الثلاثاء , 19 مارس 2024
الرئيسية » تاريخ النجف الأشرف » النجف في الصحف والمجلات » أرض النجف التاريخ والتراث الجيولوجي والثروات الطبيعية القسم الثالث ـ الأخير ـ

أرض النجف التاريخ والتراث الجيولوجي والثروات الطبيعية القسم الثالث ـ الأخير ـ

أرض النجف
التاريخ والتراث الجيولوجي والثروات الطبيعية
القسم الثالث ـ الأخير ـ
الشهيد الدكتور موسى جعفر العطية

الفصل الرابع: الثروات المعدنية في محافظة النجف:
مقدمة:
كشف المسوحات الجيولوجية والتحريات المعدنية التي خضعت لها مناطق العراق طيلة ثمانية عقود من الزمن عن الثروات الطبيعية الكامنة وتحديد طبيعتها وتوزيعها في مناطق العراق المختلف وتحديد احتياطاتها وفي هذا الخصوص يشار إلى النفط والغاز باعتبارهما من أهم الثروات الطبيعية المكتشفة وأصبح العراق من الدول الغنية في هذه الثروة ويصنف الاحتياطي النفطي للعراق بأنه ثاني ـ وهناك من يعتقد بأنه الأول ـ أكبر احتياطي نفطي في العالم.
إضافة للثروة النفطية كشفت أنشطة المسوحات الجيولوجية والتحريات المعدنية عن الثروات المعدنية وحددت احتياطات عدة أنواع من الترسبات المعدنية والصخور الصناعية مثل الترسبات المعدنية للكبريت في منطقة المشراق جنوب شرق الموصل والفوسفات في منطقة عكاشات قرب القائم في أقصى غرب العراق وترسبات الحديد والأطيان في الصحراء الغربية العراقية وغيرها من الترسبات المعدنية التي ينتشر وجودها في مناطق مختلفة من محافظات العراق التي يحكم توزيعها الإطار الجيولوجي العام للعراق والخاص لكل منطقة أو محافظة وعلى هذا الأساس نستعرض في هذا الفصل طبيعة الثروات المعدنية المكتشفة والكامنة في محافظة النجف.

نتناول في هذا الفصل ثلاثة مباحث هي الترسبات المعدنية والصخور الصناعية وإضافة إلى ذلك نتناول مبحثاً خاصاً حول ترسبات اليورانيوم المكتشفة في المحافظة وفي منطقة أبو صخير بالتحديد وبذلك ينفرد الكتاب أسبقية النشر حول هذا الموضوع الذي اكتنف جوهره الغموض وتداوله بالهمس المتخصصين وغير المتخصصين من سكان محافظة النجف وخارجها لأكثر من عقدين من الزمن وآثرنا أن نبادر إلى ذلك على أساس أن العراقيين أولى من غيرهم بمعرفة ثروات أرضهم سيما وأن المعلومات الخاصة بهذا الموضوع سلمت إلى أعضاء فرق التفتيش الدولية وبالتفاصيل المطلوبة خلال عمل تلك الفرق في العراق منذ عام 1991 لغاية عام 2003 تنفيذاً لقرارات مجلس الأمن التي أصدرها عام 1991م حول التحقيق عن برامج أسلحة الدمار الشامل.

الترسبات المعدنية في محافظة النجف:
الاحتمالات المعدنية في محافظة النجف مرتبطة بطبيعة إطارها الجيولوجي وقد حققت عمليات التحري والتنقيب عن ترسبات الخامات المعنية في رقعة محافظة النجف اكتشاف عدد من الترسبات المعدنية أو رصد شواهد لوجودها وتبقى الاحتمالات واردة في تحقيق اكتشافات أخرى مع استمرارية أنشطة عمليات التحري والتنقيب ومتابعة معطياتها في مناطق محافظة النجف وقد أثبت ذلك معطيات الأنشطة الاستكشافية في السنوات الأخيرة التي أجريت في محافظة النجف وبالتحديد في مناطق طار النجف وهضبتها من قبل خبراء الشركة العامة للمسح الجيولوجي والتعدين وتم اكتشاف بعض الترسبات المعدنية التي لم تكتشف سابقاً كما تبين ذلك لاحقاً.
إن الترسبات المعدنية الموجودة في محافظة النجف بالرغم من كونها محدودة التنوع إلا أنها مهمة من الناحية الاقتصادية كمصدر للثروة ومواداً أولية تسهم في تطوير الصناعة العراقية فضلاً عن إسهامها في تطوير النمو الاقتصادي لمحافظة النجف فيما يلي عرض موجز للمعادن المكتشفة في محافظة النجف:

الأحجار الكريمة (در النجف):
وهو أقدم الاكتشافات المعدنية في النجف وقد ورد ذكره في الأحاديث المروية عن أهل البيت(ع) كما ورد ذكره ووصفه في الشعر العربي القديم وسوف نفرد مبحثاً خاصاً عن در النجف لخصوصيته التراثية والجيولوجية وذلك في الفصل السادس.در النجف2
در النجف هو بلورات أحادية نقية المعدن من معدن الكوارتز (المرو) وهذه البلورات شفافة إلى نصف شفافة وتوجد بأحجام مختلفة ؟؟؟ حصى (حصباء) تكوين الدبدبة الذي تغطي هضبة النجف وتقوم على أساس وجود هذه الأحجار صناعة محلية تراثية لصقلها واستخدامها كحجر كريم في صناعة الخواتم والحلي النسائية وقد أعد السيد ناظم عباس دراسة معدنية وافية عن در النجف نقتبس منها هذه المعطيات:
Sio2(98.83%), AL2o3 (0.236%) CaO (0.17%) MgO (0.83%)

وزنه النوعي 2.638 ويلاحظ من تركيبه الكيميائي أن در النجف مكون من سليكا نقية.
وتختلف أشكال در النجف بين الكروية والمفلطحة والبيضوية والاسطوانية أما ألوانه فهي مختلفة منها بيضاء شفافة وبيضاء حليبية ووردية وأحياناً أسود نفطي شفاف وغير شفاف أما حجوم در النجف متباينة بين الخشندر النجف1 الذي يصل قطره أحياناً إلى 15سم (وهو حجم كبير نادر الوجود) والناعم الذي يبلغ حجمه 1ملم ولكن الحجوم المتداولة للاستخدام لأغراض الزينة بين 1ـ7سم، يستخرج در النجف من حصباء النجف بواسطة أهالي المنطقة ومن بعض المواقع التي تكثر فيها نسبة الحصى في تكوين الدبدبة وأفضل وقت لالتقاط حبات الدر هو بعد سقوط الأمطار مباشرة حيث يتجلى للناظر بريق شفافية حبيباته.

الكبريت:
توجد ترسبات الكبريت في محافظة النجف وهي ترسبات محدودة الكمية قدر احتياطي موجودها بحوالي 325 طن وتوجد أغلب ترسبات الكبريت في منطقة تعرف بالكبريتية تقع جنوب المحافظة قرب الحدود مع المملكة العربية السعودية ونشأت حول قرية صغيرة تعرف بالكبريتية والكبريتية حوالي 220كم إلى الجنوب الغربي من مدينة النجف الأشرف كما تبعد حوالي 53كم من الشبجة بحوالي 25كم عن مخفر المعاينة قرب الحدود العراقية السعودية.كبريت النجف
من معالم منطقة الكبريتية البالوعات (sinkholes) اثنان منهما كبريتان أحدهما يحوي كبريت حر أصفر اللون والآخر خالي من الكبريت كما تنبعث من البالوعة رائحة غاز ثاني كبريتيد الهدروجين الدالة على وجوده تتألف البالوعة الكبريتية في منطقة من ثلاثة بالوعات متصلة يبلغ قطر أكبرها حوالي 56 متراً باتجاه شرق غرب و49 متراً باتجاه شمال جنوب وهي قريبة إلى طريق شبجة ـ معاينة وتبلغ عمقاً حوالي 50 متراً أما البالوعة الأخرى فتبعد عنها مسافة 37 متراً إلى الشمال الغربي من البالوعة الأولى ويبلغ قطرها حوالي 27 متراً ويربط بقناة مع البالوعة الكبيرة والبالوعة الصغيرة الثالثة التي تبعد عنها مسافة 100 متر وهي بالوعة صغيرة لم يكتمل هبوطها ويبلغ عمقها حوالي 20 متراً.
يوجد الكبريت بصورة رئيسية في البالوعة الكبيرة وبشكل حر يملأ الفجوات والفراغات وعلى شكل بقع محدودة الامتداد ويتداخل مع الصخور الجبسية في داخل البالوعات والقنوات الموصلة بينها ويمكن القول بأن الكبريت في هذه المنطقة يوجد حيثما توجد صخور الجبس وهو ما يشير إلى أصل نشوء الكبريت في هذه المنطقة نتيجة لعمليات الجيوكيميائية التحويرية في ظروف بيئة اختزالية أثرت على كبريتات الكالسيوم (الجبس) بواسطة الأكسدة الجوية لغاز كبريتيد الهيدروجين تم استثمار الكبريت منذ القدم في هذه المنطقة وبكميات محددة وبطرق بدائية سيما أن موقع الكبريتية قريب من طريق الحج القديم سيما وأن الكبريت من المواد المحفزة التي تستخدم في معالجة الأمراض الجلدية للإبل والمواشي فضلاً عن الأمراض الجلدية للإنسان.

السلستايت:
السلستايت هو معدن عنصر السنتروتيوم وصيغته الكيمياوية (SrSo4) وهو من المعادن الصناعية ذات الاستخدامات الواسعة بالإضافة إلى كونه المصدر الرئيسي في الطبيعة للحصول على عنصر السنترونتيوم وهو يستخدم في صناعة الأصباغ والحراريات والمطاط والأدوية والعديد من الاستخدامات الأخرى.
اكتشفت شواهد هذا المعدن في صخور طار النجف من قبل البصام عام 1993 وذلك في صخور تكوين أنجانة على شكل بلورات موشورية طويلة وصفائحية وقد أوضحت الدراسات التي تناولت معدنية السلستايت وأصل نشأته إلى أن معدن السلستايت يوجد في الصخور الرملية والغرينية في تكوين أنجانة ولحد أقل في صخور تكوين الدبدبة وذلك بصيغ بلورية مختلفة منها المنفردة والمترابطة أو بشكل نسيج وردي وهي بلورات صغيرة يبلغ طولها والي 0.4ملم ويعتقد أن أصل السترونتيوم الذي أدى إلى نشوء ترسبات السلسيتايت في صخور أنجانة والدبدبة يعود لعدة مصادر هي المياه الجوفية العميقة المصاحبة للنفوط والتي تصعد إلى السطح عبر الفوالق والشقوق بسبب تأثير فالق أبو الجير أو ربما يكون مصدره من معدن الأرغونايت الذي يحتوي على تراكيز عالية للسترونتيوم يمكن أن يتحرر عندما يتعرض هذا المعدن إلى عمليات جيوكيميائية تحويرية يبلغ معدل تركيز معدن السليستايت في بعض صخور طار النجف حوالي 100% ولا يوجد استثمار حالياً لهذا المعدن حيث لم تستكمل عمليات استكشافه وتحديد احتياطاته.

الفلدسبار:
الفلدسبار (Feldspar) مجموعة من المعادن الرئيسية في تشكيلة مكونات الصخور النارية والصيغة الكيميائية الأساسية لمعادن الفلدسبار هي سليكات الألمنيوم المرتبطة مع البوتاسيوم (معدن الأورثوكليس) أو مع الصخور الناريةالصوديوم (معدن الألبايت) أو مع الكالسيوم (معدن الأنورثايت).
الفلدسبار يوجد في الصخور الرملية الناتجة من تعرية الصخور النارية كما يتحول إلى معادن طينية عند تعرضه للتجوية الكيميائية تستخدم معادن الفلدسبار في مجالات صناعية عديدة أهمها في صناعة السيراميك والحراريات حيث يستخدم كمادة مصهرة (Flux) للخلطات السيراميكية والزجاج والمواد العازلة للحرارة والكهرباء فضلاً عن كون معدن الفلدسبار أحد مصادر الألمنيوم في الطبيعة إضافة إلى استخدامات أخرى في صناعة الورق والصابون والصقل.
تحتوي رمال تكوين الدبدبة في هضبة النجف على نسب ضئيلة من معدن الفلدسبار ضمن مجموعة المعادن الثقيلة في مكونات تلك الرمال ولكن في السنوات الأخيرة تم اكتشاف تراكيز عالية نسبياً من الفلدسبار في رمال تكوين الدبدبة في بعض المواقع القريبة من النجف على طريق نجف ـ كربلاء وأطلق عليها اسم الرمال الحاملة للفلدسبار وتوجد ضمن طبقات رملية يبلغ معدل سمك الرمال الحاملة للفلدسبار حوالي سبعة أمتار.
أنجزت عمليات استكشاف وتحديد احتياطات الرمال الحاملة للفلدسبار من قبل الشركة العامة للمسح الجيولوجي والتعدين كما تم تسويق كميات منه في السنوات الأخيرة إلى الشركة العامة لصناعة الزجاج والسيراميك في الرمادي لاستخدامه في خلطات صناعة الكاشي السيراميكي ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الخصوص توفر الاحتياطات الكبيرة من هذه الرمال والتي يمكن أن يقدم على أساسها صناعات مهمة للزجاج والسيراميك.
يوجد الفلدسبار في الرمال الحاملة لمعادنه على شكل حبيبات مختلفة الحجوم والسائد منها الحجوم التي تتراوح بين 2 إلى 0.5ملم والتي تشكل حوالي 42% من مجمل حجوم تلك الرمال ويوج الفلدسبار بصيغتين هما الفلدسبار الوصودي ممثل بمعدن الألبايت وصغيغة الفلدسبار البوتاسي ممثل بمعدن الأورثوكليس وهي الصيغة الأكثر انتشاراً في تلك الرمال.
حول أصل وجود الفلدسبار في رمال تكوين الدبدبة فإنه مشتق من تعرية صخور النارية للدرع العربي في الأراضي السعودية وانتقل من المكونات الأخرى لنواتج التعرية بواسطة المياه عبر شبكة من الأنهار المتجهة نحو مناطق هضبة النجف وتركز في بعض المواقع من هضبة النجف وتبلغ نسبة معادن الفلدسبار في رمال تكوين الدبدبة وفي المواقع المكتشفة حوالي 7% وترتفع نسبة تركيز المعادن هذه إلى 39% في الحجوم الحبيبية للرمال الأكثر من 0.7ملم وذلك بعمليات غربلة بسيطة قبل تسويقه للتخلص من حجوم الرمال غير المرغوب فيها.

الصخور الصناعية:
كما أسلفنا سابقاً أن طبيعة الصخور في محافظة النجف هي من النوع الرسوبي (sedimentary Rocks) بأنواعها المختلفة الجيرية والرملية والغرينية والطينية والمارلية مع تواجدات للحصى (gravels) في بعض المواقع فضلاً عن الرمال التي تتواجد بكميات كبيرة جداً في المحافظة.صحراء
إن نسبة انتشار الصخور الجيرية في محافظة النجف هي الأعلى بين أنواع الصخور الأخرى يليها في ذلك الصخور الرملية والرمال التي ينحصر تواجداتها الرئيسية في هضبة النجف وإلى درجة أقل في نسبة الانتشار توجد أيضاً صخور طينية ومارلية.
بعض أنواع الصخور في محافظة النجف لها استخدامات صناعية والتي يطلق عليها في المفهوم الجيولوجي الاقتصادي بالصخور الصناعية (Industrial Rocks) وفيها يلي عرضاً لأنواع الصخور الصناعية الموجودة في محافظة النجف.

الصخور الجيرية (Limestone):
الصخور الجيرية واسعة الانتشار في رقعة محافظة النجف وتتكون من كاربونات الكالسيوم والمدلمتة أحياناً أي تحتوي على نسبة من كاربونات المغنيسيوم متداخلة مع كاربونات الكالسيوم كما تكون في بعض حالاتها متسلكنة أي تحتوي على نسبة من السليكا ضمن مكوناتها الرئيسية وتحدد درجة نقاوة الصخور الجيرية طبيعة الاستخدامات الصناعية لها.
تعود الصخور الجيرية في محافظة النجف المواصفات الملائمة للصناعة إلى تكويني الدمام والفرات حيث تستخرج حالياً صخور تكوين الفرات من تكشفاتها السطحية القريبة من مدينة النجف (مقلع معمل سمنت الكوفة) وتستخدم معمل سمنت الكوفةالصخور لأغراض صناعة السمنت في معمل سمنت الكوفة وتنقل بواسطة حزام ناقل إلى المعمل الذي يبعد عن موقع مقلع الصخور الجيرية حوالي 8كم.
الاستخدام الثاني للصخور الجيرية الموجودة في محافظة النجف هو في صناعة مواد البناء حيث تستخدم كبديل للرخام في تغليف الجدران والأرضيات وقد أظهرت بعض الفحوصات الهندسية ملائمة الصخور الجيرية التي تعود إلى تكوين الدمام في منطقة الرحبة لهذا الغرض وقامت إحدى شركات القطاع الخاص باستثمار هذه الصخور من مواقع في منطقة الرحبة فضلاً عن استغلالها من قبل الأهليين ومن مناطق متفرقة في المحافظة وتسويقها كأحجار للبناء تعرف محلياً بالجدم.
أما الصخور الجيرية المتسلكنة ليس لها استخدامات صناعية في الوقت الحاضر.

أطيان الباليغورسكايت:
توجد في محافظة النجف بعض المعادن الطينية مثل الباليغورسكايت والكلورايت والسمكتايت والكاؤولينايت ضمن رسوبيات بعض التكاوين الجيولوجية التي تتكشف في طار السيد وفي مناطق أخرى من المحافظة ويتميز بينها معدن الباليغورسكايت وهو من المعادن الطينية المعروفة ذو استخدامات صناعية متعددة ويتواجد بتراكيز عالية في بعض الطبقات الصخرية لتكوين أنجانة وإلى درجة أقل من التراكيز توجد أطيان الباليغورسكايت أيضاً في محور تكوين الدبدبة.
الباليغورسكايت (Playgordkite) معدن طيني ويعرف بتسمية أخرى هي الأتبلغايت (Attupuhlgite) وهو عبارة عن سليكات الألمنيوم المغنيسية وتركيبه البلوري من النوع الليفي (Fibrous) وينشأ هذا المعدن في ظروف قلوية عند توفر ظروف قلوية وتراكيز عالية للمغنيسيوم في ظل توفر ظروف اختزالية في مناخ جاف إلى شبه جاف وقد عرفت له استخدامات عديدة أهمها في قصر الألوان وتنقية المحاليل من الشوائب.
توجد أطيان الباليغورسكايت في أرض النجف وبالتحديد في بعض المناطق طار النجف منذ زمن قديم ويعرف بطين خاوة الذي سنفرد له فقرة خاصة في الفصل السادس باعتباره من مفردات الموروث الجيولوجي لمحافظة النجف.
توجد أطيان الباليغورسكايت في محافظة النجف ضمن طبقات صخرية تتخذ شكل عدسات وضمن طبقات متعاقبة من الصخور الرملية والوحلية وفي الجزء الأسفل من تكوين أنجانة.
ويتراوح سمك الطبقات العدسية بين نصف متر إلى متر واحد، بالنسبة لألوان الأطيان فهي مختلفة من الأخضر ذو زرقة إلى الرمادي وهي مخلوطة مع صخور غرينية جيرية ويتباين تركيزها ليصل إلى حوالي 90% من نسبة التركيز المعدني لمجمل المحتوى المعدني للصخور.
التركيب الكيميائي لأطيان الباليغورسكايت في محافظة النجف يتمثل بما يلي:
SiO2 (52.3%), Fe2O3 (7.3%), AiO3 (14.1%), TiO2 (0.75%), CaO (1.3%), MgO (8.2%), So3 (0.83%), Na2O (0.73%), K2O (3.4%), L.O.I (9.66%).
لم تستثمر أطيان الباليغورسكايت لحد الآن لأغراض صناعية ولكن تستخرج محلياً على نطاق محدود جداً ويعرف بطين خاوة يباع إلى النسوة لغسل الشعر حيث يعمل على امتصاص الشوائب والمواد الدهنية وقد أجريت تجارب ناجحة لاستخدام هذه الأطيان في قصر ألوان الشمع البرافيني وبعض المنتجات النفطية وكذلك في قصر الزيوت النباتية.

الترسبات المعدنية لليورانيوم في منطقة أبو صخير
مقدمة:
تعتبر الترسبات المعدنية لليورانيوم في قرية (الزجري) من توابع مدينة الحيرة ضمن منطقة قضاء أبو صخير من المعالم الجيولوجية والمعدنية البارزة في محافظة النجف بل في عموم العراق حيث أنها الترسبات الوحيدة لليورانيوم المستكشفة بشكل تفصيلي في العراق وقد أمكن من استخلاص اليورانيوم منها بمقياس الإنتاج الريادي بالرغم من كونها من الترسبات المعدنية الواطئة المحتوى نسبياً من عنصر اليورانيوم كما أن طبيعة وجودها وأصل نشأتها في الصخور الجيرية يجعلها من الأمثلة النادرة في العالم ضمن الأطر المعروفة لجيولوجيا ترسبات اليورانيوم.
في هذه الفترة من فصل الترسبات المعدنية والصخور الصناعية في محافظة النجف سوف نعرض ولأل مرة على صعيد النشر العام ـ ملامح عن هذه الترسبات وخلفية تاريخية لمراحل اكتشافها وتطور عمليات تقييمها ودراستها ضمن محاور الاستكشافات المعدنية والمنجمية والتعدينية ونستند في ذلك على المعلومات المتواضعة المتراكمة لدينا من خلال إدارة مشروع تطوير دراسة تلك الترسبات في محاورها المختلفة لعقد من الزمن ونمهد لعرض ذلك بتقديم موجز عن الإطار العام لجيولوية اليورانيوم وأهميته الإستراتيجية.
يعتبر اليورانيوم من أثقل العناصر الطبيعية حيث يبلغ وزنه الذري 238 وعدده الذري 92 اكتشف هذا العنصر عام 1789م قبل العالم كلبورت وأطلق عليه اسم اليورانيوم (Uranium) تخليداً لاكتشاف الكوكب يورانس (Uranas) الذي تزامن اكتشافه من قبل صديق العالم كلبورت مع اكتشاف هذا العنصر.
هناك ثلاثة نظائر لليورانيوم هي اليورانيوم ـ 238 واليورانيوم ـ235 واليورانيوم ـ234 وبنسبة تواجد نظيري تبلغ 99.77%، 0.7%، 0.03% على التوالي. يتميز اليورانيوم بخاصتين هما: خاصية النشاط الإشعاعي وخاصية تنزيلالانشطار النووي، بالنسبة لخاصية النشاط الإشعاعي فإن عنصر اليورانيوم هو العنصر المشع الرئيسي في الطبيعة (فضلاً عن عنصر الثوريوم) ويتحلل إشعاعياً عبر سلاسل تعرف بسلاسل التحلل الإشعاعي لليورانيوم وهما سلسلة تحلل اليورانيوم ـ238 التي تنتهي بعنصر الرصاص ـ206 المستقر ويبلغ نصف عمرها 4.5 بليون سنة أي أن غرام واحد من اليورانيوم 238 يتحلل إشعاعياً إلى نصف غرام من الرصاص 206 في زمن قدره 4.5 بليون سنة وتضم هذه السلسلة عشرين عنصراً مولدة ذاتياً من مراحل التحلل الإشعاعي المتسلسل لليورانيوم ومن أبرز نواتج سلسلة التحلل الإشعاعي لليورانيوم عنصر الراديوم ـ226 أما السلسلة الأخرى فهي سلسلة تحلل اليورانيوم ـ235 التي تنتهي بعنصر الرصاص ـ207 ويبلغ نصف عمرها 713 مليون سنة وتضم خمسة عشر عنصراً متولداً ذاتياً خلال مراحل التحلل الإشعاعي ويصاحب عمليات التحلل الإشعاعي انبعاث إشعاعات نووية مختلفة مثل أشعة الألفية والبائية والجيمية ذات الطاقات المختلفة.
بالنسبة للخاصية الثانية وهي خاصية الانشطار النووي التي أكسبت اليورانيوم إستراتيجية خاصة كمصدر حيوي للطاقة اتسم بها القرن العشرين الذي عرف بعصر الذرة أو الطاقة الذرية حيث أمكن من توليد طاقة حرارية هائلةimages المقدار من شطر ذرة اليورانيوم وقد اكتشفت هذه الخاصية بطريق الصدفة عام 1939م وتم تطويرها وتوظيفها أولاً في المجالات العسكرية حيث صنعت القنبلة الذرية واستخدمت في الحرب العالمية الثانية عام 1945م حينما ألقت القوات الأمريكية قنبلتين منها على مدينتي هيروشيما وناكازاكي في اليابان التي استسلمت على إثر ذلك بسبب الدمار الهائل في الأرواح والممتلكات الذي حدث بسبب التفجيرات النووية.
يميز اليورانيوم ـ235 من بين النظائر الثلاثة لليورانيوم بخاصية الانشطار النووي وفي تعريفه المبسط فإن الانشطار النووي هو عملية انفلاق أنوية بعض العناصر الثقيلة جداً كاليورانيوم إلى جزئين (وأحياناً إلى ثلاثة أجزاء) تمثل الأجزا المنشطرة ذرات عناصر أخرى ويتم الانشطار النووي بعد أن تقتنص الذرة أحد النيترونات من الخارج ويؤدي امتصاص نواة الذرة لهذا النيترون إلى إرباك تنظيم القوى الداخلية لنواة الذرة حيث يبدي ذلك إلى توليد طاقة متهيجة تعمل على انشطار نواة الذرة ويصاحب عملية الانشطار أو الانفلاق تحرير طاقة هائلة تقدر بـ(200) مليون أكلترون فولت لكل حادثة انشطار نووي واحد ويمكن توظيف هذه الطاقة للأغراض السلمية في إنتاج الطاقة الكهربائية ومجالات أخرى لأغراض عسكرية في إنتاج القنابل النووية ذات التدمير الهائل وهو ما أكسب اليورانيوم أهمية إستراتيجية وخصوصية بين العناصر الأخرى.
إن نسبة تركيز اليورانيوم في صخور القشرة الأرضية ضئيلة جداً وتتباين مع تباين أنواع صخور القشرة الأرضية ويبلغ معدل تركيزه في مجمل الصخور 2.7 جزء بالمليون جزء وإن هذه النسبة الضئيلة جداً لا تحول دون تكون ترسبات معدنية غنية بهذا العنصر عند توفر ظروف جيولوجية وجيوكيميائية خاصة تعمل على تركيز اليورانيوم وترسيبه على شكل معادن وخامات يصل فيها تركيز اليورانيوم إلى نسبة عالية تسمح باستخراجه من مواقع تواجده وتعدينه في معامل استخلاص عنصر اليورانيوم.
نظراً لإستراتيجية عنصر اليورانيوم وأهميته كمصدر حيوي لإنتاج الطاقة التي يمكن توظيفها لأغراض عسكرية ومدنية فقد استمرت عمليات التحري والتنقيب عنه في مناطق مختلفة من العالم وأدت إلى اكتشاف ترسبات خاماته في بعض دول العالم مثل كندا والولايات المتحدة الأمريكية واستراليا وجنوب أفريقيا والبرازيل التي تمتلك أكثر من 90% من الاحتياطي لليورانيوم الذي يبلغ حوالي مليوني طن من الصنف المؤكد.
أما في الوطن العربي فقد تم اكتشاف ترسبات معدنية لليورانيوم في كل من الجزائر، ومصر، والسودان، والمغرب، والصومال، وإذا ما توسعت عمليات التحري والتنقيب فمن المحتمل تحقيق اكتشاف ترسبات مهمة في الوطن العربي سيما أن الوضع الجيولوجي للوطن العربي يشير إلى مثل هذه الاحتمالية فضلاً عن احتياطيات اليورانيوم الكامنة في الاحتياطات الضخمة لترسبات الفوسفات في الوطن العربي حيث يمكن فصل اليورانيوم المصاحب للمعادن الفوسفاتية كناتج عرضي خلال عملية تصنيع الأسمدة الفوسفاتية.
أما بالنسبة للعراق فإن عمليات الاستكشاف عن الخامات المعدنية ن بينها ترسبات اليورانيوم أفرزت وجود مؤسرات تستدرج الاهتمام حول تواجد ترسبات لليورانيوم في مناطق أعالي الفرات (منطقة القائم) ومنطقة أبو صخير في محافظة النجف وبعض المواقع في المواقع في المناطق الشمالية الشرقية للعراق فضلاً عن ترسبات اليورانيوم المصاحبة للترسبات الفوسفاتية في مناطق عكاشات في الصحراء الغربية العراقية وقد خضعت مؤشرات تواجد ترسبات اليورانيوم في منطقة أبو صخير لعمليات متابعة واستكشافية تفصيلية أكدت وجود ترسبات معدنية لليورانيوم باحتياطات محدودة وقد تضمن برنامج تقييم تلك الترسبات فعاليات منجمية وتعدينية سنتناول إطارها ومعطياتها في الفقرات اللاحقة.

خلفية تاريخية حول اكتشاف ترسبات اليورانيوم في منطقة أبو صخير:
منطقة أبو صخير تشكل جزءاً من السهل الرسوبي للعراق والذي يتكون من ترسبات غرينية سميكة تصل إلى عشرين متراً في المنطقة لذلك فلا توجد في المنطقة أي مكاشف صخرية يمكن فحصها لأغراض الاستكشافات المعدنية وعليه فإن أسلوب الاستكشافات المعدنية يجب أن يستند في مثل هذا الوضع على التقنيات تحت السطحية المتمثلة بحرف الآبار الاستكشافية أو المسوحات الهيدروجيوكيميائية بنمذجة مياه الينابيع والعيون والآبار في المنطقة.
في فترة ما قبل السبعينات من القرن الماضي لم تكن مناطق أبو صخير موضع اهتمام في خطط التحري عن ترسبات الخامات المشعة في العراق ولأسباب منطقية فرضتها أولويات اختيار المناطق على أساس المؤشرات الجيوفيزيائية (الراديومترية) أو الجيوكيميائية والجيولوجية الواعدة ولم تكن منطقة أبو صخير ومحيطها تندرج ضمن تلك الأولويات واستثمرت الجهود في عمليات التنقيب على مناطق أخرى في شمال وغرب العراق إلا أن تلك التوجهات تبدلت في عام 1977 وأصبحت منطقة أبو صخير وبالتحديد منطقة أو قرية الصنين (شمال غرب الحيرة) منطقة للاهتمام ضمن خطط برنامج التحري عن ترسبات الخامات المشعة في العراق وكان ذلك نتيجة لمعطيات غير مباشرة استحصلت من سجلات الجس البئري لأشعة كاما (Y-logging) لآبار حفرت في المنطقة لأغراض استصلاح الأراضي الزراعية في منطقة أبو صخير واتضح من سجلات الجس البئري لأحد الآبار المحفورة في قرية الصنين وجود نطاق صخري على عمق حوالي 70 متراً يتميز بنشاط إشعاعي عالي تبلغ شدته حوالي عشرة أضعاف الخلفية الإشعاعية الاعتيادية () وهو أمر يثير الاهتمام للمتابعة وعلى أساس ذلك وضعت برامج استكشافية من قبل قسم الجيولوجيا النووية التابع لمركز البحوث النووية في منطقة الطاقة الذرية العراقية ولاحقاً من قبل قسم الخامات المشعة في الشركة العامة للمسح الجيولوجي والتعدين وزارة الصناعة والمعادن عندما أوكلت منظمة الطاقة الذرية العراقية مهمة التحريات المعدنية عن ترسبات الخامات المشعة في العراق إلى وزارة الصناعة والمعادن في عام 1980 لقد وضعت خطط وبرامج لاستكشاف وتقييم الشواذ الإشعاعية المرصودة في منطقة بكر الصنين (الحيرة) اشتملت على أربعة مراحل هي: المرحلة الاستكشافية والاستقصائية عن ترسبات اليورانيوم في المنطقة والمرحلة الثانية التحقق والإثبات والمرحلة الثالثة التحريات التفصيلية عن ترسبات اليورانيوم والمرحلة الرابعة والنهائية هي دراسة تقييم الجدوى الفنية والاقتصادية لاستثمار ترسبات اليورانيوم.
نفذت برامج المراحل الأربعة بشكل منهجي متسلسل للفترة من عام 1978م إلى عام 1990م وشملت تلك البرامج حفر مجموعة كبيرة من الآبار الاستكشافية في المنطقة (أكثر من 400 بئراً) وفحوصات مختبرية وتحاليل كيميائية لآلاف النماذج الصخرية وإجراء دراسات جيولوجية وتعدينية وهندسية وفتح منجم استكشافي وبناء وحدة ريادية لمعالجة الخام واستخلاص اليورانيوم منه.
بما يتعلق بعمليات حفر الآبار الاستكشافية التي بدأت عام 1978م في موقع بئر الصنين (قرب قرية الصنين) الذي اكتشف فيه النشاط الإشعاعي لأول مرة وامتدت تلك العمليات لتغطي منطقة هور الجبسة باتجاه قرية الزجري واستمرت وفق مراحل منهجية منتظمة لغاية عام وأسفرت معطياتها عن:
ـ تحديد الامتدادات الأفقية للطبقة الرئيسة لترسبات اليورانيوم وتباين سماكتها والتوصل إلى دقة تفصيلية لتشريح الجسم المعدني بأبعاده الثلاثة.
ـ تحديد مناطق التراكيز العالية لليورانيوم ضمن امتدادات الطبقة الرئيسية وتقدير احتياطات اليورانيوم في منطقة الترسبات.
ـ وضع موديل أولي حول أصل اليورانيوم وظروف نشأته.

طبيعة ترسبات اليورانيوم في منطقة أبو صخير:
تم رصد أربعة طبقات من الصخور التي تحتوي على تراكيز غير اعتيادية لليورانيوم في منطقة أبو صخير وتسلسل المواقع الطبقية لتلك الطبقات من الأعلى إلى الأسفل , وتعتبر المنطقة الأولى الطبقة الرئيسية الحاضنة لترسبات اليورانيوم التي استهدفتها عمليات الاستكشاف والتقييم والتعدين بسبب تميزها بالتراكيز العالية لليورانيوم مقارنة بالطبقات الأخرى.
تتكون صخور الطبقة الرئيسية لترسبات اليورانيوم من مواد جيرية دولوماتية طينية ذات ألوان رمادية داكنة لاحتوائها على نسبة عالية من المواد العضوية وركام لأصداف حيوانات محارية من نوع الباسيبود والكاستروبود.
يوجد اليورانيوم في الطبقة الرئيسية بتراكيز متباينة تصل إلى 0.4% في إحدى المواقع وتتباين من موقع إلى آخر وفق متغيرات بعض العوامل التي تتعلق بظروف نشأة هذه الترسبات وسوف نتطرق إليها بإيجاز لاحقاً كما أن سمك هذه الطبقة متباين أيضاً ويتراوح بين 0.2ـ4.7 متر.
يوجد اليورانيوم في هذه الطبقة الرئيسية بصيغتين هما:
ـ على شكل معدن اليورانايت (UO2) بحجم حبيبي ناعم جداً أمكن التعرف عليه بواسطة المجهر الالكتروني الماسح.
ـ الامتصاص بواسطة المعادن الطينية والمواد العضوية التي تشكل جزء من مكونات طبقة الترسبات لقد أوضحت الفحوصات الراديوغرافية لنماذج من هذه الخامات أن توزيع انتشار اليورانيوم متكتل في تجاويف أصداف القواقع المهمشة والشقوق المجهرية فضلاً عن الانتشار العشوائي غير المنتظم في النسيج الصخري لهذه الطبقة.

عمليات استخلاص اليورانيوم من خامات منطقة أبو صخير:
بعد الحصول على النتائج المشجعة من عمليات الاستكشاف المعدنية حول وجود ترسبات اليورانيوم في الصخور الجيرية تحت السطح لتكوين الفرات في منطقة أبو صخير تمت المباشرة بإجراء دراسات وتجارب أولية لاستطلاع إمكانية استخلاص اليورانيوم من الخام المكتشف لإنتاج الخلاصة الصفراء لليورانيوم وتطورت تلك التجارب لمقياس الفحص الريادي حيث تم بناء معمل ريادي في بغداد لأغراض هذا الفحص وسوف نقدم موجزاً عن أسلوب معالجة واستخلاص اليورانيوم من خاماته في منطقة أبو صخير ووصفاً لمخطط سير العمليات (Flow sheet) الذي تتكون من المراحل التالية:

ـ مرحلة الإذابة (Leaching):
وهي مرحلة إذابة اليورانيوم من خاماته في أبو صخير بعد تهيئتها في المرحلة الأولى كما مر آنفاً وفي هذه المرحلة يتطلب إذابة جريش الخام بمحلول قاعدي وخلطه ميكانيكياً وفق الضوابط التالية:
ـ محلول الإذابة: كاربونات الصوديوم (12غم/لتر) وبيكربونات الصوديوم (6غم/لتر).
ـ درجة الحرارة: 80 درجة مئوية.
ـ مدة الخلط: 2 ساعة.
ـ نسبة الصلب إلى السائل: 1/3.

الأشغال المنجمية (منجم أبو صخير):
الأشغال المنجمية في موقع ترسبات اليورانيوم في منطقة أبو صخير استهدفت ثلاثة أمور أساسية هي:
ـ الحصول على كمية من خام اليورانيوم من موقع ترسباته لأغراض التجارب الصناعية.

منجم اليورانيوم في منطقة أبو صخير:
يتكون المنجم من نفق عمودي (shaft) بعمق 75 متر وعلى شكل اسطواني يبلغ قطر مقطعه 3 متر من الداخل ويبلغ قطره من الخارج 3.4 متر وتم بناءه بالكونكريت المسلح بقضبان الحديد.
تم حفر النفق العمودي بطريقة السكينة القاطعة والانزلاق التدريجي المتزامن مع عمليات الحفر بواسطة المثاقب الطارقة (Jack Hammer) وتؤمن هذه الطريقة السيطرة على المياه الجوفية خلال عمليات الحفر واستخدمت المضخات الغاطسة لسحب المياه إلى الأعلى. لم تستخدم المتفجرات لأغراض حفر النفق العمودي.
الجزء الآخر من المنجم هو النفق الجانبي الذي بلغ طوله 200 متر متصل بنهاية النفق العمودي.
يتجه النفق الجانبي شمالاً بخط مستقيم يخترق طبقة ترسبات اليورانيوم ويبلغ عرض النفق ثلاثة أمتار وبارتفاع مترين ومدعم بواسطة دعائم قوسية من الحديد على شكل حرف () مقلوب وتتباعد الدعائم بمسافة مترين ويتم تحشية المسافات البينية للأقواس الحديدية الداعمة لسقف النفق وجدرانه بقطع من الخشب المعروف محلياً بالتوث لزيادة قوة التدعيم ورفع درجة الأمان والسلامة للمنجم والعاملين من احتمالية انهيار السقف أو اندفاع الصخور من الجوانب. وقد جلبت كميات من هذا النوع من الخشب من الكوفة لهذا الغرض.
يتفرع من النفق الجانبي الرئيسي نفقان صغيران الأول باتجاه الشرق يقع على بعد 30 متراً من نهاية النفق الرئيسي ويبلغ طول هذا النفق 20 متراً أما النفق الفرعي الثاني فهو باتجاه الغرب وعلى بعد 50 متراً من نهاية النفق الرئيسي ويبلغ طول هذا النفق ستة أمتار وينتهي بغرفتين جانبيتين بأبعاد 3×4×2 متراً. النفق الرئيسي والأنفاق الفرعية مجهزة بشبكة من السكك الحديدية تسير فوقها عربات لتحميل الصخور والخام ونقلها إلى الأعلى عبر النفق العمودي بواسطة مصعد كهربائي.

طبيعة وأصل نشأة ترسبات اليورانيوم في منطقة أبو صخير:
ضمن التصنيف الجيولوجي لترسبات اليورانيوم في العالم فإن نسبة اليورانيوم المكتشفة في منطقة أبو صخير تندرج ضمن نوع تواجدات اليورانيوم في الصخور الجيرية (Limoestone Uranium Occurrence) وهو نوع محدود الوجود بالمقارنة مع الأنواع المعروفة الأخرى لترسبات اليورانيوم والتي أشرنا إليها في مقدمة هذا الفصل والتي تشكل مجمل الاحتياطي العالمي لليورانيوم.
على أساس أصل النشأة يوجد نوعان من ترسبات اليورانيوم ضمن صخور تكوين الفرات في منطقة أبو صخير:
الأول: يشار إليه بأولي النشأة (Sygenetic) أو متزامن النشأة أي أنه نشأ بصورة متزامنة مع نشأة صخور تكوين الفرات في وقت ترسيبها وانحصر تركيزه ضمن حزامين على الأقل من طبقات الوحدة (c) من تكوين الفرات.
الثاني: الذي يعرف بثانوي النشأة (Epigenetic) نشأة أي أنه نشأ وتركز بعد نشوء صخور تكوين الفرات ويشكل ترسبات محدودة المواقع ضمن تشكيلة صخور تكوين الفرات ومتميز بتراكيز عالية لليورانيوم بالمقارنة مع تراكيزه في صخور النوع الأول. يمثل هذا النوع طبقة خام اليورانيوم في صخور تكوين الفرات في منطقة أبو صخير والذي استهدفتها العمليات الاستكشافية والمنجمية والتعدينية التي أشرنا إليها وهي ما تهمنا في هذا المبحث في تحديد أصل وظروف نشأتها.
في منطقة أبو صخير يوجد اليورانيوم في طبقة من الصخور الجيرية المارلية رمادية اللون تحتوي على نسبة عالية من مواد عضوية وأصداف مكسرة لحيوانات بحرية متحجرة وتعود هذه الطبقة إلى تكوين الفرات من حقبة المايوسين الأسفل ـ الأوسط.
يوجد اليورانيوم في هذه الطبقة بصيغ مختلفة منها صيغة معدن اليورانيت (أوكسيد اليورانيوم الثنائي) كما أوضح ذلك فحص المجهر الألكتروني الماسح وبحجوم حبيبية دقيقة جداً فضلاً عن تواجده أيضاً بصيغة (Uranyle Cation) الممتص بواسطة المواد العضوية والأطيان في تلك الصخور الجيرية.
إن توزيع انتشار اليورانيوم في امتدادات طبقة اليورانيوم غير منتظم وتتباين نسبة تركيزه من موقع لآخر ضمن مسافات قصيرة أحياناً ويعزى سبب ذلك إلى بعض العوامل سوف نتناولها لاحقاً.
لقد نشأ اليورانيوم في منطقة أبو صخير بفعل التغيرات السحتية للبيئة الترسيبية لصخور تكوين الفرات في المنطقة والتي صاحبتها عمليات جيوكيميائية كالأكسدة والاختزال والامتصاص وفي منطقة محدودة من حوض ترسيب تكوين الفرات وهي منطقة هور الجبسة في منطقة أبو صخير أو ربما مناطق أخرى لم تستكشف بعد وذلك على النحو التالي المستنبط من المعطيات الجيولوجية المستحصلة خلال العمليات الاستكشافية وكذلك الدراسات التي خضعت لها صخور المنطقة وبالأخص الدراسة التي تناولت سحنات وبيئة ترسيب صخور العمود الطبقي لخام اليورانيوم الظاهر جلياً في الأشغال المنجمية لتلك الترسبات وقد تناول المؤلف في دراسة منشورة طبيعة وأصل نشأة ترسبات اليورانيوم في منطقة أبو صخير نقتبس من مضمونها ما يلائم هذه الفقرة:
بدأت ترسيب صخور تكوين الفرات في منطقة أبو صخير في بيئة بحرية هادئة بداية حقبة المايوسين وبذلك نشأت الصخور الجيرية على أصداف المتحجرات من نوع بطنية القدم (Gastropoda) ورأسية القدم (Placypoda) واستمر ذلك حتى نهاية المرحلة الوسطية من حقبة المايوسين والمعروفة بمرحلة (Burdigalian) وقد احتوت هذه الصخور على تراكيز مرتفعة نسبياً من اليورانيوم المترسب بصورة متزامنة مع ترسيب تلك الصخور (النوع الأول من أنواع ترسبات اليورانيوم في منطقة أبو صخير الذي أشرنا إليها آنفاً) وإن مستويات تلك التراكيز لم تكن بدرجة تستدرج الاهتمام من وجهة نظر تمعدنية.
في نهاية هذه المرحلة بدأ مستوى سطح البحر بالانخفاض ونشأت ظروف بيئية تميزت بطاقة عالية من التيارات والأمواج أثرت على الصخور الجيرية الغنية بالمتحجرات الفتية النشأة التي لم يكتمل بعد تصلبها وأدى ذلك إلى تعريتها وقد ترتب على ذلك ما يلي:
ـ أكسدة الصخور بواسطة تأثير المياه الضحلة وتحرير اليورانيوم المترسب معها بفعل عمليات الأكسدة.
ـ نخر الصخور الغنية بالمتحجرات وتكسير أصدافها ونشوء رسوبيات غنية بحطام أصداف تلك المتحجرات.
ـ نشوء سطح للتعرية متموج فوق تلك الصخور.
إن استمرار تسارع التراجع البحري أدى إلى نشوء بيئة مستنقعية هادئة فوق سطح الصخور الجيرية المتأثرة بالتعرية نمت فيها نباتات وطحالب في تربة غنية بقطع مهشمة من أصداف الحيوانات البحرية المهشمة والمواد العضوية التي ساعدت على نشوء ظروف اختزالية أدت إلى ترسيب اليورانيوم المذاب أو امتصاصه بواسطة المواد العضوية التي امتلأت بها تجاويف تلك الأصداف وبذلك نشأت ترسبات لليورانيوم في المصائد الرسوبية للسطح المتموج لطبقة الصخور الجيرية المتموجة المتأكسدة التي سرعان ما تغطت برسوبيات طينية وغرينية تحتوي على نسب عالية من المواد العضوية وبقايا النباتات وتشكل هذه الرسوبيات سحنة تكوين الغار في المنطقة وهو التكوين المكافئ لتكوين الفرات المتميز بسحناته الفتاتية.

الفصل الخامس
مصادر المياه في محافظة النجف

مقدمة:
المياه هبة الله للحياة عبر عن ذلك سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) لا يمكن للإنسان أن يستغني عن الماء فكان ولايزال هاجسه في حله وترحاله وسبباً لهجرته أو إقامته وعلى ضفاف الأنهار والبحيرات أقام الإنسان مدنيته منذ حضارته الأولى وعندما يضطر للإقامة بعيداً عنها تراه يعمل على حفر القنوات والترع والآبار لتأمين مستلزماته الحياتية من المياه أو متطلبات زراعته أو صناعته منها.
في أي مبحث في الجيولوجيا العامة لمنطقة من المناطق أو إقليم لابد أن يتناول الباحث مصادر المياه في تلك المنطقة باعتبارها من مصادر الثروة الطبيعية وهو مبحث أساس من مباحث علم الأرض لذلك أصبح علم جيولوجيا المياه (Hydrology) أحد فروع علم الأرض وعليه عندما نتناول جيولوجية محافظة النجف لابد أن تكون لنا وقفة مع مصادر المياه في هذه المحافظة وسوف نتناول في ثلاثة مباحث فرعية هي الأنهر الطبيعية والأنهر التي قام بشقها الإنسان (الأنهار غير الطبيعية) في محافظة النجف والمبحث الثاني نتناول فيه مياه العيون والأهوار ثم نتطرق في المبحث الثالث للمياه الجوفية في باطن أرض محافظة النجف.

الأنهار في محافظة النجف:
أرض محافظة النجف تجري (أو جرت) فيها بعض الأنهار منها ما هو طبيعي المجرى كنهر الفرات الذي اختار رقعتها ممراً له في جميع أطوار تحول مجاريه على امتداد تاريخ نشوئه ومنها ما هو غير طبيعي عمل الإنسان على حفر مجاريها لغاية يبتغيها وقد يفاجئ بما سيجده في هذا الفصل من عرض تاريخي للجهود التي بذلت من أجل إيصال الماء إلى مدينة النجف الأشرف بالرغم من تهضب أرضها وارتفاعها عن مستوى نهر الفرات بحوالي 75 متراً.

الأنهار الطبيعية:
تعتبر محافظة النجف من المحافظات الفراتية لمرور نهر الفرات فيها وعليه تصنف ضمن التقسيمات الجغرافية من محافظات الفرات الأوسط وتعتبر الكوفة المدينة الفراتية الرئيسية في محافظة النجف.
يبلغ امتداد مجرى نهر الفرات في الرقعة الإدارية لمحافظة النجف حوالي 70 كم ويدخل محافظة النجف من الجهة الشمالية وبمسافة قصيرة من ناحية العباسية وعند دخوله إيه ينشطر النهر إلى شطرين ويعرف الشطر الغربي بشط الكوفة والشطر الشرقي بشط الشامية الذي يمر بالعباسية والصلاحية والشامية وغماس وبعدها يلتقي بشط الكوفة الذي يمر بالكوفة فأبو صخير الذي يتفرع عندها من الجهة اليمنى بفرع يعرف بفرع جحات الذي يغذي جداول بحر النجف الأربعة وهي الهاشمي والبديرية وأبو جذوع والغازية. يستمر شط الكوفة الذي يتغير اسمه بهذه المنطقة إلى شط المشخاب ماراً بمدينة المشخاب ويستمر حتى يلتقي بشط الشامية ليشكل مرة أخرى نهر الفرات بمجراه الرئيسي (شكل رقم 6).تنزيل (1)
المجرى الحالي لنهر الفرات (المار بالكوفة) هو المجرى الحديث الذي تحول من مجراه القديم الذي كان يمر بمحاذاة طار السيد، وطار النجف، بفعل آلية النشاط البنيوي الحديث وتطرقنا إلى ذلك في مبحثنا عن بحر النجف في الفصل الثالث من الكتاب ويمكن الرجوع إليه لمزيد من التوضيح.

الأنهار غير الطبيعية:
الأنهار غير الطبيعية التي عمل الإنسان على شقها لأغراض الزراعة أو الاستيطان لها تاريخ طويل في محافظة النجف وبالتحديد في تاريخ مدينة النجف الأشرف حيث بذلت جهود كبيرة عبر تاريخ المدينة الطويل على شق الأنهر لإيصال المياه إلى النجفيين المقيمين بجوار مشهد الإمام علي(ع) حيث شيدت مدينة النجف الأشرف فوق هضبتها واكتسبت تسميتها من خصائص الأرض كما أسلفنا فالنجف المكان الذي لا يعلوه السيل وهو ما يعيق إيصال مياه نهر الفرات إلى المدينة حيث يبلغ فرق الارتفاع بين هضبة النجف ومستوى نهر الفرات في الكوفة حوالي 75 متراً ضمن مسافة قدرها حوالي ثمانية كيلومترات.
إن محاولات إيصال الماء إلى منطقة النجف قديمة ويعود تاريخها إلى ما قبل الإسلام واستمرت حتى العصر الحديث ونتناول عرض تلك المحاولات وفق تسلسلها التاريخي:
1. نهر العتيق (قبل الإسلام) اسم أول نهر شق قبل الإسلام في زمن الحارث بن عمر من ملوك الحيرة لإرواء أرض النجف من نهر الفرات إلى الحيرة وفي رأينا أن المقصود بأرض النجف هي الأرض المحيطة بالنجف من جهة البادية ويذكر المسعودي في مروج الذهب أن هذا النهر استمر في الجريان حتى عام 335هـ وعليه كانت واقعة القادسية.
2. نهر كري سعدة (قبل الإسلام): نهر كري سعده أو سعدى من الأنهار القديمة المشهودة في العراق ويعتبر النهر الثالث بعد نهري دجلة والفرات ويأخذ مياهه من نهر الفرات ومن نقطة تبلغ 17 كم جنوب مدينة هيت ويتجه جنوباً موازياً لنهر الفرات ليصب في الخليج العربي ماراً بمناطق عديدة منها الكوفة وبحر النجف ثم الحيرة ويستمر جنوباً في مجراه وهناك روايات عديدة حول تاريخه فمنهم من يعتبره نهر جيحون الوارد ذكره في التوراة والآخر يعتقد أن نبوخذ نصر قد حفر هذا النهر ولكن المرجح أن تم حفره (أو قام بكري مجراه) من قبل سابور أحد ملوك الفرس وذلك لحماية المناطق التي احتلها الفرس من العراق في فترة من التاريخ من غارات عرب العراق وبلاد الشام وقد أنشأ يعتبر كري سعده الاسم العربي لخندق سابور ويفصل بين النجف والكوفة وهو أقرب إلى الكوفة من النجف الأشرف ولازالت آثاره باقية بوضوح على جانبي طريق نجف ـ كوفة وهذه المنطقة تعرف الآن بمنطقة (الجري) كري سعدة.
3. نهر البويب: من الأنهار القديمة المعروفة في العراق وموضعه في الكوفة كما يذكر المؤرخون وهو نهر صغير يستمد ماءه من نهر الفرات في الكوفة ويصبه في حفرة خلف جامع الكوفة حيث الحمامات والسقايات ويمكن اعتبار أنه هذا النهر أقدم الأنهار المحفورة في العصر الإسلامي في محافظة النجف.

4. قناة آل أعين: قناة حفرها سلمان بن أعين المتوفى 250هـ وتدفق الماء إليها من عين ارتوازية فجرها في منطقة جنوب النجف تدعى السنيق وتنحدر تلك القناة إلى الأراضي المنخفضة جنوب مدينة النجف واندثرت أو خربت هذه القناة بخراب الكوفة.
5. قناة آل بويه: أصلح عضد الدولة البويهي عام 369هـ قناة آل أيمن لذلك سيمت بقناة آل بويه.
6. نهر التاجية: هذا النهر حفره تاج الدين بن الأمير علي الدلقنلدني أحد متولي السلطان أبو الفتح السلجوقي سنة 479هـ حيث حفر نهراً من الفرات إلى الكوفة التي كانت حينها حفائر وتلول وقد بنيت قناة تحت الأرض من الكوفة إلى النجف وقد سميت هذه القناة مع النهر بالتاجية نسبة إلى تاج الدين الدلقلندي.
7. نهر الشاه: هذا النهر أمر به الشاه إسماعيل الأول عند زيارته النجف عام 914هـ وأمر بحفر نهر الفرات إلى النجف وأوصله بقناة تحت الأرض ينفذ إليها آبار متصلة تعرف أيضاً بالكهاريز يستخرج منها المياه لسقاية أهل النجف.
8. نهر الطماسية (980هـ): متفرع من الفرات من موقع شمال نهر التاجية وينسب أمر حفره إلى الشاه طهماسب الأول بن الشاه إسماعيل الأول وكان يستهدف إيصال الماء إلى النجف ولم يتحقق هدفه بسبب توقف أعمال الحفر في موقع النمرود في محافظة بابل لذلك لا يعتبر هذا النهر من أنهار محافظة النجف القديمة وإنما أشير له لاستكمال سرد تاريخ محاولات إيصال الماء إلى النجف.
9. نهر المكرية (1023هـ): أمر الشاه عباس الأول بتنظيف نهر الشاه كما أمر ببناء قناة أخرى غير قناة الشاه وقناة التاجية وسميت هذه القناة بقناة الفرع وأعيد تسمية نهر الشاه بالمكرية بسبب كريه لنهر الشاه.
10. نهر الشاه صفي (1042هـ): أمر الشاه صفي بشق نهر عريض وعميق من حوالي منطقة الحلة إلى مسجد الكوفة ومنه إلى الحيرة (الخورنق) وعبر قناة إلى بحر النجف وأوصل الماء إلى داخل مدينة النجف بواسطة دواليب (نواعير).
11. نهر الهندية (1208هـ): يعتبر الوزير آصف الدولة من رجال الهند العظماء وأمر بشق نهر يبدأ من المسيب إلى الكوفة ـ أبو صخير ـ الشامية ويتفرع من هذا النهر جدول صغير من منطقة أبو صخير يتجه شمالاً ليصب في قناة لم تتوفر معلومات عنها.
12. قناة أمين الدولة (1248هـ): أمين الدولة الوزير فتحعلي شاه أمر أحد المهندسين بإيصال الماء إلى النجف بعد ردم جدول أبو صخير وفتح قناة من منطقة أبو فسيلة على نهر الهندية شمال الكوفة وأوصلها إلى كري سعد ومن ثم حفر قناة أخرى استمرت إلى النجف.
13. نهر كري الشيخ (1265هـ): أنفق أعيان الهند أموالاً لإيصال الماء إلى النجف فحفر المهندسون نهراً يتفرع من نهر الهندية وقد جرى الماء فيه لمسافة أربعة أميال عن النجف إلا أن المشروع لم يكتمل.
14. قناة أسد الله الرشين (1288هـ): حفرت قناة وسط كري الشيخ وجرى الماء فيها إلى المكان الذي حدده الشيخ صاحب الجواهر وهو موقع قريب من سور النجف (موقع المغتسل البغدادي).
15. نهر عبد الغني (1305هـ): بأمر من الوالي مصطفى عاصم عندما زار مرقد الإمام علي(ع) حفر نهر من الفرات عند مروره بالحيرة يجري إلى بركة في بحر النجف.
16. نهر الحميدية (1310هـ): بعد اندثار نهر عبد الغني بسبب الرمال أمر السلطان عبد الحميد خان وبتشبث من والي بغداد الحاج حسن باشا بحفر نهر بالقرب من نهر عبد الغني ويسير بموازاته وسمي بنهر الحميدية ولم يعمر هذا النهر طويلاً فاندثر.
مما تقدم نلاحظ أن جهوداً كبرة ودؤوبة وظفت فيها وبإصرار وأموال طائلة وخبرات المهندسين لإرواء مدينة النجف الأشرف خدمة لمن جاور مشهد أمير المؤمنين الإمام علي(ع) أو من قصد زيارته.

الأهوار في محافظة النجف:
تنتشر في محافظة النجف بعض الأهوار التي نشأت في مواقع منخفظة مغلقة التضاريس بسبب عوامل الحركات البنيوية الحديثة وقد اعتبر بعض الجيولوجيين أن مواقع تلك الأهوار مؤشرات ميدانية على أنشطة تلك الحركات.كري سعدة
تتجمع في تلك المنخفضات مياه مصادرها مياه فيضانات أو مياه بزل الأراضي الزراعية ويعتبر (هور أبو نجم) من أهم الأهوار في محافظة النجف ويقع في الكوفة ويفصل بين حدود محافظتي النجف والقادسية ويعتبر من توابع ناحية الحرية ضمن التشكيلات الإدارية لمحافظة النجف. إضافة إلى ذلك توجد أهوار أخرى منتشرة جنوب النجف في مناطق بحر النجف وأبو صخير وتعتبر هذه الأهوار تطوراً لشيخوخة بحر النجف الذي كان بحراً تمخره السفن كما أشرنا إلى ذلك في المبحث الخاص عن بحر النجف وعندما بدأت تتضاءل مخزونات المياه للبحر بفعل تقادم عمليات التبخير وتضاؤل كميات المياه المغذية لحوض البحر تجزأ حوضه وانفصل إلى أحواض صغيرة ثانوية ضمن الحوض الرئيسي لبحر النجف وشكلت هذه الأحواض الثانوية أهواراً ومن أهم الأهوار التي لازالت قائمة في محافظة النجف (هور الجبسة) الذي يقع بين قريتي الصنين والزجري شمال الحيرة وكذلك هور صليب شرقي الرحبة وأخرى غيرها وتتباين كمية مياه هذه الأهوار من فترة إلى أخرى وفق حالة مياه نهر الفرات وفيضاناته فضلاً عن أنشطة بزل الأراضي الزراعية المحيطة.

المياه الجوفية في محافظة النجف:
المياه الجوفية (Underground Water) هي ما تخزنه بعض طبقات القشرة الأرضية من مياه عذبة ومالحة تتجمع فيها من مصادر مختلفة منها مياه الأمطار المترشحة إلى طبقات الأرض وفي هذه الحالة تسمى المياه الجوفية بالمياه الجوية (Meteoric Water) وهي مياه متجددة بتجدد تغذيتها بمياه الأمطار في كل موسم.
المصدر الآخر للمياه الجوفية يعرف بالمياه المتحجرة أو الأحفورية (connatet Water) وهي مياه محصورة غير متجددة لأنها غير متصلة بمنافذ للتغذية والتجديد كما هو الحال بالنسبة للمياه الجوية وإن كمية المياه الأحفورية تتناقص كميتها بمقدار ما يسحب منها وهنالك آراء حول أصل هذه المياه والذي يعتقد البعض أنها بقايا مياه بحرية انحصرت خلال عمليات جيولوجية تعرضت لها الأحواض الترسيبية. أما المصدر الآخر للمياه الجوفية فهو المياه المصاحبة للتجمعات النفطية والتي نشأت بفعل عمليات نشوء التجمعات النفطية ولكل نوع من أنواع المياه الجوفية خصائصه الكيميائية والنوعية.
تستخرج المياه الجوفية بواسطة حفر آبار ضحلة أو عميقة حسب عمق الطبقات الخازنة للمياه ويطلق على هذه الطبقات بخزانات المياه الجوفية (Aquiefer) وعندما تتدفق مياه البئر إلى السطح بفعل ضغط المياه الجوفية تسمى هذه البئر بالبئر الارتوازي وأحياناً تجري المياه الجوفية إلى السطح عبر منافذ وشقوق طبيعية لتشكل ما يعرف بالعيون (Spring).ابار جوفي
أوضحت الدراسات الهايدرولوجية حول المياه الجوفية في محافظة النجف وجود نوعين رئيسين للمياه الجوفية هما: المياه الجوفية والمياه المصاحبة للتجمعات النفطية وأحياناً يختلط هذان النوعان من المياه في بعض المناطق.
بالنسبة للمياه الجوفية يوجد في محافظة النجف ثلاثة خزانات مائية جوفية (Aquiefer) رئيسية هي
ـ خزان رسوبيات العصر الرباعي: هذا الخزان ضحل الأعماق ومصادر مياهه هي رشوحات مياه الأمطار ومياه سقي وبزل الأراضي الزراعية وكذلك الاستخدامات الحياتية للمياه في مراكز المدن. تترشح المياه من المصادر (أو أحدها) المذكورة خلال طبقات رسوبيات العصر الرباعي ذات المسامية والنفاذية العالية (طبقات تكوين الدبدبة والترسبات الحديثة) وتتجمع المياه المترشحة فوق طبقات غير نفاذة وهي الطبقات الطينية العائدة لتكوين أنجانة الذي يلي تكوين الدبدبة في تتابعه الطبقي.
إن عمق المياه الجوفية لهذا الخزان متباين من منطقة إلى أخرى في محافظة النجف فعلى سبيل المثال في مناطق هضبة النجف حيث تربو مدينة النجف الأشرف فإن عمق هذه المياه يتراوح بين 15 إلى 25 متراً لذلك فإن الآبار المحفورة في البيوت النجفية القديمة والتي حفرها النجفيون في بيوتهم لأغراض دفاعية ومعيشية يبلغ عمقها في بعض المناطق إلى أقل من ذلك وهي متصلة مع بعضها بقنوات مستعرضة.
في المناطق المنخفضة والمحيطة بهضبة النجف فإن عمق هذه المياه أقل كثيراً مما هو عليه في هضبة النجف ويتراوح عمقها بين 3 إلى 6 أمتار في مناطق بحر النجف وتكن المياه في هذه المناطق أشد ملوحة مما هو عليه الحال في مناطق هضبة النجف حيث تبلغ كمية الملوحة المعبر عنها TDS (مجموع الأملاح الذائبة) في بعض المواسم في مناطق بحر النجف حوالي 50 ألف جزء بالمليون وهي في ذلك أشد ملوحة من مياه البحار التي تبلغ ملوحتها 35 ألف جزء بالمليون في حين لا تتعدى نسبة الملوحة في مياه هذا الخزان في مناطق هضبة النجف بين 3000 إلى 4000 جزء بالمليون جزء.
استخدامات هذه المياه محدودة ومرتبطة بمقدار ملوحتها فقد استخدمها النجفيون من خلال حفرهم للآبار في بيوتهم لأغراض منزلية (عدا أغراض الشرب والطبخ) وقد توقف هذا الاستخدام في نهايات الثلاثينات من القرن الماضي بعد بناء مشاريع للمياه الصالحة للشرب حيث تجدر الإشارة بهذا الخصوص إلى أن أول مشروع للمياه الصالحة للشرب يخدم مدينة النجف الأشرف قد أنشأ عام حيث…
أما الاستخدامات الزراعية لهذه المياه فقد تطورت في العقد الأخير من القرن الماضي حيث أنشئت مزارع واسعة في هضبة النجف وعلى امتداد الطريق بين كربلاء والنجف وخاصة الجهة الغربية منه يستزرع فيها أنواع من الخضروات وتستسقي من مياه الآبار التي حفرت في المنطقة لهذا الغرض.
فيما عدا منطقة النجف والمناطق المحيطة بها لا توجد امتدادات لهذا الخزان المائي في المناطق الأخرى ضمن امتدادات رقعة محافظة النجف بسبب انقطاع أو تعرية رسوبيات تكوين الدبدبة النفاذة للمياه ونشوء تربة قليلة السمك تغطي المكاشف الصخرية للتكوينات السائدة في مناطق المحافظة والتي أشرنا إليها سابقاً باستثناء مناطق محدودة حول مدينة الكوفة.

خزانات مياه تكوين الفرات:
تكوين الفرات الذي يتكون بصورة رئيسية من صخور جيرية دولوماتية مارلية بعض طبقاته متكهفة أو منخورة تحتوي على متحجرات من أصداف القواقع وكذلك متشققة مما يكسبها صفة النفاذية سيما أن هذه الطبقات محصورة بطبقات صخرية غير نفاذة من الأطيان وبذلك تكون ملائمة لخزن المياه الجوفية.
هنالك طبقتان صخريتان ضمن طبقات هذا التكوين بالمواصفات التي أشرنا إليها وتعتبر خزانين للمياه الجوفية يعرفان بالخزان المائي الأول والثاني لتكوين الفرات ويبلغ عمق الخزان المائي الأول في منطقة بحر النجف حوالي 70 متراً والثاني على عمق 75 متراً يفصلهما طبقة من الصخور المارلية أما في هضبة النجف فيبلغ عمق الخزان الأول حوالي 100 متر.
نسبة ملوحة مياه تكوين الفرات بخزانيه قليلة نسبياً بالمقارنة مع نسبة مياه خان ترسبات العصر الرباعي في مناطق بحر النجف وتبلغ نسبة الأملاح الذائبة حوالي 5000 جزء في المليون جزء وقد استغلت هذه المياه في العقود القليلة الماضية لأغراض مشروع الحزام الأخضر حول مدينة النجف الأشرف. ولا تصلح للزراعة لملوحتها العالية.
إن مياه خزان تكوين الفرات من نوع () بحرية الأصل.

خزان مياه تكوين الدمام:
الخزان الرابع للمياه الجوفية في محافظة النجف هو خزان تكوين الدمام التي تتكون صخوره كما أسلفنا من طبقات جيرية متشققة ومتكهفة أيضاً كما هو الحال بالنسبة إلى صخور تكوين الفرات وتحتوي على متحجرات من نوع النيوملايت وتتميز صخور هذا الخزان بالنفاذية العالية مقارنة بنفاذية صخور خزان الفرات لذلك تتدفق مياه هذا الخزان تلقائياً إلى السطح في عملية حفر الآبار. مياه هذا الخزان قليلة الملوحة بالمقارنة مع مياه خزان الفرات وبشكل عام تبلغ حوالي 3500 جزء بالمليون جزء ويمكن استخدامها للأغراض الزراعية.
يتباين عمق هذا الخزان ممن منطقة إلى أخرى ويبلغ عمقه حوالي 75 إلى 100 متر في مناطق بحر النجف. أما في المناطق الجنوبية الغربية للمحافظة يصبح خزان مياه تكوين الدمام الخزان الرئيسي في تلك المناطق وينعدم وجود الخزانات الأخرى للمياه بسبب تلاشي وجود صخور تكوين الفرات أو قلة سمك تكشفاتها السطحية إضافة إلى قلة سمك غطاء التربة أو الترسبات الحديثة التي تشكل خزان المياه الأول في محافظة النجف كما أشرنا إلى ذلك آنفاً وقد حفر عدد قليل من الآبار في المناطق الصحراوية لأغراض استفادة سكان البادية ضمن حدود محافظة النجف من مياه هذا الخزان.
نوعية مياه هذا الخزان متباينة ولكن بشكل عام كبريتية (كبريتات الصوديوم) ذات أصل جوي وغالباً ما تختلط مياه خزان الدمام مع مياه خزان الفرات في مناطق التصدعات التركيبية.

عيون المياه:
يوجد في محافظة النجف عدد من عيون الينابيع يبلغ عددها حوالي عشرة عيون كما هو موضع في الجدول رقم (7) وتتوزع مواقع تلك العيون في مناطق غرب النجف وبنمط يتطابق مع امتدادات واتجاهات نطاق فوالق هيت ـ أبو الجير وفوالق الفرات.
إن الارتباط وثيق بين الفوالق المذكورة والعيون حيث تعمل الفوالق كمنافذ لتسرب أو تدفق المياه الجوفية ذات الأصول المختلفة والتي أشرنا إليها في مقدمة هذا الفصل لذلك يلاحظ أن ظاهرة وجود العيون القيرية والكبريتية ممتدة من مناطق هيت في أعالي الفرات حتى جنوب السماوة.
مياه العيون في محافظة النجف حالياً ذات تدفق محدود كمياً بالمقارنة مع بعض عيون مناطق هيت وشثاثة ولكن بعض المصادر التاريخية أشارت إلى أن بعض عيون محافظة النجف كانت فيما مضى فوارة (غزيرة المياه) وقد أخبرنا بذلك المرحوم السيد عبود السيد سلمان عن عين الرحبة التي كانت تسقي مياهها مزارعاً له، بالإضافة إلى ذلك كان إحدى العيون في منطقة بحر النجف فوارة وكانت تسمى رقبة السنيق ولم أتوصل إلى معرفة تسميتها حالياً وقد أشرنا إلى هذه العين في عرضنا للأنهار غير الطبيعية في محافظة النجف.
إن نوعية مياه العيون في محافظة النجف, كبريتية بشكل عام وتبلغ نسبة الملوحة حوالي 3000 جزء بالمليون جزء وتستخدم مياهها لأغراض الزراعة وتنبعث منها رائحة كبريتية في بعض المناطق إلا أنها لا تشكل مظهراً جيولوجياً بارزاً أو معلماً سياحياً كما هو الحال بالنسبة إلى عيون مناطق هيت، وشثاثة، وربما يعزى ذلك إلى تراكم الإهمال في العناية بمواقع هذه العيون وكذلك بقية مواقع العيون في العراق التي يتطلب متابعة كري فتحاتها من الرسوبيات الهوائية والرسوبيات المجروفة مع مياهها ويستثنى من ذلك عين الحسن(ع) شمال غرب مدينة الحيرة التي اكتسبت شهرة تراثية عقائدية شعبية بين سكان المنطقة تجذب إليها سنوياً الكثير من الزائرين الذين يعتقدون بخصوصية ماء هذه العين ببركة الإمام الحسن(ع) الذي تذكر بعض الأخبار أنه أقام عندها وهو في طريقه من المدينة إلى العراق.
مصدر مياه ينابيع النجف هو مياه خزان تكوين الفرات البحرية الأصل والمختلطة مع مياه تكوين الدمام الجوية والتي تتدفق خلال الشقوق والفواصل والكسور.

الفصل السادس
مسميات تراثية جيولوجية في محافظة النجف

مقدمة:
التراث الجيولوجي أو الموروث الجيولوجي هو الإرث التراثي للمجتمع في كل ما له علاقة بالأرض والمفاهيم والخصائص الجيولوجية وهو مصطلح غير شائع كثيراً مما يتطلب الترويج لمراميه وبالرغم من نكهته الممزوجة بين مباحث الفلكلور والتراث والتاريخ ومباحث الجيولوجيا وهي نكهة تنعش الباحث وهو يتلمس إدراك عامة الناس لبعض التطبيقات المعاصرة لعلوم الأرض بعفويتهم أو تجربتهم من دون اطلاعهم على مفاهيم وقوانين المعرفة لتلك العلوم لذلك فإن الموروث الجيولوجي يعتبر وسيلة من وسائل الاستكشافات المعدنية حيث يمكن الاستفادة منه للاسترشاد إلى مواقع ترسبات المعادن والصخور الصناعية وهنالك إفاضة من الدراسات والشواهد على ذلك ولا نريد الخوض في تفاصيلها ويمكن الرجوع إلى بعض المصادر ولكن ما سوف نعرضه في هذا الفصل من فقرات قد تستدرج الاهتمام في البحث في جيولوجيا التراث أو التراث الجيولوجي.
في محافظة النجف هنالك جملة من مفردات الإرث التراثي ذات المضمون الجيولوجي في خلفياته أو مرتكزاته وفي هذا الفصل سوف نعرض نماذج من تلك المفردات أو المسميات الشائعة والمعروفة في محافظ النجف.

درب زبيدة:
من التراث أو الموروث الجيولوجي المرتبط بمحافظة النجف هو درب زبيدة وقد يتساءل أو يستغرب القارئ عن العلاقة بين درب زبيدة والاعتبارات والخصائص الجيولوجية لأرض محافظة النجف حتى يكون درب زبيدة موروثاً جيولوجياً وتاريخياً وفي ذلك نقول أن العلاقة وثيقة حيث فرضت الخصائص الجيولوجية نفسها في اختيار الطريق ومسالكه للوصول إلى الديار المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة عن طريق مدينة النجف الأشرف المحطة الأولى لهذا الدرب منطلقاً منها سالكاً دربه في رقعة أرض محافظة النجف دون غيرها من محافظات العراق وهو ما سوف نعرض إليه في هذه الفقرة.
درب زبيدة طريق قديم يعود تاريخه إلى عام 170هـ (786م) وهو مشهور في تاريخ الدولة العباسية ومعروف لدى السعوديين والعراقيين وخاصة النجفيين فضلاً عن المؤرخين والجغرافيين وقد اقترن هذا الطريق بتاريخ دولة بني العباس وباسم زبيدة زوجة هارون الرشيد الذي أصلحه وطوره طريقاً آمناً وعامراً بما يحتاج إليه المسافر من زاد وماء ومأوى وهو في ترحاله من العراق إلى الديار المقدسة لحج بيت الله الحرام لذلك سمي هذا الطريق بدرب الحج أو طريق الحج ويروي الطبري وغيره من المؤرخين بأن هارون الرشيد قد حج سبع مرات سالكاً هذا الطريق واستمر استخدامه من قبل العراقيين لأكثر من عشرة قرون وذلك منذ القرن الثامن الميلادي وحتى أوائل القرن العشرين سيراً بواسطة الإبل وبواسطة السيارة أيضاً منذ أربعينات القرن العشرين.
يبلغ الطريق حوالي 1350كم وتعتبر مدينة النجف الأشرف أهم محطة على هذا الطريق وهو يمر بها متجهاً على جوف البادية (بادية النجف) نحو الأراضي السعودية سالكاً في مساره امتدادات رقعة محافظة النجف ولنا هنا وقفة نتناول فيها إجابة التساؤل الذي طرحناه في مقدمة هذه الفقرة: لماذا أختيرت محافظة النجف مسلكاً لهذا الدرب؟ وهل كان ذلك عفوياً أم كان وراء ذلك اعتبارات ميدانية (جيولوجية) فرضتها خصائص الأرض ليكون ملائماً للوصول إلى الديار المقدسة بأقصر مسافة ملائمة للمسير مشياً أو بواسطة الإبل لشهور عديدة للوصول إلى المقصد؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هي تلك الخصائص والسمات الجيولوجية لأرض محافظة النجف التي كانت وراء ذلك الاختيار الذي تمسك به المسافرون طويلاً طريقاً إلى الديار المقدسة؟
إن اختيار مسالك الطرق لابد أن تستند على اعتبارات جيولوجية لخصائص الأرض وهذه الاعتبارات تندرج ضمن مباحث الجيولوجيا الهندسية أحد فروع عالم الأرض وإذا ما تناول الإنسان المعاصر تلك المباحث بمفاهيم ونمذجة وفحوصات وتحاليل وقوانين ومعادلات رياضية وحسابات إلا أن القدماء تناولوا تلك المباحث بالمشاهدة الميدانية الاستكشافية والمنطق العملي لالتقاط وتتبع خصائص الأرض من تضاريس وطبيعة للصخور والترب ومدى ملائمة ذلك لتوفر المياه ونمو الأعشاب والنباتات لتعزيز مؤونة المسافرين ووسائط نقلهم وهي أمور أساسية لابد أن يرتكز عليها الاختيار المناسب لمسلك الطرق وفق واقع التطور الحضاري والتقني السائد في ذلك الوقت وهنا نستعرض الحقائق الجيولوجية التالية ذات الصلة بجوانب هذا المبحث لنلتمس جدارات اختيار مسالك هذا الطريق:
إذا ما استعرضنا الطبيعة الجيومورفولوجية لأرض العراق وفي أجزائها المحصورة بين الأطراف الغربية للسهل الرسوبي للعراق وبالتحديد مناطق غرب الفرات وحتى الحدود العراقية مع المملكة العربية السعودية نلاحظ وجود عقبات أو حواجز طبيعية يتطلب النفوذ منها إذا ما أريد فتح مسلك أو طريق يؤدي إلى الديار المقدسة في المملكة العربية السعودية يسلكه أهل العراق أو أهل البلدان الشرقية لحدوده وهذه العقبات مرتبطة بخصائص سطح الأرض (جيومورفولوجية الأرض) ومتمثلة بالمظاهر التالية:
1. وجود مناطق شريطية من السباخ غير المتصلة اتصالاً كاملاً على امتداد الجهات الغربية لنهر الفرات المطلة على البادية وهذه السباخ المشبعة بالأملاح تعرف باسم (الرحاب) وقد تكونت بفعل عدة عوامل منها رشح مياه نهر الفرات أو بفعل تأثيرات مياه الفيضانات القديمة أو بسبب تصريف مياه البزل وإن مناطق هذا الشريط ممتدة من مناطق الناصرية وحتى مناطق السماوة.
2. وجود أهوار ومستنقعات كبيرة الامتدادات تعرف بأهوار الشامية (بحر الشامية وهو أبو نجم) وأهوار بحر النجف.
3. وجود نطاق من الكثبان الرملية يصل عرضه إلى 15كم ويبلغ ارتفاع الكثبان في هذا النطاق إلى 30 متراً ويمتدالهور شريط هذه الكثبان من جنوب النجف وحتى السماوة إن هذه العقبات الثلاثة الرئيسية والتي أدركها المستكشفون العراقيون القدماء قد حددت منافذ الطرق المتجهة من العراق إلى الأراضي السعودية وبرزت مدينة النجف الأشرف كأقصر منفذ صالح وبوابة للبادية تؤدي الغرض المطلوب تقصدها قوافل الحجاج إلى الديار المقدسة أو قوافل التجار لمزاولة تجارتهم على أساس تلك الاعتبارات تراجعت مدن السماوة والناصرية وسوق الشيوخ عن أداء هذا الدور بالرغم من قصر المسافة بينها وبين حائل في جبل شمر بوابة الأراضي السعودية وذلك بسبب الطبيعة التي أشرنا إليها من كثبان رملية ومستنقعات وأراضي سبخة وعلى عكس الحال بالنسبة لمدينة النجف التي تنفتح أمامها الصحراء أرضاً صالحة لمسير القوافل.
بعد هذا العرض الموجز للاعتبارات الجيولوجية لانطلاقة درب زبيدة من مدينة النجف الأشرف نتابع مسار الطريق داخل بادية النجف والبادية الجنوبية ونتعرض أيضاً للاعتبارات الجيولوجية التي تحكمت في مساره حتى دخوله إلى ما يعرف اليوم بالحدود العراقية مع المملكة العربية السعودية.
بعد محطة النجف يتجه طريق زبيدة جنوباً نحو البادية حيث لا توجد عقبات أو عوارض تعترضه كما هو الحال في بداياته التي أشرنا إليها فطبيعة سطح الأرض في البادية الجنوبية التي تعرف بالحماد ذات تضاريس غير معقدة تكسوها الحجارة أحياناً عندما تتكشف صخور تكوين أم رضمة أو تكسوها تربة غير سميكة أو تغطيها أحياناً أخرى صخور التكاوين الأخرى السائدة ضمن رقعة محافظة النجف التي تعرضنا إلى وصفها في الفصل الثاني من الكتاب ضمن فقرة الوضع الطبقي السطحي لمحافظة النجف.
تشق سطح أرض بادية النجف عدد من الوديان طويلة الامتدادات إلا أنها محدودة التفرعات وقد اتخذ طريق زبيدة في بعض الأحيان مساره مع امتدادات أحد تلك الوديان وأحياناً يفترق عنه بضرورات اعتبارية لذلك لم يعتبر مسار درب زبيدة مساراً طبيعياً يقترن الباطن جنوب العراق الذي يتخذ من كتف وادي الباطن مساراً إلى الأراضي السعودية تتغير منعطفاته مع تغير منعطفات الوادي المذكور.
المحطة الثانية لطريق زبيدة بعد محطته الأولى (النجف) هي الرحبة التي تبعد 25كم جنوب النجف حيث يوجد فيها عين للماء معروفة ولازال نبعها متدفقاً ولو بشكل ضعيف وفيها شواهد للإقامة لازالت آثارها قائمة تعرف بقصر الرحبة.
المحطة الثالثة الرئيسية على درب زبيدة هي (واحة الرحيمي) أو (الرهيمي) التي يوجد فيها عين للماء أيضاً وشواهد للمدينة في زمن ما وقصر الرحيمي من تلك الشواهد.
يتجه الطريق بعد محطة الرحيمي نحو جنوب الجنوب الشرقي ماراً ببركة زبيدة وبركة أم القرون ثم يعرج على طليحات ثم السجر وشعيب وشرف ماراً بالواكصة والجميمة عند الحدود السعودية مودعاً محافظة النجف ولكن كما كان أمر الاعتبارات الجيولوجية التي حكمت انطلاقته من مدينة النجف الأشرف فهناك اعتبارات جيولوجية أيضاً فرضت نفسها في تحديد منفذ مساره داخل أراضي الجزيرة العربية وسوف نشير إليها بالرغم من عدم علاقتها بأرض النجف ولكن استكمالاً لمبحثنا حول أثر الخصائص الجيولوجية في تحديد مسار درب زبيدة.
إن تحديد مسار درب زبيدة عبر منفذ حايل وهي مدينة سعودية قديمة تقع في منطقة جبل شمر وهي منطقة انتقالية بين نطاق النفوذ ونطاق الدهناء وهذان النطاقان لا يمكن عبورهما نظراً لوعورتهم الشديدة وبودي أن أتوقف هنا حول التسميات العربية البدوية للصحاري وأنواعها ونتلمس عذوبة ودقة تلك المسميات. والصحراء هو الفضاء الواسع لا نبات فيه كما في قواميس اللغة وتشتهر جزيرة العرب والشمال الأفريقي بالصحاري لذلك اعتمد الجيولوجيون الغربيون استخدام هذا المصطلح (Sahara) في أدبياتهم العلمية ولم يقتصر الأمر على هذا فقط فقد اقتبس الغربيون مصطلح الحماد (Hammada) وهو مصطلح مرادف للصحراء. لقد صنف العرب الصحاري إلى أنواع حسب خصائصها فأطلقوا الأحقاف على الصحراء المتكونة من نطاق ضخم من الرمال الناعمة ذات سمك كبير يتموج سطحها ويصعب اجتيازها ولا يوجد فيها مورد للمياه كما هو الحال بالنسبة لصحراء الربع الخالي في المملكة العربية السعودية، التي تسمى الأحقاف. وأطلقوا تسمية النفوذ على الصحراء المتكونة من نطاق ضخم من الرمال ذات السطوح المتموجة بكثبان رملية وتختلف عن الأحقاف بأنه يمكن النفوذ منها واجتيازها وتعمل الأمطار الغزيرة على نمو الحشائش على تماسك الرمل فضلاً على نشوء واحات فيها. أما الدهناء فهي تسمية أطلقها العرب على الصحراء المتكونة من نطاق من الرمال أقل ضخامة ووعورة من نطاق النفوذ وتتميز رمال الدهناء من أشرطة ضعيفة تتخللها أشرطة أخرى من الأرض غير الرملية وبذلك تتوفر رمال الدهناء من أشرطة ضعيفة تتخللها أشرطة أخرى من الأرض غير الرملية وبذلك تتوفر فرص جيدة في الدهناء لممرات للسير ونشوء برك للمياه.
بعد هذه الوقفة التراثية اللغية في مسميات الصحراء نعود إلى درب زبيدة فإن نطاق النفوذ هو نطاق ضخم من الرمال يمتد من سوريا ويغطي جزءاً من شمال الجزيرة العربية ويعمل هذا النطاق حاجزاً بين داخل الجزيرة العربية واقليم الحماد في العراق ويخترق هذا الحاجز ثلاثة منافذ أحدها منفذ جبة ويصل بين حايل وواحات الجوف وذلك عندما يبق هذا النطاق ويقل سمك الرمال ويلتقي بالطرف الشمالي الغربي لنطاق الدهناء المكون من أشرطة من الرمال تتداخل بينها أشرطة من الأرض غير الرملية ويشكل منفذاً طبيعياً في منطقة انتقال هذين النطاقين سلكه درب زبيدة.

طين خاوة:
يعتبر طين خاوة من المظاهر الجيولوجية أو من الموروث الجيولوجي لمحافظة النجف وبالتحديد لمدينة النجف الأشرف ومناطقها المجاورة وقد اكتسب شهرة واسعة بين النساء حيث يستخدم من قبلهن لغسل الشعر وإكسابه نعومة ويذكر أن زبيدة زوجة هارون الرشيد قد استخدمته في غسل شعرها بعد أن وصف لها عندما مرت بالنجف في طريقها إلى الحج عبر الطريق الذي عرف باسمها والذي تناولناه آنفاً.طين خاوة
يوجد طين خاوة في منطقة (طار النجف) وهو عبارة عن معادن طينية أهمها معدن الباليغورسكايت (Palygorshite) والذي يعرف أيضاً بالأتبلغايت (Attapulgite) ويتكون من سليكات الألمنيوم ـ المغنيسيوم ويمتاز هذا المعدن بخاصية إزالة الشوائب، والمواد الدهنية لذلك استخدم في قديم الزمان ولازال يستخدم من قبل النساء لغسل الشعر وإكسابه نعومة وقد شاع استخدامه من قبل نساء المنطقة ومناطق عديدة في العراق.
إن تسمية هذا النوع من الأطيان من قبل النجفيين بطين خاوة يستدرج التأمل سيما أن كلمة خاوة سريانية تعني حوراء وأن السريان الشرقيين يلفظون الحاء خاء فهل استوردها النجفيون من مناطق العراق الأخرى تسمية وصفية لهذا النوع من الأطيان الذي يوجد في أرضهم؟ أم أن هذه التسمية هي تسمية نجفية الأصل وانتشرت إلى بقية مناطق العراق الأخرى مع انتشار خصائص هذا الطين بين العطارين والنساء وفائدته في تنظيف وغسل الشعر؟
في ذلك أرى أن هذه التسمية ذات الأصل السرياني مصدرها سكان الحيرة من النصارى الذين كان معظمهم على المذهب الشرقي (النسطوري) وهم قبائل عربية ولغتهم عربية ولكن لغة صلاتهم وعبادتهم كانت سريانية وبلهجة شرقية كما أفادني مشكوراً في ذلك الأستاذ ألبير أبونا رئيس تحرير مجلة بين النهرين الغراء وعليه أعتقد أن هذا الموروث نجفي في تسميته وفي أصله.
نعود الآن إلى وصف الطبيعة المعدنية والجيولوجية لهذه الأطيان في مناطق وجودها في محافظة النجف إن طين خاوة عبارة عن صخور طينية تحتوي بصورة رئيسية على معادن طينية أهمها معدن الباليغورسكايت الذي أشرنا إليه في الفصل الرابع وتركيبه الكيميائي سليكات الألمنيوم المغنيسية وذو تركيب بلوري ليفي التبلور مما أكسبه خاصية امتصاص الشوائب واقتناصها في القنوات الليفية بكفاءة عالية بالمقارنة مع الأنواع الأخرى للأطيان التي تتخذ الهيئة الصفائحية في تبلورها كما هو الحال بالنسبة لأطيان الكؤولين على سبل المثال.
صلابة طين خاوة متوسطة ويستخرجه النجفيون بأسلوب الحفر اليدوي من عدة مواقع في قاعدة طار النجف ويسوق محلياً بكميات محدودة إلى بعض المدن في العراق كما يعرض محلياً للبيع في دكاكين العطارين والمتعاملين في الطب الشعبي في مدينة النجف الأشرف وكذلك على أرصفة الطرقات القريبة من الصحن الحيدري الشريف حيث يقبل على شرائه النسوة في مواسم الزيارة.
يمتلك المتعاملون بطين خاوة (بيعاً واستخداماً) خبرة اكتسبت من التجربة في تميز أنواعه الجيدة التي يقصد بها الأنواع النقية ذات الفعالية العالية في امتصاص الشوائب ويعتبر طين خاوة الأخضر اللون هو أفضل الأنواع لاحتوائه على نسبة عالية من معدن الباليغورسكايت وبالتالي شوائبه قليلة وذلك على عكس طين خاوة الذي يميل إلى الاحمرار الذي يحتوى على شوائب تقلل من فاعليته في تنقية الشوائب من ختام هذا المبحث الموجز عن طين خاوة لابد من الإشارة إلى أن أطيان الباليغورسكايت التي تتكون منها طين خاوة لا يقتصر وجودها في مدينة النجف الأشرف بل أن وجودها مكتشف أيضاً في بعض المناطق النائية من الصحراء الغربية العراقية وبعيدة عن مناطق التحضر في الماضي لهذا السبب اعتبر هذا الموروث نجفياً دون سواه.

ابن الحسن:
ابن الحسن من الموروث الشعبي الشائع في محافظة النجف وبعض المدن في المحافظات المحيطة بها ولكن هذا الموروث يشتهر بشكل واسع بين أهالي منطقة الحيرة وما حولها وكذلك بين المتعاملين بالأدوية الشعبية في مدينة النجف الأشرف وهو مادة ترابية داكنة بنية اللون تعرف محلياً باسم (ابن الحسن) وتجلب من منطقة تعرف 11119447_352867354915418_1334739483_nببئر الشفاء قريبة من ناحية الدسم وهي من المناطق الخاضعة لسيطرة مديرية الآثار العامة ويمكن الوصول إليها من الحيرة باتجاه طريق الدسم إلى قرية (عبد علي) وهو طريق معبد ثم الاتجاه غرباً بمسافة ثلاثة كيلومترات حيث موقع وجود هذه الترب وهي في منطقة زراعية منبسطة تنتشر فيها بعض التلال الصغيرة يكسوها لون داكن وأكبر هذه التلال هو تل ابن الحسن الذي يقع بقربه عين صغيرة لازالت جارية تسمى عين الحسن وهي قرب مقام يعرف بمقام الحسن(ع) يعتقد أن الإمام الحسن بن علي(ع) قد أقام في هذا الموضع في إحدى رحلاته بين المدينة المنورة والعراق وإن التربة الداكنة كما في المعتقد أو الموروث الشعبي تمثل مكان موقد النار لتحضير القهوة التي كان يقدمها الإمام الحسن(ع) لضيوفه عندما أقام في المكان ويذهب المعتقد الشعبي في أيضاً إلى أن حبات من القهوة قد وجدت في التربة الداكنة وهبا وإيماناً ببركة الإمام الحسن(ع) تستخدم تربة المكان التي عرفت بابن الحسن للشفاء وقد زار الملف المنطقة واستطلع جيولوجيتها وأخذ نموذجاً من موقع تل بن الحسن وتفحص التلال الأخرى المحيطة وتمت دراسة النموذج وتحليل مكوناته للوقوف على طبيعة ابن الحسن ودون ملاحظاته التي نفصلها كما يلي:
النموذج الذي أخذه المؤلف من موقع تل ابن الحسن يتكون من رسوبيات ذات طبيعة رملية وغرينية وطينية ضعيفة التماسك ذات لون داكن يميل إلى البني يتكتل بحجوم مختلفة سهلة التفتت وتحتوي هذا الرسوبيات على مواد عضوية وينبعث منها رائحة خفيفة للكبريت والفحص البصري لبعض الكتل يعكس تعرض الرسوبيات إلى تجوية كيميائية وإلى فعل المحاليل كما أن المواد الرابطة للحبيبات هشة ولوحظ أيضاً وجود جيوب صغيرة ضمن نسيج الرسوميات مترسبة فيها بلورات ملحية من معدني الهالايت والجبسم.
الموقع الذي تم نمذجة عبارة عن تل صغير معزول يبلغ ارتفاعه خمسة أمتار وقطره حوالي عشرة أمتار ويلاحظ فيه التكهف وأظهر الفحص الموقعي الذي قمنا به تباين ألوان الرسوبيات المتتابعة في مقطع التل من البني الفاتح إلى الغامق إلى الرمادي الغامق أحياناً.
توجد عين ماء قريبة من موقع التل وعلى مسافة خمسة وعشرين متراً منه وتعرف بعين الحسن أو بئر الشفاء ويتوسط موقعي التل والعين مقام الإمام الحسن(ع) ويؤمه كثير من الزوار كما أفادني القائم بخدمة شؤون هذا المقام.
التحاليل المعدنية للنموذج المأخوذ من تل ابن الحسن والذي استخدم في تحليله تقنية الأشعة السينية الحائدة أظهرت أنه يتكون من معدن الكوارتز (المرو) بنسبة تصل إلى 25% والدولومايت بنسبة 14% والكلسايت بنسبة 12% والهالايت بنسبة 11% والجبسم بنسبة 9% وأطيان الكاؤولين بنسبة 7% فضلاً عن معادن أخرى كالفوسفات والبوتاسيوم والكبريت الحر ومواد عضوية. الدالة الحامضية (PH) لهذه الرسوبيات بلغت 8 وقد ساعدت السيدة نوال السعدي من الشركة العامة للمسح الجيولوجي والتعدين مشكورة في تحليل واحتساب نسب المعادن.
إن دراسة التحاليل المعدنية والكيميائية تظهر طبيعة غير اعتيادية للتربة أو الرسوبيات التي تعرف بابن الحسن فبالرغم من أن تلك التحاليل تظهر أنها رسوبيات فيضية مكونة من رمال وغرين وأطيان إلا أن هنالك نسب غير طبيعية لعناصر البوتاسيوم والصوديوم والكبريت والفسفور والمواد العضوية في هذه الترب وإذا ما اقترنت هذه الملاحظة مع ملاحظة أخرى تتعلق بالنسيج المرجاني للأجزاء المتكتلة للتربة (تشبه نسيج خلايا النحل) وهي في رأي المؤلف تمثل هيكلية لقطع عظيمة متحللة وأن هذه الأجزاء المتكتلة سرعان ما تتحطم عند التقاطها وضغطها بالملقط وعليه فإن الاستنتاج يكون مقنعاً في رأينا بأن تل ابن الحسن هو مقبرة قديمة وأن ابن الحسن هو تربة هذه المقبرة وهذه التربة غنية بعناصر الكبريت والفسفور والبوتاسيوم فضلاً عن المواد العضوية وهذه العناصر أضيفت إلى التربة من تحلل أجسام الموتى الذين دفنوا في هذا التل.
لدعم هذا الاستنتاج نشير إلى أن تل ابن الحسن هو أكبر تلة في المنطقة وهناك تلول عديدة صغيرة بحجمها وارتفاعها منتشرة في المنطقة وأن ألوان سطوحها الخارجية مشابه إلى جردة كبيرة إلى لون السطح الحارجي لتل ابن الحسن لكن الفرق الكبير في ذلك هو أن لون وطبيعة ترب التلول الصغيرة مما يلي قشرتها الخارجية يختلف عن تربة تل ابن الحسن وقد تفحصت ذلك موقعياً وأن النظرة الشمولية لمشهد المنطقة يستدل منها في رأيي بأن تل ابن الحسن هو الموقع الملائم للدفن دون سواه من التلول الصغيرة المنتشرة حوله بسبب ارتفاعه المميز عن التلول الأخرى الصغيرة لذلك يكون منطقياً أن يتم اختياره من قبل سكان المنطقة وما حولها لهذا الغرض وفي ذلك أعتقد أن تاريخ اختيار هذا الموقع للدفن قديم ربما يعود إلى صدر الإسلام والأرجح إلى تاريخ معركة القادسية (16هـ) التي كانت هذه المنطقة ساحتها الرئيسية وأعتقد أيضاً أن شهداء معركة القادسية أو بعضهم ربما دفنوا في هذا الموقع ومن ثم اتخذ مقبرة من قبل السكان المحليين والمناطق المجاورة له لهذا الغرض وذلك قبل بداية استيطان مدينة النجف الأشرف في القرن الرابع الهجري ونشوء مقبرة النجف كما أسلفنا ليتوقف الدفن في هذا الموقع إلا في الحالات الاستثنائية.

حجر بارقي:
حجر بارقي من الموروث الجيولوجي لمحافظة النجف وبالتحديد لمنطقة الكوفة وقد وردت الإشارة إليه في أحد كتب التراث العلمي الإسلامي في موضوع علم المعادن حيث ورد في كتاب قطف الأزهار في خصائص المعادن والأحجار ونتائج المعارف والأسرار الذي ألفه أحمد بن عوض المغربي في القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي) جمع فيها خصائص المعادن وصفاتها وعند مراجعتنا لمحتويات هذا الكتاب لاحظنا احتواءه على عديد من المعادن والصخور ينسب وجودها إلى موقع في العراق ومن بينها حجر بارقي الذي وثقه ابن عوض المغربي عن ابن الكتبي وقد ورد في نص الإشارة إليه في ص72 من الكتاب المذكور ما يلي: (إن هذا الحجر منسوب إلى بارقة وهو موقع بالقرب من الكوفة، وهو يشبه الحجر الخزفي… وأكثر ما يوجد منه بقدر الكف خفيف من شأنه إذا جعل على موضوع من بدن من به استسقاء رطوبي مص الماء من بطنه حتى يبرأ وهو إذا ترك فوق الماء طفا ثم يثقل ويرسب بسبب مصه الماء إلى نفسه حتى إذا كان منه قطعة وزنها نصف مثقال شرب من قدر مثقالين، وإذا حط هذا الحجر بعد مصه الماء في الشمس أخرج ماءه وهذه قضية منه مشهورة عند الأطباء).
إن هذا الوصف الدقيق للحجر الذي وصفه ابن الكتبي جدير بالتأمل والاهتمام سيما وأن تحديد بعض خصائصه الفيزيائية والمعدنية وكذلك أوجه استخدامه في امتصاص الماء وقد يبدو ابن الكتبي استند في ذلك على تجارب عملية وخاصة ما يتعلق بمساميته وقياسه لمقدار قابليته على امتصاص الماء (Water Absorbation Capacity).
وبهذا الخصوص أجرينا الحساب المشار إليه في الفقرة اللاحقة لحساب الكثافة الحجمية (Bulk Density) لهذا الحجر والتي تبلغ 0.3غم/سم2 وفق حسابات بالاستناد إلى معطيات تجربة ابن الكتبي.
وإذا ما أردنا تحديد صفات هذا الحجر وفق المفاهيم والمفردات المعاصرة المتبعة في علم المعادن وعلى أساس المعلومات التاريخية الموثقة حوله والمشار إليها في نص التوثيق فإن بحثنا في ذلك توصل إلى بعض المعطيات نذكر منها ما يلي:
اللون: لم يذكر.
المظهر: شبه بالخزف.
الكثافة: خفيف جداً ويطفو فوق سطح الماء وقدرناها بحوالي 0.3غم/سم2
المسامية: عالية جداً (بدلالة قابليته العالية على امتصاص الماء).
النفاذية: عالية (بدلالة إذا ما ترك فوق الماء طفا ثم يثقل ويرسب).
الصلابة والكسر: سهل التكسر (بدلالة أكبر ما يوجد منه بقدر الكف).
طبيعة المكونات: مواد غير طينية (بدلالة عدم تأثره بالماء عند تشبعه به).
موقع وجوده: موضع بارقة قرب الكوفة.
الارتباط الطبقي: الصخور المتكشفة في مناطق الكوفة ـ نجف تعود إلى تكاوين الدبدبة وأنجانة.
خصائص الاستخدام: امتصاص الماء لأغراض طبية بدلالة (وهذه قضية منه مشهورة عند الأطباء والمجربين).
على أساس ذلك فإن كثافة حجر بارقي (ك1) تبلغ حوالي 0.3غم/سم3 وأن الإشارة التاريخية لوجود معدن في مكان قرب الكوفة وبالخصائص المعدنية التي وثقها بدقة ابن الكتبي وحاولنا مراجعة توثيقها وفق المفاهيم المعاصرة لعلم المعادن كما ذكرنا آنفاً نجد أنفسنا أمام طرح التساؤل التالي:
أين موقع هذا الحجر؟ ولماذا لم يهتدي إليه لحد الآن؟ وما هي احتمالية وجوده على ضوء الخصائص الجيولوجية للمنطقة التي وردت الإشارة إليها في المصدر التاريخي؟
لقد حاول المؤلف الإجابة على تلك التساؤلات في بحث خاص نشره حول هذا الموضوع وتوصل إلى أن حجر بارقي تتماثل صفاته وخصائصه مع معدن يعرف بالنينوايت اكتشف في منطقة الحميرة قرب الموصل ونسب في تسميته إلى نينوى وأن ظروف نشوء معدن نينوايت في مناطق الموصل متحقق في مناطق طار النجف وعليه يمكن القول بأن حجر بارقي ومعدن نينوايت اسمان لمعدن واحد يتواجد في منطقتين هما الموصل وطار النجف وانعدام العثور عليه في مناطق النجف لا ينفي عدم وجوده باعتبار أن مناطق النجف ـ الكوفة لم تخضع إلى عمليات فصلة للاستكشافات المعدنية وأن الاحتمال يبقى وارداً في العثور عليه لموثوقية المصدر التاريخ والتفاصيل الدقيقة التي وردت حوله والتي أشرنا إليها سيما أن هنالك العديد من الشواهد حول تحقق اكتشافات معدنية جديدة في مناطق سبق أن خضعت إلى عمليات استكشافية موسعة ونورد على ذلك مثالا اكتشاف معدن النينوايت في منطقة من توابع مدينة الموصل التي سبق أن خضعت منذ عقود من الزمن إلى مسوحات جيولوجية وتحريات معدنية مختلفة لم تسفر عن اكتشاف المعدن المذكور وهناك أمثلة كثيرة أخرى نستطيع ذكرها والتي نستنبط منها أن عدم اكتشاف معدن في منطقة خضعت لاستكشافات معدنية لا يلغي احتمالات وجوده إذا ما توسعت عمليات الاستكشاف في تلك المناطق.
إن قصة حجر بارقي مثال تجدر الإشارة إليه في دعم أطروحة أهمية دراسة الموروث الجيولوجي والاستفادة منه في عمليات الاستكشافات المعدنية ونختم مبحثنا ببعض الملاحظات حول موقع برقة التي نسب إيه ابن الكتبي تسمية الحجر وفي ذلك استطلعت العديد من المصادر التاريخية التي تتناول جغرافية وتاريخ الكوفة والنجف والحيرة ووجدتها تشير إلى بارق بدلاً من برقة وهو موضع بظهر الكوفة أي أنه في منطقة النجف التي كانت تسمى بظهر الكوفة والتي تحيط بها الطارات التي تتكشف فيها صخور وتكاوين الدبدبة وأنجانة كما أسلفنا وقد وردت تسمية بارق في العديد من المصادر التاريخية وفي الشعر العربي القديم نذكر شعر الأسود بن يعفر في هذا الخصوص في قصيدته المشهورة:
ماذا أؤمل بعد آل محرق
أهل الخورنق والسدير وبارق
تركوا منازلهم وبعد أياد
والقصر ذو الشرفات من سنداد
ونذكر بيت المتنبي في ذلك:
تذكرت ما بين العذيب وبارق
مجرى عوالينا ومجرى السوابق

الشراب صناعة فخارية تراثية نجفية:
الشراب (بكسر الشين) مفردها (شربة) (بفتح الشين) وهي مفردة شعبية نجفية شائعة أيضاً في مناطق الفرات الأوسط تعني جرة فخارية ذات تشكيل مميز تستخدم لحفظ الماء وتبريده.
وفي قواميس اللغة شربة ومشربة إناء من الخزف يشرب منه. تصنع في النجف منذ مئات السنين من قبل صناع تمكنوا من اختيار المواد الأولية المناسبة مهرة في التشكيل والفخار والمتعامل بها يعرف بأبو الشراب ولا تقتصر هذه الصناعة الشعبية على صنع الشراب بل تمتد أيضاً إلى صنع أواني فخارية أخرى مثل (الحب) وهو فخار مزجج أو غير مزجج على شكل مخروط ناقص بأحجام مختلفة يستخدم لحفظ الماء عندما يكون مزججاً أو يستخدم في تبريده عندما لا يكون مزججاً وعندما يكون صغير الحجم يسمى (كوز) وهنالك آنية أخرى في مفردات هذه الصناعة تسمى (الحبانة) وهي وعاء فخاري صغير يستخدم في غرف الماء من الحب أو الكوز كما تستخدم الحبانة آنية لشرب الماء.
إن صناعة الشراب في النجف تمتد جذورها إلى زمن طويل وتجهز المناطق المجاورة من منتجات هذه الصناعة فضلاً عن تلبية احتياجات النجفيين من وسائل تبريد الماء لأغراض الشرب في فصل الصيف.
إن نشوء هذه الصناعة التراثية في ضواحي مدينة النجف الأشرف دون غيرها له مبررات جيولوجية لها علاقة بالإطار الجيولوجي لمحافظة النجف الذي عرضناه في الفصول السابقة لذلك يعتبر هذا التراث موروث جيولوجي حيث تعتمد هذه الصناعة على مواد أولية متوفرة في منطقة النجف ذات مواصفات معدنية اكتشفها النجفيون القدماء بأنه ملائمة لصناعة فخار ذو مسامية عالية يستخدم لأغراض تبريد الماء.
لقد توصل النجفيون القدماء وهم يتأملون في مكاشف طار النجف التي تستنتج التأمل والاهتمام إلى أن بعض صخور طبقات تكوين أنجانة (الطبقات الوحلية) المتكشفة على طول امتدادات طار النجف وبسماكات مختلفة هي مواد أولية ملائمة لهذه الصناعة.
إن تكوين أنجانة وكما أشرنا إليه في الفصل الثالث يتكشف في طار النجف وطار السيد ويتراوح السمك المستكشف من هذا التكوين بين 11 إلى 32 متراً ويتكون من طبقات من الصخور الرملية ذات الألوان البيضاء والرمادي والصخور الوحلية ذات الألوان الخضراء والحمراء والبنية والرمادية. يظهر في التكوين أحياناً طبقة من الصخور الجيرية ذات سمك قليل فضلاً عن رقائق من الجبس مشتتة بين طبقاته.
إن الصخور الوحلية في تكوين أنجانة تشكل مواد أولية هي المستخدمة في صناعة (الشراب) ويتراوح سمك هذه الصخور بين نصف متر إلى أربعة أمتار ولازالت آثار قلع هذه الصخور لأغراض صناعة الفخار واضحة في عدة مناطق من طار النجف.
تتكون الصخور الوحلية من خليط من المعادن الطينية وغير الطينية بالنسبة للمعادن الطينية فهي خليط من الباليغورسكايت والمونتمورلونايت والكاؤولينايت وإلى درجة أقل من نسبة التركيز يوجد معدن الكلورايت أيضاً وتتراوح نسبة المعادن الطينية في الصخور الوحلية في تكوين أنجانة في مناطق طار النجف بين 18ـ33% أما المعادن غير الطينية فهي ممثلة بمعدنين رئيسيين هما المرو والكلسايت إضافة إلى معادن أخرى بنسب أقل من التركيز مثل معادن الفلدسبار والسلستايت والجبس.
إن هذه التشكيلة من المعادن الطينية وغير الطينية ملائمة جداً لصناعة أوعية فخارية تستخدم لأغراض تبريد الماء حيث تتميز بمسامية عالية (25%) ودرجة عالية من القدرة على امتصاص الماء (12%) حيث تعمل المسامات المملوءة بالماء على تبريد الجسم الفخاري (الشربة) بفعل آلية التبخر وبالتالي على تبريد الماء المحفوظ فيه فضلاً عن ذلك فإن النسبة العالية للمسامات تعمل على تميز الفخار المنتج بخفة الوزن مما يكسبها خاصية عملية مضافة وهنا لابد لنا من وقفة عن خصوصية (شراب النجف) في المقارنة مع (الشراب) المصنوعة في مناطق أخرى من العراق حيث تتميز (شراب) النجف بسرعة التبريد وخفة الوزن بسبب المسامية العالية وبالتالي من من صنع شربة ذات قدرة أكبر لاستيعاب الماء بالمقارنة مع فخار ذو مسامية قليلة حيث يكون في هذه الحالة ثقيلاً نسبياً ولا يمكن صنع (شربة) ذات قدرة على استيعاب كمية مناسبة من الماء فضلاً عن كفاءتها الضعيفة في تبريد الماء بسبب قلة المسامية من ذلك نلتمس أن المسامية العالية هي عامل حاكم في صناعة شربة خفيفة الوزن ذات حجم استيعابي مناسب وقدرة عالية لتبريد الماء بآلية التبخر فما هو السر في ذلك؟ إن الفضل في ذلك يعود إلى المحتوى العالي للصخور الوحلية من منطقة طار النجف بمعدن الكلسايت الذي يتفكك خلال عملية الحرق ويتحرر غاز ثاني أوكسيد الكاربون مما يؤدي إلى حدوث فراغات (مسامات) في الجسم الفخاري، إن هذا المحتوى العالي من الكلسايت في الصخور الوحلية لتكوين أنجانة في طار النجف لم يلاحظ في مثل هذا النوع من الصخور في مناطق وجودها الأخرى في العراق المكتشفة في طوز خورماتو وخانقين حيث تتميز بوجود نسبة من الكلسايت تقل كثيراً عن ما هو الحال عليه في صخور نفس التكوين (أنجانة) في طار النجف لذلك يلاحظ أن الفخار المصنوع من مواد أولية مصدرها طوز خورماتو ذات مسامية معدة واطئة لقلة محتواه من الكلسايت أو المواد الكاربونية التي يتفكك خلال عملية الحرق ويتحرر غاز ثاني أوكسيد الكاربون مما يؤدي إلى نشوء مسامات كثيرة كما أسلفنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.