرب العمارة الأولى المتوكل العباسي مثلما فعل بعمارة الحسين(ع) سنة 236هـ، ازداد النشاط السكاني، وصارت مدينة صغيرة فيها عدد لا بأس به من السكان.

تزايد النشاط السكاني، وتوسعت المدينة عندما قامت (العمارة الثالثة) التي أنشأها (عضد الدولة البويهي) سنة 367هـ، فقد نزلها مع جمع غفير من الفعلة (المهرة من البنائين)، والمهندسين مدة سنة كاملة، حتى أتم العمل بها، ووزع الأموال الكثيرة على المجاورين. وكان يسكنها في تلك السنة (367هـ) نحو ستة آلاف شخص، بينهم ألف وسبعمائة علوي.

وبديهي أن هؤلاء خليط من الناس، ولابد أن يكون بينهم علماء وأدباء وعباد مجاورون وخدم موكلون بإدارة الضريح المقدس، وغيرهم من الأصناف.

ولا أود هنا أن أستقرئ تأريخ النجف الفكري بكل أبعاده وأدواره، فان ذلك موكول إلى ما كتب عنها وهو كثير جداً، ولكن لألقي بعض الضوء، في قراءة مختصرة، على أدوار (مدرسة النجف الأشرف العلمية) منذ تأسيسها إلى العصر الحاضر.

والمقصود بالدور ـ هنا ـ (مرحلة الانتعاش العلمي) للمدينة بكثرة علمائها وامتدادهم المرجعي، ولا يعني ذلك خلوها من العلماء طوال انتقال العلم -الحوزة العلمية- منها إلى المدن الأخرى، بل هناك عدد من العلماء العاملين أدوا دوراً مهماً في مواصلة نشاط النجف العلمي واستمراره.

وسبب انتقال العلم عنها هو ما مرت به من كوارث سياسية، أو طبيعية، أو نبوغ علماء في مدن اخرى، مما جعلها تمر بمراحل الخمول المشار إليها، ثم سرعان ما تستعيد عافيتها، فيتهافت عليها طلاب العلم للاستفادة من مهرة العلماء الموجودين بها. لذا تجد أن السلسلة التاريخية العلمية بها متقطعة للأسباب المذكورة في أعلاه.

وقد قسمت الأدوار العلمية التي مرت على النجف الأشرف إلى خمسة أدوار:

الدور الأول:

الدور الأولي أو دور البدايات، ويتمثل بأول بنائها كمدينة كان يسكنها نحو ستة آلاف شخص على احتمال أن فيها بعض أهل العلم عرفنا منهم:

1ـ أبا عبد الله الحسين بن جعفر بن محمد المخزومي  المعروف بـ(ابن الخمري).

يروي عن محمد بن هارون الكندي، والحسين بن أحمد بن المغيرة البوشنجي. وأجاز لأبي العباس النجاشي صاحب كتاب (الرجال) في مشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) سنة 400 للهجرة، ووصفه النجاشي بـ(الشيخ الصالح).

2ـ أبا محمد الحسن بن احمد بن محمد بن الهيثم العجلي.

من أهل الري، وجاور في المشهد المقدس.

يروي عن الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه، وأخيه الحسين بن علي بن بابويه.

رآه النجاشي وقال عنه: (ثقة من وجوه أصحابنا).

الدور الثاني:

الدور التكويني أو التأسيسي للحوزة العلمية، يبتدئ بهجرة الشيخ الطوسي، وسكناه النجف سنة 448هـ مع جمع غفير من تلامذته وأولاده وحاشيته، فتوسعت المدينة، وطارت شهرتها، وصارت من مراكز العلم المرموقة في العالم الإسلامي.

تخرج على يد الشيخ مئات التلاميذ الذين نبغوا من بعده، فمنهم من بقي في النجف، ومنهم من رجع إلى بلاده قائماً بوظائفه الشرعية.

واليك جملة من أسماء علماء هذا الدور الذي ينتهي قبل نهاية القرن السادس:

المؤسس شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي ت460هـ

بركة بن محمد الأسدي كان حياً في القرن الخامس

زيد بن نصر العلوي كان حياً سنة 443هـ

غازي بن احمد الساماني كان حياً في القرن الخامس

محمد بن أحمد بن شهريار الخازن كان حياً سنة 516هـ، وأولاده، وأحفاده

أبو علي الطوسي محمد بن الحسن كان حياً سنة 515هـ

الحسين بن علي الزينوآبادي المدرس بالمشهد الشريف كان حيا في القرن السادس

حفيد شيخ الطائفة محمد بن الحسن بن محمد ت540هـ

علي بن أبي طالب التميمي كان حياً في القرن السادس

الحسين بن احمد بن طحال المقدادي كان حياً سنة 539هـ

ابو المكارم بن كتيلة العلوي كان حياً سنة 553هـ

مسعود بن محمد الرازي المجاور كان حياً سنة 573هـ

محمد بن جعفر المشهدي صاحب كتاب (المزار) كان حياً سنة 580هـ

شرفشاه بن محمد العلوي الافطسي كان حياً سنة 573هـ المنسوب اليه جبل (شرفشاه) في النجف

 وغيرهم.

الدور الثالث:

اشتهر في الحلة جملة من العلماء من بينهم:

محمد بن إدريس الحلي ت 598هـ

آل أبي نما

آل سعيد

آل المطهر

غيرهم.

فانتقل العلم اليها، وبقي بها إلى وفاة فخر المحققين الحلي محمد بن الحسن سنة 771هـ، ثم انتقل إلى كربلاء ـ قليلا ـ على عهد الشيخ احمد بن محمد بن فهد الحلي ت 841هـ، ثم رجع إلى النجف الأشرف، وسبب ذلك نبوغ واشتهار أبي عبد الله المقداد السيوري ت 826هـ، وأضرابه من علماء هذا الدور أمثال:

محمد بن شجاع القطان الأنصاري كان حياً في سنة 831هـ

الحسن بن الحسين بن مطهر الأسدي الجزائري كان حياً سنة 859هـ

علي بن هلال الجزائري ت911هـ الذي كان شيخ فقهاء الإمامية في عصره

إبراهيم القطيفي كان حياً سنة 940هـ

خضر الحبلرودي كان حياً سنة 937هـ

الحسن بن محمد الاسترآبادي كان حياً سنة 891هـ

المحقق الكركي علي بن الحسين بن عبد العالي ت940هـ

وبه ختم هذا الدور.

الدور الرابع:

بوفاة المحقق الكركي انتقل العلم إلى بلاد المحقق (جبل عامل ـ لبنان) لوجود عشرات العلماء في تلك البلاد التي ازدهرت بهم ازدهاراً منقطع النظير، فكان بها: الشهيد الثاني ت966هـ، والحسين بن عبد الصمد العاملي ت984هـ، وغيرهم كثير. وكانت تشاركها مدينة أصفهان، وبعض المدن الإيرانية الأخرى في العلم بسبب استدعاء الملوك الصفويين لجمع من علماء المدن الشيعية، وخصوصاً العلماء العرب، فانتعشت بهم تلك البلاد.

مرت النجف بركود علمي نحو خمسين سنة حتى نبغ المقدس الأردبيلي احمد بن محمد ت993هـ، فقصده طلاب العلم وانتفعوا به، وبأمثاله من علماء هذا الدور، ومنهم:

الأمير فضل الله الاسترآبادي كان حياً سنة 984هـ

محمد علي البلاغي ت1000هـ، وأولاده، وأحفاده

فيض الله التفريشي ت1025هـ

محمد بن جابر العاملي كان حياً سنة 1030هـ

علي بن حجة الله الشولستاني ت1068هـ

فخر الدين الطريحي ت1081هـ، وأولاده، وأحفاده

احمد الجزائري ت1151هـ، وأولاده، وأحفاده

علماء آل الخمايسي

أبو الحسن الفتوني ت1139هـ

صدر الدين القمي ت1165هـ

محمد مهدي الفتوني ت1183هـ

محمد تقي الدورقي ت1187هـ

وغيرهم كثير، وبالأخيرين ختم هذا الدور.

الدور الخامس:

الدور الذهبي، بعد وفاة الشيخين الفتوني، والدروقي، انتقل العلم إلى كربلاء، لاشتهار الشيخ يوسف البحراني ت1186هـ، والوحيد البهبهاني محمد باقر ت1205هـ، فهاجر طلاب العلم إليها، وتخرج عليهما مئات العلماء، والأفاضل.

وكان من بين المستفيدين من درس الشيخين المذكورين:

السيد محمد مهدي بحر العلوم ت1212هـ، والشيخ جعفر الجناجي المالكي ت1227هـ صاحب كتاب (كشف الغطاء) الذي صار لقباً لأسرته الجليلة، فتخرجا عليهما، وعادا إلى النجف الأشرف، واشتهرا بما لا مزيد عليه، فقصدهما طلاب العلم من الأقطار الإسلامية كافة، فكانا مدرسة كبرى خرجت العشرات من العلماء المجتهدين، وعلى يد هذين العلمين تواصلت حلقات السلسلة العلمية في هذه المدينة الشريفة، وفي هذا الدور الذهبي إلى يومنا هذا.

إن نظرة عابرة في كتب التراجم سترينا أن أغلب علماء الدور الذهبي في النجف، وغيرها هم من المتخرجين في هذه المدرسة الأصيلة المبدعة في كل ثقافاتها، فكان لهم دور كبير في ازدهار النجف العلمي، ومنهم:

السيد محمد جواد العاملي صاحب كتاب (مفتاح الكرامة)

الشيخ محمد حسن النجفي صاحب كتاب (جواهر الكلام) الذي صار لقباً لأسرته الجليلة

الشيخ مرتضى الانصاري صاحب كتابي (المكاسب)، و(الرسائل)

الشيخ محمد حسين الكاظمي صاحب كتاب (هداية الأنام)

الشيخ محمد كاظم الخراساني صاحب كتاب (كفاية الأصول)، وكان مجلس درسه يضم ألف طالب بين مجتهد، ومراهق للاجتهاد

السيد محمد كاظم اليزدي صاحب كتاب (العروة الوثقى)، وغيرهم من العظماء.

ومن نافلة القول

أن في النجف أسراً علمية جليلة لها دور كبير في بناء تاريخ النجف العلمي، أذكر منها من كان في الدور الذهبي ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ:

السادة آل بحر العلوم

آل كاشف الغطاء

آل الشيخ راضي

آل الجواهري

آل الخليلي

آل البلاغي

آل الطريحي

السادة آل الشيرازي

السادة آل الحكيم

السادة آل الطالقاني

آل ياسين

السادة آل البغدادي

آل محيي الدين

آل حرز الدين

آل خنفر

آل المظفر

آل المامقاني

آل نصار

آل نجف

آل سميسم

آل الخاقاني

وغيرهم.

كاظم عبود الفتلاوي

 

المصدر: مجلة ينابيع

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.