الثلاثاء , 19 مارس 2024
الرئيسية » تاريخ النجف الأشرف » النجف في الصحف والمجلات » أرض النجف التاريخ والتراث الجيولوجي والثروات الطبيعية القسم الثاني

أرض النجف التاريخ والتراث الجيولوجي والثروات الطبيعية القسم الثاني

أرض النجف
التاريخ والتراث الجيولوجي والثروات الطبيعية
القسم الثاني

الشهيد الدكتور موسى جعفر العطية

الفصل الثالث
مظاهر جيولوجية بارزة في محافظة النجف
مقدمة
استعرضنا في الفص الثاني من الكتاب الإطار العام لجيولوجية النجف, وفي هذا الفصل نحاول أن نبرز بعض المظاهر الشاخصة في المحافظة والتي تندرج مظهريتها ضمن ما يعرف بالموروث أو التراث الجيولوجي للمحافظة.
بحر النجف:
بحر النجف ظاهرة جيولوجية بارزة في محافظة النجف وفي منطقة الرفات الأوسط تستدرج اهتماما الباحثين في البحث عن أصله وتطور نشوئه سيما أن بحر النجف قد تخلد في صفحات التاريخ الحضاري القديم والحديث لوادي الرافدين فعلى سواحله كانت الحيرة التي نشأت عام 274ق.م عاصمة لدولة المناذرة اللخميين كما كان بحر النجف عمق الكوفة منذ نشأتها حاضرة للعلم وعاصمة للدولة الإسلامية حتى صار هذا البحر إطلالة لمدينة النجف الاشرف منذ تأسيسها قبل اثنا عشر قرنا.
يقع بحر النجف في الطرف الغربي لمدينة النجف وتطل عليه هضبتها ويمتد حوضه باتجاه مساحته حوالي 750كم2 ويبلغ ارتفاع أوطأ نقطة فيه 11 مترا فوق مستوى سطح البحر, ومن الناحية الجيولوجية فان أرضيته مغطاة بالرسوبيات الحديثة التي يصل سمكها الى حوالي 38 مترا, ويظهر على أطرافه تكشفات صخرية تعود لتكوين انجانة والدبدبة ( شكل رقم 3 ) التي تشكل طباقية طار النجف.٢٠١٥٠٤٢٩_١٧٥٣٠٨
في الطرف الغربي لبحر النجف تظهر تكشفات لصخور تكوين الفرات والنفايل أما من الناحية البنيوية فان منخفض بحر النجف يقع على الحد الفاصل بين الرصيف المستقر( نطاق السلمان ) والرصيف غير المستقر (نطاق السهل الرسوبي ) ويمر فيه منظومة فوالق هيت أبو جير التي تنبع في نطاقها عدة عيون يقع بعضها ضمن حوض بحر النجف.
تمثل منطقة بحر النجف الكتلة المرتفعة للفالق (شرقي منظومة فوالق هيت أبو جير ) في حين تمثل هضبة النجف الكتلة الهابطة وفق الخارطة البنيوية الإقليمية وتعتبر هذه الصورة التركيبية لمنطقة بحر النجف من الإشكاليات الجيولوجية في المنطقة التي تحتاج الى تفسير.
بحر النجف في المصادر التاريخية:
أقدم مصدر تاريخي وردت فيه إشارة الى بحر النجف يعود الى فترة صدر الإسلام وهي رواية ابن بيقلة الغساني عن بحر النجف والتي ذكرها الطبري في تاريخه والمسعودي في مروجه, وكذلك ذكر بن الواضح في كتابه البلدان أن النجف كان ساحل بحر الملح وكان في قديم الدهر يبلغ الحيرة وهي منازل بيقلة وغيرهم.
وهنالك الكثير من الروايات والإخبار والشعر في ذكر بحر النجف وأفضل من جمعها وعرضها الشيخ جعفر محبوبة في كتابه ماضي النجف وحاضرها وكذلك الخليلي في موسوعة العتبات المقدسة في جزئه الخاص بالنجفUntitled-1 والتي يعرض فيها ملاحظات الرحالة تكسيرا في رحلته الى النجف عام 1604م حيث ذكر أنه شاهد بحيرة واسعة عندما قدم الى النجف من البصرة وهذه البحيرة متكونة من مياه نهر الفرات في وسط البادية تستمد ماؤها من الفرات ولذلك يلاحظ ازدياد مقاديره في مواسم الفياضانات ليس لها شكل وإنما طولها يبلغ 35 الى 40 فرسخ وهي شديدة الملوحة, كما أكد ذلك الرحالة بارلو في وصفه لنهر الفرات عام 1889م, وكما أن هذا البحر كان خير طريق للمواصلات بين النجف وداخل وخارج العراق وأن سفنا كبيرة بحمولة 50 طنا تمر في هذا الطريق النهري الذي ينتهي بالنجف وتتوافق هذه الرواية مع ما يذكره الباحث من روايات آبائه وبعض شيوخ مدينة النجف عن أجدادهم حول وصول البواخر الى بحر النجف.
أن تسمية القدماء لبحر النجف دون البحيرة أو الهور هي تسمية منطقية لأنها تستند على عدة أركان: هي اتساع رقعته بامتدادات لا تتجلى للناظر نهاياتها وولوج السفن والبواخر الذي يعني أنه مفتوح وغير مغلق, وهذه من خصائص البحار وكذلك ملوحة ماءه التي أكدتها المصادر التاريخية في أكثر من موضع وهذا أيضا من خصائص البحار.
أصل نشوء بحر النجف.
بصورة عامة أن آلية نشوء البحيرات والأهوار ومجاري النهار, أما أن تكون جيوكيميائية تتمثل بإذابة بعض الطبقات الصخرية ( الملحية ) بما يؤدي الى تخسف الطبقات التي تعلوها وبذلك تنشأ خسفات ( karsts ) أو منخفضات ( depression ) التي تملأ بالمياه عند توفر مصادرها او تكون آلية النشوء بنيوية ( tectonic ) وما يترتب عليها من انعكاسات تركيبية ( structural ) متمثلة بالفوالق وطيات محدبة ومقعرة وظواهر جيومورفولية متمثلة بارتفاع وانخفاض سطح الأرض ومن هذا المنظور الأخير نتناول أصل وتطور نشوء بحر النجف ( متى وكيف ؟) وقد وفر لي الباحثون الذين اهتموا بنظرية المجاري القديمة لنهر الفرات الفرصة في وضع هذا البحث حيث توصل عدد من الباحثين الذين سأشير لهم لاحقا أن هنالك نمط من العلاقة بين النشاط البنيوي الحديث وتحولات مجرى الفرات وأن هذه العلاقة في رأيي تمتد أيضا الى أصل نشوء بحر النجف وتطوره عبر الزمن وقد وضعت نموذج ( model ) خاص بذلك يتناول آلية نشوءه وهي آلية بنيوية استغرقت حوالي 300 ألف سنة وفق تقديرات توصلت اليها خلال بحثي للموضوع وقبل التطرق الى تفاصيل ذلك نستعرض الدراسات السابقة ذات العلاقة بموضوع تأثير النشاط البنيوي الحديث على المنطقة وتحولات مجرى نهر الفرات.
المجاري القديمة لنهر الفرات ونظرية النشاط البنيوي الحديث.
تناول عدد من الباحثين دراسة المجاري القديمة لأنهار العراق وفق حركات النشاط البنيوي الحديث تعود هذه الدراسات الى مطلع الخمسينات من القرن الماضي وقد تطرق اليها الساكني في في كتابه الذي يتناول الموضوع , وما يهمنا في هذا الخصوص الدراسات المتعلقة بالمجاري القديمة لنهر الفرات حيث توصل عدد من الباحثين الى أن نهر الفرات بمجراه الحالي قد سبق أن اتخذ مجاري أخرى في بعض أجزاءه المحصورة بين منطقة هيت في أعاليه حتى مصبه في الخليج العربي وأن الحركات البنيوية الحديثة المستمرة بالنشاط كانت العامل الاساسي في ذلك وهي نظرية علمية تستحق الاهتمام, وفي ذلك نشر فوت ( Voute ) عام 1957م دراسة تاريخية في مجلة سومر تضمنت استنتاجات حول وجود نهر قديم كان يربط بحيرة الحبانية ببحر النجف ويمر هذا النهر خلال منخفض أبو دبس وطار السيد وطار النجف وأن الجانب المهم في دراسته هو إشارته الى أن النشاط الحركي الحديث قد أثر على منطقة أبو دبس وانقطاع المياه عن المجرى القديم باتجاه بحر النجف, وقد أيد هذا الاستنتاج ميشل ( Michell ) في دراسته التي نشرها في نفس العام حول الحركات البنيوية الحديثة في سهل وادي الرافدين, وتبنى هذه النظرية الدباغ في كتابه حضارة العراق وبين أن نهر الفرات في عصور ما قبل التاريخ كان يتصل أيضا ببحيرة الحبانية وهور أبو دبس وبحر النجف وأن هذه المنخفضات كانت متصلة مع بعضها مكونة واديا يمتد من الشمال الى الجنوب, ثم انفصلت عن بعضها بسبب الحركات البنيوية.
أن مجرى الفرات مر بطورين قبل طوره الحالي وهما:
الطور الأول: الطور القديم الذي استمر من عصر البلايستوسين المتوسط وحتى العصر الحجري القديم حيث اتجه مجرى نهر الفرات بعد مروره بمنطقة هيت نحو منخفضات الرزازة الحالية وطار السيد وطار النجف وبحر النجف ثم مناطق جنوب النجف والسماوة واتجه جنوبا تقريبا حتى الخليج العربي من خلال خور الزبير وقد انتهى هذا الطور بفعل حركة النشاط البنيوي الحديث في منطقة التقاء طار السيد بطار النجف الذي أدى الى نشوء تراكيب جيولوجية في المنطقة أظهرتها المسوحات الجيوفيزيائية وأدى هذا النشاط الحركي البنيوي الى تحول مجرى الفرات بالاتجاه المعاكس وانقطاع مجرى مياهه نحو بحر النجف وشق مجرى جديد سمي بمنفذ كربلاء والذي يمثل الطور الثاني.
الطور الثاني:
ويمثل هذا الطور مجرى نهر الفرات شرق المجرى الحالي للنهر ويسمى بمجرى الكرامة أو مجرى سيبار الذي يمر بمدن آثارية قديمة مثل كيش وكوتي وفر والوركاء وأور, ويصب في خور الزبير ويمثل الشكل رقم (6) مجرى نهر الفرات بأطواره المختلفة وفق الدراسات السابقة المشار إليها.شكلر قم 6

مراحل تطور نشوء بحر النجف.
إن الانموذج الذي توصل اليه هذا البحث حول أصل بحر النجف يرتكز على آلية حركة النشاط البنيوي الحديث الذي شهدته منطقي التقاء طار السيد وطار النجف والتي أدت الى نشوء تراكيب جيولوجية تحت سطحية أظهرتها المسوحات الجيوفيزيائية في المنطقة والتي أشار إليها الساكني في كتابه المذكور آنفا, وهي ذات محور شمال – جنوب.
إن ارتفاع المنطقة بين طار السيد وطار النجف بسب نشوء تراكيب جيولوجية لابد أن يترتب عليها انخفاض سطح الأرض في مواقع أخرى وكل طية محدبة ( Anticline ) لابد ان يرتبط بها طية مقعرة, او انخفاض نسبي للسطح, وفي رأيي أن ذلك كان وراء نشوء منخفض بحر النجف في جنوب طار النجف وكذلك بصورة متزامنة ادى ايضا الى نشوء منخفض بحر الملح (حاليا جزء من بحيرة الرزازة ) الى الشمال من طار السيد كما موضح في الشكل رقم(7).شكلر قم 7
ان ارتفاع المنطقة بين طار النجف وطار السيد بسبب حركات البنيوي الحديث هو ارتفاع تدريجي بطئ وقد أدى وبصورة تدريجية الى نشوء بحر النجف خلال الطور الأول لمجرى نهر الفرات الذي أشار اليه الساكني , وأضيف هنا معطيات أخرى تدعم التصور الخاص بمجرى نهر الفرات في طوره الأول وهي الترسبات الحصوية والرملية في منطقة الخورنق ووادي الخمسات ووادي حسب وغماس وهي مواقع قريبة من النجف تمثل ترسبات نهرية وتشكل مواقعها مع موقع ترسبات حصوية أخرى في وادي خرز غرب السماوة وابو صريم غرب الناصرية شريطا قد يمثل اتجاهات المجرى القديم لنهر الفرات في طوره الأول الذي يمر بمحاذاة طار السيد وطار النجف وجنوب النجف وبذلك فان بحر النجف لم يكن موجودا في فترة نشوء واستمرارية ذلك الطور لمجرى نهر الفرات وإنما بدأ بتشكل بحر النجف خلال تلك الفترة بسبب حركات النشاط البنيوي الحديث, وقد استغرقت عملية التشكيل في تقديرنا حوالي 300 ألف سنة تحول بتأثيرها عكسيا مجرى نهر الفرات وتجمعت المياه المتبقية في حوض الفرات في قسمه الجنوبي وغمرت منخفض بحر الملح الذي تشكل بنفس آلية النشاط البنيوي الحديث والذي يقع الى الشمال من طار السيد بعد ان وجد نهر الفرات منفذا جديدا له سمي بمنفذ كربلاء الذي أشار له الساكني.
ان تقديرنا لفترة نشوء منخفض بحر النجف(300 ألف سنة) تستند على معطيات الخارطة الإقليمية للنشاط البنيوي الحديث للعراق( Sissakian Dei;ran 1997 ) والتي قدرت معدل ارتفاع سطح الأرض في المنطقة بحوالي 0,2 سم /100سنة واستنادا على ذلك أجرينا الحسابات التالية لتقدير الفترة الزمنية اللازمة لتحول مجرى الفرات عكسيا في منطقة التقاء طار السيد وطار النجف والذي تساءل عنها الساكني والتي تمثل فترة نشوء بحر النجف وهو أحد محاور هذا البحث.
أ – نفترض أن عمق مجرى نهر الفرات في منطقة التقاء طار السيد وطار النجف هو ثلاثة أمتار, وفي تقديرنا أن هذا افتراض منطقي على أساس معدل عمق نهر الفرات الحالي الى مجراه الأوسط.
ب – لكي يتجقق انقطاع مجرى النهر بآلية بنيوية لابد ان يرتفع النهر أولا الى مستوى سطح الأرض وبمقدار عمقه ( ثلاثة أمتار حسب الافتراض الأول ) وبالإضافة الى ارتفاع آخر عن سطح الأرض يؤمن انعكاس الانحدار وقطع مجرى النهر وهان نقدر أن هذا الارتفاع الإضافي عن سطح الأرض هو ثلاثة أمتار أخرى, وبذلك يكون مجموع الارتفاع المطلوب لسطح الأرض هو ستة أمتار لتحقق انقطاع مجرى نهر الفرات في منطقة الالتقاء المذكورة آنفا.
ج – على أساس تقديرات معدل ارتفاع سطح الأرض بسبب حركات النشاط البنيوي الحديث هي 0,2سم لكل 100سنة , فان نهوض الأرض في المنطقة المذكورة بمقدار ستة أمتار يمكن تحقيقه خلال فترة 300ألف سنة تقريبا وهي فترة تحول مجرى نهر الفرات في المنطقة من طوره الأول الى طوره الثاني وهذه تمثل الفترة التي استغرقها نشوء منخفض بحر النجف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.