Take a fresh look at your lifestyle.

البلاغة الكامنة في دعاء الإمام الحسين(عليه السلام) في واقعة الطف

0 1٬817

             من صدى الرسالة والوحي… سَجّل الحسين مكنون بلاغته:
رأساً قرباناً مقطوعاً… يتلو آيات الله هوية… ينطق حقًّا بالإعجاز… سَجّل (طفاً) نقشاً، أو درباً مغواراً………..
ولّاد طفوف أبديّة… لأنَّ حسيناً هو إمام الحقِّ …. وأن عراق العترة أبداً: هو شهيد قضيّة…
إنّ القول بالبلاغة الكامنة في واقعة الطفّ هي: الإحالة الفكرية المحاولة لقطف أسرارها الزمانية، وتخيّل أهوالها المكانية، وبيان مقتضياتها النصّيّة: تلك التي ليس لها أشباه في عالم الخطاب واستراتيجيات التلقي إلا عند أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، ذلك أنهم عدل كتاب الله وحافظوه، والناطقون الصادقون عنه إلى يوم الدين.
1ـ خطبتا الإمام الحسين (الخصوصيات):
تناولت جلَّ كتب السير والتاريخ والمقاتل هاتين الخطبتين كما تناولها كثير من الباحثين والدّارسين المحدثين وهي خطب: أيّ خطب، قد حملت خَطْبًا ((ينفطر لها القلب ذلك الذي نزل بالمسلمين في مختلف الديار، ومتفرق الأمصار فأعمل فيهم الكروب وأدمى منهم القلوب، وقوض بنيان الأمة المرصوص وقضى على الشمل الملتم، وطوّح بالطود الأشمّ… ))(1).
وسأتناول خصوصيات مواقف منها تمهيداً للانتقال إلى صلب الموضوع الدعائي الذي جاء في نهاياتها… فمّما جاء فيها قوله (عليه السلام)
لأصحابه ليلة عاشوراء: ((أمّا بعد فإني لا أعلم أصحاباً أصلح منكم، ولا أهل بيت أبرّ وأفضل من أهل بيتي، فجزاكم الله جميعاً عني خيرًا، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهلي بيتي، وتفرّقوا في سواد هذا الليل، وذروني وهؤلاء القوم، فإنّهم لا يريدون غيري))(2).
وما بدا من موقف الشهامة والإباء والوفاء من إخوته وأبنائه وأبناء عبد الله بن جعفر ومسلم بن عوسجة وزهير بن القين في ذلك الموقف.
وكذلك مما جاء له(عليه السلام) في خطبة يوم عاشوراء إذ زعزع بها جيش الكوفة.
وبعد أن صف ابن سعد أصحابه للحرب، دعا الحسين(عليه السلام) براحلته فركبها، ونادى بصوت عال يسمعه جُلُهم: أيها الناس اسمعوا قولي، ولا تعجلوا حتى أعظكم بما هو حقّ لكم، وحتى أعتذر إليكم من مقدمي هذا وأعذر فيكم، فإن قبلتم عذري، وصدقتم قولي، وأعطيتموني النصف من أنفسكم، كنت بذلك أسعد ولم يكن لكم عليّ سبيل، وإن لم تقبلوا مني العذر ولم تعطوني النصف من أنفسكم (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ) (يونس:71) (إِنَّ وَلِيِّـيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِين)(الأعراف:196).
فلما سمعنَ النساء هذا منه صِحنَ وبكين وارتفعت أصواتهن فأرسل إليهن أخاه العباس وابنه علياً الأكبر وقال لهما: سكتاهن، فلعمري ليكثر بكاؤهن.
ولما سكتن: حمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد وعلى الملائكة والأنبياء وقال في ذلك: ((الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرفة بأهلها حالًا بعد حال فالمغرور من غرته، والشقي من فتنته فلا تغرنكم هذه الدنيا، فإنها تقطع رجاء من ركن إليها وتخيب طمع من طمع فيها وأراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخط الله فيه عليكم، وأعرض بوجهه الكريم عنكم، وأحلّ بكم نقمته وجنبنكم رحمته، فنعم الربّ ربّنا، وبئس العبيد أنتم أقررتم بالطاعة، وآمنتم بالرسول محمد (صلى الله عليه وآله)، ثم إنكم زحفتم إلى ذريته وعترته تريدون قتلهم، لقد استحوذ عليكم الشيطان
فأنساكم ذكر الله العظيم، فتباً لكم، ولما تريدون، إنا لله وإنا إليه راجعون، هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم، فبعداً للقوم الظالمين.
أيّها الناس انسبوني من أنا؟ ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها وانظروا هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي، ألست ابن نبيكم وابن وصيه وابن عمه، وأول المؤمنين بالله والمصدق لرسوله بما جاء من عند ربه… إلى قوله أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟)(3).
لقد قدم لهم دلائل الاحتجاج بالحرمة الشرعية إن كانوا مسلمين، وبالأصول العروبية أو المزايا الإنسانية إن كانوا أحراراً…
إن كلامه(عليه السلام) في روابط هذه الخطبة بياناً واستدلالاً: كان ليقيم فيها العلاقات القصدية ((وينفث في عقدها أنفاسه، وينثر عليها مكونات ومصونات القلوب والأفئدة))(6)، ودلائل الحق شاهدة أكثر حين خرج(عليه السلام) إليهم ممتطياً فرس رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وقد أخذ مصحفاً ونشره على رأسه فوقف بأزاء القوم وقال: يا قوم إن بيني وبينكم كتاب الله، وسنة جدي رسول الله(صلى الله عليه وآله) ثم قال(عليه السلام): أنشدكم الله هل تعرفونني من أنا؟
وهنا تبليغ بتنسيب كما كان ذلك من أبيه وأمه الزهراء وأخته العقيلة (عليها السلام)، وهو ليس من باب التفاخر، بل إلفاتهم أنّهم أهل الرسالة والوحي…
حتى قال(عليه السلام): فبم تستحلون دمي؟ وأبي الذائد عن الحوض يذود عنه رجالاً كما يذاد البعير الصادر عن الماء. قالوا: قد علمنا ذلك، ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشاً(5).

فقال(عليه السلام): تباً لكم أيّتُها الجماعة، وترحاً ! أحين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين، سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم وحششتم علينا ناراً اقتدحناها على عدوّنا وعدوّكم… إلى قوله: فسحقاً لكم يا عبيد الأمة، وشذاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ومحرفي الكلم، وعصبة الإثم، ونفثة الشيطان، ومطفئي السُّنن، ويحكم أهؤلاء تعضدون وعنا تتخاذلون؟!!! أجل والله غدر فيكم قديم، وشحت عليه أصولكم وتآزرت فروعكم، فكنتم أخبث ثمر شجى للناظر وأكلة للغاصب، ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين السلّة والذلّة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت، وأنوف حميّة، ونفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإنّي زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد وخذلان الناصر، ثمَّ قال (عليه السلام):
((فإن نَهزِم فهزامونا قُدماً
وإن نُهزم فغير مُهزّمينا
إلى قوله:
فقل للشامتين بنا أفيقوا
سيلقى الشامتون كما لقينا))(6)
إنّ نقد الإمام الحسين(عليه السلام) وذمَّه لمعسكر يزيد كان منسجماً : ذلك أنه لا مبدأ للمفاوضة أو الاستسلام بمبايعة الفاسقين، وقد رسم لهم هنا صورة تظلل أصولهم المنافقة الخبيثة، وهي أدعى للقهر والجبن والظلام، وهنا نلحظ كما يقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين ((طبيعة السلوك الذي اختطفه الحسين(عليه السلام)
لنفسه ولمن معه في كربلاء وألهب به الروح الإسلامية بعد ذلك ـ وبث فيها قوة جديدة))(7).
ومن ذلك تتجلى الحركة الروحية للمعاني السّامية، وهي مستلة من البلاغة القرآنية الثرَّة للبيت العلوي الطاهر من خلال عرضها المستمر لدلائل وفصل الخطاب: اقتباساً صريحاً من الآيات القرآنية أو احتذاءً لأسلوبها: حذفاً وبراعةً، لأنَّ النفوس في تلقيها ((تتفاوت في وفرة الإحساس، وانبعاث المعاني والاستجابة للأحداث المثيرة، ولا شك أنّ حسنَ الدلالة مؤسس على هذا، وأكثر من هذا))(8).
2ـ حركة المَعنى من الخطاب إلى الدعاء:
وهنا انتقالة ذات مضمونات عالية بالتواصل نحو التوّسل والخشوع، وبما يسخّر طاعة الله سبحانه لاستدرار عطفه ولطفه ونعمه، لأنه سبحانه عند المنكسرة قلوبهم في مطالب رحمته..
لذا قال(عليه السلام): أما والله لا تلبثون بعدها إلا كريثما يركب الفرس، حتى تدور بكم دور الرحى، وتقلق بكم قلق المحور، عهدٌ عهده إليّ أبي عن جدّي رسول الله(صلى الله عليه وآله)
(فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ) (يونس:71). (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)(هود:56) ثمَّ رفع يديه نحو السماء قائلاً: ((اللهم احبس عنهم قطر السماء، وابعث عليهم سنين كسنين يوسف، وسلّط عليهم غلام ثقيف، يسقيهم كأساً مصبرة، فإنّهم كذبونا وخذلونا، وأنت ربّنا عليك توكلنا وإليك المصير))(9).
وهنا يتوعدهم الإمام الصادق(عليه السلام) بصدق ما سيؤولون إليه لشناعة ما يفعلون، وبشاعة مايجرمون، بدلائل مسكتة وتواتر أمين… وعلى هذا المنوال كان الإمام(عليه السلام) يدري ((أنه مقتول بها مع أولاده مسبيةٌ بها نساؤه، لا مناص من ذلك، لكنه قد وضع أمام بصره غاية مقدسة هي إفهام الأمة خطورة الوضع لكي لا يستهينوا به فتحيط بهم إذ ذاك الكارثة وتحق عليهم كلمة العذاب))(10).
والمتأمل في دعائه(عليه السلام) يجد اقتباساته القرآنية المفحمة، وهي هكذا في نسق أهل البيت(عليهم السلام) وإدلاءاتهم المبينة. وهم قد حفظوا القرآن، فما أحراهم أن يسترسلوا كلام الله في ثنايا خطبهم، وأدعيتهم من دون تكلف، ذلك أن هذه الاقتباسات كانت متحرِّكةً ومحرِّكةً تزيد وبشدة من الانتهاض الإيماني، للنفس القارئة، لأنه يحاكي النص القرآني، فيجعلها تقشعر ثم تلين، وهذا من المركوز في الطباع، أو الراسخ في غرائز العقول بما فطر الله سبحانه النفس على استحسانهِ.
وممّا ورد في دعائه(عليه السلام) يوم عاشوراء: أنه لما نظر إلى جمع بني أمية كأنه السّيل رفع يديه بالدعاء وقال: ((اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة، كم من هم يضعف فيه الفؤاد، وتقل فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته إليك رغبة مني إليك، عمّن سواك فكشفته وفرّجته، فأنت وليّ كلّ نعمة ومنتهى كل رغبة))(11).
وتتجلى روعة مناجاته في الدعاء وهي تدخل في الصميم الروحي، ووقعها يكون أكثر حنيناً، إذ تتطلب آداباً
عليا في الخشوع والاستيقان.
فالدينامية العالية تتأتّى هنا في خصوصيات المعاني الواردة بالقصر والحصر، واستعمال الأفعال التي تدل على الحدوث والتجدّد بلا انقطاع، آملةً متأملةً بالواحد الأحد الذي لا يوجد سواه، حين تدور دوائر الباطل، والظلم والكفر، لنلحظ عندها أن المدار الدّعائي هنا بالعواطف القلبية، لا اللقلقة اللسانية، فلذلك يحاول الدّعاء من خلال هذه الإدلاءات اللفظية تحريك الأعماق الشفافية القلبية، حتّى تكون بمرأى من الحضرة الربوبية، ((وهذه القدرة على إثارة المعاني وفتح ينابيعها، وتدفقها من هذه الينابيع، وجريانها في تلك الشعاب اللغوية، حتّى لا يبقى منها شيء إلا وهو يتزاحم في تلك الأبنية، هذا هو أصل البلاغة وجذبها، وجذرها وبابها الأعظم…))(12).
وممّا ورد أنّه لما اشتد به الحال(عليه السلام) رفع طرفه إلى السماء وقال: ((اللهم متعال المكان، عظيم الجبروت، شديد المحال، غنيّ عن الخلائق، عريض الكبرياء، قادر على ما تشاء، قريب الرحمة، صادق الوعد، سابغ النعمة، حسن البلاء، قريب إذا دُعيت، محيط بما خلقت، قابل التوبة لمن تاب إليك، قادر على ما أردت، تدرك ما طلبت، شكور إذا شكرت، ذكور إذا ذكرت،..))(13).
وتعدّ الأسماء الحسنى والصّفات الإلهية تشكيلاً رئيساً في البنية الدّعائية، دخولها مؤكد في صلب هذه الفعالية، وهي تتبّع تسلسلاً أخلاقياً أو سلوكاً عرفانياً… .
ثمَّ قال: ((أدعوك محتاجاً، وأرغب إليك فقيراً، وأفزع إليك خائفاً، وأبكي مكروباً، وأستعين بك ضعيفاً، وأتوكل عليك كافياً))(14).
نلحظ هنا أن الترتيب أيضاً غير اعتباطي، بل في تواصليّة من التوسّل والخضوع للتّثبيت في المطلوب، ولحصول التّأثير الغيبي المتوقع بعد الانقياد والتسليم لله سبحانه طوعاً، بل قرباناً للشهادة من أجلِ إعلاء دين الله، واستقامته أبد الدّهر.
كانت هذه مقدّمات صالحة، بل هي القطب السّابغ الذي سيكون مدار الدعاء عليه في الترتيب والتعظيم، لذلك قال بعد إدلاءاته داعياً شاكياً، بارعاً مبيناً: مصحوباً بالطبع اليقظ في مساقات الحجة والتبيان: ((اللهم احكم بيننا وبين قومنا، فإنهم غرّونا، وخذلونا وغدروا بنا وقتلونا، ونحن عترة نبيّك، وولد حبيبك محمد(صلى الله عليه وآله)
الذي اصطفيته بالرسالة، وائتمنته على الوحي، فاجعل لنا من أمرنا فرجاً ومخرجاً يا أرحم الراحمين، صبراً على حكمك، يا غياث من لا غياث له، يا دائما لا نفاد له، يا محيي الموتى، يا قائمًا على كل نفس مما كسبت، احكم بيني وبينهم: وأنت خير الحاكمين))(15).

فهنا أساليب ذكية لا يتمكن أيّ أحد من إنشائها، لأنّها من اختصاص المتمرسين، وهم أهل البيت(عليهم السلام) في هذا الباب العالي والنّمط الرائق، لذا فأسرار الكلمات لا يدركها قاصرو العقول، وعندها نقول إنّ هذه الإنشائية الدعائيّة غير اعتباطيّة البتّة، بل هي مأخوذة بالمقايسات الخطابية التناسبيّة المحكمة جداً.
ومنها ما يبدو لنا من الترتيب ((الذي هو رأس الكلام هنا يتضمن خصوصيات المعاني وصورها وهيآتها، لأنه ترتيب للمعاني: بأحوالها وهيئاتها وصورها..))(16).

فالقول بإتقان الدّعاء عند أئمة أهل البيت(عليهم السلام)
يعني: تلبية جميع متطلباته النصية من سبك وحبك وتناسب مقتضى، أو مطابقة مقام بسمات فنية وجمالية، إذ كانت هذه جميعاً تؤدي في ضروبها نصاب التهذيب الأخلاقي بتميّز، وهو المطلوب..
وعلى ما تقدّم فالإيقاعات والتناسق الموسيقي في المقاطع الدعائية كانت ترد من دون تكلف، إذ نلحظ ذلك في التطويل في الأسماء لأجل الوقع النفسي في المضمون، أي: يرتدّ عندها المشغول بالاً إلى المطلوب بالنصّ وهنا استطراد تأكيدي، فقد يكون المتلقِّي في بداية الفاصلة مشغول البال وتائهاً في الخيال، إذ يتأتى له التأكيد قهراً بتدخّله في مضمون الفاصلة، وهذا الاستطراد هو لطف من الإمام(عليه السلام)، ذلك أنّه يستطيل لإدخال الجميع في المقصود المطلوب، وعندها كان ((يزاول الفكرة، ويتحرك من حال إلى حال، حتى يغرسها في طبع النفس الإنسانية، وينتهي إلى صميم الفطرة… ))(17)
وخلاصة ما تقدم:
* أن الإمام الحسين(عليه السلام) قد اعتمد على الأدلة الواقعية والبراهين الدامغة: التي تسوق الإقناع بمداخلة جوهر الفكرة، ليُنبّه معسكر يزيد ممّا هم فيه من جهل وباطل وضلالة، فقد وضع المتلقي منهم أمام واقع يشاهده ويتلمّسهُ ويُدركه إن كان مسلماً، وكانت مقدماته مخصّصة لهؤلاء القوم الضالين، أمّا براهينه الخطابية فقد كانت مقصودة لهم بحسب الموضع والمعنى والغرض، إذ اقتضتها أفعالهم الشنيعة بابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله).
* كانت تحولات الإمام (عليه السلام) في خطبه تتجه نحو التأثير والاستمالة من الوعظ والإرشاد والتوجيه إلى الذمّ والنقد، وصولاً إلى الدعاء عليهم، ومناجاة الله سبحانه وتعالى بعد أن أعْيته مذاهب القوم وأخلاقهم، فأصبحوا من الهالكين.
* نحن نشعر أمام أدعية الإمام الحسين (عليه السلام)
في يوم الطف: أنه كان يحاول أن يستثير عواطفهم المكنونة وفطرهم النقيّة، وأصولهم اليعربية والإنسانية: منادياً بالحق الذي لا يشوبه باطل، ومحذراً إيّاهم من عاقبة ما يؤولون إليه بعد إقدامهم على قتله من الهلاك والدّمار.
* إن في دماء الطفوف بلاغة استشهادية كامنة تشعّ منها بوارق الخلد، ذلك أنها ستبقى قرابين صادقة وفوّارة ـ يجعل الله للمؤمنين بها نوراً ـ لنصرة المظلومين بوجه الطغاة الظالمين والتكفيريين بكل العصور.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

نشرت في العدد 60


الهوامش والإحالات:
1) مقالات في الإمام الحسين(عليه السلام) (المعاني السامية في ذكرى الحسين(عليه السلام) : الأستاذ بدوي طبانة/ ص378 .
2) الملهوف على قتلى الطفوف ص151 وصدى الطّفوف ص10 .
3) الكامل في التاريخ 3/419ـ 420، وموسوعة كربلاء: بيضون1/664ـ 665.
4) مدخل إلى كتابي عبد القاهر الجرجاني ص234.
5) الملهوف على قتلى الطفوف ص147 .
6) الملهوف على قتلى الطفوف 155ـ 157 وموسوعة كربلاء 1/670ـ 673 .
7) مقالات في الإمام الحسين (عليه السلام): (ملامح من ثورة الحسين(عليه السلام) ص94.
8) مراجعات في أصول الدرس البلاغي ص44.
9) الملهوف على قتلى الطفوف ص157، وموسوعة كربلاء 1/673. وغلام ثقيف هو المختار بن عبيد الثقفي.
10) مقالات في الإمام الحسين (عليه السلام) (حركة الحسين ومراميها) للدكتور علي الوردي ص167 .
11) الكامل في التاريخ: المجلد الثالث/ 418 .
12) مدخل إلى كتابي عبد القاهر الجرجاني/ ص209.
13) صدى الطفوف ص21 .
14) السابق نفسه والصفحة نفسها.
15) صدى الطفوف ص21ـ22 .
16) مدخل إلى كتابي عبد القاهر الجرجاني ص89 .
17) مراجعات في أصول الدرس البلاغي ص159.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.