Take a fresh look at your lifestyle.

العلامة الشيخ عبد الحسين صادق المخزومي (1279 – 1361هـ)

0 688

عالم فاضل وأديب بارع، أحد رؤساء بلاده في الدين وأحد المراجع البارزين في جبل عامل ينتمي لأسرة علمية دينية توارثت العلم والأدب، والده العالم الفاضل والمحقق الأديب الشيخ إبراهيم صادق بن
إبراهيم بن يحيى بن محمد بن سليمان بن نجم المخزومي العاملي، وكان والد المترجم له قد أقام في النجف مدة ذاع صيته في أثنائها واشتهر بأدبه وشعره في مجالسها.

ولادته وتعليمه:
ولد الشيخ عبد الحسين صادق في مدينة النجف الأشرف حيث كان يقيم أبوه وذلك في أواخر صفر من سنة 1279هـ /آب 1862م، توفيت والدته وهي عائدة به مع أفراد الأسرة من العراق إلى موطنه في جبل عامل للالتحاق بوالده الشيخ إبراهيم الذي سبقهم إليه، وأقام في بلدة الخيام عالمًا دينيًا، فأرضعته زوجة أبيه وعاش في كنف والده ورعايته، ولما بلغ الخامسة من عمره فَقَدَ والده، فاحتضنته شقيقته الكبرى وكانت من فضليات النساء، وتعلم في سنوات عمره الأولى في بلدة الخيام موطن آبائه، ثم ارتحل إلى مجدل سلم ثم إلى عيثا فكفرة فبنت جبيل، حيث درس على أساتذة الحوزات العلمية في تلك القرى العلوم الأولية من نحو وصرف ومنطق ومعان وبيان وكتاب المعالم من أصول الفقه، وكان من أبرز أساتذته في هذه المرحلة العلامة الشيخ مهدي شمس الدين، والعلامة السيد جواد مرتضى والعلامة الشيخ موسى شرارة، ثم هاجر إلى العراق في أول رجب سنة 1300هـ/1882م، حيث قصد النجف الأشرف التي وصلها في السابع عشر من شهر رمضان، فانتظم في صفوف حوزاتها العلمية يتلقى علومه عن أكابر الأساتذة المشهورين في ذلك العصر، فبدأ دراسته بمرحلة السطوح على عدة أساتذة منهم السيد عبد الكريم البغدادي والسيد علي البحراني والشيخ محمود ذهب والشيخ علي الخاقاني، ثم تابع دراسته في مرحلة البحث الخارج فأوصله ذلك إلى مرتبة الاجتهاد على أساطين علماء المذهب الجعفري وقتذاك وهم الشيخ محمد طه نجف والشيخ محمد حسين الكاظمي والميرزا حسين الخليل والشيخ رضا الهمداني والفاضلان الشربياني والمامقاني قدس الله أسرارهم، وقد نال من أولئك الأعلام إجازة الاجتهاد كما أنه أجيز من المرجع الأكبر الميرزا حسن الشيرازي.
وقد أقام الشيخ عبد الحسين صادق مدة ستة عشر عاما (1300-1316هـ) للدراسة في النجف الأشرف حاز خلالها على ثقة العلماء والفضلاء وصار له منزلة عالية بين أبناء المدينة المقدسة، حيث انعقدت صلات وثيقة وأخوة صافية بينه وبين الكثير من مختلف فئات المجتمع النجفي، وقد أشارت موسوعات التراجم والكتب الأدبية التي صدرت في العراق إلى ما أحرزه الشيخ عبد الحسين صادق من منزلة في نفوس النجفيين لعل أبرزها كتاب الشيخ جعفر محبوبة (ماضي النجف وحاضرها)، والشيخ الخاقاني في كتابه (شعراء الغري) والأميني في كتابه (رجال الفكر والأدب) خلال ألف عام والشيخ الطهراني في موسوعته (الذريعة) وغيرها.
وكان الشيخ عبد الحسين صادق قد أحب العيش في النجف الأشرف وعز عليه فراقها وقد ترجم هذه المشاعر في خاتمة قصيدة نجفية نظمها قبيل مغادرته النجف إلى جبل عامل جاء فيها:
أحين راقت ليالي العمر فيك هنَاً
والعيش طاب جناه والزمان صفا
عليَّ جائرةُ الأيام قد حكمت
أن لا أقيم ولا أستوطن النجفا
يا جيرة المرتضى سقيًا لربعكم
ما زمجر الرعد أو صوب الحيا وكفا

عودته إلى جبل عامل:
غادر المترجم له النجف متوجهًا إلى موطن آبائه في جبل عامل في عام 1316هـ/أيلول 1898م فأقام في بلدة الخيام فأصبح عالمها الديني وباشر بمهامه في الوعظ والإرشاد، وعمل على نشر الثقافة الإسلامية بين أبنائها، فافتتح لهذه الغاية مدرسة دينية باشر فيها التعليم بنفسه، فأسهمت تلك المدرسة في تأهيل عدد من تلاميذها للدراسة في النجف الأشرف فضلًا عن مساعدتها لكثير من أبناء جبل عامل في التخلص من الجندية في الجيش العثماني، حيث كان يعفى طلبة المدارس الدينية من الخدمة في ذلك الجيش، واستكمل الشيخ أعماله في نشر الوعي الإسلامي بإنشاء مسجد الخيام الكبير ومساجد أخرى في بعض القرى المجاورة.
انتقاله إلى النبطية: يعد انتقال الشيخ عبد الحسين صادق إلى النبطية بدعوة من أعيانها مرحلة متقدمة في نشاطه الديني لأن النبطية كانت تمثل حاضرة جبل عامل، وقد انتقل إليها بعد وفاة عالمها السيد حسن يوسف مكي سنة 1906م، فبادر إلى توسيع مسجدها وإعادة فتح مدرسة النبطية التي أنشأها السيد حسن يوسف مكي فتولى رئاستها والتدريس فيها، إضافة لذلك أولى الشيخ عبد الحسين صادق اهتمامًا خاصًا بإنشاء النادي الحسيني في النبطية حيث اكتمل بناؤه في سنة 1909م وقد عرف باسم الحسينية وكانت أول حسينية تنشأ في لبنان وأقيم فيها مراسم العزاء الحسيني في شهري المحرم وصفر من كل عام.
دافع الشيخ عبد الحسين صادق بقوة عن الشعائر الحسينية وقد كتب في هذا الشأن رسالة حملت عنوان (سيماء الصلحاء) في إقامة عزاء سيد الشهداء الحسين عليه السلام، ولم يكتفِ بذلك بل جادت قريحته الشعرية بالكثير من القصائد التي وظفها لهذا الغرض، وتذكر صابرينا ميرفان مؤلفة كتاب (حركة الإصلاح الشيعي) أن قوافي عبد الحسين صادق التي يؤكد فيها أهمية الاستمرار بإقامة الشعائر الحسينية ما زالت على ألسنة الشيعة في جبل عامل.
آثاره العلمية والأدبية:

ترك الشيخ عبد الحسين صادق تصانيف ومؤلفات شتى في الفقه والأصول ومباحث علم الكلام وغيرها جاء منها في الفقه كتاب (المواهب السنية في فقه الإمامية) مطبوع وهو شرح لقوانين الأصول، ومثله (الشذرات في مباحث العقود والإيقاع)، وتقريرات أستاذه المرحوم الميرزا حسين الخليل في مباحث الإجارة والوصية والقضاء، ومنظومة في المواريث وأخرى في التوحيد وثالثة في الرد على الوهابية حملت عنوان(تنبيه الرافضين على فظائع الوهابيين) وغيرها.

نشاطه السياسي:
لم يكن الشيخ عبد الحسين صادق بعيدًا عن السياسة وهمومها فقد واكب الأحداث الكبيرة التي عانى منها العرب عامة وأبناء جبل عامل خاصة، فقد رفض إقدام السلطات الفرنسية المحتلة على اقتطاع جبل عامل من البلاد السورية وإلحاقه بجبل لبنان وتشكيل دولة لبنان الكبير عام 1920م إذ أصبح فيه أبناء الطائفة الشيعية عرضة لسياسات التهميش والاستعلاء والاستغلال التي اعتمدها حيالهم حكام لبنان على تعاقب العهود، ونستشهد بأبيات شعرية عبر فيها الشيخ عن مواقفه تلك جاء فيها:
ألا قل للبنان وهو الصغير
وفي عامل لم يزل يرضع
أتيت بها أي أعجوبة
بها جبل جبلا يبلع
الست وعاملة توأمين
يضمكما الحسب الاضوع؟!
فما لي أراك أبحت الجوار
ومن سُنة العُرْبِ أن يمنعوا؟!

وفــاته:
بعد رحلة استمرت قرابة السبعة عقود ونصف وافت المنية الشيخ عبد الحسين صادق في النبطية بتاريخ 10 كانون الأول 1942م/ 1361هـ، ودفن في حجرة خاصة في حسينية النبطية التي أنشأها المترجم له، وكان (رحمه الله) حتى قبيل وفاته يحلم بالعودة إلى النجف الأشرف مسقط رأسه، حيث كنى نفسه في إحدى مخطوطاته التي ترجم فيها لنفسه بـ (الغروي) (مولدًا ودار إقامة ووطنًا إن شاء الله إلى يوم القيامة)، وقد دفعه حنينه إلى النجف الأشرف أن يوصي ابنه الشيخ حسن أن ينقل جثمانه ولو رميمًا إلى النجف الأشرف لكي يدفن إلى جوار ضريح أبي الأئمة الامام علي(عليه السلام) وقد جاءت تلك الوصية على شكل أبيات من الشعر هذا نصها:
صبرًا بني أبا النجيب ولا تكن
جزعًا لفقد أبيك، واستغفر له
وإذا به نزل القضاء المحتوم عـ
ـجل يا بني إلى المدافن نقله
وإذا استطعت ولو رميما نقلـ
ـه لأبي الأيمة لا تؤخر نقله .

نشرت في العدد 50


لمزيد من التفاصيل عن سيرة الشيخ عبد الحسين صادق ينظر:
* عبد الحسين صادق/سقط المتاع / جمع وتحقيق وتقديم: حبيب صادق/ بيروت: مؤسسة الانتشار العربي /2007.
* صابرينا ميرفان/ حركة الإصلاح الشيعي/ترجمة: هيثم الأمين / ط2/ بيروت: دار النهار/2008 / ص522.
* السيد حسن الصدر/ تكملة أمل الآمل/ تحقيق: احمد الحسيني/ بيروت: دار الأضواء/ 1986/ص254/73.
* دليل جنوب لبنان كتابا/ إشراف وتحقيق وتقديم: حبيب صادق/ بيروت: المجلس الثقافي للبنان الجنوبي/2010/ص279.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.