1265ـ 1306
الشيخ موسى بن الشيخ محمّد أمين بن الشيخ محمّد حسين بن الشيخ علي شرارة العاملي النجفي . ولد في قرية بنت جبيل سنة 1265هـ قرأ جملة من مقدماته العلمية هناك ثم هاجر إلى العراق سنة 1288هـ وأقام في النجف بلد الفقاهة لكي يقرأ بقية مقدماته فقرأ كتاب القوانين في الأصول على الشيخ ملا علي الهمداني، وكتاب الرسائل في الأصول على الشيخ ملا محمّد كاظم الخراساني وعلى الشيخ محمّد علي الخونساري، ثم حضر أبحاث أعلام عصره الخارجة، وكان معروفاً بالأدب الواسع، طلق اللسان قوي الجنان بحاثة، جد واجتهد وشاع ذكره وانتشر أمره وفشى فضله، وهو اليوم عالم فقيه أصولي متين ثقة عدل ورع، مبرز بالفضل من العامليين الذي عاصرناهم في نهاية القرن الثالث عشر للهجرة، وكان شاعراً بليغاً له مساجلات مع بعض أهل الفضل كالسيد محمّد سعيد حبوبي وغيره من الأفاضل والأدباء ومن شعره هذه المقطوعة يعاتب بها بعض أصدقائه الأدباء بقوله:
كم ذا يقاطعني من لا أقاطعـــــــــه وتشرب اللوم جهلا بي مسامعه
إن مال عني لأوهام ووادعنـــــــــي فإنني وذمامي لا أوادعــــــــــه
ليس التلون من خيمي ومن شيمي إذا تلون من ساءت صنائعـــــــــه
ولا أصانع إخواناً صحبتـــــــــــــــــهم فما خليلك يوماً من تصانعــــــــه
وشمت برق التجافي من أخ ذهــبت به الظنون بود ضاق واسعــــــــه
سرى يؤم بها غرباً ومسلكـــــــــــها شرق فسدت بداجيه مطالعــــــه
فمل بها للفضاء الرحب وأســـــر بها مع الصباح فلا تخفى قوارعــــــــه
جرى الهوى منه مجرى النفـــــــس فانطبعت به علي بدهماء وشائعه
شربت رنقا اجابا من مــــــــــــوارده وماء حوضي له رافت مشارعـــــه
وقال: راثياً أخاه الفاضل الأديب الشيخ محمّد عندما وصل إليه نبأ وفاته في النجف في النصف من شعبان سنة 1303هـ بهذه الأبيات:
ما لنفسي ذابت وطارت شعاعا ولقلبي أثر الضعائن ضاعا
ذهب الصبر والأسى يوم بانـــوا وتنادوا فيه الوداع الوداعـا
غادروني مثل الخلي صريعـــــاً وألفت الأسقام والأوجاعــا
أخذوا مهجتي وقلبي وأبقــــوا نفساً خافقاً جوى وارتياعـا
وهجرت الرقاد إلاّ لــــــــــــزور من خيال أذوقه تهجاعــــا
وكان المترجم له نافعاً لأهل العلم بل عضباً لهم في جبل عامل، أوصى أهل بلده بصاحبنا وخله الحميم العالم المقدس السيد مهدي بن السيد صالح الحكيم النجفي فأخذوه لبلادهم بنت جبيل عالماً مرشداً، وأراد الشيخان الأستاذ الشيخ محمّد طه نجف والأستاذ الحاج ميرزا حسين الخليلي غيره يذهب إلى تلك الناحية، وكان الشيخ موسى من العلماء الصفوة التي كنا نحضر للمذاكرة ليلاً ـ في سطح قبة اليماني غربي النجف ـ والسيد مهدي الحكيم هذا وجماعة من أهل الفضل، ويحضر مجلسنا السيد محمّد سعيد حبوبي النجفي.
أساتذته:
تتلمذ على الأستاذ الشيخ محمّد حسين الكاظمي في الفقه، والأستاذ الشيخ محمّد طه نجف وعلى الرياضي المحقق الشيخ محمّد تقي الأيرواني في الحكمة، وعلى الشيخ عبد الحسين الطريحي في الفقه والأصول، والشيخ محمّد تقي الكلبايكاني في الحكمة والفلسفة، والشيخ ملا حسين قلي الهمداني في الأخلاق والسلوك وقرأ قبل على الشيخ علي ملا محمّد كاظم الآخوند الخراساني الأصول، وحضر عليه الفقه جملة من أهل الفضل والعلم كالسيد محمّد رضا فضل الله الحسني العاملي، وجماعة من السادة آل شرف الدين العاملي، وأخوه الشيخ محمّد، ونجله الشيخ عبد الكريم، والسيد محمّد سعيد الحبوبي حضر عليه قليلاً.
مؤلفاته:
الدرة المنظمة هي ارجوزة في أصول الفقه، وأرجوزة في المواريث فقه، والف كتاباً في الفقه لم يتم، ورسالة في تهذيب النفس، ورسالة في أصول الدين، وله بعض الكراريس المخطوطة والردود والمناظرات مع المخالفين.
وفي سنة 1298هـ ابتلي بمرض الصدر وعاد إلى لبنان يعالج نفسه حتى برئ من مرضه وبقي هناك في بنت جبيل، وكان والده الشيخ محمّد أمين من أهل الفضل والدين تقدم ذكره في الجزء الثاني، وجده الشيخ محمّد حسين المتوفى سنة 1225هـ كان من العلماء الثقات الذين تسكن إليهم النفوس في النجف وروى الأساتذة أيضاً أنه كان في النجف في آخر عصر السيد محمّد مهدي بحر العلوم، والشيخ جعفر كاشف الغطاء النجفي، وأعقب الشيخ محمّد حسين هذا ثلاثة أولاد الشيخ محسن المتوفى حدود سنة 1242هـ، والشيخ محمّد أمين هذا المتوفى سنة 1275، والشيخ حسن المتوفى سنة 1271هـ المتتلمذ على الشيخ صاحب كشف الغطاء، والسيد بحر العلوم النجفي، وأعقب الشيخ حسن الشيخ علي المعاصر وكان الشيخ علي فاضلاً أديباً شاعراً فقد رثى العلماء وهنأهم ورثى أهل البيت عليهم السلام ومن رثاءه لعلي بن الحسين عليه السلام شهيد الطف قصيدة قافية مشهورة محفوظة للخطباء وكان الشيخ علي يقيم في إحدى حجر الصحن الغروي التي في الزاوية الشرقية الجنوبية وكان مجلسه فيها حافلاً بالعلماء والشعراء وكنت ممن يحضره وفي إحدى جلساتنا أجازنا ببعض الأدعية والأوراد المأثورة بما أجازه به أستاذه الشيخ محمّد تقي الاصفهاني الكلبايكاني، وأطعلني على جملة من قصائده تصلح أن تكون ديواناً صغيراً تحتوي على جملة من المراثي والمدائح والتهنئة، كما إن له يداً في علم الطب اليوناني وكان يعالج بعض الناس ويعتمدون عليه إلاّ أني رايته يراجع في مرضاه بعض فضلاء العصر في الطب وكانت وفاته في النجف سنة 1330هـ ودفن فيه.
وفاته:
توفي الشيخ موسى في بنت جبيل ليلة الخميس 11 شعبان سنة 1306هـ واقبر هناك ورثته الشعراء وأهل الفضل وممن رثاه تلميذه السيد نجيب الدين فضل الله الحسني المتوفى سنة 1336هـ بقصيدة مطلعها:
هل يعلم الدهر من أودت فوادحه أو يعلم الرمس من وارت صفائحه
أو تعلم الأرض لم مادت جوانبـــها أو يعلم الكون لم ضاقت صحاصحـه
وأعقب ولده الفاضل الأديب الشيخ عبد الكريم له شرح أرجوزة والده في الأصول المسماة بالدرة المنظمة، المتوفى سنة 1332هـ.
المصادر:
معارف الرجال / محمد حرز الدين ج3