مؤسسة الحكمة تشارك في مؤتمر حوار الأديان في سراييفو

n-22-9-2012-03
بدعوةٍ من جماعةِ “سانت أجيدو” الإيطالية وتحت عنوان العيش المشترك مستقبلنا شارك سماحة السيد صالح الحكيم في مؤتمر حوار الأديان الذي عُقد في مدينة سراييفو عاصمة البوسنة والهرسك للمدة من 9 إلى 11 / 2012 الذي تقيمه الجماعة سنويًا، وقد وقع الاختيار هذا العام على العاصمة سراييفو لما تحمله هذه المدينة من معاني العيش المشترك، حيث كان لمؤسسة الحكمة حضورها الفاعل في المؤتمر ممثلًا بشخص سماحة السيد صالح الحكيم مسؤول العلاقات العامة في المؤسسة، حيث شارك سماحته في جلسات المؤتمر وساهم بنقل الصورة الحقيقية لجامعة النجف الأشرف الدينية والأفكار التي تمثلها الجامعة من خلال طرحها رسالة الحب للبشرية، واعتمادها مبدأ قبول الآخر وقبول الحقيقة واعتماد العمق العلمي، كما كان للحوارات الجانبية التي خاضها سماحته مع عدد من الشخصيات المشاركة في المؤتمر الأثر الكبير في فك رموز الالتباس، وتوضيح الحقائق التي أُريد لها أن تُغيَّب بسبب الإبعاد القسري للنجف الأشرف عن الحواضر العلمية زمن النظام البائد الذي سعى إلى تعتيم الصورة وتشويه حقيقة المذهب الجعفري، لجعل الشيعة ومعهم النجف التي تُعد المركز الرئيس للشيعة في العالم يعيشان حالة من التهميش والتشويش، لكن وبفضل الله وبمجرد الخوض بالحوارات العلمية، عرف المشاركون أن المشتركات بين النجف وبين باقي المذاهب والأديان السماوية وطلاب الحقيقة كثيرة جدًّا.

n-22-9-2012-02

وعليه فقد جاءت كلمة سماحة السيد صالح الحكيم معبرة عن مدرسة فكرية عميقة وإنسانية تستحق الاحترام والتأمل ، حيث تحدث سماحته عن أهمية الحوار، وأنه طريق الديانات السماوية لأنها تؤمن بالحوار أسلوبًا وحيدًا وضروريًّا للتعايش والانسجام بين أبناء البشر، فلا سبيل للتقدم المعرفي والرقيِّ العلميِّ إلا بالحوار، فهو الطريق للتكامل الذي يؤسس لثقافة البحث عن الحقيقة التي تمثل جوهر الأديان، ويبلور منهج الحكمة والإنصاف والاعتراف بالآخر، وعدم احتكار الحقيقة، وفي الحوار نكتشف المشتركات في ما بيننا لنبني عليها ونحترم الخصوصيات في ما نختلف فيه.

ولكي يؤسس الحوار المثمر الهادف إلى حاضر مشرق ومستقبل أفضل، لابد من أن يعتمد على ركيزتين ؛ أولاهما : الاعتقاد بأن البشر متساوون في إنسانيتهم، فكلنا لآدم وآدم من تراب ، والثانية : البناء على قبول الحقيقة والابتعاد عن التعصب الذي يُفقد الحوار ثماره … لقوله تعالى { الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب} الزمر 18 ….

ومن أجل بناء مجتمع قيمي يُكرم فيه الإنسان، كما أرادت له السماء أن يكون خليفة الله في الأرض يعتمد الإيمان بالله واليوم الآخر ويؤسس لعلاقات أخلاقية تستند على الفطرة الإنسانية { فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم } الروم 30

وأضاف سماحة السيد صالح الحكيم في كلمته أن المبادئ التي حاولت حرف الإنسان عن فطرته بالقوة قد تصمد أمام الحقيقة فترة من الزمن، لكن حين تنحدر القوة وترتفع هيمنتها يعود الإنسان إلى فطرته ، وأن المهم انتقال نتائج الحوار إلى الجماهير وأن لا تبقى ترفًا فكريًا بين النخب في الغرف المغلقة، وهذا يعتمد على مصداقية رجال الدين والفكر ومقدار ارتباط قواعدهم الشعبية بهم، فأتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام يمتلكون تجربة تكاد تكون نادرة جديرة بوضع معالمها أمام المؤتمرين كتجربة إنسانية مرتبطة بخط السماء ، استطاعت الصمود أمام أعتى الأعاصير ومحاولات اقتلاع جذور فكرهم واجتثاث أتباعهم، فقد أصدر معاوية بن أبي سفيان مؤسس الدولة الأموية أمرًا يقول فيه اقتلوا أتباع عليًّ على الظنة والتهمة، واستمر هذا النهج حتى يومنا هذا ، والشيعة يتعرضون للقتل والإبادة والتفجير والتهجير والتخوين والتكفير، وعمل صدام الرئيس العراقي السابق على محو التشيع في العراق لمدة ثلاثين سنة، لكن بُعيد سقوطه بأيام جاءت جماهير الشيعة لزيارة مرقد الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء بمسيرة تقدر بأكثر من خمسة ملاين إنسان مشيًا على الأقدام من مئات الكيلومترات، وسرُّ هذا التوهج والتمسك هو جهاد أئمتهم عليهم السلام حتى ضربوا أروع الأمثلة بالمبدئية والالتزام والنزاهة، وعلَّموا تلاميذهم وأتباعهم كيف يعيشون مع رفضهم للظلم وابتعادهم عن الظالمين، مع التزامهم بالمبادئ وعدم انعزالهم عن الناس، ملتزمين بقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) :{اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدى واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا}

ونوه السيد صالح في كلمته بمعالم المدرسة الفكرية والسلوكية التي أرساها أئمة أهل البيت عليهم السلام وخرَّجت آلاف العلماء، واحترامها للتخصص، والتي مازالت تعتمد العدالة والتقوى، كمعيارين للعالِم الذي يرجع إليه عموم الشيعة بالتقليد والأتباع ، وعلمتهم كيف ينتخبون علماءهم وكيف يبقونهم تحت الأضواء ، فإذا شذ أحدهم رفضوه .

فالتميز العلمي بعد حصولهم على مرتبة الاجتهاد يمنح علماء الدين الشيعة قدرًا من الحكمة تمكنهم من ضبط قراراتهم واعتدالها وحساب نتائجها ، لذلك لم يسجل في تاريخ المرجعية الممتدلأكثر من ألف عام أي موقف متطرف أو منحاز لغير الحق الذي يعتقدون به.

وأضاف سماحته بأن أهل البيت عليهم السلام علَّموا طلابهم المنتسبين لمدرسة الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام كيف يعيشون مستقلين ماديًّا عن الحكومات ، حتى الحكومات الشيعية ، فالحوزات العلمية الشيعية تتمتع بالاستقلالية المادية الكاملة وهي ترفض على مدى تاريخها أي مبلغٍ من المال ومن أي حكومة كانت.

ثم أشار السيد صالح الحكيم إلى رفض علماء الشيعة تسييس الحوزات العلمية أو تحوُّل علماء الدين إلى مجاميع حزبية تسعى لاستلام الحكم ، بل الالتزام بدورهم الديني في حفظ مبادئ الدين الحنيف وبيان أحكامه والوقوف مع أبنائهم في المحن والمصائب، ورفض الظلم وإنكاره كما ورد ذلك عن أئمة أهل البيت عليهم السلام { كن للظالم خصمًا وللمظلوم عونًا } .

بعد ذلك تطرق سماحته إلى الدور الإيجابي الهام الذي يمارسه المنبر الحسيني والشعائر الحسينية في صقل الشخصية الشيعية وفي بنائها الفكري والعاطفي .

هذه الأسس – كما تابع السيد – حفظت الفكر الشيعي وأعطته مساحة واسعة من الحرية الفكرية، وحفظت الشيعة وجذرت ارتباطهم بأمتهم وعلمائهم إلى درجة كبيرة، بحيث إن فتوى من عدة كلمات تستطيع تغيير مجرى الأحداث في بلدان كثيرة ، كما في فتوى الميرزا الشيرازي المعروفة بثورة التنباك ، وفتوى السيد محسن الحكيم في الشيوعية ، وحركة الإمام الخميني ومواقف السيد السيستاني وغيرها .

وفي ختام الكلمة التي صادف إلقاؤها في يوم ذكرى أحداث 11 سبتمبر، تقدّم مسؤول العلاقات العامة في مؤسسة الحكمة بمقترحين تمثلا بتشكيل أمانة عامة للمؤتمر لرصد مصادر العنف الديني وتنسيق الجهود لمواجهتها، وإشاعة ثقافة التعايش بين أتباع الأديان والمذاهب، ودراسة ظاهرة التطرف والعنف التي عصفت بالمجتمع البوسني والمجتمع العراقي، وذلك لأنهم من أكثر الشعوب التي عانت من الإرهاب والتطرف الديني في الوقت المعاصر، لتنتفع منها شعوب الأرض وبالخصوص الشعوب المهددة بكوارث من هذا القبيل، فنحن لا نستطيع أن نوقف الكوارث والحروب، ولكن نستطيع أن نساهم في إشاعة المحبة.

n-22-9-2012-01

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *