مدرسة النجف العلمية
أورد السيد ابن طاووس في كتابه فرحة الغري دليلاً على وجود الحركة العلمية الروحية في هذه المدينة في القرن الرابع الهجري فقال: (زار عضد الدولة البويهي المشهد الغروي يوم الاثنين جمادى الأولى عام 981م ــ 371هـ، ووزع المال فأعطى الفقراء والفقهاء ثلاث آلاف درهم)([1]).
ولم يؤرخ لوجود الحركة العلمية في النجف قبل هذا التاريخ. ووجود الفقهاء لا يعني الوجود الكامل للمدرسة العلمية بالمعنى المألوف. إلا أن الحركة العلمية الموجهة وقيام المدرسة الجامعة النجفية انتظمت منذ عهد الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي عند هجرته إليها عام 1057م ــ 449هـ.
ومرت هذه الحركة بمراحل وأدوار متباينة ضعفاً وقوة بين القرن الخامس والقرن الثاني عشر الهجري، وكنت الزعامة العلمية في هذه الحقبة تنتقل بين النجف والحلة وكربلاء، وفي أواخر القرن الثاني عشر الهجري عادت النجف إلى ميدانها العلمي كمركز أول للحركة العلمية([2]).
وتشتمل الدراسة في جامعة النجف العلمية على مجموعة كبيرة من العلوم والمعارف أبرزها: الفقه وأصوله والتفسير وأصوله والحديث وأصوله من الشريعة والنحو والصرف والبلاغة والعروض واللغة من الأدب والحساب والهندسة من الرياضيات والمنطق والفلسفة والكلام من العلوم العقلية. ومبادئ من علم الطبيعة والفلك وما إلى ذلك([3]).
وتتم الدراسة على مراحل ثلاث: مرحلة دراسة المقدمات وتقوم مقام الدور الابتدائي. ومرحلة دراسة السطوح وتقوم مقام الدور المتوسط (الإعدادي). ومرحلة دراسة الخارج وتقوم مقام الدراسات العالية([4]).
وكانت المدينة كلها مدرسة فالصحن الشريف والجوامع والمساجد والمدارس الدينية حتى الدواوين في البيوت أمكنة للدرس والبحث والمناقشات. فترى حلقات الطلاب في كل مكان وتسمع من بعيد أصواتهم عند اشتداد النقاش واختلافهم في مسألة أو حكم ويحتدم النقاش حتى يخيل للناظر أن الأمر سيصل إلى المشاجرة ولكنه الطابع الخاص لهذه المدرسة والحرية التامة التي يتمتع بها الطالب في طرح آرائه والدفاع عنها.
وكان من المعروف عن المدينة أن كل من فيها عالم أو متعلم وهي بكل ما فيها مدرسة جامعة. إلا أن الظروف قد تبدلت وطرأ على هذه النشاطات شيء من الركود لأسباب مخلتفة يعزوها البعض إلى أمور سياسية ومادية ودخول الحضارة العصرية ويرى آخرون غير ذلك.
الناحية الأدبية
إذا كان للنجف المركز الأول في الحركة العلمية الروحية في العراق خلال القرون السالفة فلها المركز الأول في الشعر والنثر أيضاً. ولم يأت ذلك اعتباطاً بل هناك عدة عوامل تظافرت حتى جعلت من هذه البلدة التربة الأخصب لقول الشعر والنثر الجيدين. فبيئتها الجغرافية وتركيبها الاجتماعي ودواوينها الفريدة من نوعها واتساع أفق المعارف والعلوم فيها التربية والتوجيه الخاص لناشئتها والتعزية الحسينية وغيرها مكنها من احتلال ذلك الموقع المرموق في دنيا الأدب.
والشعر في النجف (سائد على جميع الطبقات وفاشٍ في أكثرهم فيشترك في صوغ الشعر ونظمه… العلماء وحملة العلم… وسائر الناس من أهل الحرف والصناعات الدارجة)([5]).
ويمتاز الأدب النجفي بالشمول، فللبداوة نصيب، وللريف مثله، وللمدينة والحضارة والسياسة والعقائد الدينية والأمور الخاصة كذلك.
والشاعر فيها مجيد ــ في الغالب ــ بكل أغراض الشعر والمعرفة، وإلى جانب شعراء الفصيح هناك مجموعة من شعراء العامية (اللغة الدارجة) (وشعرهم منبعث عن شعور وإحساس… وفيه المعاني المبتكرة الثمينة والحكم والأمثال المغذية للروح والمروّحة للخاطر)([6]).
وبيئتها الأدبية شديدة الاهتمام بالقديم والاحتفاظ به وإكباره إكباراً شديداً حتى اكتسب هذا القديم قدسية. ويعتبر الشاعر (علي الشرقي) أول من حاول زحزحة الموقف الكلاسيكي ومفارقته([7]).
وتمتلك هذه البلدة سجلاً ضخماً يضم أسماء شعرائها وأدبائها على مر العصور وصل كثير منهم إلى قمة الشموخ الأدبي([8]).
إن هذه الحاضرة التي تعد معقلاً من معاقل الأدب ومحفلاً حياً للشعر والشعراء بانت اليوم طاويةــ قلما تجد فيها شاعراً يذكّر الجيل بأسلافه. وأغلب شعر الفترة المتأخرة يفتقر إلى العمق والأصالة، فسريعاً قبل أن تحفظه ذاكرة السامعين وتردده الألسن.
وظهر على مسرح الأدب النجفي من الشباب، اتجهوا إلى التجديد وظهر نتاجهم وسمعه الناس، وكان جيداً عند بعضهم، تحسن من خلاله بيقظة الوجدان،والتفاعل الحي مع الحدث. يسمو بك، ويثير في أعماقك إيحاءاً وانفعالاً. إلا أن البعض الآخر ــ هو الأغلب ــ ما استطاع أن يهز عاطفة أو يحرك كامناً. إنهم يكتبون بطريقة خاصة، وكلما كانت النصوص معماة عدها هذا الرعيل ونقادهم من روائع الأدب الحديث.
إن حركة التجديد هذه بما تحمل من متضادات، ظاهرة حضارية جيدة من جانبها الإيجابي. أما سلبياتها فتتركز في انفصامها عن التراث التأريخي للأدب العربي، وتطفلها الواضح على آداب الشعوب الأخرى.
وفي حديث الأستاذ فاضل ثامر عن (الحكاية الشعرية) يقول: (وهذا الانفصام بين الموروث الأدبي العربي وبين الحكاية الشعرية الحديثة في أدبنا يجب أن ينتهي وأن تمد الأشكال الشعرية الجديدة جذورها عميقاً في تربة التراث الضخم للفكر العربي وفي مجال الأدب الكلاسيكي والفولكلوري والحضاري على السواء وذلك لكي تضمن الأصالة والحياة والتجديد الدائم للأشكال التعبيرية الحديثة)([9]).
إن النجف اليوم تعيش أمجادها السالفة. فأين نجف اليوم من نجف العشرينات والثلاثينيات على سبيبل المثال.
إن ذلك وليد عوامل وأسباب فالبلدة تغيرت بنيتها الاجتماعية، واتجهت إلى حياة العمل، ودخلتها معالم الحضارة الحديثة، وغلقت أغلب دواوينها الأبواب، وانشغل الآباء عن توجيه أبنائهم.
إلا إن ذلك لا يعني الجدب المطبق والافتقار التام. فلا زال فيها عرق ينبض بالأدب الجيد، ولا زال في الأفق قبس من تلك الشمس الساطعة ولعل المستقبل يكشف عن كنوز تغير وجه الأدب النجفي المعاصر.
الحياة الاقتصادية في النجف
لحياة النجف الاقتصادية جوانب عدة أهمها:
الموقع الجغرافي
إن موقع هذه المدينة على حافة الهضبة الغربية من العراق في بقعة جرداء لا ماء فيها يجعلها تعتمد في غذائها على ما يحيطها من المناطق الزراعية فكانت تعتمد على (الرماحية وبلاد العيون وسائر مدن فرات الكوفة والحلة)([10]).
وحينما انحسرت عن المنخفض (بحر النجف) ظهرت أرض سهلة زوعت فيها الخضروات، وغرست أشجار النخيل والفاكهة، إلا أن المياه فيها قليلة. وفي عام 1932م ــ 1350هـ تم حفر جدول الأمير غازي الذي سمي أخيراً جدول السدير، وجرى فيه الماء، وأصبح مصدراً للشرب وسقي المزارع. وقد زرعت الحنطة والشعير والرز إلا أنها لا تفي بحاجة السكان.
(والنجف ميناء بري، وهو الواسطة بين العراق ونجد قديماً وحديثاً فإن في العصر العباسي لم ترحل قوافل الحجاج إلا عنها… وكذلك في العصر المغولي والجلائري والعصر الصفوي فإنه في هذه العصور لم تسر قوافل الحجاج من جهة البر إلا عن النجف)([11]).
طبيعة السطح:
لطبيعة أرض النجف في اقتصادياتها. فأرضها الرملية الحصوية مادة مهمة من المواد الإنشائية، ومن أرضها يصنع الجص محلياً، ومن الأرض الطينية الواقعة في طرفها الجنوبي والغربي يصنع الطابوق والمواد الفخارية المتنوعة في بعض أطرافها توجد حجارة كلسية تقلع وترسل إلى معامل السمنت أو لتعبيد الطرق. وفي بعض مناطق (بحر النجف) تجمع فئة من السكان ملح الطعام بغزارة في المياه المتجمعة هناك.
التجارة:
تتعامل هذه المدينة مع البادية والبلدان العربية كالسعودية وبلدان الخليج ومع إيران تعاملاً تجارياً واسعاً. فكانت سوقاً عامرة لسكان البادية يبتاعون منها التمور والحبوب، وكان لقوافل البدو مكان معلوم في خارج البلدة يسمى (المناخة) ينصبون فيها خيامهم، ويكتالون ما يريدون من تمور وحبوب. وكانت تصدر إلى البلاد العربية العباءات الثقيلة (البريم) وإلى إيران العباءات الخفيفة (الخاجية) والجلود غير المدبوغة، وإلى أقطار أخرى الليسة والمصران([12]).
وفي عام 1915م ــ 1334هـ، (نال أهل النجف منافع جزيلة، إذ انفتح طريق التجارة لهم مع البصرة. فأخذ تجارهم يحملون إلى هناك الحبوب والأسمان ويعودون منها بالبضائع المختلفة من صنع الهند وانكلترا. وأصبحت النجف بذلك مركزاً تجارياً مهماً. ووفد إليها تجار بغداد وغيرهم يطلبون البضائع النادرة. وكسب تجار النجف بذلك أموالاً وفيرة، كما كسب رؤساؤها الأموال من الضرائب التي فرضوها على الصادرات والواردات، وصارت النجف كذلك سوقاً عظيماً للأسلحة النارية فكانت البنادق الانكليزية والألمانية تجلب إليها بكثرة عجيبة، ومن أراد شراء شيء منها أو بيعه قصد النجف([13]).
وهناك مرفق تجاري آخر كان له الأثر الهام في حياة النجف الاقتصادية ألا وهو (التهريب) ويسمونه (القجغ) وهو تجارة محرمة قانونياً. وكنت هذه المدينة سوقاً مهماً لهذه التجارة. ويشتغل الكثير من رؤسائها وتجّاره بهذه التجارة، حيث تجلب الأسلحة والعتاد والأقمشة والسجائر والمواد الأخرى على ظهور الإبل والسيارات عن طريق البادية.
(ويلعب منخفض النجف اليوم دوراً خاصاً في عملية التجارة المحرمة (التهريب) ذلك لأنه يمثل مسرحاً ملائماً لممارسة هذا النوع من النشاط الذي يزاوله بعض أهالي مدينة النجف وأفراد من القبائل البدوية وبعض المستوطنين في المنخفض بالتعاون فيما بينهم([14]).
الصناعة:
كانت الصناعة في هذه البلدة مقتصرة على بعض الأعمال اليدوية كحياكة العباءات واليشماغ وصناعة الأواني الفخارية والصياغة والتجارة والحدادة ودباغة الجلود وصناعة الأحذية والقرب والدلاء لمتح الماء من الآبار.
واشتهرت بصناعة (النواعير) الحديدية التي ترفع المياه من الجدوال والأنهار إلى المزارع في منطقة الفرات القريبة منها.
ودخلت الآلة الحديثة إلى النجف، فكثرت فيها المعامل، وتنوعت واشتهرت المدينة بصناعة أجساد السيارات، وتصليح مختلف أنواع المحركات.
المركز الديني:
من المؤثرات الأساسية في حياة النجف العامة والاقتصادية خاصة ما تتمتع به من مركز ديني هام، وذلك لوجود مرقد الإمام علي عليه السلام فيها.
لقد كانت هذه المدينة وما زالت ملتقى الأحياء والأموات من الشيعة خاصة، وترنو لها أبصار المسلمين عامة. فالوافدون إليها إما لزيارة العتبة المقدسة أو لطلب العلم في جامعتها أو للاستيطان ومجاورة قبر الإمام عليه السلام.
أما الزائرون فإن أعدادهم تقل وتكثر تبعاً للظروف. وقد ذكرت بعض الأرقام عن ذلك منها:
في سنة 1765م ــ 1179هـ، يقدر نيبور عدد الزوار الذين كانوا يقصدون العتبتين في المشهدين (كربلاء والنجف) يوم ذاك بحوالي خمسة آلاف زائر في السنة([15]) وهذا العدد كبير بالنسبة للفترة ووسائط النقل فيها.
وذكر السائح الفرنسي (أدريين دوبريه) وكان قد مر ببغداد سنة 1807م ــ 1222ه وأقام فيها مدة من الزمن فوصف أشياء كثيرة فيها بالتفصيل وكان من جملة ما أشار إليه قوله: إن عدد الزوار الذين كانوا يمرون ببغداد سنوياً في طريقهم إلى الزيارة في النجف وكربلاء كان يتراوح بين خمسة عشر ألف وعشرين ألف نسمة([16]).
وقال فونتانييه عام 1824م ــ 1240هـ: (إن مئة ألف أجنبي يمرون سنوياً بمدينته (أي بغداد) للذهاب إلى زيارة ضريح الإمام علي، وهذا الازدحام يجعل من أية نقطة في البر وسطاً تجارياً كبيراً)([17]).
وفي سنة 1853م ــ 1270هـ،قدّر (لوفتس) عدد الزوار بــ (80000) شخص([18]). وقال (بيترمان) الألماني سنة 1864م ــ 1281هـ أن عدد الزائرين يبلغ حوالي 60 ألف([19]).
وفي عصر تقدم وسائط النقل وكثرتها وصلاحية الطرق وانتشارها وعدم وجود عوائق سياسية بين العراق والدول الإسلامية يزداد عدد الزوار بشكل ملحوظ وقد دلت الاحصاءات الرسمية على أن متوسط أعداد الزائرين للنجف في المواسم المخصوصة يتجاوز نصف مليون نسمة([20]). أن وجود مثل هذه الأعداد في المدينة يؤثر في حياتها الاقتصادية تأثيراً كبيراً. أما (الجاليات والرواد الهابطين على المدرسة النجفي من لاد إيران والهند وأذربيجان وما وراء النهر والقوقاز وعاملة والخليج وبعض نواحي اليمن كانوا يفندون على النجف بثرواتهم المادية والأدبية)([21]) فيؤثرون في الميزان الاقتصادي للبلدة. وأكثر المستوطنين ذوو مهن وصناعات.
الدفن:
اعتاد الشيعة منذ أقدم العهود على دفن موتاهم في أرض النجف الأشرف، وفيها من رفاة الملوك والعظماء والقادة والوجهاء الأعداد الهائلة. وكثيراً ما ينقل الموتى من أماكن قاصية إلى مقبرتها تبركاً بمجاورة قبر الإمام علي عليه السلام وتعد مقبرة النجف إحدى أكبر المقابر في العالم إن لم تكن أكبرها جميعاً نظراً لقدم الدفن فيها وقد أشار إلى ذلك الشيخ علي الشرقي في قصيدته (وادي السلام) إذ يقول:
سل الحجر الصوان والأثر العــــــادي خليلي كم جيل قد احتضن الوادي
فيا صيحة الأجيال فيه إذا دعــــــــت ملايين آباء ملاييـــــــــــــــن أولادي
ثلاثون جيلاً قد ثوت في قــــــــــرارة تزاحم في عرب وفرس وأكــــــــــراد
ففي الخمسة الأشبار دكت مدائـن وقد طويت في حفرة ألف بغــــــداد
عبرت على الوادي وسفت عجاجــة فكم من بـــــلاد في الغبار وكم ناد
وأبقيت ولم أنفض عن الرأس تربــــه لأرفع تكريماً على الرأس أجدادي( 22)
وقد وردت تقديرات لعدد الموتى الذين يجلبون إلى هذه المدينة سنوياً. فقال بيبور سنة 1765م ــ 1179هـ عن عدد الجنائز التي كانت تصل إلى النجف من مختلف الأنحاء أنه كان يتجاوز الألفين في السنة([23]).
وذكر لوفتس سنة 1853م ــ 1270هـ عدد الجنائز فقال: يتراوح بين 5 ــ 8 آلاف. وفي تقرير عسكري مكتوم أعدته رئاسة الأركان البريطانية العامة في سنة 1991م ــ 1329هـ يرد ذكر النجف… وتصل إليها حوالي ستة آلاف جثة في السنة لتدفن في مقابرها([24]).
لا شك أن عدد الموتى الذي يجلبون إلى هذه البلدة يختلف تعدادهم باختلاف الظروف، فيرتفع العدد في حالة تفشي الأوبئة والأمراض والحروب والمنازعات. ويقل العدد في خلاف ذلك، وعند فرض القيود والمنع بين العراق والدول الأخرى، وجدير بالذكر أن أغلب الجنائز الواردة إليها من خارج العراق هي من أهل الوجاهة والثراء والمركز الاجتماعي المرموق. أما فيما يخص العراق فقد كان البعض يدفنون الصغار وبعض النساء والرجال وخاصة الفقراء في أماكن قريبة من بيوتهم. أما الآن وبعد توفر وسائط النقل وتيسر المستلزمات المطلوبة فإن أغلب الموتى إن لم يكن كلهم (وأقصد موتى الشيعة) يجلبون إلى النجف والجدول التالي يبين عدد الجنائز من الذكور والإناث والجهات الأجنبية والعربية الواردة منها خلال سنة واحدة([25]).
التاريخ |
عدد الذكور |
عدد الإناث |
المجموع العام |
الجنائز الواردة من خارج القطر |
تشرين الأول 1974 تشرين الثاني 1974 |
1065 1260
|
995 870 |
2060 2130 |
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كويت 17 سورية 3 السعودية 1 |
كانون الأول 1974 كانون الثاني 1975 |
1412 1733
|
1189 1193 |
2601 2926 |
كويت 41 إيران 2 كويت 36 بريطانيا 1 لبنان 1 جبهة التحرير الفلسطينية 1 |
شباط 1975 آذار 1975 نيسان 1975 |
1250 1471 1472
|
1110 1282 1219 |
2360 2753 2691 |
كويت 15 لبنان 1 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كويت 23 مسقط وعمان 13 بريطانيا 1 فرنسا 1 |
مايس 1975 حزيران 1975 |
1400 1142
|
1002 918 |
2402 2060 |
كويت 24 باكستان 1 كويت 17 البحرين 1 السعودية 1 |
تموز 1975 |
1173
|
1005 |
2178 |
كويت 19 الاتحاد السوفيتي 1 باكستان 1 اسبانيا 1 |
آب 1975 |
1148
|
885 |
2033 |
كويت 20 السعودية 1 البحرين 1 |
أيلول 1975 |
1118 |
859 |
1977 |
كويت 25 |
المجموع الكلي |
28171 |
إن هذه الأعداد الكبيرة من الجنائز الداخلة على هذه المدينة تؤثر تأثيراً كبيراً في اقتصادها، وفي مستوى معيشة قسم كبير من أبنائها. فالجهات التي تستفيد من هذا الجانب كثيرة جداً إذا نظرنا إلى كل ما تتطلبه عملية نقل الجنائز وتجهيزها ودفنها وبناء القبور لها واحتياجات المرافقين لها والتركات المادية التي تصل إلى النجف لتوزع على طلبة العلم والفقراء، وما إلى ذلك من الأمور الجانبية الأخرى. وأشار الشاعر المرحوم السيد أحمد الصافي النجفي إلى أهمية هذا الجانب في حياة البلدة فقال:
فصادرات بلدتي مشائخ وواردات بلدتي جنائز([26])
الناحية السياسية
عرفت النجف بمركزها الديني منذ القرن الخامس الهجري ولم يعرف لها مركز سياسي واضح إلا في القرن الرابع عشر الهجري، وقد حدثت عدة أمور تدخلت فيها النجف تدخلاً مباشراً وغير مباشر على يد علمائها الأعلام، مما جعلها تحتل مركزاً مرموقاً في سماء السياسة المحلية والدولية في بعض الفترات. وقد أشار الأستاذ علي الخلقاني إلى أبرز تلك الأمور. فذكر قضية تحريم التنباك لمكافحة الامتيازات وشركات الاحتكار الأجنبية في إيران، وكانت النتيجة خسارة الشركة وإلغاء امتيازها. وذكر كذلك أثر فتوى علماء النجف على نفوذ السفارات الأجنبية وذلك بالضرب على أيدي الإيرانيين الذين رفعوا العلم البريطاني في كربلاء طالبين التبعية الانكليزية. وتحدث عن قيام حركات سياسية مهمة في هذه المدينة عام 1908م ــ 1326هـ، تديرها هيئة العلماء لتأييد الانقلاب في إيران وازدياد نشاط تلك الحركات عند إعلان الدستور العثماني في نفس السنة. وكان من نتائج ذلك إعدام الميرزا فضل الله لموقفه المعاكس لهم، وإقصاء محمد علي شاه وتنصيب ابنه أحمد شاه مكانه. ووصلت بهم الحال إلى إرسال الفتاوى برقياً بتوقيعهم إلى السلطان عبد الحميد، ومحمد علي شاه بوجوب التخلي عن عروشهم. وأشار كذلك إلى قيام جبهة الهيئة العلمية وفرع حزب الاتحاد والترقي في النجف. ولما تجاوزت روسية على حدود إيران، فضربت أطناب المجاهدين في خارج السور، وجمعت الأموال والأجهزة الضرورية للسفر، وعند فجر اليوم الذي أزعموا السفر فيه فوجئوا بموت كبير العلماء، ورأس الحركة الشيخ ملا كاظم (الآخند) فأرجئ السفر، وقوضت خيام المجاهدين.
وفي عام 1911م ــ 1329هـ أفتى علماء النجف بوجوب الدفاع عن ليبيا عند احتلتها إيطاليا.
وتحدث أخيراً عن مواقفهم خلال الحرب الأولى وإصدار الفتاوى بوجوب الدفاع عن حياض الوطن، ومرافقة الجيوش في ساحات القتال، وإدارتها على أحسن وجه([27]).
وعندما هزم الأتراك في بداية الحرب بمعركة الشعبية تلك المعركة التي أسهم بها عدد من النجفيين، ابتهل النجفيون هذه الفرصة فهاجموا الأتراك وحاصروهم فسلموا بعد ثلاثة أيام، فأخذ الثوار أسلحتهم وسهلوا لهم الانسحاب عن طريق الكفل وبقيت النجف من
نيسان 1915ــ 1334ه حتى آب 1917م ــ 1336هـ مستقلة استقلالاً تاماً تحت حكم شيوخ (الزقرت والشمرت) الأربعة([28]).
وكتب الكثير من الباحثين في الحوادث التي جرت في العراق خلال فترة الاحتلالين، وبالأخص في آخر سني التسلط العثماني وأول سني التسلط الانكليزي، وانقسموا إلى فريقين ــ على الأقل ــ فمنهم يرى أن النجف تمثل مركز التحرك السياسي في العراق خلال تلك الفترة، ويرى آخرون غير ذلك. ولأجل إيضاح دور هذه المدينة أقول:
كان العراق في مطلع القرن العشرين بلداً متخلفاً يرزح تحت وطأة التسلط التركي المعروف باللانظام ويعاني من سطوة الولاة والجباة. ولما تغيرت الوجوه تبين أن الخلف أسوأ من السلف، فتحركت في العروق الدماء الأبية وثارت النفوس المضامة وكانت بغداد والنجف من أهم مراكز الإشعاع الوطني في القطر.
إلا أن بغداد كانت تضم مجتمعاً خليطاً واسعاً يجمع أجناساً متضادة تغلب على أكثرهم نزعة (الأنا). فالتاجر بتفكيره التجاري، واليهودي بحقده وآماله، والعناصر الوصولية التي حصرت تفكيرها في تسنم المناصب وكسب الجاه، أسباب في شل تحرك أحرار بغداد إضافة إلى كونهم إلى يد القمع أقرب لقربهم من مركز السلطة. ومع ذلك فقد كان لأحرار بغداد أعظم الأثر في مجريات الأحداث ونتائجها.
أما النجف فهي كما وصفها الدكتور علي الوردي مؤلفة من صنفين من السكان (المشاهدة والملائية) وأراد بالأولى حملة السلاح والثانية رجال الدين.
يضاف إلى ذلك ارتباط هذه البلدة بجمع من القبائل الفراتية ارتباطاً عقائدياً وروحياً.
ولشبابها المثقف وقدرته على توعية الجماهير وإثارة روح الحماس فيها أثر آخر ملحوظ. ولا تخلو هذه البلدة من طلاب الرياسة والمنافع الشخصية، وخدام المستعمر، شأنهم شأن غيرهم في المدن الأخرى. إلا النتائج من كل ذلك نسيج سداء الوطنية ولحمته الدين.
نعود الآن إلى أعوام ما قبل الحرب الأولى وما بعدها ودور النجف فيها. إذا تجاوزنا مجريات الأحداث اليومية خلال تلك الفترة لابد من الإشارة إلى أهمية وجود المرجعية الدينية العليا وتفاعلها مع حاجة الجماهير وتأثيرها الفعال في الأوساط التي تحترم مقامها، وتحركها الفعلي في تلك الفترة معتمدة على نخبة من الشباب الوطني المتحمس مما جعل النجف تعيش حالة غليان على جميع الأصعدة. يدل ذلك ما ظهر من أنشطة حية في حياتها العامة. فكانت من أوائل المدن العراقية في إصدار الصحف اليومية (عام 1909م ــ 1327ه) وخرائد أئنائها توضح الروح الوثابية للتحرر ومساندة حركات التحرر في العالم، فوقوفها مع أحرار إيران([29]) وتركيا، ونشاط حركة المشروطة والمستبدة فيها([30])، ووصول الصحف من الخارج إليها، وإعلان الجهاد ضد روسيا لتحرشها بإيران، والوقوف ضد إيطاليا للدفاع عن ليبيا يدل على يقظة أبناء هذه المدينة، ونزوعهم إلى الحرية ومحاربة التسلط.
ولعبت دواوينها دوراً فعالاً في توعية الجماهير ودراسة المواقف ووضع الخطط (وبث الدعاوى والتحريض ضد الإدارة البريطانية في العراق)([31]).
وقال الأستاذ جعفر الخليلي عن دواوين النجف ويسميها مجالس: والمجالس كانت عنوان النجف منذ كان تاريخ النجف. وهي تمثل النجف تمثيلاً فيه الكثير من واقع البلد وحقيقته وأهدافه. وفي هذه المجالس كانوا يتبادلون الآراء والأفكار السياسية وفي هذه المجالس كانت توضع الخطط وتعد المناهج العامة ثم هي بعد ذلك أشبه بقاعة المحاضرات والدرس بين المتشاكين وتوسطت في حل المشاكل على قدر ما لصاحب المجلس من لياقة وقابلية. والمرتادون لهذه المجالس وإن كانوا من طبقات مختلفة ولكنهم كانوا عيون البلد ووجوههم لا يصلح غيرهم أن يمثل النجف تمثيلاً واقعياً في أفكاره وآرائه وما هي عليه من مواهب أدبية وفنية، وإلى مثل هذه المجالس يعود الفضل الأول في بذرة الاستقلال ووضع أول خطة لكيفية المطالبة باستقلال العراق ومن هذه لمجالس انبعثت فكرة ثورة النجف الأولى في وجه الانكليز([32]).
أما مصدر الأخبار والمعلومات التي تستمد منه تلك المجالس ما يهما فهو (بعض الصحف التي تصل إلى النجف من حواضر الشرق الأوسط أما المنبع الآخر الذي تستقي منه هذه المجالس أخبارها وترسل عن طريقه ما يدور فيها من مباحثات عن الأمور السياسية وغيرها فهم الجنازون)[33].
وكتب حاكم النجف السياسي في سنة 1918م ــ 1337هـ يقول: (وبالرغم من انعزال النجفيين فإنهم يستلمون ويوزعون جميع أخبار العالم التي يسمعونها من سيل الزائرين المتدفقين على بلدهم المقدس ولذا يستطيعون أن يتمتعوا بتأثير ضار يتعدى حدود بلدتهم وحتى حدود العراق نفسها)([34]).
يضاف إلى ذلك ما تركه رجال الدين (المشائخ) والمثقفون الذين يخرجون إلى الأرياف من أثر فعال في نفوس أبناء العشائر وحثهم على الوقوف مع الأحرار. وكان ذلك بمثابة القاعدة الصلدة التي استندت إليها المراجع العليا في إصدار فتاواها التي كان أكبر الأثر في إشعال الثورة ضد المستعمرين
[1] ص 114.
[2] بحث محمد بحر العلوم/ موسوعة العتبات المقدسة قسم النجف، رقم1، ص78.
[3] محمد مهدي الآصفي/ مدرسة النجف ص7.
[4] نفس المصدر ص8.
[5] جعفر محبوبة/ ماضي النجف وحاضرها 1: 391.
[6] نفس المصدر والصفحة.
[7] د. علي عباس علوان/ تطور الشعر العربي الحديث في العراق، ص421.
[8] لا يمكننا ذكر بعض الأسماء دون بعض الآخر وترى الفائدة في الرجوع على موسوعة الأستاذ علي الخاقاني (شعراء الغري) وغرها للوقوف على جمهرة أدباء هذا البلدة.
[9] معالم جديدة في أدبنا المعاصر ص306.
[10] علي الشرقي/ الأحلام ص74.
[11] جعفر محبوبة/ ماضي النجف وحاضرها 1: 405.
[12] جعفر محبوبة/ ماضي النجف وحاضرها 1: 405.
[13] علي الوردي/ لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث 4: 191
[14] عدنان رشيد أبو الريحة/ الاستيطان القبلي في منطقة منخفض النجف/ رسالة ماجستير نسخة على الآلة الكاتبة كانون الثاني 1975، ص101.
[15] بحث جعفر خياط/ موسوعة العتبات المقدسة/ قسم النجف 1، ص224.
[16] نفس المصدر، ص232.
[17] نفس المصدر السابق والصفحة.
[18] نفس المصدر، 236.
[19] نفس المصدر، ص138.
[20] بحث حسين علي محفوظ/ موسوعة العتبات المقدسة قسم النجف 1، ص184.
[21] علي الشرقي/ الأحلام، ص58.
[22] علي الشرقي/ عواطف وعواصف، ص139.
[23] بحث جعفر خياط/ موسوعة العتبات المقدسة قسم النجف 1، ص223.
[24] نفس المصدر، ص236.
[25] مكتب استعلامات الدفن في النجف/ التقرير السنوي للجنائز الواردة للمكتب خلال سنة.
[26] بحث حسين علي محفوظ/ موسوعة العتبات المقدسة قسم النجف 1، ص91.
[27] مقدمة الكتاب معلومات ومشاهدات في الثورة العراقية الكبرى في سنة 1920 لمحمد علي كمال الدين، ص3ــ 5.
[28] عبد فياض/ الثورة العراقية الكبرى، ص157ــ 158.
[29] في سنة 1907م ــ 1324هـ، قامت جماعة من علماء طهران بحركة تحريرية تهدف إلى تحقيق العدالة والمساواة والحد من سلطة الشاه بإيجاد مجلس الحاكم بمقرراته فدعمت النجف هذه الحركة المباركة وساندتها بقيادة الشيخ كاظم الخراساني وما أن تبنت النجف هذه الفكرة حتى انعكست الآية فبعد أن تولدت في طهران أصبحت طهران وغيرها صدى للنجف التي هزت عرش الشاه وأودت به (محمد جواد مغنية/ مع علماء النجف الأشرف ص113).
[30] أصبحت النجف في ذلك العهد مركزاً سياسياً مهماً وشبحاً مخيفاً بين عواصم العالم الإسلامية مما دعا أن يستنجد بها أحرار تركيا، محمد جواد مغنية/ المصدر نفسه.
[31] عبد الله فياض/ الثورة العراقية ص327.
[32] جعفر الخليلي/ هكذا عرفتهم 1: 316.
[33] عبد الله فياض/ الثورة العراقية الكبرى سنة 1920، ص228.
[34] نفس المصدر، ص227.
المصدر: النجف الأشرف عاداتها وتقاليدها- طالب علي الشرقي.