التطور المورفولجي لساحة الميدان (باب الولاية) في النجف الأشرف خلال مائتي عام للمدة (1811 – 2012م ) أ د. محسن عبد الصاحب المظفر
أن الكتابة عن هذا الموضوع ليس بالسهل, ولنجعل بداية الكتابة عنه بإثارة مجموعة من التساؤلات وهي كلآتي :
ما أصل التسمية ؟
ماذا تكشف أقدم الصور عن وصف الميدان ؟
ماذا كانت مشاهداتي الشخصية لشكل الميدان وعمارته ؟
ما خصائص الشوارع المتصلة به ؟
ما خصائص عمارة الميدان وسعته اليوم ؟
ما طبيعة المشكلات وإمكانية الوصول من خلاله ؟
أن الإجابة عن هذه التساؤلات قد توصل الباحث إلى واقع التغير من خلال مراحل تطوره المورفولوجي ( الشكلي )
ألمقدمة :
أن الذين عايشوا ألميدان (باب الولاية ) في النجف الأشرف يدركون مستوى التغير المورفولوجي الذي مر به منذ سور النجف السادس ألذي أنشأ عام 1226هـ – 1811م
العام الذي اكتمل فيه بناؤه, وهو من آثار الصدر الأعظم الحاج محمد حسين خان الأصفهاني وزير السلطان فتح علي شاه, وهو السور الذي بقي له أثر الآن في المدينة القديمة من النجف الأشرف, وبعد بناء هذا السور انقطعت هجمات الأعراب والوهابيين على النجفوفي هذه السنة جاء الوهابيون إلى النجف, وحاصروا المدينة, حتى يئسوا من نيل مرامهم غادروها
وأن إدراكهم إدراكاً شخصياً ومن حكم الذاكرة حيث لا توجد مدونات عن باب الولاية في الكتب أو في المقالات ولا توجد حتى في الكتب التي تطرقت في بعض فصولها عن النحف, ولذلك كان لزاما على الباحث ألبحث ميدانياً وإستبيانياً وإجراء المقابلات الشخصية مع بعض كبار السن أو العارفين عن ملامح الميدان القديمة شكلا ومحتوى, وبإلإعتماد على الصور القديمة للنجف والتي تحكي قصة الميدان نشأة وتطورا بالرغم من عدم التعليق عليها من قبل لاقطيها, وبألإعتماد على بعض ألإشارات المقتضبة ألواردة وبعجالة في بعض المؤلفات عن الميدان, وكأن الكتابة عنه ليس بالأمر المهم
التسمية :
سمي بباب الولاية لأنه كان ومازال يمثل المدخل الشرقي الرئيس لمدينة النجف عبر سور السادس والأخير, وكان القاصدون يرابطون عند هذا الباب ويبيتون ليلة أو ليلتين قبل دخولهم المدينة, ويلاحظ في ألصورة التي التقطت عام 1918م ( الشكل رقم واحد).
أن باب الولاية احتوت على منشآت داخل السور كما توجد خارجه كما هو مبين في الصورة.
وجاءت تسمية باب الولاية بالميدان على أساس كونها كانت ميدانا للخيول التي تعد لتمثيل واقعة الطف في أيام عاشوراء وكان أول من ابتدأ ذلك وفي الميدان نفسه المرحوم خليل كور خادم الحسين المعروف, وكلمة كور بالفارسية تعني أعمى وذلك لأن خليل هذا كان أعمى البصر حاد البصيرة كما عبر عنه الشيخ الدكتور عباس الترجمان رحمة الله عليه وبين أن من عاداته تمثيل الواقعة في كل عام في الميدان المحاذي للسور الواقع عند شرق النجف القديمة حيث الباب الشرقية التي كانت عبارة عن دهليز قصير يسمى بالطاق وتقع فوقه بناية البلدية.
وتحدث آخرون وذكروا أن الميدان واسع عرضا وطولا لو اجتمع فيه أهل النجف جميعا لوسعهم يومذاك ولكن بمرور الزمن أخذت العمارة من مساحته وأصبح لا يشبه الساحة بل يشبه الشارع العريض.
والناس يتجمعون في ساحة الميدان في المناسبات لضيق أزقة النجف, وعدم وجود فسحات مناسبة وعريضة وكانت المساكن والمباني المختلفة ومنذ وقت قريب ملاصقة لجدار الصحن الشريف وما كانت دورة الصحن موجودة.
ويذكر أن ساحة الميدان بشكلها القديم جدا استمرت حتى إلى عهد المحقق مرتضى الأنصاري والسيد علي بحر العلوم, ثم ترك تمثيل واقعة الطف في ساحة الميدان بعد أن أخذت من مساحتها المباني الجديدة يومذاك صار التمثيل يجرى في أماكن أخرى كما هي اليوم.
عند النظر إلى المدينة وهي مسورة يرى في جهتها الشرقية وخلف سورها خانات ومباني لمبيت الزائرين قبل دخولهم إليها وبخاصة إذا كان وصولهم ليلا وهذه المباني ملتحمة مع السور وبعضها منتشر ليس بعيدا عنه أكثرها أعد كمخازن للأطعمة والبضائع الأخرى من البادية ومن المزارع والمدن حول النجف مثل الكوفة والحلة وأبو صخير وكربلاء.
يبدو الميدان بمورفولوجية قديمة قد لا يتذكرها النجفيون الحاليون لغرابة المكان ومبانيه المتهالكة (الصورة 2و3 ) التي لم يكتب عنها ولم تصفها المدونات, تطل على ساحة صغيرة تمر من خلالها الحمير التي قدمت خدمة جليلة إلى النجفيين الذين اعتمدوا عليها في نقل المواد ألإنشائية والبضائع والمواد الغذائية, إضافة إلى اعتمادهم عليها في الركوب والتنقل بين أزقة النجف الضيقة حيث لا سيارات ولا دراجات هوائية ولا عربات.
وكانت البنايات قديمة جدا وربما كان إحداها يمثل خان الهنود في شكله ألأول قبل تطوير بنائه, وتظهر في البناية على يمين الناظر إلى الصورة وقد تجملت بالأراسي المعتمدة يومذاك وهي من الخشب وقد صممت بحيث أنها تفتح برفعها إلى ألأعلى ( الشكل رقم 2 )
إما في الصورة شكل (3 ) , يشهد الشكل المورفولوجي ونمط العمارة تغيرا عما هو في الشكل (2) فظهر على الجهة الجنوبية من الميدان خان الهنود بمظهر معماري جديد وببوابة عريضة, وتقع على جانبه مقاهي وترى نمط المارة من رجال الدين والعامة وبعض النسوة المتجهات لعبور الميدان للوصول إلى مدخل سوق الكبير. وأهم المعالم المعمارية في الميدان داخل السور من عام 1915-1950م هي :
1 – خان الهنود
هو خان للهنود البهرة بني ليكون موقوفا لزوار الإمام علي عليه السلام من الفرقة ألمستعلية من ألطائفة ألإسماعيلية
2 – القشلة
مبنى كان مهما بناه العثمانيون ودعوه بالقشلة العثمانية وقد هدمته بريطانيا بعد حصار النجف عام 1918م وفي العهد الملكي شيدت على أنقاضها مدرسة الغري
3 – باب قلوب
هي الباب الصغيرة التي شيد فوقها العثمانيون ( قلوب) وفي العهد الملكي جعلوا من البناية محكمة تنظر في قضايا كثيرة .
4 – خان الشيلان
الشيلان لفظة تركية تعني دار الضيافة (4) شيد عام 1899م في أواخر العهد العثماني عند بداية شارع الخورنق وعلى مقربة من باب الولاية وكان الخان يومها ملاصق لسور النجف السادس وقد بني على أرض مساحتها 1500متر مربع من قبو وطابقين علويين بغرف كثيرة ومتداخلة تتقدمها أواوين مقوسة وجدرانه مزينة بالنقوش وقد اختلف الحديث عمن بناه فأهل المدينة يذكرون بأن الذي بناه شخص يدعى (معين ) وهناك رواية تذكر أن الذي بناه هو أغا محمد بوشهري وكان الهدف من بنائه إيواء الزائرين حيث لا فنادق تأويهم, ولما كثرت الفنادق من بعد حين تغيرت وظيفة الشيلان إذ أصبح مقرا للحكومة العثمانية ولإدارة النجف ولما ضعفت سلطة العثمانيين استرد أهل النجف الشيلان وجعلوه مركزا لإدارة شؤون المدينة وقد استمر الحال سنتين حتى استولت عليه بريطانيا المحتلة عام 1914م وجعلته ثكنة لجيشها ومعتقلا لشخصيات نجفية وطنية ولما قادوا الشاعر ( إبراهيم أبو شبع ) لسجنه في الشيلان قال مقولته الشهيرة ( إلما يزور الشيلان عمره خسارة ) مما يدلل على أن أكثرة من أهل النجف قد أدخلتهم بريطانيا المحتلة السجن.
ألمنشئات في باب الولاية خارج السور :
يشاهد في الشكل رقم (1) والشكل رقم (4 ) مجموعة بنايات خارج السور قبالة الميدان ويفصلها عنه وعن منشئاته السور نفسه وقد شيدت لتلبي حاجات الزائرين والتجار وكل القادمين إلى النجف الأشرف حينذاك وهي
1– خان عطية أبو كلل (3)
وهو الخان المشيد خارج السور لخدمة الزائرين والذي استولت عليه بريطانيا وجعلته بما يسمى ( أوفيس )office)) أي دائرة حكومية والنجفيون أطلقوا عليه عبارة ألحفيز الذي قَتَل فيه الحاج نجم البقال الحاكم البريطاني الكابتن مريشال في فجر يوم 19 مارت 1918م . (3)
2-إدارة شركة الترامواي :
ان بناية إدارة شكة الترامواي تلتصق بالسور تماما وهي خاصة بإدارة العربات التي أنشأت عام 1908م والى جانبها إسطبل للخيول التي تسحب العربات المتنقلة بين النجف والكوفة .
3-سكة الحديد :
وهي السكة الممتدة من مدخل النجف الشرقي إلى الكوفة وقد أدركت ألسنة ألأخيرة من عمر هذه السكة يوم كنت صبيا, وأتذكر يوم ركبت أحد العربات وكانت تدعى (دوبة ) مهمتها نقل ألتمر من الكوفة إلى النجف وإن إلغاء السكة جاء متأخرا وهو قد حدث في عام 1948م, علما أن في باب جدابية الواقعة عند السور في جنوب النجف, محطة خاصة لشركة العربات التي تنقل المسافرين من النجف إلى كربلاء تسحبها أربعة خيول تبدل بخيول أخرى عند خان المصلى (20) كم وخان الحماد الذي يبعد عن خان المصلى (22 ) كم وفي خان النخيلة الذي كان يبعد عن خان الحماد (22 ) كم ثم النخيلة الذي يبعد عن كربلاء (21 ) كم وأن مدة السفرة بهذه الواسطة كانت تستغرق (12 ) ساعة.
الصورة المورفولوجية المعاصرة للميدان من عام 1948 حتى عام 1970م: (5 )
لقد تطور الميدان (باب الولاية ) مورفولوجيا وتغير شكله كما عهدته وأنا طالب في المتوسطة عام 1953م ألأشكال (5 ) و(6 ) و (7 ) حيث أرصفت الساحة بالزفت, فلو دخلنا من شارع السور باتجاه الميدان وعلى اليمين لشاهدنا جامع السنة أولا تليه مجموعة من المحلات ثم بناية البريد الذي يليه مدخل سوق الكبير ومجموعة من المحلات ثم شركة الطفيل فمقهى عبد ننة وهو مقهى الحاج عبد ننة والذي كان يعمل معه إبنه رضا وقد تميزت المقهى بأنها ملتقى الموظفين والمثقفين يلي المقهى خان الهنود وبناية الوقف وعنها نشاهد مدخل شارع الخورنق ( الشكلان 5 و6 ) وبعده يقع أمام الميدان مباشرة مقهى عبد مجي, يليه مدخل شارع
النجارين الذي يؤدي إلى مستشفى النجف ( الجمهوري بعد ذلك ) وعلى نفس الاتجاه يشاهد محل خياطة محمدي, ثم بالدخول في الشارع المتجه نحو الكوفة يشاهد على الشارع بنفس الاتجاه محلات منوعة منها لتصليح السيارات وصولا إلى مركز الشرطة ( السراي ) فبداية شارع الهاتف.
ولو عدنا بالدخول من نفس شارع السور نشاهد على يسارنا بناية مدرسة الغري الابتدائية المعروفة, ثم المكتبة العامة ثم مجموعة دكاكين يليها خان الفقراء الذي تطبخ فيه (الشوربة ) وتوزع على الفقراء والمعوزين، وبعده يظهر ما يدعى بكراج سيارات الكوفة وهو عند مدخل ضيق يدعى بالطاق بنيت فوقه بناية البلدية وشرفتها التي كانت منصة للخطابة في المناسبات الدينية والوطنية, وبالاستدارة حول الدكاكين يسارا, يكون الدخول في شارع الجبل الذي شيد في نهايته خزان للماء وهو موجود حتى الوقت الحاضر. وفي بداية شارع الجبل تظهر محلات مشهورة تبيع الاطعمة وبخاصة باعة ( كاهي اللحم وكاهي الشكر ) والكبة والبقلاء (البيكلّة ) وان شارع الجبل كان يضم محلات كلها متعلقة بتصليح السيارات. وبالاتجاه شرقا خلال الشارع المؤدي للكوفة من الميدان وعلى يسارنا نلحظ مجموعة محلات لبيع الساعات والكماليات, كما يرى معمل السودة ( مشروب غازي ), فمدخل كراج بغداد وبقية الألوية وهو ساحة تقف فيها السيارات وتطل على المقبرة وقد تحول اليوم إلى مكاتب طباعة واستنساخ ويلي ذلك جامع البهبهاني وجامع السراي ( شكل 7) ثم بناية القائممقامية التي تحولت إلى سجن للنجفين في عهد صدام وهي اليوم بناية تشغلها الجامعة الإسلامية.
إما إذا أريد وصف مدخل سوق الكبير القديم والمطل على الميدان فأنه على يمين الداخل إليه يشاهد محلات مختلفة تبيع الكماليات ومحلات الحسيني والجيلاوي وفرحان البغدادي ثم أستوديو ألخيام ( المصور الشمسي ) وهو الاستوديو المتميز الذي قدم خدمة للطلبة وجميع أصحاب المعاملات, تليه مكتبة الحلو ومحلات تبيع حاجيات مختلفة, أما على يسار الداخل إلى السوق فيرى محل مشهورا لبيع المجلات والجرائد وصاحبه معروف أيضا يدعى ( أموري ) ثم يليه محل رضا الخياط ومحل أصغر للأقمشة والخياطة, تليه محلات لبيع ألأصباغ حتى مدخل العكد اليهودي.
هذه المحلات عند مدخل سوق الكبير كلها أزيلت من يمين الداخل حتى بداية شارع زين العابدين ومن اليسار من مدخل العكد اليهودي حتى مدخل شارع الصادق , وذلك يعني تأخر مدخل سوق الكبير ما يقارب 80 مترا, وبذلك أزيلت المقاهي القديمة كافة وخان الهنود وكذلك أزيل مقهى عبد مجي وما جاوره فاتسعت ساحة الميدان كما نشهد سعتها اليوم, وأزيل البناء الفاصل بين شارع الجبل والميدان وبداية شارع السور من جهة محلة المشراق وأصبحت الجهة اليسرى من شارع الجبل مطلة على الميدان مباشرة أي أزيلت مدرسة الغري والمكتبة العامة وخان الفقراء والكراج وبناية البلدية وما يليها.
ساحة الميدان اليوم :
وبعد التغيير الذي تم بإزالة مدخل السوق الكبير وما جاوره وخان الهنود وقهوة عبد مجي وما جاورها وبناية البلدية والطاق الذي تحتها باشرت السلطات المحلية بتبليط ساحة الميدان التي تضاعفت عن ذي قبل وتم حفر نفق لدخول السيارات من جهة مدخل شارع زين العابدين واستدارتها داخل النفق أمام مدخل سوق الكبير الجديد ثم الخروج أمام بداية شارع زين العابدين, غير أن النفق لم يمكث كثيرا.
ولكن النفق أستغني عنه لعدم جدواه وبدأت السلطات المحلية بدعم من
هيأة الاعمار في محافظة النجف ألأشرف, بمشروع إعادة تأهيل ساحة الميدان وتضمنت ألأعمال الجارية إكساء ألأرصفة وعمل النافورات وزيادة المساحات الخضراء من خلال تشجيرها بالأشجار وأشجار الزينة والثيل ووضع ألكراسي لجلوس المارين من خلالها وإنارتها بشكل كامل, شكل (8) لتكون متنفسا للزائرين وللعوائل النجفية.
وتجرى في الساحة اليوم كثيرا من التعديلات بعد أن أنشأت حولها ألعمارات والمباني الضخمة الجميلة والفنادق الحديثة والمحلات ألمميزة بديكوراتها ومناظرها
ملاحظات لابد منها:
**أن الساحة اليوم أصبحت واسعة وأن قطعها مشيا يتطلب وقتا مع بعض الصعوبات التي ترتبط بحرارة الشمس المحرقة والأتربة المتأتية من ألترميمات ألجارية
**الساحة تفقد جمالها لكثرة ألباعة الذين يفترشون أرضها.
**حاجة حدائق الساحة إلى تنظيم ووضع مظلات فوق كراسي الجلوس لحماية الجالسين من حرارة الشمس والمطر.
————————————————
المصادر
1– أ . د . محسن عبد الصاحب المظفر , مدينة النجف عبقرية المعاني وقدسية المكان , دار الشؤون الثقافية , بغداد ,2012
2 – د. عباس الترجمان , معالم النجف ألأشرف , دار الرافدين للنشر , لبنان , بيروت , 2012م ,ص14-15.
3- عبد الله شكر الصراف , مجلة الموسم , العدد19 , ص ص 127 ,133 .
4- ماهر عبد الحسن , خان الشيلان ذكرى مكان وذكرى مدينة , مجلة النجف الثقافية , مطبعة الرائد , النجف ألأشرف ,2011م , ص 59-61.
5- أ – الذاكرة الشخصية .
ب – مقابلة شخصية مع ألشيخ مجيد المظفر عميد ألأسرة المظفرية , يوم 12/9/2012م و في النجف ألأشرف .
ج – مقابلة شخصية مع ألسيد يوسف الحلو يوم 12/9/2012م في النجف ألأشرف .
أ د. محسن عبد الصاحب المظفر
المصدر : موقع مركز اعلامي ثقافي فني مستقل .