حملة نادر شاه ، مؤتمر علماء المسلمين ، تذهيب القبة الشريفة
سنة 1156هـ – 1743 م …..
لما خلع الفرس الشاه عباس الثالث وقوضت الدولة الصفوية , وتوصل نادر خان إلى الجلوس على عرش إيران وأعلن نفسه ملكاً , طمعت نفسه بالعراق , فطلب سنة 1156 هـ من الدولة العثمانية أن تعترف بالمذهب الشيعي وتعتبره مذهباً خامساً , وتخصص له ركناً في الحرم الشريف ( الكعبة ) فرفضت الدولة العثمانية طلبه , فاتخذ ذلك الرفض ذريعة للحرب , فحمل على العراق وأغار على البصرة والقرنة في سنة 1156هـ , وتوغل في البلاد الفراتية حتى وصل إلى الحلة , يريد الاستيلاء على المشهدين الشريفين , ثم حاصر بغداد وظل يتهددها برمي القنابل أياماً , دافع في أثنائها الوزير أحمد باشا . وبعد مفاوضات طويلة تم الصلح بينه وبين السلطان محمود الأول على الحدود القديمة.
وحينما عاد نادر شاه مرة أخرى إلى العراق حاصر الموصل في هذه السنة في مدة تناهز الأربعين يوماً , وعقد الصلح مع والي الموصل الحاج حسين باشا الجليلي , ثم توجه إلى من هناك إلى النجف الأشرف لأداء واجب الزيارة وطلب منها إلى والي بغداد أحمد باشا الذي كان واقفاً في وجهه طوال هذه المدة , أن يبعث إليه بوفد من العلماء السنّة للبحث في قضية التوفيق بين الفريقين المسلمين , فندب إليه الشيخ عبد الله السويدي وذهب إلى النجف وجرت فيها مناظرات ومناقشات في عدّة جلسات ترأسها الشاه نفسه .
**مؤتمر علماء المسلمين.
وفي الثالث والعشرين من شوّال من هذه السنة جمع نادر شاه علماء المذاهب الإسلامية عند مرقد أمير المؤمنين عليه السلام في النجف , وأحضر معهم من علماء بغداد الشيخ أحمد السويدي ممثل أحمد باشا والي بغداد , , ومن علماء كربلاء السيد نصر الله الحائري الشهيد سنة 1166 هـ , ومن علماء دار السلطنة علي أكبر الشيرازي الطالقاني المعروف بالملا باشي , وكان مرافقاً للشاه نادر في مجيئه للنجف , وألزمهم الشاه بالتفاهم والمناظرة في الإمامة , فناظرهم السيد نصر الله الحائري وكانت حجته قوية دامغة , وبانتهاء المناظرة , قال لهم الشاه : إذاً لا بد لكم من الاعتراف بمذهب الإمام جعفر الصادق عليه السلام , وأنه مذهب خامس للمسلمين لتكونوا أمة واحدة, ولكي يستريح هو من الشقاق الداخلي في ممالكه . وبعد التفاهم الذي حصل والوفاق على الأخوة والمحبة ورفع العداء , جعل على كل من يخاف ذلك نقمة الله تعالى عليه في الآخرة ونقمة السلطان في الدنيا, فقرروا ما أقره هذا المحضر على أن يكتب في جريدة, فكتبوه ووقع عليه كل من الحاضرين وأشهد عليهم صاحب المرقد الشريف أمير المؤمنين عليه السلام , وختمها السلطان نادر بتوقيعه وكانت كتابتها بالفارسية , ونسخوا عليها نسخاً , واحدة عند نادر شاه , وأخرى أرسلت إلى السلطان محمود خان للتوقيع عليها , وثالثة ورابعة, والنسخة الأصلية أودعت في خزانة الكتب للحضرة المرتضوية الشريفة في النجف الأشرف , ولا زالت موجودة .
وجاء في بعض نصوص هذا المحضر , ما ترجمته:
نحن المسؤلون في الحضرة العلوية المقدسة نظهر عقائدنا الإسلامية على النهج المسطور , ونتبرأ من الرفض طبقاً لما وافق عليه العلماء الأجلاء وسائر الأفندية العظام من أرباب الدولة العلية العثمانية من تصديق حقيّة المذهب الجعفري , فنحن على هذه العقيدة راسخون , وما تحرر ذلك إلا لمحض الخلود وتصميم القلب خالياً من شوائب الغش والقلب, ومتى ما ظهر منا خلاف تلك العقيدة فنحن خارجون من ربقة الدين مستحقون لغضب الله تعالى وسخط سلطان الزمان , وأن الإمام جعفر عليه السلام من ذرية الرسول الأكرم, وممدوح سائر الأمم , ومقبول عند أئمة المسلمين. وحسب ما قرره علماء إيران وحرروه , وتحقق أيضاً لدى الداعين أن العقائد الإسلامية الإيرانية صحيحة , وأن الفرقة المزبورة قائلة بحقية الخلفاء الكرام, وهم من أهل الإسلام وأمة الأنام , ومن أظهر العداوة منهم فهو عار عن كسوة الدين , والله ورسوله وأكابر الدين بريؤن منه , وفي دار الدنيا محاكمته عند سلطان العصر , وفي العقبى عند شديد البطش والقهر .
قال دعاة علماء قبة الإسلام بخارى وبلخ أن العقائد الإسلامية للأمة الإيرانية على نحو ما ذكره العلماء أعلاه , وأن هذه الفرقة داخلة في أهل الإسلام , ويحرم على الفريقين المسلمين من أمة محمد صلى الله عليه وآله , الأخوين في الدين قتل كل واحد منهما الآخر ونهبه وسلبه.
وفي يوم الجمعة الرابع والعشرين من شوال من هذه السنة أقيمت في مسجد الكوفة الصلاة بإمامة السيد نصر الله الحائري وائتمام نحو خمسة آلاف شخص .
** وفي هذه السنة تم تذهيب القبة الشريفة بأمر السلطان نادر شاه , وقد كتب بالحروف الذهبية المأرّقة على جبهة الإيوان الشرقي الذهبي ما نصّه :
( الحمد لله تعالى , قد تشرف بتذهيب هذه القبة المنورة والروضة المطهرة الخاقان الأعظم سلطان السلاطين الأفخم أبو المظفر المؤيد بتأييد الملك القاهر, السلطان نادر , أدام الله ملكه وسلطنته , وأفاض على العالمين برّه وعدله وإحسانه .
** وفي هذه السنة تمت الكتيبة الفوقانية التي تطوق القبة المنورة من داخل حرم أمير المؤمنين عليه السلام , وقد كتبت باللاجورد الأبيض مع التزيينات الواقعة حول الكتيبة فما فوق , وهي كلها من آثار السلطان نادر شاه , لأن الكتيبة المشار إليها قد ختمت باسم كاتبها ” مهر علي ” في سنة 1156 هـ .
** وفيها أمرت زوجة السلطان نادر شاه وهي الإمبراطورة ” گوهر شاه بيگم ” بترميم سور المشهد فأنفقت عليه مبلغ ألف نادري , وبذلت لتجديد القاشاني في الصحن الحيدري مبلغاً طائلاً , وكان الشروع في العمل سنة 1156هت وانتهاءه في سنة 1160هـ , كما أنها أهدت مبخرة مرصعة بالأحجار الكريمة وإناء من الذهب الخالص ليحرق فيه البخور في الروضة الحيدرية الشريفة .
( تاريخ النجف الأشرف- ج 2/محمد حرز الدين )
2013-03-05