الخميس , 21 نوفمبر 2024
الرئيسية » تاريخ النجف الأشرف » المجتمع النجفي في عهد الملك غازي – القسم الثاني

المجتمع النجفي في عهد الملك غازي – القسم الثاني

naje2

المجتمع النجفي في عهد الملك غازي 1932-1939م

دراسة في التاريخ الاجتماعي

القسم الثاني

الأستاذ حيدر سعد الصفار

الفصل الثاني

التطورات والمشكلات التي واجهها المجتمع ألنجفي بين 1933ـ1939م مجموعة من التطورات والمشكلات في الجوانب الاقتصادية والعمرانية والخدمية. إذ تركت الأولى آثاراً ذات أبعاد إيجابية على المدينة ومجتمعها، أما الثانية فقد حاول المجتمع بوضع الحلول المناسبة لها ومعالجتها ويمكن أن نستعرض بحسب آثارها وكما يلي:

1. التطورات والمشكلات الاقتصادية:

يتأثر النظام الاجتماعي لأي مدينة من المدن ومنها النجف الأشرف بالواقع الاقتصادي الذي يعد أحد المفاصل الحيوية المهمة بوصفها شريان الحياة الرئيسة. ويعد النشاط التجاري المنفذ الاقتصادي الأول لسكان المدينة، لأنه النشاط الأبرز فيها بحكم وضعها الديني المتميز الذي ساعد على استقبال أعداداً كبيرة من الزائرين من مدن العراق الأخرى أو مدن العالم الإسلامي المختلفة. فضلاً عن موقعها على حافة الصحراء الغربية والذي جعلها موئلا لذلك النشاط ومحطة لسكان المدن المجاورة والجزيرة العربية لابتياع ما يحتاجونه من المؤن، مقابل ما يحملونه من المواد الغذائية فضلاً عن بيعهم أصنافاً متنوعة من الحيوانات فيها، وأسهم ذلك النشاط بصورة مباشرة على ولادة الأسواق الرئيسة. وقد وصفهم الرحالة العربي ابن بطوطة (بأنهم تجار مسافرون في الأمصار وهم أهل شجاعة وكرم), فأصبحت النجف الأشرف هي مدينة التجارة والمال لسكان الجزيرة العربية من بدو وحضر، بعد أن اعتادوا ابتياع ما يحتاجونه من ملابس وحبوب ولوازم أخرى وأثاث من أسواقها منذ عهد بعيد, واعتاد النجفيون تسليفهم بما احتاجوه من مال وحبوب دون طلبهم لقاء ذلك أي وثيقة أو مرتهن لعلمهم إن سكان البادية أمناء على ذممهم، يسددون ما يترتب عليهم دفعه ولو بعد انقراض الجيل الذي اقترض المال، إذ كثير ما يأتي الأبناء بالدين لسد ما بذمة آبائهم من أثمان المسابلة.

وشهدت النجف الأشرف نشاطاً تجارياً متميزاً مع شتى الأقطار المجاورة بواسطة طرقها البرية، فضلاً عن الطريق النهري الوحيد (نهر الفرات) الذي يبعد عنها مسافة 7 كيلو متر شرقاً. وبناءً على ذلك فقد نظمت أسواقها كل حسب اختصاصه وبحسب المواد التي تتعاطى بيعها وشرائها، فأخذ التبادل التجاري بالتوسع وبشكل منقطع النظير مع سكان بادية العراق والجزيرة العربية وسوريا والأردن بواسطة سوق المدينة الرئيسي (السوق الكبير) بنوعيه الجملة والمفرد، فضلاً عن الخانات التي أنشأها التجار النجفيين عند بداية السوق الكبير من جهته الشمالية والشرقية استخدمت لخزن الكميات الكبيرة من المواد الغذائية لتكون قريبة على التجار الأجانب وأصحاب حوانيت تجارة المفرد من النجفيين والمدن المجاورة عند شرائهم البضائع منها ونقلها إلى حوانيتهم ومن ثم بيعها على المستهلكين. وتفرعت من السوق الكبير من جهته الشمالية أسواق صغيرة كسوق (الصفارين والحدادين والقصابين) وسوق الصاغة الذي اشتمل على حوانيت بيع الحلي المصنوعة من الذهب والفضة، فضلاً عن محلات بيع الجواهر والياقوت والعقيق ودر النجف وسوق خاص لبيع العطور والسبح بأنواعه الكهرب والسندلوس واليمن وغيرها وفي داخل السوق الكبير من جهته الشرقية تجمع الخياطون وأصحاب صناعة الأحذية وبعض المعامل الصغيرة في خان كبير عد خصيصاً لذلك.

واحتوت المدينة على سوق خاص لبيع وشراء الأغنام والإبل والأبقار والحمير والبغال والخيل سمي سوق (الوقفة) وموقعه أمام مدخل السوق الكبير من جهته الشمالية الشرقية وكانت عملية البيع والشراء تتم عن طريق (الدلال) الذي كان يتولى المزايدة على الأسعار حتى تتم الصفقة ومن ثم الحصول على أجرته.

اشتركت مجموعة عوامل ساهمت على نمو النشاط التجاري وتزايده كان من أهمها الدعوى التي أطلقها مجموعة من المثقفين والمتحررين النجفيين نحو إباحة أعمال الصيرفة مع المصارف الحكومية وغيرها على الرغم من أرباحها البسيطة إلا أنها من المتطلبات العصرية وعدوها الوسيلة الناجحة لزيادة رؤوس أموال أصحابها وارتقاء تجارتهم النوعية.

ونتيجة لذلك نشطت تجارة الصيرفة في تلك المرحلة وتم فتح مجموعة حوانيت عند مدخل السوق الكبير من جهته الشمالية لتسهيل عملية شراء العملة ومقايضتها مع التجار والزوار الأجانب وفي تلك المرحلة أدرك النجفيون إن للتجارة مستلزمات لابد من توفيرها داخل المدينة ولأجل ذلك فقد أعدوا المنازل والفنادق للتجار الزائرين في آن واحد. ومن الناحية الصناعية تميزت المدينة عن حاضراتها من المدن العراقية الأخرى لاحتوائها على مجموعة من الصناعات الشعبية التي ساهمت على سد حاجة المجتمع النجفي والمدن المحيطة به كان من أهمها حياكة الغزل والعباءات، العقل، بيوت الشعر خيام البدو، الفرو فضلاً عن الدباغة، الصفارة، الربابة، الحدادة، الصياقلة، الصياغة، أبدان السيارات وهنالك صناعات أخرى شملت مجالات الحياة المتعددة

وعليه فإن من مستلزمات التطور الاقتصادي لأي حضارة في العالم، تكمن في انتعاش صناعتها اليدوية والميكانيكية وغيرها. ونالت الصناعة النجفية اهتماماً متميزاً من المرجع الديني محمد الحسين آل كاشف الغطاء الذي أكد على تطوير الصناعة المحلية ونبذ السلع المستوردة حتى إذا تطلب الأمر الاستعانة بخوص النخيل لنسيج الملابس بدلاً عن الملابس الأجنبية، معللاً بأن الأمة التي تعتمد على غيرها في كل شاردة وواردة يذهب عزها وتفقد استقلالها وهيبتها فثمنها (تجارتها وزراعتها وصناعتها).

ومن الناحية الزراعية ظلت مدينة النجف الأشرف في تلك المرحلة متأخرة بعض الشيء عن المدن العراقية الأخرى بسبب طبيعة أرضها الصحراوية وعدم توفر مصادر المياه فيها، إذ كانت معتمدة في غذائها على ما يحيطها من المناطق الزراعية القريبة منها والمتمثلة بأراضي منخفض النجف (بحيرة النجف) بعد انقطاع المياه عنها فأصبحا أرضها صالحة للزراعة فغرست فيها أشجار النخيل وصنوف الفاكهة مثل الرمان والتوت.

وفي سنة 1932م قامت الحكومة العراقية بحفر جدول (الأمير غازي) فأصبح المشروع مصدراً للشرب وسقي المزارع (أراضي البحر) التي قام أصحابها بزراعة أنواع جديدة من المزروعات مثل الحنطة والشعير والرز والخضروات الأخرى إلا أنها لم تكن كافية لسد احتياجات المجتمع النجفي آنذاك.

وبعيداً عن الجوانب التجارية والصناعية والزراعية هنالك موارد اقتصادية أخرى كان لها الأثر البارز على تطور الواقع الاقتصادي للمدينة ونموه، من أهما واردات الحوزة العلمية من تبرعات وحقوق شرعية مثل الخمس والزكاة فضلاً عن غيرها من الحقوق الأخرى، إذ كانت تلك الأموال لا يقتصر استحصالها من مسلمي العراق فحسب بل شملت حتى مسلمي البلدان الإسلامية الأخرى كلبنان ومصر ودول الخليج والهند وأفغانستان وفارس وغيرها من الدول. وقد بلغت تلك الواردات في عهد المرجع الديني أبي الحسن الأصفهاني ما قيمته 600 ألف دينا حتى وصفها البعض أنها زادت على واردات بعض الدول.

ومن الواردات المالية الأخرى (خيرية أودة) التي قدرت بمائة وواحد وعشرين ألف روبية سنوياً، فضلاً عن ذلك فقد كان لهجرات الأسر من مختلف البلدان الإسلامية إلى مدينة النجف أثرها الملموس، إذ ساهمت بثرواتها التي حصلت عليها من بلدانها على تنشيط واقع المدينة الاقتصادي وزيادة رأس مالها.

من جانب آخر فقد كان لترابية أرض النجف (مقبرتها) أثر متميز في زيادة تلك الواردات بشكل مستمر خصوصاً إن أسر الموتى تعاود الزيارات الدورية إلى رفات أمواتها بين مدة وأخرى سنوياً وعلى الرغم من ذلك النشاط الاقتصادي المتميز للمدينة إلا أنها تعرضت لمجموعة مشكلات اقتصادية تركت أثرها السلبي على الواقع الاقتصادي المتميز للمدينة ومجتمعها، منها على سبيل المثال سنوات الأزمة الاقتصادية العالمية بين سنتي (1929ـ1933م) التي كانت من أكثر السنوات خطورة على مختلف فئات المجتمع خصوصاً بعد أن اندمج العراق بالسوق الرأسمالية العالمية، ففي تلك السنوات وجهت ضربة قوية للاقتصاد العراقي الضعيف أصلاً وكان لقرار الدولة العراقية المتمثل بإصدار قانون العملة رقم 44 في 19 نيسان سنة 1931م عندما اضطرت إلى تأجيل إصداره إلى 1 ت1 1931م ومن ثم أجلته مرة أخرى لثلاثة أشهر مما أدى ذلك إلى اضطراب الأسواق اقتصادياً.

وفي السياق ذاته فقد تعرض التجار النجفيون إلى أضرار مادية جسيمة نتيجة الهبوط المتراكم في سعر صرف الريال الفرنسي الذي كان العملة الأكثر في التعاملات التجارية ما بين التجار النجفيين وأقرانهم النجديين، فضلاً عن الخسائر المالية الأخرى بسبب المخاطر التي حصلت في طريق الحج البري نتيجة أعمال النهب والقتل والسرقة لغياب سلطة الحكومة عنه مما أدى بعلماء الدين في النجف الأشرف إلى إصدار فتوى مفادها حرمة السير في ذلك الطريق الذي بقي مهملاً حتى سنة 1935م وأدى قيام الحرب العالمية الثانية 1939ـ1945م إلى تدهور الوضع الدولي، ومنه العراق بشكل عام والنجف بشكل خاص إذ بمجرد الإعلان عن قيام الحرب على الساحة الأوربية ثار الجشع في نفوس بعض التجار النجفيين الذين استغلوا ذلك الوضع استغلالاً غير مشروع.

ومن المشكلات الاقتصادية الأخرى فقد تعرض النشاط الزراعي إلى أضرار فادحة بسبب الفيضانات المستمرة لنهر الفرات ووصول مياهه إلى مقاطعات وأراضي بحر النجف (الشواطي) مسببة غرق مزروعاتها التي كانت محط اعتماد المجتمع النجفي في قوته عليها بشكل مستمر.

وفي جانب آخر تعرضت المدينة لمشكلة اقتصادية كبيرة بسبب تزاحم الأجانب من تجار وصناع مع أبناءها فسعى الأجنبي إلى مقاومة كل مصادر التي ساعدت النجفيين في معيشتهم حتى جر إلى خلق روح التنافس وبدأت حدة النزاع بينهم وبين النجفيين فاكتفى الأجنبي بنصف أجر العامل النجفي واكتفى التاجر المهاجر بعوائد الربح القليل.

2. التطورات والمشكلات العمرانية:

مرت مدينة النجف بثلاث مراحل من النمو العمراني منذ نشأتها حتى سنة 1939م فالمرحلة الأولى بدأت بين سنتي (787ـ1765م) عندما بنيت المساكن أول الأمر شمال المرقد الشريف، فتأسست بذلك أول محلة من محلات النجف الأشرف التي تعرف اليوم بـ (المشراق). ومن ثم أخذت المساكن بالامتداد نحو غرب المرقد وجنوبه فظهرت بذلك المحلات الأخرى وقد أسهم موقع المدينة الجغرافي على جعلها مفتوحة أمام الصحراء ومعرضة لهجمات الأعراب مما دعا أهلها إلى إحاطتها بأسوار حماية لها.

وبدأت عملية تشييدها أولاً حول المرقد الشريف الذي بناه (السيد محمد بن السيد زيد) الداعي العلوي صاحب طبرستان المتوفي سنة 900م فإنه عمر القبة المنورة ومن ثم بنى السور لرد هجمات المعادين.

أما السور الثاني فقد أمر ببنائه الأمير الحمداني (أبو الهيجاء عبد الله حمدان) في الربع الأول من القرن العاشر الميلادي، والثالث بني في عهد عضد الدولة البويهي المتوفي سنة 982م والسور الرابع بناه (أبو إسحاق الإرجاني) بأمر من (أبي محمد الحسن بن سهلان) وزير سلطان الدولة بن بويه سنة 1009م الملقب بعميد الجيوش والمتوفى سنة 1025م وبه اتخذت النجف شكلاً دائرياً طول محيطه 1250 متراً، وبعده عن المرقد في أغلب الجهات 199 متراً وموقعه عند أول سوق الصفارين.

وبنى السور الخامس من السلطان (ويس الجلائري) على بعد 75 متراً من السور الرابع وبه اتسعت النجف وأصبح طول محيطها 1721 متراً، وله باب كبير من جهته الشرقية سميت بـ(باب البلدة) وضمن السور الخامس أخذت المساكن تحيط بالمرقد بشكل دائري وعلى أثر ذلك توسعت محلة العمارة وتحولت المقبرة إلى الجهة الشمالية من المدينة بعد أن كان الدفن في جهتها الشرقية وداخلها بسبب اتخاذ الموقع الشرقي القديم طريقاً لدخول المدينة الآخذة بالاتساع.

أما المرحلة الثانية انحصرت بين سنتي 1765ـ1925م وبقيت النجف بعد سنة 1765م تعاني زحمة مساكنها وضيق طرقها وزيادة سكانها حتى سنة 1811م كما إن سورها الخامس لم يكن منيعاً لعدم ارتفاعه ونتيجة لزيادة خطر هجمات الوهابيين عليها فقد كاتب علماء النجف الأشرف وأهل الخير فيها (محمد حسين خان العلاق الأصفهاني) وزير (فتح علي شاه القاجاري) فبنى سورها السادس وحفر خلفه خندقاً عميقاً وأقام فيه الأبراج والمراصد وجعل طبقاته ثقوباً متقاربة مختلفة الأحجام استخدمت لوضع فوهات المدافع والبنادق وكان على بعد 85 متراً من السور الخامس.

وضمن مرحلتها الثالثة شهدت المدينة بين 1933ـ1939م تطوراً ملحوظاً على واقعها العمراني ساعد على ذلك استتباب الأمن، وكثرة طرق الإعاشة وتطور مستوى العلاقات مع سائر البلدان المهمة، ونتيجة لذلك اتسعت المدينة نحو الجنوب وجزئياً نحو الشرق إذ سعت الإدارة المحلية بعد زيادة سكانها وحاجتها الملحة إلى التوسع العمراني بسبب أزمة السكن التي عانت منها آنذاك فعمدت في سنة 1932م إلى هدم أجزاء كثيرة من سور المدينة السادس ومن ثم أمرت بتخطيط محلة جديدة إلى الجنوب من المدينة القديمة سميت بـ(الغازية) أو محلة (الأمير غازي) ومن ثم قسمت إلى قطع سكنية وبيعت على الراغبين بشرائها من سكان المدينة وبسعر 4 فلوس للمتر الواحد. فأنشأت المساكن التي وصل عددها حتى سنة 1934م ما بين (200ـ500) مسكناً وشيدت الحكومة مدرستين وحديقة عامة وبنى أحد التجار حماماً وبنى آخر مسجداً. واهتمت الحكومة المحلية للمدينة بتبليط شوارعها التي تميزت بأنها غير ملتوية ولا ضيقة تميزت بدورها الفسيحة وكلها معرضة للشمس والهواء إذ وصفها الأديب علي البازي بأبيات شعرية قال فيها:

لقد سعى (جعفر) في وقته
فاستوجب الشكر على سعيه

 

 

بوضع مشروع عظيم خطير
باسم بلاد النجف المستنير

 

 

وفي أيلول سنة 1937م قام القائمقام (صالح حمام) بفرز أراضي سكنية جديدة إلى الجهة الجنوبية الشرقية من محلة (الأمير غازي) سميت بـ(الصالحية) نسبة إليه، وفي سنة 1938م غير أسمها إلى محلة (الأمير غازي الجديدة) وفي السنة ذاتها تم قلع السور السادس بأكمله وأنشأ بدله شارعاً أحاط بالمدينة القديمة أطلق عليه شارع (السور) وعوض الأهالي من سكنة أواوين السور وجمهرة من الفقراء بقطع أراضي في (الصالحية) فاتصلت المحلتان الجديدتان بالمدينة القديمة. كما شملت التطورات العمرانية المنطقة الغربية من المدينة، فوسعت محلة (الدرعية) الواقعة في محلة العمارة التي استبدل اسمها في وقت لاحق إلى محلة (زين العابدين) كما شملت عملية الأعمار شوارع المدينة وأسواقها، ففي 12 آب 1934م شكلت البلدية لجنة برئاسة (عبد المحسن شلاش) لإعلان مناقصة لتبليط السوق الكبير وقد انتهت أعماله النهائية في ت2 1934م وفي الوقت ذاته بدأت الأعمال الخاصة بتبليط ساحة الميدان المقابلة للسوق الكبير واستكمال تبليط الشوارع الداخلية للمحلات القديمة والجديدة، كما قامت بتسوية الساحات الواقعة بين السور السادس والمدينة القديمة وهدم بقاياه ومن ثم شجرت المدينة من جميع أطرافها بعد أن عدلت طرقها المتعرجة الواقعة خلف السور السادس وجعلتها دائرة متساوية المساحة وقامت بإضافة فضلات الطرق إلى الدول لتعديل استقامتها. وقد خصصت بلدية النجف لأعمال التبليط مبلغ (400) دينار من ميزانيتها لسنة 1934م. وفي شهر مايس 1937م قامت البلدية ببناء قطعة الأرض التي امتلكتها من وزارة المالية والواقعة في شارع السراي شرق المدينة القديمة وجعلها سوقاً لبيع الخضروات بالجملة. وفي جانب آخر من التطورات العمرانية أكملت بناية البلدية الجديدة التي تميزت بكثرة مرافقها وسعتها في شهر تموز 1937م وقد تم الاستغناء عن البناية القديمة التي حولت ملكيتها إلى وزارة العدلية وقد تم تخصيصها في وقت لاحق إلى المحكمة (الصلحية والشرعية) في النجف وفي مطلع سنة 1939م ومن أجل الحفاظ على المدينة وجمالها قامت الإدارة المحلية ببناء جدار عازل بين المدينة ومقبرتها، كما قامت بتقسيم المقبرة إلى مربعات وحددت طرق المرور فيها ومن ثم بتشجيرها من جميع جهاتها فأصبحت بذلك على غرار المقابر الحديثة.

وشهدت المدينة تطورات عمرانية أخرى استوجبتها مجموعة عوامل، إذ قامت بإجراء بعض التوسيعات في السوق الكبير بعد أن أصبحت حركة المرور والعبور فيه ضيقة ولا تخلو من عسر بسبب تعرجاته وضيق مدخله الذي أخذ يؤثر بشكل مباشر على حركته التجارية ومرور الناس ولاسيما في مواسم الزيارات بعد أن وضعت التصاميم الهندسية الخاصة بذلك. وعند الانتهاء منها باشرت الكوادر الهندسية المختصة فوسعت سوق (القصابين) المتفرع من السوق الكبير من جهته الشمالية، كما قامت في وقت لاحق بإجراء توسيعات أخرى في جهات مختلفة بين النجف وكربلاء الذي تميز بكثرة تعرجاته وتفرعاته التي سببت حوادث كثيرة فشرعت الإدارة المحلية في شهر أيلول 1938م على تسويته وتعبيده ليكون طريقاً واحداً، وخصص لذلك العمل مبلغاً وقدره (750) دينار وبذلك أصبح السير فيه يسيراً على الغرباء الذين طالما ما أضاعوه خلال سيرهم فيه، كما أقيمت على طوله مجموعة من المخافر والخانات فأصبح آمناً من أيدي السراق والقتلة. وقد انتهى العمل فيه نهاية شهر مايس 1939م إذ بدأ سير المركبات عليه ليلاً ونهاراً في الرابع من حزيران من السنة ذاتها.

كما شملت عمليات الأعمار، الطريق البري الذي ربط النجف بمدن الجزيرة العربي الأخرى إذ انتهت أعماله النهائية في شهر ك2 1939م فضلاً عن إصلاح كافة الأضرار الحاصلة فيه من جراء انقطاع السير بسبب تعثر العلاقات السياسية بين حكومة آل سعود والحكومة العراقية. وفي شهر آذار 1935م بنى فيه محجر طبي كبير في منطقة الرحبة خصص لتقديم الخدمات الصحية للحجاج العراقيين وغيرهم، ومن الجدير بالذكر فإن حركة الأعمار شملت مجالات متعددة أخرى ضمن الواقع الخدمي، الصحي، الثقافي وقد عدلنا عن ذكرها هنا لأننا سنتناولها لاحقاً.

وعلى الرغم من حجم التطورات العمرانية في تلك المرحلة إلا أن المدينة ومجتمعها بقت تعاني من مجموعة مشكلات، منها على سبيل المثال فقد شهدت محلة (الأمير غازي الجديدة) عزوفاً من قبل الشرائح الفقيرة عن شراء أراضيها واقتصر ابتياعها على طبقة الميسورين بادئ الأمر فقط.

وبقت فئات المجتمع الأخرى من العمال والفقراء غير قادة على ابتياعها وظلت ساكنة في أكواخ طينية صغيرة مفتقرة لأي نوع من أنواع الحماية ومن أبسط التقلبات المناخية، ومما زاد من حجم المشكلة إذ كان بعضهم متخذاً من أواوين السور السادس مسكناً له. فعندما قامت البلدية بهدمه أصبحوا بعد حين بلا مأوى كما امتنعت الإدارة المحلية للمدينة عن إيجاد المحلات اللازمة لإيوائهم وظلت شرائح أخرى من سكنة المدينة القديمة تعاني من مشكلة عمرانية بسبب عدم مقاومة بيوتهم لأي تغيرات جوية طارئة فضلاً عن معاناتها من جراء تراكم المياه الآسنة في الأزقة نتيجة سقوط الأمطار في فصل الشتاء وانعدام مخازن المياه الخاصة بذلك. وأصبحت الاستعمالات القديمة كـ(الملاجئ والآبار ومخازن المياه الآسنة) عديمة الفائدة بسبب حجم المشكلات الكبيرة التي كانت تسببها وعلى أثرها فقد طالب المختصون بوضع الخطط اللازمة لإصلاح المدينة القديمة وإنقاذ سكانها.

ومن المشكلات العمرانية الأخرى امتداد واتساع حجم المقبرة في الجهة الشمالية من المدينة يوماً بعد آخر مما حد من احتمالية شمولها بالتطورات العمرانية الحاصلة آنذاك في جهات المدينة الأخرى.

1. التطورات والمشكلات الخدمية:

شهدت مدينة النجف الأشرف بين 1933ـ1939م مجموعة من التطورات الخدمية التي تركت أثرها الإيجابي على الواقع الاجتماعي على الرغم من وجود بعض المشكلات إلا أنها لم تقلل من حجم ذلك التطور وسعته واشتركت مجموعة عوامل ساهمت على تقديم أفضل الخدمات كان من أبرزها الإدارة الناجحة لبلدية النجف الأشرف إذ سعت البلدية وبجهد متميز لتنفيذ كل الواجبات الملقاة على عاتقها التي حددها قانون إدارة بلديات المملكة العراقية رقم 84 لسنة 1931م.

والذي ساعد على تنفيذها وتطوير أدائها مجموعة من القائم مقامون المتعاقبين على إدارة المدينة بين 1933ـ1939م فكانت جهودهم متميزة ومترابطة ذكرها المجتمع النجفي في أكثر من مناسبة وموقف بالشكر والثناء، والجدول التالي يبين أسماؤهم ومدة حكم كل واحد منهم:

الاسم

المباشرة

الانفكاك

التفاصيل

شاكر حميد

31/7/1932

1/1/1934

من الذين خدموا العراق بكل نشاط وإدارة حازمة وتولى مناصب عدة إدارية منها قائمقام قضاء النجف الأشرف.

عبد الحميد الدبوني

9/1/1934

17/5/1934

من الذين خدموا المدينة ومجتمعها بكل نشاط وولاء وإخلاص.

خليل عزمي

12/6/1934

28/11/1936

من الإداريين العاملين في المجال الوطني أيام الثورة العراقية الكبرى، وشغل منصب سكرتارية متصرفية لواء كربلاء، وله مقالات أدبية نشرت في الصحف المحلية.

صالح حمام

28/11/1936

30/8/1938

تميزت إدارته بجهود مثمرة على الرغم من انتقاد المجتمع النجفي له بسبب تهديم سور المدينة السادس في 1938م وفي عهده أنشأت محلة (الصالحية).

عبد الله علوان

30/8/1938

19/9/1939

تميزت إدارته بتطور الخدمات في مجالي الماء والكهرباء فضلاً عن الأعمال الخدمية الأخرى.

حسن التكريتي

18/10/1939

11/7/1940

شهدت النجف في عهده إدارة حازمة لمعالجة حالات الجشع عند بعض التجار النجفيين بسبب قيام الحرب العالمية الثانية.

 

وفي تلك المرحلة شهدت المدينة سعي ومبادرة بعض الخيرين من الأهالي جنباً إلى جنب مع بلدية المدينة لإنجاز المشاريع التي ساهمت على رفع حجم المستوى الخدمي وتطوره بعد أن ظل المجتمع النجفي تحت وطأة المعاناة طيلة العقود الماضية التي سبقت مدة البحث بسبب تدني الخدمات في كافة المجالات ومن أهمها الماء والكهرباء.

وساهم بعض التجار الميسورين في العراق وبلاد فارس على تقديم معوناتهم المالية للحد من حجم المعاناة اليومية للمجتمع النجفي، ففي نهاية سنة 1932م قام الحاج (رئيس) أحد تجار مدينة البصرة بالاتفاق مع الحاج (أحمد زكي) ببناء خزانين لخزن المياه في وسط محلة (الأمير غازي) أحدهما حديدي تميز بسعة حجمه تم نصبه على ارتفاع عالي بواسطة ثلاثة أعمدة حديدية والآخر بني من الطابوق والاسمنت قسم إلى ثلاثة أحواض وضعت فيها ثلاث حنفيات استخدمت لسقاية الأهالي عن طريق السقائين الذين كانوا يبتاعون حمل الماء بـ(فلس) ومن ثم بيعه على البيوت بـ(4ـ5) فلوس، أما المعوزين (الفقراء) من أبناء المدينة فكانت سقايتهم منها مجاناً.

وفي مرحلة أخرى وحصراً في شهر آب 1933م قام الحاج (رئيس) والحاج (أحمد زكي) بالشروع في أعمال مد الأنابيب من الأحواض إلى محلات المدينة فضلاً عن الصحن العلوي الشريف إذ وصل إليه الماء في نهاية ت1 1933م ومنه استسقت بعض المطاعم والمقاهي، وأرخ أحد الشعراء النجفيين ذلك الحدث المهم قائلاً:

لعمرك قد أحيى (المعين) بلادنا
وساعده بالسعي (أحمد) ذو العلا
وأوصل من كوفان أرخت (ماءه

 

 

وكانت يبابا كالديار البلاقع
فكان له إذ ذاك أحسن طالع
فأجرى أنابيت الرواقي الشوارع)

 

 

وفي وقت لاحق استلمت الحكومة العراقية ذلك المشروع من أصحابه بداية سنة 1938م وقامت بمضاعفة عدد المكائن واستكمال الخطوات اللاحقة بإيصال الأنابيب إلى جميع المحلات. وفي بداية 24 حزيران 1938م تم إيقاف العمل لمدة قصيرة بسبب نفاذ الأنابيب المكملة للمشروع. وفي بداية شهر تموز من السنة ذاتها استمر العمل مرة أخرى، وفي 17 شباط 1939م انتهت أعمال المرحلة الأولى لمد الأنابيب التي توجهت بوصول الماء إلى محلات المدينة القديمة الثلاث العمارة والمشراق والحويش على أن تستكمل الأعمال الأخرى لإيصال الماء إلى محلتي البراق والأمير غازي في مراحل لاحقة.

وفي السياق ذاته بدأت بلدية النجف الأشرف بأعمال تطوير مشروع الماء الجديد في 10 آذار 1939 إذ وصلت إلى مدينة الكوفة جميع الأنابيب التي التزم بجلبها المتعهد (حسن المخزومي) أحد المتعاقدين مع البلدية وعلى أثرها بدأت الأعمال الأولية لمد الأنابيب من مركز مدينة النجف إلى الكوفة لربطها بأحواض المشروع القديم. وفي 23 مايس 1939 تم البدء ببناء الأحواض الخاصة بتصفية المياه بعد أن يتم سحبها من نهر الفرات ومن ثم تصفيتها لتصبح صالحة للاستخدام البشري ومن ثم إيصالها إلى مركز مدينة النجف الأشرف. وقد تمت أعمالها النهائية عند نهاية آب من السنة ذاتها. فضلاً عن انتهاء أعمال مد الأنابيب في بداية ك1 1939م.

ونتيجة لذلك أبلغت دائرة مشروع الماء الجديد جميع المواطنين في المشتركين في المشروع القديم إلى تقديم طلباتهم إلى دائرة المشروع الجديد، لربط منازلهم بالأنابيب الجديدة وأبلغتهم بأن مبالغ الاشتراك ستكون رمزية ليتسنى لجميع الفقراء والمعوزين على سحب المياه إلى بيوتهم وحددت سعر الاشتراك بادئ الأمر بـ(100) فلس ومن ثم خفضته إلى (75) فلس بعد أن حصلت على الموافقات الرسمية لذلك من متصرفية لواء كربلاء ووزارة الداخلية.

وعلى العكس من التطورات من التطورات الخدمية لمشاريع الماء فقد تراجعت وبشكل نسبي في تلك المرحة التطورات الخدمية لمشاريع الكهرباء، إذ ظلت المدينة حتى نهاية 1934م معتمدة على ماكنة توليد الطاقة الكهربائية التي جلبها التاجر النجفي (أحمد الزكي) إذ اقتصر توزيع الطاقة الكهربائية على المرقد العلوي والشوارع المحيطة به.

وعلى أثر ذلك فقد طلب النجفي من إدارة البلدية بزيادة الإنارة في شوارع المدينة ومحلاتها وبشكل خاص أهالي محلة (الأمير غازي) وبالمقابل قامت البلدية بمطالبة صاحب المشروع بشراء ماكنة أخرى لاستكمال عملية إيصال الطاقة الكهربائية إلى مناطق المدينة كافة، فضلاً عن قيام لجنة الكهرباء التي شكلتها البلدية بالاتفاق مع شركة (ما بين النهرين) وشركة (فارس المحدودة) لجلب ماكنة كهرباء كبيرة قوة (75) حصان لعدم كفاية الماكنتين القديمتين، وعلى أثر ذلك الاتفاق تم شحن الماكنة المذكورة يوم الجمعة 23 ت2 1934م من لندن تقلها الباخرة عربستان.

 وفي بداية 1937م أبرمت البلدية وبوساطة (فرتزبوتمن) عقداً تزود بموجبه المدينة بماكنتين لتوليد الطاقة الكهربائية مع ملحقاتها، سعة الواحدة (160) حصان وفي 1 تموز 1937م وصلت الماكنتان إلى ميناء البصرة.

وعلى أثر ذلك بعثت الشركة الألمانية مهندسها (هنريس) إلى المدينة للإطلاع على المكان المخصص لنصب المكائن الجديدة ودرجة ملائمته ومن الجدير بالذكر فقد تميزت المكائن الجديدة عن سابقتها بخاصيتها على توليد الطاقة الكهربائية من نوع (E. C) في حين كانت القديمة تعطي تياراً من نوع (D. C) لذا اضطرت البلدية إلى تغيير الميزانيات القديمة كما أبلغت أهالي المدينة بتغيير أجهزتهم الكهربائية.

وفي 15 آب 1937م أكملت البناية التي أعدت للمكائن الجديدة وأجهزتها الكهربائية وفي بداية ك1 1938م حولت الحكومة العراقية مبالغ المكائن وأجهزتها باسم بلدية النجف الأشرف إلى وكيل الشركة الألمانية (فرتزبتمن) وتم نقلها من ميناء البصرة إلى المدينة بشكل مباشر. وفي منتصف ك2 1938م وصلت الماكنتين وأجهزتها الملحقة بها ومن ثم تم نصبها على جدول (الأمير غازي) كما وصلت في بداية ت2 1938م صناديق الأسلاك الكهربائية التي تعاقدت عليها بلدية النجف الأشرف في وقت سابق مع الشركة المذكورة.

وفي بداية ك2 1939م أرسل وكيل الشركة الألمانية (فرتزبوتمن) 14 مهندساً توزعوا ا بين مدن الحلة وكربلاء والنجف للشروع في نصب الأعمدة الكهربائية ومد أسلاكها إلى محلات المدينة وبيوتها كما تم شمول ناحية الكوفة بالطاقة الكهربائية الجديدة، إذ اقتصرت على تشغيل مضخة الماء وإنارة المدينة. وفي مطبع آب 1939م شرعت البلدية بإجراء الترتيبات اللازمة لإقامة مشروع الماء والكهرباء وفق ضوابط إدارية وفنية صحيحة، إذ قامت في 15 آب 1939م بتعيين الهيأة المشرفة على أعماله فنياً ممن مارسوا مثل تلك الأعمال في وقت سابق وأبلغت الأهالي على تقديم طلباتهم ودفع التأمينات الخاصة لتزويدهم بالطاقة الكهربائية للدور والمحلات مقابل بدل اشتراك قيمته لا تتجاوز (500) فلس. وفي يوم الأربعاء 30 آب 1939م بدأت الأعمال الخاصة بنصب الأسلاك الجديدة كما تم تعليق المصابيح طبقاً للخرائط الجديدة وكان المرقد العلوي الشريف نقطة البداية لأعمال المشروع الجديد.

وفي خطوة لاحقة وتحديداً في نهاية شهر آب 1939م بدأت إدارة المشروع بإيصال القوة الكهربائية الجديدة إلى محلة (الأمير غاري) ومن ثم إلى محلات المدينة الأخرى. وفي نهاية الأسبوع الأول من أيلول 1939م تمت آخر أعمال إيصال الطاقة إلى محلة المشراق وإيقاف جميع المكائن الكهربائية القديمة.

وتميزت الماكنات الكهربائية الجديدة وأجهزتها بأنها مقسمة إلى 35 آلة كانت تدار بساعة أوتوماتيكية ومن ميزاتها الأخرى كانت تولد الكهرباء في وقت محدد عند غروب الشمس ومن ثم تقطع طاقتها الكهربائية في وقت محدد قبيل شروقها، ومن أجل تلافي المشكلات الناتجة عن الإطفاء والتشغيل بصورة أوتوماتيكية كالحريق، قامت إدارة المشروع بتوزيع أجهزة الحماية الخاصة على البيوت لتلافي مثل تلك الحوادث.

وفي السياق ذاته وبناءً على أمر وزارة الداخلية قامت إدارة المشروع بتخصيص قوة كهربائية قدرها 5 كيلو واط لجميع المساجد التي لا ملك لها وغير مرتبطة بدائرة الأوقاف، كما قامت بوضع المقاييس اللازمة لذلك من أجل حصر الاستهلاك حسب الكمية المخصص، ومن جانبها قررت إدارة مشروع الماء والكهرباء الجديد بتجهيز أصحاب الحوانيت الضعفاء بالقوة الكهربائية من دون وضع المقاييس الكهربائية في حوانيتهم.

وفي مجال آخر من التطورات الخدمية لم تشهد المدينة في تلك المرحلة ضمن مجال الخدمة البريدية إلا تغييراً طفيفاً إذ ظلت الخدمة البريدية على حالها كما في مرحلة عشرينات القرن الماضي، فعلى سبيل المثال وحصراً في نهاية ك2 1935م قررت الإدارة المحلية لمدينة النجف الأشرف بإجراء الترميمات على المستشفى الحكومي القديم لاستخدامه مقراً جديداً لدائرة البريد والبرق.

وفي نهاية شباط 1935م انتقلت إدارة البريد والبرق إلى مقرها الجديد ومن خلاله قامت بتوزيع أرقاماً داخلية لمجموعة من الدوائر الرسمية وبعض المؤسسات الأهلية كما يبينه الجدول التالي:

اسم الموقع

نوعه

المنطقة التي يقع فيها

رقم الهاتف

القائمقام

حكومي

شارع السراي

4

خفر شرطة النجف

حكومي/ أمني

شارع الحيدري

7

معاون الشرطة

حكومي/ أمني

محلة الأمير غازي

18

البلدية

حكومي/ خدمي

مدخل السور السادس بوابة الكوفة

56

مشروع الماء والكهرباء

حكومي/ خدمي

محلة الأمير غازي

9

مكائن الكهرباء

حكومي/ خدمي

محلة الأمير غازي

259

المستشفى الملكي

حكومي/ صحي

محلة الأمير غازي

5

مستوصف المعارف

حكومي/ صحي

محلة الأمير غازي

281

المستوصف الملكي

حكومي/ صحي

محلة العمارة

35

دائرة مأمور البريد

حكومي/ خدمي

الميدان

205

مفتش البرق والبريد

حكومي/ خدمي

الميدان

206

مراقب الهواتف

حكومي/ خدمي

الميدان

207

فحص الهواتف

حكومي/ خدمي

الميدان

209

البرقيات

حكومي/ خدمي

الميدان

210

محل تكلم الأهليين

حكومي/ خدمي

الميدان

106

جمعية الرابطة العلمية الأدبية

أهلي/ ثقافي

محلة الأمير غازي

1

جمعية منتدى النشر

أهلي/ ثقافي

محلة البراق

21

مدرسة الغري

حكومي/ ثقافي

محلة المشراق

96

مدرسة الغفاري

حكومي/ ثقافي

محلة المشراق

3

مدرسة الحيدرية

حكومي/ ثقافي

محلة الأمير غازي

5 مشترك

مدرسة السلام

حكومي/ ثقافي

محلة العمارة

6

مطبعة الغري

أهلي/ ثقافي

شارع السدير

273

مطبعة الحيدرية

أهلي/ ثقافي

شارع النادي/ محلة الأمير غازي

368

صحيفة الهاتف

أهلي/ ثقافي

شارع الهاتف

27

مجلة الغري

أهلي/ ثقافي

شارع الغري

26

 

ومن الخدمات البريدية الأخرى التي قدمتها دائرة البريد والبرق في تلك المرحلة فقد قدمت في نهاية مايس 1937م بفتح صندوق للتوفير الذي شهد إقبالاً متزايداً من شرائح المجتمع النجفي. أما الجوانب الخدمية الأخرى كالصحة فقد شهدت هي الأخرى تطوراً ملحوظاً، إذا أخذنا بنظر الاعتبار السنوات السابقة في مرحلتي الاحتلال والانتداب البريطاني التي عاش في خضمها المجتمع النجفي سوء الخدمات وعلى وجه الخصوص الصحية منها والتي ساعدت على ظهور حالات من السحر والشعوذة وممارسة أساليب الطب البدائية

وأولى التطورات الصحية التي شهدها المجتمع النجفي تمثلت في إنشاء المستشفى الملكي في 10 آذار 1933م ذات الخدمات الصحية المتطورة وشهدت المدينة عناية صحية من الطبيبين الرسميين ومن ثم أضيف إليهم الطبيب (زكي أباظة) وسجلت الإحصاءات الطبية لشهر تموز 1934م في مدينة النجف أعداد المرضى الذين راجعوا العيادة الخارجية للمستشفى الملكي التي بلغت 5476 مريضاً ومن كلا الجنسين، كما سجلت عدد المرضى الذين أدخلوا فيها لغرض الاستشفاء والذين بلغوا 78 مريضاً، فضلاً عن الحالات المرضية الأخرى التي استوجبت معالجتها بشكل منفرد، إذ بلغت خمس حالات تنوعت ما بين (السعال ألديكي والحصبة والزحار).

 وفي آذار 1938م تم تعيين الطبيب (عبد الحميد شلاش) في المستشفى الملكي. كما شهدت المدينة انتقال الطبيب (عبد اللطيف السادات) بعد انتهاء عقده في مستشفى الفيصلية المركزي في ناحية الفيصلية (المشخاب حالياً). كما قام بفتح عيادته الخاصة في محلة المشراق التي شهدت إقبالاً كبيراً. وفي نهاية مايس 1938م شهدت المدينة إقبال الطبيب (مصطفى الروماني) الذي فتح عيادته في محلة البراق وفي 10 ت1 1939م على أثر الزيارة التي قام بها متصرف (محافظ) لواء كربلاء (جعفر حمندي) إلى المدينة أصدر أمراً إلى رئيس صحة اللواء للمباشرة بنفسه على إجراء الفحوصات الدقيقة والوصول إلى نتائج مرضية لمعالجة مرضى البلهارزيا والملاريا الذين أصبحوا بأعداد هائلة فضلاً عن تخصيصه طبيب جراح إلى المستشفى الملكي كما أمر بنقل خدمات الطبيب (حمدي النطاسي) من مستشفى اللواء إلى المستشفى الملكي في النجف الأشرف.

ونتيجة للإقبال المتزايد الذي شهدته المستشفى الملكي، قامت دائرة صحة المدينة بتنظيم المستشفى بشكل أفضل تماشى مع حجم الأعداد الكثيرة للمراجعين، لتقديم أفضل الخدمات الصحية وفق المتطلبات العصرية وخصصت يوم الخميس من كل أسبوع لإجراء العمليات الجراحية من قبل رئيس صحة اللواء كما راعت دائرة صحة المدينة الطبيعة الدينية للمجتمع النجفي، ونتيجة لتزايد أعداد مدارس البنات، فقد طالبت صحة المعارف في اللواء على تخصيص ممرضة إلى تلك المدارس. كما خصصت لمدارس البنين الطبيب (محمد العيد) لإجراء الفحوصات الطبية لجميع طلاب المدارس، ومن ثم إصدار الشهادات الصحية التي خولتهم لدخول المدارس أولاً وحمايتهم من كافة الأمراض ثانياً ولزيادة حجم الخدمات الصحية لطلبة المدارس ثالثاً بعد أن سجلت 312 حالة إصابة بمرض البلهارزيا. وفي وقت سابق أرسلت صحة المعارف طبيبها (زكي موسى) في 23 حزيران 1937م الذي اتخذ من بناية الثانوية مقراً له لمعالجة الطلبة المصابين بالملاريا وغيرها، فضلاً عن تخصيص جناح خاص للطبابة الطلابية في المستشفى الملكي بعد أن عينت (صادق علاوي) طبيباً عليه في أوائل شهر ت1 1938م. وفي نهاية ك1 1938م تم تعيين الطبيب (شفيق إيمو) مديراً للمستشفى الملكي بدلاً من الطبيب (محمد زكي أباظة) الذي تم نقله إلى مدينة خانقين، كما تم تعيين الطبيب (حسن أفضل) بعد أن أنيطت إليه مهام إدارة المستوصف الصحي الواقع في محلة العمارة، ومن أجل القضاء على الأمراض المعدية كالملاريا والبلهارزيا والسعال ألديكي… الخ اهتم الطبيب المركزي (محمد زكي أباظة) باستخدام الوسائل الكفيلة لمكافحة تلك الأمراض من خلال تشكيل فريق عمل صحي لتنفيذها، واتخذت الإجراءات اللازمة عن طريق توزيع حبات (الكنين) على البيوت النجفية، وطلبوا من أهلها بتناولها بقصد الوقاية من تلك الأمراض التي أصابت أعداداً كبيرة من المجتمع النجفي. كما أوعزت إدارة صحة المدينة إلى البلدية بردم الحياض المتعفنة ووضع الأسلاك الدقيقة على الآبار لمنع خروج البعوض إلى المحيط الخارجي.

وفي السياق ذاته قامت الإدارة المحلية في المدينة بتشكيل لجنة مشتركة ضمنت منتسبوا الأوقاف والبلدية والشرطة للإشراف على حرق التوابيت المتروكة في كل أسبوع وتشديد المراقبة على الطرق اللازمة لحفظها من النجاسات، كما طلبت اللجنة من الطبابة المركزية بوجوب إصدار نشرات صحية في كل شهر وتوزيعها على البيوت مجاناً لزيادة ثقافة المجتمع النجفي صحياً، وعلى أثرها أصرت إدارة الصحة المركزية أربع نشرات الأولى خصصت لأهل المطاعم احتوت على 9 مواد، والثانية لأرباب الفنادق واحتوت على 7 مواد، والثالثة للبقالين وباعة الألبان واحتوت على 8 مواد، والرابعة خاصة بالحمامات وفيها 7 مواد. كما قامت تلك اللجنة بمراقبة المهن كالبقالين والحلاقين وأرباب المطاعم والقصابين وباعة الخضروات فضلاً عن الحمامات وبعض الدور.

ومن جانبها أبلغت صحة المدينة إدارة البلدية بوجوب تغيير مواعيد تنظيف المدينة كنسها في النهار والليل حفاظاً على صحة المجتمع، كما قامت البلدية في الأسبوع الأول من تموز 1938م بابتياع سيارة خصصت لرش الطرق والشوارع الرئيسة، فضلاً عن قيامها بسكب النفط الأسود في حياض البيوت ومخازن المياه الآسنة والإشراف على مياه الشرب وتعقيمها بمادة الكلورين.

ومن التطورات الخدمية المهمة في تلك المرحلة ومن أجل المحافظة على سلامة المجتمع من خطر الحرائق، أبلغت البلدية أصحاب محلات بيع الحطب بوجوب نقل محلاتهم إلى خارج المدينة السكنية التي سببت الكثير من حوادث الحريق. ومن الخدمات البلدية الأخرى فقد ألغت بلدية النجف الأشرف رسوم الخضروات الواردة إلى المدينة كما ألغت استيفاء أرضية الأحطاب من الأحمال الواردة على ظهور الحيوانات كما أعلنت في وقت سابق عن تخفيضها لرسوم الأرائك في المقاهي من 50 إلى 25 فلس والكراسي من 15 إلى 10 فلوس، فضلاً عن الخدمات الأخرى المقدمة من جميع المؤسسات الحكومية وفي مراحل متفرقة من السنة مثال ذلك الأعياد والمناسبات الدينية ونتيجة لتلك التطورات الخدمية فقد صنف قانون البلديات الآنف الذكر بلدية مدينة النجف الأشرف من الدرجة الأولى.

وعلى الرغم من تلك الخدمات المقدمة للمجتمع النجفي إلا أنه بقي عرضة لكثير من لمشكلات التي أهملها ذلك التطور، ومنها على سبيل المثال فقد عانت محلة الأمير غازي منذ تأسيسها حتى نهاية سنة 1934م من انتشار أكواخ أصحاب الجاموس الذي تميز بطبعه الشرس الذي أثر بشكل مباشر على حركة المارة وساكني تلك المحلة وعلى أثر ذلك طالب شرائح مختلفة من المجتمع النجفي الجهات المسؤولة لتخصيص أماكن معزولة لسكنى أصحاب الجاموس.

ومن المشكلات الخدمية الأخرى في تلك المرحلة شحة المياه على الرغم من المشاريع الخدمية في مجالي الماء والكهرباء نتيجة اتساع المدينة عمرانياً مما أثر على عدم قدرة السقائين الموجودين في المدينة بتلبية حاجتها من الماء كما إن حمل الماء أخذ بالارتفاع قياساً مع قيمة أسعاره في السنين الماضية فأصبح سعره 8 فلوس بعد أن كان لا يتجاوز (4ـ5) فلوس، وعلى الرغم من قلة ذلك المبلغ وضآلته إلا أن بيوتات كثيرة ظلت لا تستطيع دفعه، فضلاً عن قيام بعض السقائين بنقل الماء مباشرة من جدول الأمير غازي الذي كان غير صالحاً للشرب، تفادياً من دفع أسعار شراءه من أحواض البلدية المتميزة بحماية صحية كاملة، كما أن هناك عوامل أخرى ساهمت على قلة الماء وشحته بسبب الانقطاعات المستمرة للمياه عن مركز المدينة بسبب رداءة الأنابيب الناقلة للمياه من مدينة الكوفة إلى النجف الأشرف التي كان معظمها تالفاً بسبب غياب عمليات الصيانة المستمرة عنها.

ونتيجة لذلك فقد ساهمت شحة المياه وتنوع مصادر الحصول عليها التي كانت خارج نطاق الرقابة الصحية إلى تعرض الكثير من شرائح المجتمع النجفي للإصابة بالأمراض المزمنة والخطيرة وخير دليل على ذلك الإحصاءات المسجلة في المستشفى الملكي في آب 1939م.

ومن جراء تلك الممارسات الخاطئة وغيرها وعلى الرغم من الحملات الصحية المستمرة التي كانت تنفذها الكوادر الصحية التابعة للقضاء وخارجه إلا إن فئات كثيرة من المجتمع النجفي ظلت تعاني وبشكل متنام من الإصابة بأمراض كثيرة وخطرة مثل الملاريا والبلهارزيا والسعال ألديكي… الخ حتى وصلت نسبتها في أحيان كثيرة إلى (10%) من نفوس المدينة أو زادت عليها.

ومما ساعد على زيادة تلك النسبة ونموها سرقة الأدوية والأجهزة الطبية من المستشفى الملكي وبيعها بالسوق السوداء من الطبيب (محمد زكي أباظة) وعلى وجه الخصوص في سنة 1939م وقد اكتشفت السلطات الأمنية والأجهزة الرقابية تلك الأفعال في وقت متأخر من سنة 1939م مما أدت إلى معاقبته ونقله إلى مدينة خانقين كما مر بنا سابقاً.

ومن المشكلات الخدمية الأخرى وعلى وجه الخصوص في فصل الشتاء كثرة الأوحال والطين في معظم شوارع المدينة بسبب الأمطار وعدم وجود مخازن المياه الخاصة لتصريفها، كما بقيت أنظار البلدية بعيدة عن الزقاق الذي كان يطلق عليه بـ(الزقاق الجايف) المتميز بقدمه التاريخي منذ العهد العثماني الأخير (1831ـ1914م) حتى غدا مرمى قذارات السوق والمياه الفائضة من البيوت، فأصبح مملوءاً بالروائح النتنة والمكروبات كما عانت المدينة من الفيضانات المستمرة لنهر الفرات والأضرار الناتجة من جرائها على المدينة مجتمعها، إذ كانت تخلف المستنقعات في الأراضي القريبة من المدينة ـ جهة البحر ـ وما كان ينتج عنها من أضرار صحية نتيجة مجمعات البعوض والحشرات الأخرى الناقلة للأمراض المعدية كالملاريا والبلهارزيا فضلاً عن الأضرار المادية الحاصلة للبساتين والأراضي الزراعية الواسعة، كما إن الفيضانات كانت السبب في إشغال أكثر من جهة حكومية بسبب أخذ الاحتياطات لذلك الحدث من بداية وقوعه حتى وقت زواله.

ثانياً: التطورات السياسية في العراق وموقف النجفيين منها:

واجهت المجتمع النجفي مجموعة من التطورات السياسية خلال السنوات (1933ـ1939م) وما قبلها فقد كان لزاماً عليه بممارسة مسؤولياته التاريخية اتجاهها كان أولها وفاة الملك فيصل الأول.

1. موقف النجفيين من وفاة الملك فيصل الأول وتنصيب الأمير غازي ملكاً على العراق:

على أثر وفاة الملك فيصل الأول توالت الأزمات السياسية الواحدة تلو الأخرى بسبب غياب القائد المؤهل لقيادة تلك المرحلة ونتيجة لذلك الحدث عاشت مدينة النجف الأشرف أيام حزينة عبرت عنها من خلال الاحتفالات التأبينية التي أقامها المجتمع النجفي بكل فئاته، فضلاً عن المؤسسات الرسمية والأهلية. وإن ما قام به النجفيون في حينها اتجاه ملكهم الراحل دلت عليه مجموعة أسباب كثيرة كانت وراء تلك المشاعر الوطنية الصادقة. كما عبرت النخبة المثقفة في المدينة وخارجها عن أسفها لذلك الحدث من خلال مقالاتهم المنشورة في مجلة (الاعتدال) والمعبرة عن مشاعر المجتمع النجفي بصغيره وكبيره، وقد بين أصحابها الدور الذي قام به الملك فيصل الأول لتأسيس الدولة العراقية الحديثة وإرساء دعائمها من خلال بناءه لمؤسسات عصرية وبذل جهوداً دبلوماسية لدعم موقف العراق بوصفه دولة مستقلة ذات سيادة في علاقتها الخارجية وذلك الأمر لم يكن غائباً عن إدراك وإعجاب ساسة القرن وأولهم البريطانيون، كما تناولوا اهتمامات الملك الراحل العمرانية في المدن المقدسة وأولها النجف الأشرف من خلال زياراته المستمرة التي كان آخرها في آب 1932م فضلاً عن مواقف وطنية لاحقة وعلى وجه الخصوص عند اعتلاء الأمير غازي عرش المملكة العراقية خلفاً لوالده.

2. موقف النجفيين من وزارتي المدفعي الأولى والثانية:

اتخذ النجفيون موقفاً مضاداً من وزارتي المدفعي الأولى والثانية ولم يلق أي موقف إيجابي منهم إذ عمل أهالي النجف الأشرف جاهدين ومنذ بداية تأسيسها على وضع الخطط اللازمة والكفيلة لإسقاطها كما سعى الشباب النجفي المثقف على استغلال أي فرصة مؤاتية لإظهار تلك المعارضة فقرروا اعتماد ذكرى يوم 30 حزيران 1934م للقيام بتظاهرة كبيرة وحاشدة هدفها المعلن تخليد التضحيات التي قدمها شهداء ثورة العشرين التي مر عليها 14 سنة وذلك عن طريق إلقاء القصائد والخطب إحياءً لها ولشهدائها ومن ثم التنديد بالوزارة وإظهار مساوئها.

وعلى أثر ذلك عندما علمت السلطات المحلية بتلك النوايا عملت على منع إقامة تلك الممارسات وعدتها مخالفة لقانون الاجتماعات، وقد عجزت السلطات المحلية في المدينة عن معالجة الموقف بعد أن أعلن بين الناس إن الاحتفال سيقام صباح يوم 30 حزيران ومكان انعقاده في الصحن العلوي الشريف وكرد فعل أولي اتصل القائمقام (خليل عزمي) بمتصرف اللواء واصفاً له الحال وطلب منه الحضور في النجف الأشرف واصطحاب مدير شرطة اللواء معه لمحاولة إحباط إقامة تلك التظاهرة والنيل من زعمائها، وسعى المتصرف في أول خطوة قام بها لإقناع رجال الدين بضرورة إبلاغ أولئك الشباب بمساوئ تلك الأعمال وضرورة العدول عن إقامة تلك التظاهرة إلا أنه فشل في مساعيه، فبادر للاتصال برئيس الوزراء بواسطة الهاتف مبيناً له طبيعة الوضع في النجف الأشرف وبشكل مفصل ومن ثم استشاره في طبيعة الإجراءات التي سيتخذها، وفي خطوة لاحقة طلب المتصرف الإطلاع على القصائد والخطب المهيأة لتلك المناسبة وعند الاطلاع عليه وجد فيها الكثير من المعاني والعبارات التي ستؤدي إلى هيجان المجتمع وفقدان السيطرة عليه. وفي صبيحة يوم 30 حزيران 1934م احتضن الصحن العلوي الشريف آلاف الحضور وبقيادة العديد من رجال الدين وبدأ الاحتفال بقراءة سورة الفاتحة على أرواح شهداء الثورة العراقية الكبرى سنة 1920م ومن ثم ألقيت الخطب الحماسية والقصائد المنددة بسياسة الوزارة المدفعية الأولى والثانية وإجراءاتها وعلى أثر ذلك قامت السلطات المختصة باعتقال مجموعة من المحامين واتهمتهم بالتحريض لتلك التظاهرة.

3. موقف النجفيين من وزارتي علي جودت الأيوبي الأولى والمدفعية الثالثة:

على أثر استقالة الوزارة المدفعية الثانية تم تكليف رئيس الديوان الملكي (علي جودت الأيوبي) من الملك غازي بتشكيل الوزارة، وفي أول خطوة سعت الوزارة الجديدة إليها هي حل المجلس النيابي في 14 أيلول 1934م وإجراء انتخابات جديدة لتشكل مجلس نيابي جديد بوصفها خطوة كان الغرض منها إبعاد معارضيها من أعضاء حزب (الإخاء الوطني) وأنصارهم من زعماء العشائر المتنفذين، وتميزت تلك الانتخابات بتدخل حكومي واضح إذ أسفرت نتائجها عن حصول الأيوبي على الأغلبية في المجلس الجديد، وبذلك تحققت الأهداف المرسومة مسبقاً ومن جراء ذلك خسر رؤساء العشائر مراكزهم في المجلس النيابي الجديد، وكرد فعل أولي دعوا إلى حمل السلاح وعقدوا اجتماعهم الأول في النجف. وتمخض ذلك الاجتماع عن مذكرة رفعوها إلى الشيخ (محمد الحسين كاشف الغطاء) طلبوا منه الوقوف إلى جانبهم ضد إجراءات الحكومة وتدخلها في شؤون الانتخابات ولاقت تلك المذكرة استحسان وتأييد الشيخ (محمد الحسين كاشف الغطاء) كانت نتيجتها إقامة مؤتمر ديني عقد في داره في 11 ك2 1935م حضره أكثر من 150 رئيساً من القبائل المعارضة لسياسة الحكومة، وفي ذلك المؤتمر قرر الشيخ (محمد الحسين كاشف الغطاء) الموافقة على جميع المقترحات التي قدمها الزعماء في مذكراتهم وطلب الشيخ (محمد الحسين كاشف الغطاء) من المجتمعين كافة بوجوب دعم مجلسي النواب والأعيان في دفاعهم عن الدستور والمطالبة بحقوق الشعب، وفي نهاية المؤتمر حمل شيوخ العشائر 9 مضابط وقدموها إلى الملك غازي عند اجتماعهم به في 14 ك2 1935م ونتج عن تلك الأحداث إلى تقديم الوزارة الأيوبية استقالتها إلى الملك فقبلها.

ومن أجل إنهاء حدة التوترات السياسية قرر الملك إسناد الوزارة الجديدة إلى (ياسين الهاشمي) مقابل مجموعة شروط قوبلت بالرفض فاضطر الملك تكليف (جميل المدفعي) لتشكيل الوزارة الجديدة، وعلى الرغم من استقالة الوزارة الأيوبية وتشكيل الوزارة المدفعية الثالثة إلا أن العشائر المعارضة استمرت برفضها للوزارة الجديدة بدعوى أنها لا تختلف عن سابقتها في كل شيء.

ونتيجة لذلك قرر رئيس الوزراء استخدام القوة العسكرية، وأعطيت الأوامر إلى ستة أفواج عسكرية بالحركة من مقرها في بغداد في 13 آذار 1935م والذهاب إلى مناطق الأحداث وعند وصولها توزعت بين مدن السماوة والديوانية وأبي صخير والحلة فضلاً عن ذلك قررت الوزارة المدفعية ضرب العشائر وعلى وجه الخصوص عشيرة (آل فتلة) في الفيصلية إلا أن ذلك الطلب لقي رفضاً من رئيس أركان الجيش (طه الهاشمي) مبرراً ذلك بتخوفه من زحف العشائر الثائرة إلى مدينة أبي صخير واحتلالها وما بعدها مدينة النجف وعندئذ ستواجه القوات الحكومية صعوبة في إخراجها إلا بعد تقديم التضحيات اللازمة لذلك، كما قرر مجلس الوزراء الاستعانة ببعض رؤساء العشائر الموالية له واستخدامهم ضد العشائر المنتفضة، ومن جانبه قام الملك غازي في 13 آذار 1935م بإرسال وزير المعارف إلى النجف الأشرف لتهدئة الأوضاع القائمة ومنها تم إرسال مجموعة رسائل إلى (عبد الواحد سكر) وبعض رؤساء العشائر الثائرة، ورداً على ذلك الموقف الذي قام به الملك غازي أرسل النجفيون رسائل إلى رئيس الديوان الملكي طلبوا منه إبلاغ الملك شكرهم والنظر إلى الموقف بعين كما كان والده المغفور ينظر بها، كما تلقى الملك من الشيخ (محمد الحسين كاشف الغطاء) جاء فيها (كيان العراق المقدس في الحال الحاضر مهدد بالأخطار الهائلة، يلزم توقيف الحركات عسى أن يحصل بالإصلاح الصحيح الذي يحفظ سلامة الشعب والبلاد). وفي عصر يوم 15 آذار 1935م أعلنت النجف الأشرف احتجاجاً في صحن الإمام علي(ع) وألقيت الخطب الحماسية التي عبرت عن لسان حال المجتمع النجفي ومن ثم خرج المتظاهرون من الصحن العلوي متجهون صوب بناية الحكومة وأثر ذلك حدثت مصادمات مع قوة من الشرطة التي اضطرت للانسحاب داخل البناية، بعدها ذهبت الجماهير الغاضبة صوب دار القائمقام (خليل عزمي) وأضربت المدينة بكاملها فلا بيع ولا شراء، ومن جانبه رفض الملك غازي المصادقة على قرار الوزارة القاضي بضرب العشائر الثائرة، وقد فسر المدفعي ذلك الرفض إن وزارته أصبحت غير مرغوب بها بعد أن عجزت عن إيجاد الحلول البديلة لحل المشكلة فاستقالت في 15 آذار 1935م فاضطر الملك باستدعاء زعيم المعارضة (ياسين الهاشمي) وكلفه بتشكيل الوزارة الجديدة.

4. موقف النجفيين من وزارة ياسين الهاشمي الثانية:

سعي (ياسين الهاشمي) في وزارته الثانية كخطوة أولى لإعادة الاستقرار والقضاء على كل حركات التمرد في منطقة الفرات الأوسط، إذ دعا في بيان له في 18 آذار 1935م العشائر الثائرة إلى ترك المظاهر المسلحة بعد أن أوعدهم بإجراء الإصلاحات اللازمة.

لم تلق تلك الوعود آذان صاغية من العشائر المعارضة للوزارة الجديدة، ففي 22 آذار 1935م أرسلت تلك العشائر برقية إلى الملك غازي أبدت فيها قلقها من الوزارة الجديدة واتهموها بأنها تلاعبت بمقدرات الأمة للحصول على أغراضها الشخصية وطالبوه باختيار الأشخاص القادرين على تنفيذ الوعود المعلنة. وفي الوقت نفسه جرى اتصال هاتفي ما بين رؤساء العشائر المعارضة للوزارة الهاشمية و(عطية أبو كلل) لاستعراض آخر التطورات السياسية واتخاذ السبل الكفيلة للتعامل معها فطالبهم (عطية أبو كلل) بالالتزام جانب السكينة والهدوء خدمة للمصلحة الشرعية. وفي 25 آذار 1935م عثرت شرطة النجفي على منشور بعنوان (ميثاق النجف) احتوى (12) بنداً صيغت من شيوخ العشائر ومجموعة من المحامين وبموافقة الشيخ (محمد الحسين كاشف الغطاء) وعلى أثرها طالب رئيس الوزراء بإجراء التحقيقات اللازمة بشأن المطبعة التي طبعت البيان وعن جنسية صاحبها.

رفض الشيوخ المؤيدين للوزارة الهاشمية الثانية التوقيع على (ميثاق الشعب) بعد أن استدعاهم الشيخ (محمد الحسين كاشف الغطاء) إلى النجف فاعتذروا عن المجيء ماعدا (فريق مزهر الفرعون) الذي أجرى اتصالاً هاتفياً مع (عبد الواحد سكر) في 30 آذار 1935م وطالبه بالمجيء إلى النجف الأشرف وقد لبى الشيخ عبد الواحد ذلك الطلب وحضر إليها ليلة 1 نيسان 1935م كما طلب من الشيخ (محمد الحسين كاشف الغطاء) تخفيف (4) مواد من الميثاق إلا أنه رفض ذلك الطلب مصراً على تنفيذ البنود كاملة، وفي 26 نيسان 1935م أفتى الشيخ بحرمة الانتماء إلى الأحزاب لأنها أهلكت البلاد.

وحاول الشيوخ الموالون للحكومة تغيير رأي الشيخ (محمد الحسين كاشف الغطاء) وطلبوا وساطة (محمد جعفر أبو التمن) لعلاقته الطيبة به وقد وافق أبو التمن على ذلك الطلب وسافر إلى النجف في 8 نيسان 1935م ومن ثم إلى كربلاء للقاء الشيخ (محمد الحسين كاشف الغطاء) وإقناعه تعديل بعض مواد الميثاق أو إلغائها ولكن المحاولة باءت بالفشل

وفي تطورات سياسية لاحقة تم اعتقال وكيل الشيخ (محمد الحسين كاشف الغطاء) في الرميثة (أحمد أسد الله) في 6 مايس 1935م بحجة دعوته قبائل الرميثة لإعلان الثورة ضد وزارة الهاشمي، كما قررت الحكومة إسقاط الجنسية العراقية عنه، وكرد فعل على ذلك الحادث قامت العشائر بزعامة (خوام العبد) رئيس عشيرة بني زريج في الرميثة بمهاجمة مقر الحكومة وسكة القطار فضلاً عن قطعها أسلاك الهاتف وذلك في 7 مايس 1935م وعلى أثرها أرسلت كتاباً إلى الشيخ (محمد الحسين كاشف الغطاء) شرحت فيه ملابسات الحادث.

ونتيجة لذلك قام الشيخ (محمد الحسين كاشف الغطاء) برفع مذكرة احتجاج إلى الملك غازي بين فيه سوء الإجراءات التي استخدمتها الحكومة والتي أدت إلى تلك الأعمال، ورداً على الاحتجاج أصدرت الحكومة قراراً تضمن إعلان الأحكام العرفية في منطقة الرميثة والمناطق المحيطة بها بعد أن حشدت القوات ومن ثم قصفها بالطائرات فاستسلم الثوار ودخلت القوات الرميثة في 17 مايس 1935م.

ورداً على تلك العمليات أصدرت مدينة النجف منشوراً بعنوان (نداء حار) في 12 مايس 1935م وفي ذيله توقيع باسم (صدى الثوار في النجف الأشرف) وفيه دعوة الناس إلى الجهاد ضد إجراءات الحكومة الهاشمية في منطقة الرميثة، وفي 13 مايس 1935م عم الإضراب في أنحاء المدينة بعد وصول الجنائز من الرميثة فضلاً عن ذلك وقفت النجف مع مدن المنتفك وسوق الشيوخ والمدينة والديوانية في انتفاضتها ضد قانون التجنيد الإجباري، إذ أعلن الإضراب العام وأصدر الشيخ (محمد الحسين كاشف الغطاء) بياناً طالب فيه الحكومة الهاشمية بإلغاء قرارها، وفي 24 مايس 1935م طالب رجال الدين في النجف الأشرف الملك غازي بإصدار عفواً عاماً عن كل المشاركين في أحداث الفرات الأوسط وبناءً على ذلك أصدرت الحكومة العراقية في 7 أيلول 1935م عفواً عاماً عن كل شخص اشترك في أعمال التمرد بين تاريخي (15 ك1 1934ـ2 حزيران 1935م). ومن الجدير بالذكر فقد علل (إسحاق نقاش) في كتابه (شيعة العراق) إن من العوامل الرئيسة وراء تلك الانتفاضات التي حدثت في منطقة الفرات الأوسط القرار الذي أعنه (ياسين الهاشمي) بمنع إقامة الشعائر الدينية في العاشر من شهر محرم الحرام.

ومن المشكلات السياسية التي واجهها المجتمع النجفي في تلك المرحلة إعلان الحكومة العراقية خبر موت الملك غازي نتيجة الحادث المفاجئ الذي تعرض له ليلة 4 نيسان 1939م وعلى أثره أقام النجفيون عشرات الحفلات التأبينية وعلى كافة المستويات الحكومية والأهلية، إذ ذكرت صحيفة الهاتف في عددها 163 الصادر في 14 نيسان 1939م إن محررها عجز عن إحصائها كما أولت الصحافة النجفية الأخرى عناية فائقة لرحيل الملك فقد نشرت في أعدادها الصادرة في تلك السنة ما جرى من احتفالات تأبينية فضلاً عن ما ألقي فيها من خطب وكلمات وقصائد شعرية نشرت 65 منها.

5. موقف النجفيين من التطورات السياسية العربية والعالمية:

تميزت مدينة النجف بين (1933ـ1939م) بامتلاكها حساً قومياً مؤثراً عبرت عنه بمواقف شتى إذ كان لها صدى فتوائي ونغم أدبي موجه مع كل المستجدات والأحداث السياسية التي واجهها المجتمع العربي وكانت سباقة لإعلان مواقفها اتجاه تلك التطورات وبدرجات متفاوتة كل حسب أهميته، فعلى سبيل المثال ظل المجتمع النجفي وبمباركة علمائه مستمراً في إقامة الاحتفالات في يوم 9 شعبان من كل سنة ابتهاجاً بذلك اليوم العظيم الذي أطلق عليه النجفيون (عيد النهضة العربية) وعدوه موروثاً اجتماعياً وعيدهم القومي واختارت النجف الأشرف لنفسها طريقاً للاندماج بالمسار القومي عن طريق القضية الفلسطينية التي أخذت حيزاً مهماً من اهتمامات جميع طبقاته. وظهرت تلك المواقف إلى حيز الوجود عندما شرعت اللجان البريطانية في أواخر سنة 1935م بوضع مشاريع التقسيم كما سبقت غيرها من المدن العربية في النضال على صعيد الأدب السياسي من أجل فلسطين، ومن جانب آخر أسس النجفيون فرعاً لـ(جمعية الدفاع عن فلسطين) التي قامت بنشاطات عدة ومنها جمع التبرعات وإقامة المهرجانات الأدبية المناهضة لمشاريع التقسيم فضلاً عن إقام التظاهرات احتجاجاً على مقررات اللجنة الملكية البريطاني القاضية بتقسيم فلسطين.

وفي يوم الجمع 13 مايس 1938م أرسل النجفيون ومن طبقات مختلفة برقيات عدة للجهات الحكومية المختصة أعلنوا فيها احتجاجهم على قرار الحكومة البريطانية في شأن تقسيم فلسطين العربية، كما شهدت المدينة في يوم الاثنين 16 مايس 1938م صوب الصحن ومن ثم إلى بيت الشيخ (محمد الحسين كاشف الغطاء) وكانت تردد (تحيى الأمة العربية ولتسقط الصهيونية) كما أبرق الشيخ (محمد الحسين كاشف الغطاء) بثلاث برقيات، الأولى إلى (مفتي القدس) والثانية إلى (المندوب السامي البريطاني) أما الثالثة فأرسلت إلى جمعية الدفاع عن فلسطين المقر العام في بغداد، وعلى غرار جمعية الدفاع عن فلسطين أسس النجفيون جمعية أخرى أطلقوا عليها اسم (جمعية الدفاع عن سوريا) متماثلة في أهدافها السياسية والقومية مع سابقتها وحضيت بدعم المرجع الديني (محمد الحسين كاشف الغطاء).

ومن جانب آخر كان للنجفيين موقف من الشؤون والتطورات السياسية العالمية إذ سجل موقفاً رافضاً لدخول العراق الحرب العالمية الثانية إلى جانب بريطانيا، فضلاً عن رفضهم لقطع العلاقات مع ألمانيا وقد عبر النجفيون عن ذلك من خلال التظاهرات وبرقيات الاحتجاج التي رفعوها إلى الجهات الرسمية كما عبر الشعراء النجفيون عن رفضهم للحرب من خلال قصائدهم التي نظموها.

ثالثاً: التطورات والمشكلات الثقافية:

سارت التطورات الثقافية جنباً إلى جنب مع التطورات الأخرى التي شهدها المجتمع النجفي في تلك المرحلة، فضلاً عن خزينها المتراكم في ذلك الجانب ولم تكن تلك التطورات وليدة يومها بل حدثت بتظافر مجموعة من عوامل قديمة وحديثة ساهمت معاً على نموه كان من أبرزها الواقع التعليمي الحكومي إذ شهد التعليم الحكومي في تلك المرحلة تطوراً واضحاً وملموساً جاء نتيجة الشعور المتنامي لمثقفي المدينة وإصرارهم ودعوا إلى وجوب الجان بركب الإنسانية المتطورة مع مراعاة الجانب التوفيقي ما بين الدين ومتطلبات العصر الحديث.

وتعد المدرسة المؤسسة التعليمية الأولى المساهمة في إعداد الإنسان إعداداً متميزاً لاستيعاب المعرفة المنظمة وغير القابلة للإشباع وتأسيساً على ذلك ومن أجل تفعيل ذلك الواقع الحي فقد شهدت مدينة النجف إنشاء العديد من المدارس الحكومية الابتدائية والثانوية ولكلا الجنسين كما يبين الجدول التالي:

المدرسة

نوعها

الجنس

موقعها

إنشائها

التفاصيل

الثانوي

ثانوي

بنين

محلة البراق

1925

وفي سنة 1933 ألحقت بها قاعة كبيرة لعد استيعاب البناية القديمة لأعداد الطلاب الجدد وقد دون تاريخ تأسيسها على الشعار الموجود في مقدمتها حتى الآن.

الحيدرية

ابتدائي

بنين

محلة الأمير غازي

1933

 

 

ابتدائي

بنات

محلة الأمير غازي

1933

في المصدر 1932م وقد ألحقت بوصفها ضيفاً مع مدرسة الحيدرية بادئ الأمر.

 

ابتدائي

بنات

محلة المشراق

1937

 

 

ابتدائي

بنات

محلة الصالحية

1937

 

 

ابتدائي

بنين

محلة الأمير غازي

1939

 

 

وفي السنين اللاحقة ونتيجة لتزايد أعداد الطلاب المهاجرة من المدن العراقية الأخرى القريبة من النجف الأشرف لعدم وجود ثانويات فيها الأمر الذي أدى إلى عدم استيعاب الثانوية لتلك الأعداد، قامت وزارة المعارف في نهاية ت2 1937م بتخصيص مبلغً وقدره 1500 دينار لإنشاء بناية أخرى للمدرسة الثانوية بعد أن حددت موقعها في محلة الأمير غازي ووضعت التصاميم والمخططات الهندسية من قبل وزارة المعارف إذ تضمنت جناحاً لسكن الطلاب (قسم داخلي) سعة 30 طالباً.

وبدأت الأعمال الأولية لعملية البناء يوم الثلاثاء 21 ك1 1937م وفي نهاية ت1 1938م أصبحت البناية وملحقها (القسم الداخلي) جاهزة لاستقبال أعداد الطلاب الجدد وشرعت إدارة المدرسة بتسجيل أسماء الطلاب الذين شملتهم لائحة التعليمات الخاصة بالقسم الداخلي.

ومن التطورات الثقافية والحضارية الأخرى فقد شهدت النجف ولادة مجموعة من الصحف والمجلات التي حازت على اهتمامات مثقفيها وأصحاب الاتجاهات التحررية في المجال الحضاري والفكري إذ أسهمت بشكل مباشر على استكمال وسائل النهوض الثقافي والحضاري من خلال معالجتها لكثير من الموضوعات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية. وقد مرت الصحافة النجفية بثلاث أدوار الأول والثاني ـ ما ذكرناه سابقاً ـ أما الثالث والأخير انحصر في ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين إذ عده المفكرون دور الازدهار الذي تجلت فيه كل متطلبات الصحافة المتطورة ذات البعد الحضاري من حيث الموضوعات وحسن الإخراج الفني والأدبي وعدها آخرون إنها في طليعة الصحافة العراقية والعربية أيضاً كما يبنيه الجدول التالي:

الصحيفة أو المجلة

نوعها

صاحبها ورئيس تحريرها

صدورها

احتجابها

المطبعة التي طبعت فيها

الاعتدال

مجلة شهرية مصورة تناولت العلم والأدب والأخلاق والاجتماع والتاريخ

محمد علي البلاغي

شباط 1933م

مايس 1948م

العلوية، الغري، الزهراء.

الراعي

صحيفة أسبوعية أدبية وثقافية

جعفر الخليلي

الجمعة 13 تموز 1934م

19 نيسان 1935

الراعي

المصباح

مجلة شهرية اجتماعية وتاريخية

محمد رضا الحساني

10 ت1 1934

ك1 1935م

الغري

الهاتف

صحيفة أسبوعية أدبية

جعفر الخليلي

الجمعة 3 مايس 1935م

17 ك2 1954م

الراعي

الحضارة

مجلة نصف شهرية علمية وأدبية

محمد حسن الصوري

15 ت1 1937

13 آب 1949

الزهراء

القادسية

مجلة أدبية

محمد رضا ألحسائي

الخميس 2 ك2 1938

مايس 1947

الغري

الغري

مجلة أسبوعية مصورة عامة

عبد الرضا كاشف الغطاء

الثلاثاء 22 آب 1939

14 تموز 1964

الغري

 

ومن ذلك يتبين لنا حجم ومستوى الأثر الثقافي الذي شاركت فيه الصحف النجفية خلال تلك المرحلة.

ولم تتوقف حركة التطور الثقافي عند ذلك الحد فحسب، بل ارتبطت معها مجموعة تطورات أخرى ساعدت على دعمها وزيادة نشاطها. وتعد الطباعة وحركة النشر إحدى تلك التطورات المساعدة على دفع عجلتها، إذ شهدت مدينة النجف الأشرف في تلك المرحلة إنشاء مجموعة من المطابع الحديثة التي تميزت بأثرها على تطور حركة التأليف ونموها فضلاً عن إجراء التحسينات الفنية اللازمة على مجموعة المطابع القديمة وجعلها حديثة ومتطورة.

واشتركت الخزائن (المكتبات) في ذلك النشاط المتميز والمؤثر لدى طلاب العلم والباحثين، فقد تأسست في تلك المرحلة مجموعة من الخزائن الحكومية والأهلية ساهمت في فاعلية التطور الفكري والحضاري للمدينة ومجتمعها والجدول التالي يوضح مجمل البيانات الخاصة بالخزائن التي أنشأت في تلك المرحلة:

 

اسم المكتبة

مؤسسها

تأسيسها

نوعها

التفاصيل

مكتبة جمعية الرابطة العلمية الأدبية

جمعية الرابطة العلمية الأدبية

1932

أهلية

تأسست في محلة الأمير غازي واحتوت على (4000) كتاباً تقريباً.

مكتبة حسين ألحمامي العامة

حسين ألحمامي

1933

أهلية

احتوت على (4000) كتاباً تقريباً من ضمنها موسوعات تاريخية نادرة الوجود.

مكتبة صاحب الذريعة

الشيخ آغابزرك الطهراني

1935

أهلية

احتوت على (5000) كتاباً تقريباً من بينها الموسوعات التاريخية والرجالية والمخطوطات النادرة.

مكتبة الإدارة المحلية

وزارة المعارف العراقية

1936

حكومية

موقعها على بعد كيلو متر شرقي المدينة احتوت على (6000) كتاباً تقريباً في شتى العلوم واللغات ومازالت موجودة لحد الآن.

مكتبة جمعية منتدى النشر

جمعية منتدى النشر

1937

أهلية

احتوت على مجموعة كبيرة من الكتب والمخطوطات الإسلامية وغيرها.

 

وفي جانب آخر من التطورات الثقافية شهدت مدينة النجف الأشرف تأسيس جمعيتين ثقافيتين وأدبيتين هما جمعية (الرابطة الأدبية) وجمعية (منتدى النشر) وقد أدرك أصحاب الفكر الحضاري المتقدم في المدينة خلال تأسيسهم للجمعيتين إنها من المتطلبات الضرورية لمرافقة ركب التطورات الثقافية والحضارة الحالة في العالم، وعلى الرغم من نجاح تلك التجربة إلا إن الإصلاح الثقافي والحضاري لم يكن يسيراً في تلك المرحلة بسبب مراقبة التيار المحافظ لسير الأعمال والمتغيرات الجديدة في المدينة مما وضع أي نشاط إصلاحي جديد على جانب كبير من الخطر وعلى وجه الخصوص عند محاولة التيار الإصلاحي النجفي وفي مقدمتهم المصلح المتحرر والمرجع الديني أبو الحسن الأصفهاني عندما أصدر فتواه بتحريم ومنع بعض الشعائر الحسينية كـ (التسوط ولبس الأكفان وضرب الأبدان بالسلاسل وغيرها) ومحاولة إصلاحها لجعلها حضارية وبعيدة عن كل أشكال الممارسات الخاطئة وبصورة تتناسب مع حجم الواقعة ورموزها. وكشف التقرير البريطاني (الخدمات الخاصة) عن علاقة أطراف حكومية بالتيار المحافظ في النجف الأشرف ودعمهم ضد أي إصلاحات حضارية من شأنها الحد من الدوافع الشخصية المريضة.

وعلى الرغم من تلك التطورات الحاصلة في تلك المرحل إلا إنها لم تخل من المشكلات ومنها على سبيل المثال لا الحصر فقد ظل الواقع التعليمي للمدينة دون مستوى طموح علمائها ومفكريها بما يناسب موقع المدينة التاريخي إذ بقيت فئات كثيرة من المجتمع النجفي تحت طائلة فقر الأمية، فضلاً عن بقاء التعليم راكداً على العهد القديم مع قلة المدارس التي كان عليها أن تؤدي متطلبات العصر الحديث مع غياب وسائل الراحة المهيأة للطلبة، إذ كان أغلب الطلبة متخذين من الأرض فراشاً لهم خاصة وإن البلاد عاشت في ظل سنوات الأزمة الاقتصادية العالمية (1929ـ1933م) تحت ظل الفقر المطبق وفيها أصبح معظم الطلبة فقراء باستثناء أولاد الشيوخ والسراكيل.

ومما زاد من ذلك الحال وكرسه مجموعة القرارات التي أصدرتها وزارة المعارف خلال تلك المرحلة ومنها على سبيل المثال قرار (توحيد ملابس الطلبة وبصورة مستعجلة) وقد طالبت المدارس بضرورة تطبيقه، كما قررت استيفاء مبلغ (35) روبية من طلاب الأقسام الداخلية على الرغم من قيامها تخفيفه إلى (30) روبية إلا أنه ظل متعذراً على الكثير من دفعه فضلاً عن إلغاء قرارها السابق بمنح القرطاسية مجاناً للطلبة وطالبتهم بشرائها من نفقتهم الخاصة.

ومن المشكلات التعليمية الأخرى عدم كفاية صفوف المدارس على استيعاب الطلبة الجدد ونتيجة لذلك قامت مجموعة من الطلاب النجفيين من خريجي الصفوف السادسة الابتدائية برفع عرائض إلى وزارة المعارف طالبوها بفتح المزيد من الصفوف الثانوية كما طالب المثقفون في وقت سابق من وزارة المعارف بفتح مدرسة صناعية لتأهيل الكادر المهني الذي سيؤول بالفائدة والنفع على المدينة ومجتمعها، ومن جانب آخر استمرت معاناة المدارس وعلى وجه الخصوص الثانوية من كثرة الشواغر الحاصلة في الهيئة التدريسية في مادتي اللغة العربية والإنكليزية فضلاً عن معاناة طلاب المراحل المنتهية (الخامس الثانوي والثالث المتوسط) حتى سنة 1938م من أعباء جمة بسبب سفرهم إلى مدينة الحلة لأداء الامتحانات النهائية فيها.

وبقيت النجف الأشرف تعاني من مشكلة ثقافية وحضارية تمثلت بانتشار المفردات الأعجمية في لغة المجتمع والتي كانت الأكثر تعقيداً في تاريخها على مر العصور الماضية مروراً بمرحلة البحث حتى وقتنا الحاضر جاءت بفعل تواجد المدرسة الدينية (الحوزة العلمية) بعد أن أصبحت دار لسكن أعداد غفيرة من طلاب مدارسها الدينية من الهند والباكستان وأفغانستان وقفقاس والتبت وبلاد فارس فضلاً عن البلدان الأخرى إذ شكلت الجالية الفارسية التواجد الأعظم بتأثيرها المتميز في مجال اللغة ومجالات أخرى.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.