Take a fresh look at your lifestyle.

البيان الصادع في خطبتي العقيلة زينب(عليها السلام)

0 646

عفواً أيا عقيلة البطولة والفداء والإباء…
من كوفة الغدر إلى الشام إلى طفوف كربلاء…
قد سجل التاريخ والوجود بل ملائك السماء
كان البيان صادعاً لأنه من ابنة الكرار
وكان البيان رائعاً لأنه من ابنة الزهراء
وكان البيان منهما ــ حسينياً ــ مضمخ الولاء بأطهر الدماء…
يا ابنة الكرام والأطهار والعظام، فالمحنة السوداء والشوهاء
لما تزل وأمة الإسلام ــ يا حفيدة الرسول ــ في عناء…

إن صادعية الحق في البيان الزينبي كان متمثلاً بقوة وذلك لأنها لسان ناطق من أهل البيت(عليهم السلام)، والحق وأهل البيت صنوان لا يفترقان. وقد تدرج خطابها(عليها السلام)

على وفق المقتضى والمقام إذ كان ذلك التدرج في مخاطبة الضمائر هو الأذكى للسياسات النفسية في قيادة النفوس الظامئة إلى الحق … لذا عمدت إلى إيراد التمثيل والتصوير في هذه الخطب محققة استشفافاً أقرب للمشاعر وانتهاضاً أوقع للهمم ساعية وراء التحصل المطلوب والتوصل المقصود وهو أنجع الوسائل لبلوغ هذه البلغة والتوصل إلى هذه النجعة، وعندها كان صوتها العلوي هادراً متطاولاً متجدداً لأن ذلك من سمات أصحاب الحق واليقين وصفات الواثقين بالله سبحانه وتعالى فلا تنفك عنهم صادقية الحق ورادعية أضاليل الباطل فهم على مثل هذا السبيل سائرون…(فالصدع مستعار للجهر والإبانة والعلاقة هي أن الصدع تنفصل به الأجزاء وتتبين مقاطعها وكذلك الإبانة والجهر تتحدد بهما الحقائق وتنكشف الأغراض…)(1).

وعناصر هذا البيان الصادع مستمدة من الاتكاء على ثوابت الحق وأنه صادر من جهة القمة في البلاغة وكذلك هو يسجل موقفاً تاريخياً حاسماً ليكون منعطفاً في تاريخ الأمة فيما بعد، ويمثل أيضاً صرخة مدوية في عرصات التاريخ وسككه، وعندها تكون هذه الخصوصية الشخصية للخطيب والتي غالباً ما تكون شخصية استشهادية أو داعية إلى دين الله قد ضحت بكل شيء من أجل إيصال خطبتها إلى القوم الجهلاء.

وهنا الصدع فيه بسالة، لأن البيان الباسل هو المأخوذ بنظر الاعتبار مكان النطق فيه، فالكلمة المبينة المنطوقة عند حاكم جائر تأخذ زخماً عنفوانياً بيانياً أعلى من الكلام المنطوق بالحرية التامة، وقد تكون هذه الكلمة شهيدة في بعض الأحيان، إذ تتجلى عندها الشجاعة والإبانة المكتسبة من خصوصية الموقف، وهي من الوسائل الداخلية للإبداع الخطابي(2).

وإن براعة التصوير والبيان في مثل هذه المواقف لا تنفك عن الشخصية الأبية فهي من لوازمها الثابتة (ولكن ما قيمتها إذا ما استعملت في مواقف رتيبة اعتيادية)؟ فهذه البراعة تقع عندما يتألق الصدع وذلك حينما تكون ماضية في مناسباتها حازمة لمقتضياتها واقعة في ساحاتها، كما في أديم الطفوف أو قرب الصولجان اليزيدي أو في رحاب المدينة المنورة إذ تكون إبانات عاصفة وإمضاءات هزهازة لا تقوم عندها للباطل قومة ولا تنهض لجحافله نهضة.

فمثلاً، يقول من شهد الموقف الزينبي: (لما أومأت زينب ابنة علي(عليهما السلام)
إلى الناس فسكتت الأنفاس والأجراس.
إنه نفوذ معنوي وهيمنة روحية ومدد الهي ينسجم مع خطورة الموقف وجلال المشهد وهي بهذه القوة والهيمنة تقوى على الإفصاح عن ما يفرضه المقام من مقال)(3).

إذن المسيرة الزينبية من الكوفة إلى الشام إلى الحجاز أثرت في مخالج منطقها وبراعة بيانها فنوعت خطابتها بحسب المواقف التي سارت فيها فلكل موقف أعطت بيانه ولكل مقام أدت ما عليها من خطوات التصوير وعندها تنوعت الإرهاصات النفسية المساوقة للمسيرة وقد اعتملت كفوارة إصدار خطابي تنوع نتاجها بما يلائم الموقف ومجموعة الناس الحاضرة.

وكانت الصورة في الخطاب الزينبي مشرقة النكهة وذات حق صرف فهي لا تراجي ولا تحابي، فهي(عليها السلام)
بنت أبيها رضعت الحق من ذاك البيت الطاهر لبانةً حتى استوسق في شرايينها دماً ثائراً وخطاباً شهادياً، فهي ابنة أمير المؤمنين وإمام المتقين (مشرع الفصاحة وموردها ومنشأ البلاغة ومولدها ومنه(عليه السلام) ظهر مكنونها وعنه أخذت قوانينها وعلى أمثلته حذا كل قائل خطيب وبكلامه استعان كل واعظ بليغ)(4).

لذا نقول إن الصورة عليها مسحة إلهية مع كل هذه الهزاهز والخطوب التي مرت بها عبر الظلامة التي لم يقع لها في التاريخ مثيل، فلو كان هناك غيرها لأنصهر وأناخ تحت كلكل خطبها العاشورائي الفظيع.
خاطبت العقيلة أولاً مجتمع الكوفة لأنه موقعاً هم أول من قابلتهم بعد موقعةِ الطف، وهم يمثلون القاعدة الشعبية التي عني الإمام الحسين(عليه السلام) بتوعيتها، وكانت التوعية بوخز الضمير.

وكان خطابها(عليها السلام) عنيفاً كاشفاً عن سباتِ هذا المجتمع ومثالبهِ وصولاً إلى إنهاض عام للنفوس الانهزامية عند أهل الكوفة.

وقد مثلت هذه المرحلة الأولى حين كان خطابها شعبياً موجهاً إلى العامة معتمدة على الأصول الخطابية لتركيز الوظيفة التصويرية في أذهانها، وعندها تحولت هذه الأدلة إلى صور فنية مشبعة بالحماس والاندفاع نحو خدمة أغراض النص.

وهنا تواجه السيدة (مجتمع الكوفة الحاشد وقد فرغ بالأمس من ارتكاب أفظع جريمة في تاريخ الإسلام تواجهه لتوقفه على دخيلته وحقيقته وتحلل شخصيته القلقة ونفسيته المعقدة منطلقة من الاستنتاج والحكم من نظرة دقيقة ودراسة مستوعبة، فتقول: (أما بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والغدر أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً تتخذون إيمانكم دخلاً بينكم، ألا وهل فيكم إلا الصلف وملق الإماء، وغمز الأعداء، أو كمرعى على دمنة أو كقصة على ملحودة)(5).

وهنا نلحظ أنها تقتبس الأسلوب القرآني التقريعي في المواضع المطلوبة والمناسبة لأن الاستشهاد بالقرآن مسكت وخير شاهد وشهيد.

وهي كأبيها(عليه السلام) في وصفه لأهل الكوفة وأخلاقهم في هذا الباب في مواضع كثيرة منها قوله:
(يا أهل الكوفة منيت منكم بثلاث واثنتين: صم ذوو أسماع، وبكم ذوو كلام، وعمي ذوو أبصار، لا أحرار صدقٍ عند اللقاء، ولا إخوان ثقةٍ عند البلاء! تربت أيديكم! يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها!، كلما جمعت من جانب تفرقت من آخر…)(6).

وتقول(عليها السلام) في المقطع الثاني:
(إلا بئس ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون، أتبكون وتنتحبون؟! إي والله فأبكوا كثيراً واضحكوا قليلاً)(7). إذ نلحظ هنا سرعة الخاطر وذلاقة الكلمات بسهولة ويسر مع التواقيع الشديدة للجرس القلبي في هذه الكلمات.
فمع السرعة لا تبدو ركة بل رصانة وجزالة وصواعق تحرق قلوب الجاحدين.

وتقول(عليها السلام) في المقطع الثالث:
(ويلكم يا أهل الكوفة! أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم! وأي كريمةٍ له أبرزتم؟! وأي دم له سفكتم؟! وأي حرمةٍ له انتهكتم؟! لقد جئتم شيئاً إداً تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً ولقد أتيتم بها خرقاء شوهاء كطلاع الأرض وملء السماء)(8).

وتصويرها يؤكد معرفتها التامة بمقام أخيها ومظلمته فهي تعد فعل أهل الكوفة أكبر ما حدث في الأرض شناعة وبشاعة لا لكونه أخاها بل لأنه دم مفعم بالطهر والزكاة. لذا فهي تؤكد أن السماء أمطرت دماً والاضطراب وقع في ظواهر الطبيعة حزناً على هذه الواقعة الأليمة، هذا (والرزايا جمة والأحداث كبار، والمحنة عظيمة في ذاتها وآثارها وإن لم يكن لها حد وعد فهي ملء الكون! بأرضه وآفاقه الرحيبة وسمائه الواسعة غير المتناهية)(9).

فكان أن أمطرت السماء ليس في الطفوف وحدها بل عمت آفاق الكون والمعمورة ناعية الحسين إماماً وشهيداً وشاهدة على هذه الفاجعة ونذيرةً بالغضب الإلهي لذلك.

من هنا كان البيان الزينبي ذا أثر في المسامع لامتلاكه امتداداً تاريخياً (لخلوده في صرخات الثورة الحسينية)، فقد قامت السيدة الطاهرة بتخليد أهداف الثورة ومقاصدها من خلاله، وعندها يمكننا القول إن هذا الخطاب الزينبي هو صنو الدم الحسيني في رفع مشاعل الإسلام عالياً في دروب البشرية السائرة بغير ما هدى ولا كتاب منير.

وهي(عليها السلام) بذمها لمجتمع الكوفة قد ذمت الوالي آنذاك وهو (عبيد الله بن زياد) الذي مثل في وقته قيادة هذه الناس ورأس هذه الأمة اليائسة، وهي تكشف في خطابها عن مدى التقهقر الإنساني في نفس الوالي والاندثار القيمي عنده بل تكتشف أنه رأس البلاء في انهزامية أهل الكوفة وتخاذل أمة كاملة من المسلمين إذ نقل ما فيه من خواء وضعف إليهم بالعدوى فاضمحلت أخلاقهم فأصبحوا كالبهائم كما فعل الطواغيت بأهل العراق في الحكم البائد.

فكان خطابها معه خطاباً مهاجماً تحذر بادرته والياً وتبين عيوبه أمام الجمع مشيرة إلى أنه السبب الرئيس لكل فواجع كربلاء والمخازي التي ارتكبت فيها، فما أمره يزيد إلا بأخذ البيعة من الإمام الحسين(عليه السلام) ولكنه تمادى في غيه إلى تقطيع الأشلاء وحز الرؤوس!!.

وقد أحكمت السيدة(عليها السلام) خطابها إبانةً وتمثيلاً، لأن التمثيل كما يقول عبد القاهر الجرجاني: (إذا جاء في أعقاب المعاني أو برزت هي باختصار في معرضه ونقلت عن صورها الأصلية إلى صورته كساها أبهة وكسبها منقبة ورفع من أقدارها وشب من نارها وضاعف قواها في تحريك النفوس لها ودعا القلوب إليها واستثار لها من أقاصي الأفئدة صبابةً وكلفاً وقسر الطباع على أن تعطيها محبة وشغفاً…)(10).

أما خطابها(عليها السلام) مع يزيد في الشام فقد كان متقناً صادعاً وهو يلقى في رأس الحاضرة الإسلامية آنذاك (دمشق) حيث لا تأخذها في الله لومة لائم ولا تتخيف في مخاطبة الظالمين على دينها بل كانت تمتشق عبارات أهلها في إبانة مثالب السلطان الأموي ومآثمه أمام الجمع الحاضر وهم رجالات الدولة في ذلك الحين، وهنا أخذت العبارة الخطابية وهي (التي تعطي المعاني والعواطف شكلاً مادياً يسهل به التفاهم)(11).

وقعها الشديد في نفسية المتلقي وهو ما يتجلى ارتجاعاً في عجزه أمام هذا البيان الصادع.
فحين أظهر الطاغية الآثم فرحته الكبرى في أخذه بثأر قتلى بدر من النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله) وهو يترنم بأبيات ابن

الزبعرى أمام الملأ بصوت عالٍ التي افتتحها بقوله:

ليت أشياخي ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الأسل
إلى قوله:
لست من خندف إن لم أنتقم
من بني أحمد ما كان فعل
فإن هذه الأبيات من الطغمة الحاكمة تمثل الجانب الآخر من الصورة وهو الجانب المقيت والمظلم لدثور نفس يزيد وتمرسها في عالم الظلام إذ لا هم له إلا ملاعبة القرود ومعاقرة الخمور وتعاطي الفجور.
فما أن أسمعت العقيلة هذا التشفي المتهافت بقتل عترة رسول الله(صلى الله عليه وآله) (وثبت كالأسد فسحقت جبروته وطغيانه فكأنها هي الحاكمة والمنتصرة، والطاغية هو المخذول والمغلوب على أمره…)(12).

قالت(عليها السلام): (الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسوله وآله أجمعين… صدق الله سبحانه حيث يقول: (ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون)(13).

فمن ملاحظ هذه نجد تمام أدب العقيلة(عليها السلام) وتهافت أخلاق الطاغية ذلك أنها تفاتحه بالقرآن وهو يفاتحها بالشعر، بما يدلل على أن الخلق الزينبي قرآني صادق وخلق يزيد من خلق الغاوين من الذين يقولون مالا يفعلون.

ثم تقول(عليها السلام): (أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى إن بنا على الله هواناً وبك عليهِ كرامة وإن ذلك لعظم خطرك عنده فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك جذلاناً مسروراً حيث رأيت الدنيا لك مستوسقة والأمور متسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا فمهلاً مهلاً لا تطش جهلاً أنسيت قول الله تعالى: (ولا تحسبن الذين كفروا إنّما نملي لهم خيراً لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين)(14).

وهنا تبين(عليها السلام) قانوناً أخلاقياً عاماً هو أن رثاثة الحال ليس مدلولاً على سوء العاقبة عند الله وأن أبهة المنظر وفحفحة الهيئة والمقام ليست دلالة على حب الله سبحانه وتعالى لذلك الشخص بل غالباً ما تكون الأمور في تعاكس مطرد، فقد يضع سبحانه رسالته في أضعف خلقه.

وبعدها تنتقل إلى أشجع فقرة في بيانها إذ تنعت الطاغية بابن الطلقاء، فهي في مقام لا تخاف في الله لومة لائم، ويزيد يملك مشرقها ومغربها دولة مترامية الأطراف، وهي امرأة قد ذهب عنها الناصر وسقط عنها الساند تواجه صولجاناً أموياً وملكاً طاغوتياً عاتياً فتقذفه بما يشينه وبما هي أدرى بأنها الكلمات الحارقة الخارقة لقلبه. وهي تقول:

(أمن العدل يا ابن الطلقاء وتخديرك حرائرك ونساءك وسوقك بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبايا قد هتكت ستورهن وأبديت وجوههن تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد ويستشرفهن أهل المناهل والمعاقل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد…)(15).

وهنا يتجلى التحدي في البيان والمعاجزة طعون باسلة في قلب الطاغية وهي طعون مصورة صادعة لا يمكن انمحاء آثارها وستبقى خالدة في جبين الإنسانية لاسيما وأنها قد ارتبطت بالعقيدة لتتمخض عنها صور خطابية تتناسب ومستوى تلك العلاقة، وصولاً إلى قول العقيلة(عليها السلام):

(فو الله ما فريت إلا جلدك ولا حززت إلا لحمك، ولتردن على رسول الله(صلى الله عليه وآله) بما تحملت من سفك دماء ذريته وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته…)(16).

يقول الشيخ باقر القرشي: في فحوى هذا المقطع:
(إن الطاغية بسفكه لدماء العترة الطاهرة لم يسفك إلا دمه ولم يفر إلا جلده فإن تلك النفوس الزكية حية وخالدة قد تلفعت بالكرامة وبلغت قمة الشرف وباء هو بالخزي والخسران…)(17).

ويمكن على نحو الإجمال بيان أهم مقاصد الخطبتين فنقول: كان حديث الإمامة وحق الإمامة هو ذلك الحق المغتصب الذي حاول أهل البيتِ(عليهم السلام) تبيانه في كل مقام ومقال، لذا كانت الصراحة مفعمة بالنقد اللاذع في هذا الباب، لأن الحاكم الآني وهو مغتصب لهذا الحق الذي بينته الخطبة فتريد العقيلة الطاهرة أن تبين للأمة أن حق الإمامة في السلطان الحاضر غير شرعي لأنها من خصوصيات أهل البيت بالنص الإلهي والمحمدي، ثم إن هاتين الخطبتين ازدانتا بالاقتباسات القرآنية التي هي من نسق أهل البيت الذين حفظوا القرآن واستوعبوه فما أحراهم باسترسال كلام الله في ثنايا خطبهم، مما كان ذلك أدعى إلى تقاربهم البياني والأسلوبي حتى يخيل إليك أن المعاني تتفجر تفجراً من ذلك الفيض الإيماني العتيد.

وخلاصة ما تقدم:
فزينب العقيلة الطاهرة ابنة أبيها حيث البلاغة والصلابة والصبر والرسوخ، وابنة أمها الطاهرة البليغة الحصيفة البارعة، وهي أخت أخيها حيث التضحية والفداء لإعلاء دين الله ونصرته، فقد اجتمعت هذه كلها في لب العقيدة الزينبية فتجلت صرخة مدوية في قلوب الظالمين كشمر وابن زياد وعمرو بن سعد ويزيدهم في الشام.

إن أهم ما يلاحظ على خطبتيها أحداث الساعة وهي أميل إلى التهديد والوعيد من التوعية والإرشاد كما في خطب أمها الزهراء(عليها السلام) وذلك بسبب الظروف التي عاشتها والمصائب التي حلت بها، فزينبٌ(عليها السلام) ترى ما تقول رأي عيان فهي ترى عاقبة يزيد وزمرته السيئة وهو يستهزئ بكلامها لأنه قد أبطرته هيبة الملك وصولجان الحكم واستضعاره لكل ما عداه.

إذن الجانب التهديدي يغلب لاسيما وأنها مهددة وجميع أفراد عائلتها بالسيف الأموي فهي تخطب ولكن في حقيقة الأمر أسيرة ذلك السيف الغاشم وسبية الظلم السفياني وما تزال تحت سيطرتهم وطغيانهم، وبذلك اكتسبت خطبتها شواخص الشجاعة وأفانين البلاغة في قولة الحق بوجه الطغاة فالخطبة مقولة في عرش يزيد أي أن المظلوم يصرخ وهو في عرين الجاني غير هياب ولا خائف من عتو ذلك الطاغي! لأنها متيقنة كل التيقن أن الله يدافع عن الذين آمنوا والذين هم مهتدون… والحمد لله أولاً وآخراً.

نشرت في العدد 19


(1) التصوير البياني (أبو موسى) ص212.
(2) ينظر: فن الخطابة وتطوره عند العرب، حاوي ص15.
(3) زينب والظالمون، ص72.
(4) مقدمة الشريف الرضي لنهج البلاغة ص13.
(5) زينب والظالمون ص77 (النصوص محققة ومشروحة)
(6) نهج البلاغة تقديم وشرح محمد عبده من الخطبة 96 ـ مطبعة مؤسسة المختار 2006م.
(7) زينب والظالمون، ص86، وحياة الإمام الحسين 3/335.
(8) زينب والظالمون ص91.
(9) زينب والظالمون ص93.
(10) أسرار البلاغة ـ تحقيق محمود محمد شاكر،ص115.
(11) فن الخطابة وتطوره عند العرب، حاوي ص21.
(12) السيدة زينب بطلة التاريخ ورائدة الجهاد في الإسلام ص278.
(13) سورة الروم الآية 10.
(14) سورة آل عمران الآية 178.
(15) السيدة زينب بطلة التاريخ ورائدة الجهاد في الإسلام ص 278.
(16) أعلام النساء 2/504 وبلاغات النساء ص21.
(17) السيدة زينب بطلة التاريخ ورائدة الجهاد في الإسلام: ص282.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.