Take a fresh look at your lifestyle.

منهج الشيخ الطوسي في تفسير التبيان

0 4٬159

             قبل بيان ميزات منهج الشيخ الطوسي في تفسير التبيان، نقف عند معنى المنهج في اللغة والاصطلاح.

والمنهج لغة:

          هو الطريق الواضح ونهج الأمر، والنهج: وضح(1)، والمنهاج الطريق الواضح، وفلان يستنهج نهج فلان أي يسلك مسلكه، قال تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)(المائدة:48) أي شرعة للدين ومنهاجًا طريقًا واضحًا(2)، فأصل المنهج في اللغة يدور حول معنى الطريق والسبيل الواضح المستقيم(3).

وفي الاصطلاح:

             هو طريق البحث عن الحقيقة في أي علم من العلوم أو في أي نطاق من نطاقات المعرفة الإنسانية(4).

           والبحث عن المنهج التفسيري لكل مفسر هو تبيين طريقة كل مفسر في تفسير القرآن الكريم، والأداة والوسيلة التي يعتمد عليها لكشف السفر عن وجه الآيات، فهل يأخذ العقل أداة للتفسير أو النقل؟ وعلى الثاني فهل يعتمد في تفسيره على نفس القرآن؟ أو على السنة؟ أو على كليهما؟ أو غيرهما؟ وبالجملة ما يتخذه مفتاحًا لرفع إبهام الآيات وهذا هو ما نسميه المنهج في تفسير القرآن،

           وهو يختلف عن الاتجاهات والاهتمامات التفسيرية، والمراد منه المباحث التي يهتم بها المفسر في تفسيره مهما كان منهجه وطريقته في تفسير الآيات، مثلًا تارة يتجه إلى إيضاح المادة القرآنية من حيث اللغة، وأخرى من حيث الإعراب والبناء، وثالثة يتجه نحو الجانب البلاغي، ورابعة يعتني بآيات الأحكام، وأخرى يصب اهتمامه على الجانب التاريخي والقصصي، أو يهتم بالأبحاث الأخلاقية، أو تارة يهتم بالأبحاث الاجتماعية، أو يهتم بالآيات الباحثة عن الكون وعالم الطبيعة، أو بمعارف القرآن والعقائد والمبدأ والمعاد وغيرها.

           لا شك أن التفاسير مختلفة من حيث الاتجاه والاهتمام، إما لاختلاف أذواق المفسرين وكفاءاتهم ومؤهلاتهم أو لاختلاف بيئاتهم وظروفهم أو غيرها من العوامل التي تسوق المفسر إلى صب اهتمامه في جانب من الجوانب المذكورة، ولكن هذا الأمر لا يرتبط بالبحث من المنهج التفسيري، لأن البحث عن المناهج هو بحث عن الطريق والأسلوب، والبحث في الاهتمامات هو بحث عن الأغراض والأهداف التي يتوخّاها المفسر وتكون علة وسبباً دافعاً للقيام بالتأليف في مجال القرآن الكريم(5).

          أما الشيخ الطوسي صاحب تفسير التبيان فهو محمد بن الحسن الطوسي نسبة إلى مدينة طوس في خراسان التي فيها قبر الإمام الرضا (عليه السلام) حيث ولد فيها سنة 385هـ وهاجر إلى العراق ونزل بغداد سنة 408هـ، وحضر فيها الدروس، حيث درس على شيوخ كثيرين وقد ذكر عددًا منهم في كتبه ولاسيما الفهرست والرجال والأمالي، وقد ألف الشيخ الطوسي في موضوعات شتى في التفسير والحديث والفقه وأصوله والفقه المقارن والعقائد والكلام والتراجم والسير والعبادات والأدعية وغيرها، وقد تجاوزت مؤلفاته المعروفة الخمسين ما بين كتاب ورسالة، ذكر أكثرها في كتابه الفهرس،

          ويعد (التبيان في تفسير القرآن) من كتبه المهمة وأشهرها وأكثرها تميزًا، ألفه بنمط جديد ومنهج مبتكر لم يسبق إليه أحد، إذ هو أول تفسير للإمامية يضم في أبواب منفردة مختلف مباحث التفسير وعلوم القرآن كالقراءات وحجتها والمعاني والإعراب واللغة والنظم وأسباب النزول وغيرها، وقد أشار إلى هذا التفسير كثير من القدامى في تراجمهم للشيخ الطوسي كالسبكي في طبقات الشافعية الكبرى وابن حجر العسقلاني وجلال الدين السيوطي(6)،

          لم يزل الشيخ الطوسي رحمه الله في النجف الأشرف مشغولًا بالتدريس والتأليف وبيان الأحكام الشرعية مدة (12) سنة حتى أدركته المنية سنة 460هـ فهو عاش (75) سنة ودفن في داره بوصية منه، ثم تحولت الدار إلى مسجد الشيخ الطوسي الذي هو اليوم من أشهر مساجد النجف الأشرف(7).

           أما مصادر التبيان فقد اعتمد الشيخ الطوسي على عدة كتب، منها كتب معاني القرآن، وكتب التفسير بالمأثور للإمامية، وكتب تفسير العامة، وأيضًا من مصادره كتب الحديث النبوي والسيرة، وكتب القراءات واللغة والنحو(8).

مميزات منهج الشيخ للطوسي:

1.المنهج القرآني:

            اعتمد المنهج القرآني. وذلك لما يشتمل عليه من عموم وخصوص وإطلاق وتقييد وإجمال وتبيين وإيجاز وإطناب، وفي ذلك يقول الإمام علي (عليه السلام) في معرض وصفة للقرآن: ينطبق بعضه ببعض، ويشهد بعضه على بعض(9).

2.المنهج الأثري:

            اعتمد على الأثر والمنقول كما يعتمد على المعقول، واعتماده الأثر كان يتم وفق ضوابط ومعايير خاصة، أساسها النقد والمحاكمة والترجيح، وفي خصوص التفسير يشترط الطوسي مراعاة الأدلة الصحيحة العقلية والشرعية، وبذلك رسم الخطوط العامة لهذا المنهج التفسيري الذي لم يتجاوزها أثناء التفسير، بل ظل ملازمًا لها وملتزمًا بها في تبيانه.

         اشتهر بالتفسير من روايات الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أما روايات أهل البيت (عليه السلام) وروايات أخرى عن الصحابة، فإنها تؤكد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) اختص الإمام عليًا (عليه السلام) بالتعليم وبيان كتاب الله، وأن أهل البيت (عليهم السلام) قد ورثوا علوم رسول الله (عليهم السلام)، وهم رفقاء القرآن، لا ينفكون عنه، فقد روى المسلمون بالتواتر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: (إني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي)(10).

3. منهج الرأي:

          لم يعتمد على منهج الرأي، وكان الشيخ الطوسي يكثر من ذكر آراء المفسرين، فيفند بعضها ويناقش بعضها الآخر، ليرد ما يرد عن بينة، ويقبل ما يقبل عن بينة، وخالف جمهور المفسرين داعمًا رأيه بالدليل والبرهان.

4.المنهج اللغوي:

         اعتمد المنهج اللغوي. يشرح المفسر آراء اللغويين والاختلافات الواردة في آرائهم، وقد يرد على بعضها، ويرجح البعض الآخر، كما ويطرح رأيًا خاصًا به مخالفًا بذلك كل الآراء المطروحة، وقد يستعين الشيخ الطوسي بذكر الآراء اللغوية لكشف المقصود من الآية ولبيان المعنى المستودع فيها.

          يذكر المفسر من الإعراب وآراء النحاة ما يعينه على استيضاح معنى الآية، وفهم المراد منها، وهو في هذا المجال يناقش آراء النحاة، ويرد على بعضهم، وقد يرجح آراء البعض الآخر، كما يورد أحيانًا آراء خاصة به مما يؤكد قدرته العالية في هذا الباب. ولا يحظى الشعر عند الطوسي بأهمية خاصة في تفسيره، وإن أكثر من الاستشهاد به، كما وإنه لا يرقى لأن يكون حجة لإثبات حقيقة دينية، وإنما يذكره لتأكيد المعنى، أو تأييد الاستعمال اللغوي ضمن السياق القرآني، وقد لا يذكر أسماء الشعراء الذين يستشهد بشعرهم، ويعود ذلك إلى قلة اكتراثه بهم.

5. المنهج البياني:

           لم يهتم كثيرًا بالمعاني البلاغية، ولم يسهب في الكلام حولها، وربما كان يشير إليها أحيانًا دون عناية مشهودة، ولم أجد في التبيان ما يؤكد اهتمام المفسر بها، كما هو الحال في القراءة أو اللغة والإعراب، وقد ذكرها في موارد معدودة كما في تفسيره لقوله تعالى: (وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) فقال: والمكر وإن كان قبيحًا، فإنما أضافه تعالى إلى نفسه لمزاوجة الكلام، كما قال: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) وليس باعتداء، وإنما هو جزاء، وهذا أحد وجوه البلاغة(11).

6. المنهج الصوفي (الباطني):

           لم أجد ما يدل على أنه اعتمد على هذا المنهج في تفسيره.

7.المنهج العلمي:

         اعتمد المنهج العلمي وأكد الشيخ الطوسي على أهمية التفكر، واعتمد أسلوب النظر في فهم النصوص القرآنية. واستعمال العقل في معرفة آيات الله وأحكامه، وقد حفل التبيان بالعديد من الإشارات التي تنم عن المنهجية العقلية التي كان يتبعها مفسرنا في تصديه لتفسير آيات الكتاب العزيز.

8. المنهج التاريخي:

          حيث ينبه المفسر إلى المكي والمدني من الآيات في كل سورة، مع ذكر أسماء بعض المفسرين وآرائهم. عند تفسيره للآية القرآنية كان يذكرها ثم يورد ما يتعلق بها من القراءة وأسباب النزول ـ إن وجدت ـ واللغة ومن ثم المعنى.

9. المنهج الموضوعي:

           لم أجد ما يدل على أن الشيخ الطوسي قد اعتمد على المنهج الموضوعي في تفسيره للقرآن.

10ـ مناهج أخرى (احتجاجي، أدبي، كلامي):

       رد الشيخ الطوسي على أهل الكتاب وناقشهم في معتقداتهم، كما ناقش أصحاب المدارس الكلامية من الإسلاميين، واعترض على الكثير من مقولاتهم، كما هو الحال في رده على المعتزلة والأشاعرة والخوارج والمجبرة والمشبهة والمجسمة والقائلين بأن المعارف ضرورية وما شاكلهم، كما ودافع بحماس منقطع النظير عن الإمامية ومعتقداتهم(12).

نموذج من تفسيره:

          حكى الله تعالى ما أجاب به قوم إبراهيم حين قال لهم إبراهيم (عليه السلام) (مَا تَعْبُدُونَ)؟ فإنهم (قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ) أي مقيمين مداومين على عبادتنا.

          يقال: عكف عكوفاً، فهو عاكف، واعتكف اعتكافًا. قال: ابن عباس: معناه فنظل لها مصلين. وقيل: في وجه دخول الشبهة عليهم في عبادة الأصنام أشياء:

1. أنهم اعتقدوا أنها تقربهم إلى الله زلفى، كما يتقرب بتقبيل بساط الملك إليه.

2. أنهم اتخذوا هياكل النجوم ليحظوا بتوجه العبادة إلى هياكلها، كما يفعل بالهند.

3. ارتباط عبادة الله بصورة يرى منها.

4. أنهم توهموا خاصية في عبادة الصنم يحظى بها، كالخاصية في حجر المغناطيس.

           والشبهة الكبرى العامة في ذلك تقليد الذين دخلت عليهم الشبهة، ولذلك (قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) ولم يحتجوا بشيء سوى التقليد، الذي هو قبيح في العقول، والعبادة خضوع بالقلب في أعلى مراتب الخضوع، فلا تستحق إلا بأصول النعم ومما كان في أعلى المراتب من الإنسان، فكل من عبد غير الله، فهو جاهل بموجب العبادة، كافر لنعم الله، لأن من حقه إخلاص العبادة له.

           فقال لهم إبراهيم (عليه السلام): (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ) هذه الأصنام التي تعبدوها إذا دعوتموها! أي هل يسمعون أصواتكم، لأن أجسامهم لا تسمع (أَوْ يَنفَعُونَكُمْ) بشيء من المنافع (أَوْ يَضُرُّونَ) بشيء من المضار! وإنما قال ذلك، لأن من لا يملك النفع والضر، لا تحسن عبادته، لأنه ضرب من الشكر، ولا يستحق الشكر إلا بالنعم، فمن لا يصح منه الإنعام يقبح شكره، ومن قبح شكره قبحت عبادته. فقالوا عند ذلك: (وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) أحالوا على مجرد التقليد. فقال لهم إبراهيم منكرًا عليهم التقليد: (أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ) من الأصنام (أَنتُمْ) الآن (وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ) المتقدمون، فالأقدم الموجود قبل غيره، ومثله الأول والأسبق. والقدم وجود الشيء لا إلى أول.

         ثم قال إبراهيم (فَإِنَّهُمْ) عدوٌّ لي يعني الأصنام جمعها جمع العقلاء، لما وصفها بالعداوة التي تكون من العقلاء، لأن الأصنام كالعدو في الصورة بعبادتها، ويجوز أن يكون، لأنه كان منهم من لا يعبد إلا الله مع عبادة الأصنام فغلب ما يعقل ولذلك استثناه، فقال (إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ) لأنه استثناه من جميع المعبودين، وعلى الوجه الأول يكون الاستثناء منقطعًا وتكون (إِلَّا) بمعنى لكن، ثم وصف رب العالمين فقال: هو (الَّذِي خَلَقَنِي) وأخرجني من العدم إلى الوجود (فَهُوَ يَهْدِينِ) لأن هداية الخلق إلى الرشاد أمر يجل، فلا يكون إلا ممن خلق الخلق كأنه قبل من يهديك؟ ومن يسد خلتك بما يطعمك ويسقيك؟ ومن إذا مرضت يشفيك؟

           فقال ـ دالًا بالمعلوم على المجهول: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ* وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) بمعنى أنه يرزقني ما يوصلني إلى ما فيه صلاحي (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) بأن يفعل ما يحفظ بدني ويصح جسمي ويرزقني ما يوصلني إليه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ـ مفردات ألفاظ القرآن الراغب الأصفهاني ص696.
٢ـ تفسير سيد عبد الله شبر ص187.
٣ـ مناهج المتكلمين د. ستار الأعرجي ص21.
٤ـ نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام 1/ 6.
٥ـ انظر: المناهج التفسيرية في علوم القرآن/الشيخ جعفر السبحاني ص73 ـ 74.
٦ـ انظر: منهج الشيخ الطوسي في تفسير القرآن الكريم/د. كاصد ياسر ص19.
٧ـ انظر: في حياة الشيخ الطوسي ونشأته/مقدمة تحقيق رجال الشيخ الطوسي للسيد محمد صادق بحر العلوم. وما كتبه د. كاصد ياسر الزيدي في كتابه (منهج الشيخ أبو جعفر الطوسي في تفسير القرآن الكريم).
٨ـ انظر: منهج الشيخ الطوسي في تفسيره ص43.
٩ـ الطوسي: كتاب التبيان ج1، ص2.
١٠ـ السيوطي: كتاب الإتقان ج2، ص321.
١١ـ التبيان: ج2، ص476.
١٢ـ الشيخ الطوسي وعقائده الإمامية: ص279.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.