Take a fresh look at your lifestyle.

المرتكز الأخلاقي في القرآن الكريم

0 1٬541
            إن الإسلام قرآناً وسنة قدم للإنسانية نظاماً أخلاقياً عملياً شاملاً هدى ورحمة للعالمين،
            ففي آداب الإسلام وأخلاقياته ومعنوياته ما يقوم دستوراً للحياة في كل صور الحياة وأسماها،
            وللحضارة في أرقى ما تصل إليه الحضارة،
            يصوغ المعاملات والعلاقات الاجتماعية والسلوك الإنساني على الحق والخير ولا يضع قيوداً على الضمير أو يحول دون تقدم الفكر،
          ولا يكبل الإنسان بالزهد والتقشف، ولا يرضى أن يسلم نفسه للترف والمتاع، بل كان بين ذلك قواماً يدعو إلى التأمل والنظر في خلق الله، وإمعان الفكر ليسمو العقل إلى حقيقة الكون والكشف عن أسراره(1).
           ويعد القرآن الكريم المصدر الأساسي لتعاليم الإسلام وأحكامه وقيمه وتوجيهاته، وهو صالح لكل زمان ومكان، وهو لم يترك صغيرة ولا كبيرة من الأصول والأسس والمبادئ التي تفيد الإنسان وتنفعه في حياته وآخرته إلا تضمنه وأشار إليه بشكل مباشر،
        فالقرآن الكريم هو حبل الله المتين ليس بفلسفة ولا نظرية، لذا فــهو مصدر صالح يمكن المسلمين أن يشتقوا منه أسس ومبادئ وفلسفات ونظريات حياتهم، بما فيها فلسفتهم التربوية الأخلاقية ونظامها التعليمي والسياسي(2).
          إن الباحث الذي يسبر غور الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الطاهرة ويستقرئها يجد ذخيرة وفيرة من القيم التربوية والأخلاقية التي تنظم علاقة الإنسان بربه من جهة ومع بقية أفراد المجتمع من جهة ثانية .
          ولذا نجد أن المنظومة القيمية التي أرست دعائمها العقيدة الإسلامية مرتبطة ارتباطاً قوياً بالأيمان بالله، وعليه فأن التربية التي يدعو أليها الإسلام هي تربية خلقية تسعى إلى بناء الإنسان بناءً خلقياً سليماً وتجعله يعود إلى ذات نفسه والى القيم الخلقية التي يلتزم بها في جميع أنماط سلوكه مثل الصدق، والأمانة والعدل، والرحمة، والحلم، والحرية وغير ذلك من أمهات الفضائل الإسلامية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحقيقة الإيمان(3).
           إن ربط السياسة بالقرآن الكريم وأحاديث المعصوم، يساعد على إبراز العلاقة التي تربط الدين بواقع الحياة وبمشاكلها ومناشطها، ويقوي لدى الناشئة الشعور الديني وروح الفخر والاعتزاز بدينهم وتراثهم الإسلامي(4).
             إن القرآن الكريم كتاب للإنسانية، فهو كلام الله ووحي سماوي وليس من إبداع الفكر الإنساني، وهو كتاب يقدسه ويحترمه جميع المسلمين.
وهو مصدر الأخلاق وميزان القيم، فالأخلاق الفاضلة وسيلته وغايته في تحقيق سعادة الفرد والمجتمع، وتقوية العلاقة بين الفرد وربه(5).
            إن قيم المجتمع الإسلامي تنبثق من مصدرين أساسيين هما: كتاب الله وأحاديث وسنن الرسول الكريم محمّد(صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين(عليهم السلام) والحقيقة أن الفلسفة الأخلاقية في منظور الإسلام ذات شقين هما(6):
   1ـ الشق النظري: الذي يحدد الإطار الفكري أو ما يصلح تسميته بالنظرة الأخلاقية كما تبدو في القرآن الكريم والسنة الشريفة .
   2ـ الشق العملي: وهو الذي يبين ممارسات العملية الأخلاقية في عالم الواقع، أي أن الإسلام قدم مبادئ أخلاقية عامة تألف فيما بينها لتكون في مجملها نظرية تشكل القاعدة الأساسية لكل الممارسات العملية.
             ولم يبق جانب من جوانب الحياة الإنسانية إلا وقد صيغ في الإسلام صياغة أخلاقية: الجانب النظري والجانب العملي، العقائد والعبادات والجانب الاجتماعي إلى غيرها من الجوانب ذات العلاقة بالإنسان، وجعلت تلك الجوانب كلها بشكل متكامل، فلا تبقى قضية من قضايا الإنسان إلا وقد بين له ما ينبغي أن يفعل فيها، وما هو الأعدل والأقوم! إن تلك القضايا صيغت من أجل بقاء الإنسان في دائرة مكارم الأخلاق مجتنباً سيئها، مقبلاً على طيبها(7).
             لقد ربط الإسلام ربطاً محكماً بين العقيدة، والعبادات والأخلاق، فالعقيدة الصحيحة لابد أن تعبر عن نفسها في العبادة الخاشعة الصادقة وهذه لابد أن تؤدي إلى ممارسة عملية للفضائل الأخلاقية(8).
             وهو المستشف من قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كُبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)(9) وهو ما نلحظه في تأكيدات عدل القرآن الإمام علي(عليه السلام) بقوله:
            (الإيمان والعمل إخوان توأمان ورفيقان لا يفترقان)(10) وذلك لان أهم ما يميز القيم الإسلامية بشكل عام والقيم الأخلاقية بشكل خاص، ربط العقيدة بالعمل والقول بالفعل، والنظرية بالتطبيق، ولا قيمة لأيمان لا يتبعه عمل صالح يبرهن على صحته(11).
           فالإيمان هو أساس الأخلاق الفاضلة، وهو المعين الذي تنهل منه الأخلاق الإسلامية، والإيمان لا يكون إيماناً حتى ينبع من القلب والضمير عن رضىً خالص، ولا خير في كلمة ينطق بها اللسان زوراً ويكفر بها القلب، فذلك هو النفاق الذي يعده الإسلام شراً من الكفر الصريح.
           ولذا فالأساس الأول في القرآن الكريم هو الإيمان بوجود إله واحد، فرد صمد لا يشاركه في ملكه أحد يتصف بصفات الكمال جميعها، وله الأسماء الحسنى، والإسلام حدد معالم الأيمان تحديداً دقيقاً لا يقبل التعطيل والتشبيه وحدث ذلك في الأديان الأخرى التي سبقت الإسلام، التي كانت تؤكد توحيد الربوبية، الذي يعبر عن توحيد العبادة أي عبادة الخالق وحده لا شريك له، في الأنداد والأوثان والأشخاص .
          فجوهر الأخلاق في الإسلام يقوم على الأيمان بالله وحده لا شريك له وبما أمر به تعالى من قواعد لأدب النفس وقواعد السلوك للفرد والجماعة . فالإيمان بالله يتضمن بكل ما جاء به، وحين ينبع الخير من ضمير المؤمن ويتجرد من كل نوازع الأنانية وحب المنفعة وغرائز الشر الكامنة في النفس البشرية، يكون الدين سياج الأخلاق(12)
           حيث نلحظ أن (حب الله سبحانه يدخل في صميم القضايا السلوكية، خاصة تلك التي تتعلق بمظهر الإنسان، وحسن احتكاكه مع الناس.. فيلتفت القرآن الكريم إلى قضايا لا يلتفت إليها أي مفكر أو فيلسوف أو صاحب مذهب..)(13).
          ولهذا فإن نظرة سريعة إلى عالمنا الذي نعيش فيه تُبين لنا ـ أياً كان الاتجاه الذي ننظر إليه ـ أن منظومات القيم الأخلاقية في العالم تتفكك تفككاً متزايداً، ولا غرابة في ذلك، إذا ما تبينا أن أثر الأديان في العصر الحديث قد تراجع تراجعاً ملحوظاً، هذا أمر ينعكس بصورة مباشرة على منظومة الأخلاق في المجتمع، لأن مصدر القيم الأخلاقية في الأصل هو الدين كما تبين.
          والخلاصة: إن القرآن ليس عملاً فلسفياً، بمعنى أنه ليس ثمرة فلسفية، وهو لا يستخدم طُرق الاكتساب الفلسفي، بالإضافة إلى أنه لا يتبع كذلك طُرق التعليم التي يتبعها الفلاسفة، وهي طرائق المنهج العقلي، التي تقوم على:
         (التعريف، والتقسيم، والبرهنة، والاعتراضات، والإجابات)؛ وهي كلها أمور متلاحمة دون جدال، ولكنها لا تؤثر إلا على جانب واحد من النفس، وهو الجانب العقلي، على حين إن للقرآن منهجه الذي يتوجه إلى النفس بأكملها؛ فهو يقدم إليها غذاءً كاملاً، يستمد منه العقل، والقلب، كلاهما،نصيباً متساوياً ومرتكزاً لا يمكن الانفكاك منه في أي ظرف كان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ظ: حسين فوزي النجار،نظرية الأخلاق في الإسلام، مجلة العربي، العدد 217، كانون الأول،الكويت، 1976،ص18.
(2) ظ: عمر الشيباني ومحمد التومي، تطور النظريات التربوية، مطبعة القلم،تونس، 1982،ص104.
(3) ظ: آمال حمزة المرزوقي، النظرية التربوية الإسلامية ومفهوم الفكري التربوي الغربي، شركة المدينة المنورة للطباعة والنشر، السعودية، 1982، ص33.
(4) ظ: عبد الله ناجح علوان، تربية الأولاد في الإسلام، دار السلام للطباعة والتوزيع،بيروت، 1981، ص 406.
(5) ظ: إبراهيم مدكور وآخرون، معجم العلوم الاجتماعية، الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة، 1975، ص40.
(6) ظ: عادل العوا، قضايا القيم في الفكر التربوي الإسلامي، الأصول والمبادئ المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس، 1987م، ص422.
(7) ظ: سعيد حوى وهبي سليمان والفالوجي، دراسات منهجية هادفة حول الأصول الثلاثة: الله، الرسول الإسلام، ط2، دار الكتب العلمية، بيروت، 1979، ص322 .
(8) ظ: عبد المجيد مسعود، القيم الإسلامية التربوية والمجتمع المعاصر، قطر، 1999، ص123.
(9) سورة الصف، 3. لم يكثر البحث بالاستشهاد بالآيات المباركة ؛ وذلك لكونه ليس في مقام البحث التفسيري أو الدلالي فاقتضت الإشارة بما يسمح به المقام.
(10) علي محمد ألليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق: حسين الحسيني البرجيدي، دار الحديث، (دت)، ص22.
(11) ظ: عمر الشيباني ومحمد التومي، تطور النظريات التربوية، مطبعة القلم،تونس، 1982، ص241.
(12) ظ: حسين فوزي النجار،نظرية الأخلاق في الإسلام، ص15.
(13) زهير الاعرجي، الأخلاق القرآنية، دار الزهراء، بيروت، 1987م، 2/46 .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.