مرقد الحمزة الغربي

hamza-algarby2

فيلم وثائقي عن مرقد وشخصية الحمزة بن القاسم ، الذي ينتهي نسبه الى العباس بن أمير المؤمنين عليهما السلام

الوقت : 20 دقيقة

 

مصدر النص : مجلة ينابيع

مرقد الحمزة (أبي يعلى)

عبق يفوح من ذكرى أبي الفضل العباس(ع)

 

اتحدت رؤى المؤرخين وكتاب السيرة على اختيار شخصية أبي الفضل العباس بن الإمام علي(ع) أنموذجاً مثالياً صادقاً يدل على معنى الأخوة الحقيقية، فقد جسد العباس(ع) دور الأخ الوفي لأخيه بكل ما تحمل كلمة الوفاء من معاني ومداليل وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على درجة الوعي الكاملة التي كان يمتلكها، وصلابة الموقف الذي لم تهزه المخاوف أو الإرهاصات حتى التحق برضوان الله، مضمخاً بدماء الشهادة، مكللاً بتاج التضحية.

ومن الطبيعي أن يكون جزاء الله جل وعلى لشخص كأبي الفضل(ع) منقطع النظير، فكان الجزاء الأخروي جنات يتبوأ من حيث يشاء، مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

أما الجزاء الدنيوي فقد تمثل بخلود الذكر في المحافل والمجالس وقبراً أصبح ملاذاً للمتوسلين وقبلة للأحرار، ما قصده مهموم إلا وفرج الله همه.

وكان ضمن الجزاء هذا أن جعل الله له ذرية مباركة، حوت في سلاسلها رجالاً أفذاذاً دخلوا مضمار الفضل والعلم والكرم، فكانوا السابقين لنيل قصب السبق والقدم المعلى، ومن هؤلاء برز السيد أبو يعلى الحمزة بن القاسم(ع)، شريفاً محدثاً فقيهاً عابداً حملته المقادير إلى مكان يقرب من الحلة الفيحاء، ليستقر فيها وليكون بعد مماته، قبره الذي وجد فيه العاشقون والموالون عبقاً يفوح من ذكرى جده حامل اللواء قمر بني هاشم(ع)، فجعلوا يختلفون إليه بكرة وأصيلاً، يلوذون به عارفين بمنزلته عند الله وعظيم شأنه.

وقد حملنا الشوق كما حمل زائريه لقصده والنزول في رحابه المطهرة ومن هناك سجلنا استطلاع مجلتنا (ينابيع) في عددها السادس والعشرين، وفيه نسلط الضوء على شخصية الحمزة ونحاول معرفة حقيقة نسبة القبر إليه، إضافة للعمارات التي توالت على المرقد وحملات الأعمار المتكررة.

الحمزة في دائرة الضوء:

هو الحمزة بن القاسم بن علي بن الحمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)(1).

والحمزة في اللغة الأسد ويقال أنه لحموز لما حمزه أي ضابط لما ضمه ومنه اشتقاق حمزة، أو من الحمازة وهي الشدة(2)، ويكنى الحمزة عادة بأبي يعلى، فالحمزة بن عبد المطلب(ع) كان يعرف بأبي يعلى والظاهر أن هذه الكنية لحقت بغيره ممن اسمه (حمزة) نسبة له(ع).

لم تذكر الكتب التي تناولت حياته وسيرته بحثاً ودراسة متى كان مولده، بل حتى أغلفت عن ذكر وفاته ولكننا يمكن أن نتحرى ذلكم من خلال معاصرون، شيوخه أو تلامذته، أما خلال خطه النسبي فيمكننا القول (أن بين الحمزة والعباس(ع) خمسة آباء، بمعنى أن الحمزة كان معاصراً للإمام الجواد(ع) أو ولده الإمام الهادي(ع)أو ولده الإمام العسكري) وحينها يمكن تعيين الفترة الزمنية التي عاشها تقريباً حيث نستطيع القول أنه كان حياً خلال القرن الثالث الهجري ولكن الشيخ محمد علي الأوردوبادي يقول: (… وقد أدرك أخريات القرن الرابع، لذلك عقد له شيخنا العلامة الطهراني في كتابه (نابغة الرواة في رابعة المئات) ترجمة إضافية، فهو من علماء الغيبة الصغرى)(3).

في حين يذكر الباحث عبد الرضا عوض ما نصه: (… ولد الحمزة بن القاسم في الأول من محرم الحرام سنة 203هـ وتوفي في قرية المزيدية أواخر ذي الحجة سنة 295هـ ونقل جثمانه إلى هذا المكان حيث وري)(4)، إلا أن الباحث لم يسعفنا بالمصدر الذي اعتمد عليه، حتى يقطع الاضطراب الحاصل في تحديد الفترة التي عاشها ونحن نستعرض جوانباً من حياته لعلنا نستطيع أن نستخلص شيئاً يدل على تلك الفترة وسنثبت ذلك متى ما اكتملت صورة عنه.

أما آبائه الأطهار، فقد امتدحهم الرجاليون وأصحاب السيرة بداية من العباس بن علي(ع) الذي قال فيه الإمام الصادق(ع): (إن لعمي العباس منزلة يغبطه عليها الشهداء والصديقون)، أما عبيد الله بن العباس فقد انحصر عقب العباس فيه وحده كما نص على ذلك ابن عنبه(5).

وقد ذكر العلامة علي بن يوسف الحلي أنه كان من العلماء، الإجلاء، رباه الإمام علي بن الحسين(ع) وأدبه وزوجه ابنته خديجة وكان عظيم العناية به، كثير الشفعة عليه، وينقل أنه ما نظر إليه إلا بكى، ولا لمحه إلا استعبر، وكان يحبه ويؤثره ويقدمه على سائر أقربائه ويتذكر أباه العباس(ع) وموقفه من نصرة أخيه(6).

أما الحسن بن عبيد الله فقد كان راوياً للحديث، و(مرقده قريب من قرية المزيدية إحدى قرى الحلة الفيحاء الجنوبية عند قبائل ألبو سلطان وهو اليوم بارز مشيد الجدران يقصده الزائرون وأرباب الحوائج…)(7)، وإذا ثبتت صحة نسبة هذا القبر إلى الحسن بن عبيد الله فإن ذلك سيزيل الغموض في سبب تواجد الحمزة في هذه المنطقة، حيث يمكن القول أن جد الحمزة سكن هذه المنطقة، وعليه فمن الطبيعي ان تتواجد ذريته هنا وكان الحمزة واحداً منهم.

أما الحمزة بن الحسن فقد عرف بالشبيه والفقيه حيث جاء في العمدة: (… يكنى أبو القاسم، كان يشبه بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) أخرج توقيع المأمون بخطه (يعطى حمزة بن الحسن لشبهه بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب مائة ألف درهم…)…)(8)، وبما أن الحمزة كان معاصراً للمأمون فيمكن القول أنه كان حياً في أوائل القرن الثالث.

أما علي بن الحمزة، جد الحمزة الغربي فقد عده النجاشي من رجاله قائلاً: (… له نسخة يرويها عن موسى بن جعفر(ع))(9)، فهل هذه النسخة كان يرويها عن الإمام مباشرة أي أنه أدرك الإمام الكاظم(ع)؟ أم كان يرويها بالواسطة؟

ولعلي هذا ولدان، أحدهما القاسم والد الحمزة والآخر يقال له محمد، قال عنه أبو نصر النجاري: (ثقة عين في الحديث صحيح الاعتقاد، له رواية عن أبي الحسن ـ الهادي ـ وأبي محمد ـ العسكري ـ وأيضاً مكاتبة وفي داره حصلت أم صاحب الزمان(ع) بعد وفاة الحسن العسكري(ع) له كتاب (مقاتل الطالبيين))(10)، بمعنى أن محمداً هذا قد سكن سامراء فترة حيث عاصر الإمامين العسكريين(ع) وبقى إلى ما بعد وفاة الإمام العسكري(ع) وهذا ما يؤيده ابن عنبة بقوله: (أبو عبيد الله محمد بن علي نزل البصرة وروى الحديث عن علي الرضا وغيره بها وبغيرها وكان متوجهاً عالماً شاعراً وكانت وفاته سنة ست وثمانين ومائتين)(11)، ولمحمد هذا ذكر في حادثة نصها: (… فإنه لما وقعت الفتنة بعد وفاة أبي محمد العسكري (صلوات الله عليه) وقع الفحص والطلب على بيت الإمامة ونسائه وجواريه وإمائه، حذار وجود البقية منه، أو وجود حامل منهن تلده، لما بلغ الطاغية أن الخلف بعد أبي محمد(ع) يدمر دولة الباطل، فحسبه عاجلاً وهو آجل، فعند ذلك حصلت الكريمة أم الإمام المنتظر في بيت أبي عبد الله محمد)(12)، معنى ذلك أن محمد عم الحمزة كان يتنقل بين سامراء والبصرة ولعله كان ينزل في الكوفة أيضاً إذا ما صح أن والده كان ينزل أطرافها.

شيوخه(13):

كان أجل شيوخه عمه محمد بن علي(ع) الذي ذكرناه آنفاً ومنهم:

1ـ الشيخ الثقة سعد بن عبد الله الأشعري القمي، من أصحاب الإمام الحسن العسكري(ع) توفي سنة 301هـ، ولا ندري أي تتلمذ الحمزة على يد الأشعري حيث أن سعد كان يسكن قم.

2ـ محمد بن سهل بن زاذويه.

3ـ الحسن بن متيل.

4ـ علي بن عبد الله.

5ـ أبو الحسن بن الجنيد الرازي.

6ـ أبو عبد الله الحسين بن علي الخزار القمي.

7ـ علي بن محمد القلانسي.

تلامذته(14): ومنهم:

1ـ أبو محمد هارون بن موسى الشيباني التلعكبري، وهو من أعظم رجال الشيعة، وحملة علومهم المتوفى سنة 385هـ.

2ـ الحسين بن إبراهيم بن هاشم المؤدب.

3ـ علي بن أحمد بن عمران الدقاق.

كتبه(15):

1ـ التوحيد.

2ـ الزيارات والمناسك.

3ـ من روى عن جعفر بن محمد من الرجال.

4ـ الرد على محمد بن جعفر الأسدي.

عقبه(16):

أعقب الحمزة أربعة ذكور، وهم محمد والحسن وعلي والقاسم، وقد ذكر الدكتور جودت القزويني ان محمد بن الحمزة، قتله الرجالة أيام المكتفي(264هـ-295هـ)، في بستانه، والواقع إن محمد الذي يعنيه الدكتور القزويني ليس إبن الحمزة بن القاسم، بل هو محمد بن الحمزة بن عبد الله بن العباس بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن ابي طالب)، وهذا ما أشار إليه ابن عنبة الحسني، وأبو الفرج الأصفهاني (17)

إطراء العلماء عليه:

وقد أطراه علماؤنا إطراءً يدل على منزلته الرفيعة وتقدمه في تحصيل العلم، إضافة لنسبه الوضاح ومنهم:

1ـ العلامة الحلي قال: (ثقة، جليل القدر من أصحابنا، كثير الحديث)(18).

2ـ الشيخ عباس القمة قال: (إنه أحد علماء الإجازة، وأهل الحديث، وقد ذكره الرجال في كتبهم وأثنوا عليه بالعلم والورع)(19).

3ـ الشيخ الأوردوبادي، قال: (كان أوحدياً من سروات المجد من هاشم، وفذاً من أفذاذ بيت الوحي، وأحد علماء العترة الطاهرة، روى الحديث وأكثر، واختلف إليه العلماء للأخذ منه)(20).

فيمن مدحه من الشعراء:

أفرد الدكتور جودت القزويني أثناء تحقيقه كتاب (المثل الأعلى في ترجمة أبي يعلى) ملحقاً خاصاً (ما قيل في أبي يعلى من الشعر)، نورد هنا قصيدة قالها الشيخ محمد رضا آل صادق يقول فيها:

أيا بن عبيد حمزة ذا الندى****ويا ثقة الإسلام والعالم الحبرا

تمثلت أياماً قضيت وسيرة****معطرة مثلى طويت بها العمرا

فلحت بأفق المجد والفخر كوكباً****يضاهي سناك البدر والأنجم الزهرا

وحسبك عزاً أن جدك ناصر****أخاه حسيناً شبل فاطمة الزهرا

وساقي عطاشى كربلاء وحامل****لواه وفاديه بمهجته الحرى

وقد خط البيتين الأخيرين على الباب الذهبي للضريح الطاهر:

كما قال فيه المرحوم الشيخ عباس الأعسم:

يقولون لي من ترتجيه من الورى؟****وليس على وجه البسيطة من يغني

فقلت لهم كفوا ففي (حمزة) الندى****تعلق تأميلي ونائله المقني

هو ابن عبيد الله من جاد جده****بحوبائه للمشرفية واللدن

وغير ذلك من الشعر قيل في مدحه(ع).

تحديد مكان مرقده:

يقع قبره في ناحية المدحتية التي يحتل مرقد الحمزة مركزها، وتبعد عن الهاشمية 4 كم شرقاً، قرب قرية المزيدية، إحدى قرى الحلة الفيحاء(21).

ظهور مرقده الشريف:

لم تحدد الكتب التي تناولت سيرة الحمزة، متى ظهر المرقد كمزار تؤمه الناس، والظاهر أنه قد بني منذ قديم الأزمان، وكان يعرف عند الأعراب بالحمزة ابن الإمام موسى الكاظم إلا أن السيد مهدي القزويني كشف للناس هوية صاحب القبر الحقيقية، وبين فضله ومنزلته فازدلف إليه الزائرون، فمنهم من حط رحاله بفناء الحمزة وأحب مجاورته ومنهم من ظل يتنقل بين وطنه ومحبوبه الحمزة.

اكتشاف السيد مهدي حقيقة المرقد:

ويسرد الشيخ الأوردوبادي قصة السيد القزويني قائلاً: (كان من ذي قبل يعرف بمشهد حمزة ابن الإمام موسى الكاظم، وبما أن الثابت في التاريخ والرجال أن قبر (حمزة) المذكور في (الري) جنب مشهد السيد الأجل عبد العظيم الحسيني (سلام الله عليه)، وكان سيد العلماء والفقهاء المجاهدين سيدنا المهدي القزويني سنة 1300هـ/1881م بعد أن هبط الحلة الفيحاء، وأقام بها عمد الدين، وشيد دعائم المذهب، كان يمر بالمشهد المعظم عند وفداته إلى بني (زبيد) لبث الدعوة الإلهية بينهم، وهدايتهم إلى الطريقة المثلى ولا يزوره، ولذلك قلت رغبة الناس في زيارته.

فصادف أن مر به مرة، ونزل تلك القرية للمبيت بها، فأستدعاه أهل القرية لزيارة (المشهد) فاعتذر بما قدمناه وقال: (لا أزور من لا أعرف)، ثم غادرها من غد إلى (المزيدية) وبات بها، حتى إذا قام للتهجد في أخريات الليل، وفرغ منهن وطفق يراق طلوع الفجر، فدخل عليه داخل في زي علوي شريف من سادة تلك القرية، وكان سيدنا المهدي يعرفه بالصلاح والتقوى فسلم وجلس.

وقال: استضفت أهل قرية الحمزة ومازرته.

قا: نعم ولم ذلك؟!

فأجابه بما قدمناه عن جوابه لأهل القرية فقال له العلوي المذكور: رب مشهور لا أصل له، ليس هذا قبر حمزة بن موسى الكاظم ـ عليه السلام ـ كما اشتهر، إنما هو قبر أبي يعلى حمزة بن القاسم العلوي العباس أحد علماء الإجازة، وأهل الحديث، وقد ذكره أهل الرجال في كتبهم، وأثنوا عليه بالعلم والورع.

فحسب سيدنا المهدي أنه أخذ ذلك عن أحد العلماء لأنه كان من عوام السادة، وأين هو من الإطلاع على الرجال والحديث؟! فأغفل عنه، ونهض للفحص عن الفجر، وخرج العلوي من عنه، ثم أدى فريضة الصبح وجلس للتعقيب حتى مطلع الشمس ثم راجع كتب الرجال فوجد الأمر كما وصفه الشريف الداخل عليه قبيل الفجر.

ثم ازدلف أهل القرية مسلمين عليه، وفيهم العلوي المشار إليه، فسأله السيد المهدي عن دخوله عليه قبيل الفجر، وإخباره إياه عن المشهد وصاحبه عمن أخذه ومن أين لك ذلك؟ فحلف العلوي بالله إنه لم يأته قبل الفجر، وأنه كان بائتاً خارج القرية في مكان سماه، وأنه سمع بقدوم سيدنا المهدي فجاء زائراً في وقته، وأنه لم يره قبل ساعته تلك.

فنهض السيد من فوره، وركب لزيارة المشهد الشريف، وقال: (وجبت الآن عليّ زيارته، وإن لا أشك أن الداخل عليّ هو الإمام الحجة (صلوات الله عليه) وركب الطريق معه أهل المزيدية، ومن يومئذ اشتهر المرقد الشريف بالاعتبار والثبوت وازدلفت الإمامية إلى زيارته، والتبرك به، والاستشفاع به إلى الله)(22).

العمارات التي طرأت على مرقده:

كانت الحادثة التي بيناها آنفاً حالة انتقالية طرأت على المرقد الشريف، حيث أصبح توافد الزائرين المنقطع النظير للمرقد يمثل إيذاناً بعهد جديد سيشهد المرقد من حيث الإنشاء والتوسعة والتعمير، يقول الدكتور جودت القزويني: (أما الجزيرة ـ التي يثوي فيها الحمزة ـ فقد كانت أيام هجرة السيد المهدي تحتوي على مائة دار تقريباً، وبعد النص على ثبوت مرقد الحمزة وأنه حفيد العباس بن علي توسعت عمارة المسجد، وأبدلت بقبته المبنية من الطين حجرة مربعة الشكل بنيت من الآجر، وقد اهتم عمنا أبو المعز السيد محمد القزويني المتوفى سنة 1335هـ/1916م ببناء وتشييد المرقد كما قام بإعادة بناء جملة من المراقد في الحلة وضواحيها)(23).

العمارة الأولى(24):

يذكر المعمرون عن أسلافهم أن العمارة التي كانت على المرقد قبل قرن من الزمان هي عبارة عن حجرة مبنية من الطابوق تحيط بقبر (الحمزة)، ومسقفة بجذوع النخيل، يدير شؤون المرقد سدنة من أهالي المنطقة من آل نجم الهلال، لم يبارحوا المنطقة منذ قديم الزمن ولا يزيد عدد دورهم على خمسين دار، وكانت دور سكناهم تصل إلى وسط الصحن الحالي تقريباً وكانت أول عمارة وضعت من قبل علي بن نجم الهلال (سادن المرقد) الذي طلب من أخوته جلب الطابوق من خرائب بابل بواسطة الإبل التي تعود لأخوان علي وبنيت عندها أول حجرة فوق القبر، بقيت هذه الحجرة قائمة حتى مطلع 1921م.

العمارة الثانية:

قامت العمارة الثانية بمساعي الشيخ عداي الجريان رئيس قبيلة آلبو سلطان الذي كان يشغل موقعاً مهماً في الدولة، وقد تعاون معه عدد من التجار وبعض وجوه المدينة إضافة لمدير الناحية آنذاك جابر الكريمي، ففي عام 1339هـ/1921م تم بناء قبة فوق المرقد مع توسيع الحرم العلوي والصحن، وقد أرخ الشاعر جاسم الحلي ذلك الحدث قائلاً:

لا تلمني على وقوفي بباب****تتمنى الأملاك لثم ثراها

هي باب لحمزة الفضل أرخ****(جابر الكسر بالخلود بناها)

العمارة الثالثة:

في سنة 1944م أمر الشيخ نايف الجريان بعد أن جمع رؤساء العشائر المحيطة بقصبة الحمزة بأعمار المرقد وطلب من الحضور التبرع فوراً لإكمال التعمير وفرض على كل عشيرة مبلغاً من المال، وبعد أن جمع المال بوشر العمل في ترميم وإكمال ما بدأ فيه أخيه الشيخ عداي واكتملت الخطة وهي التوسيع والتطوير إكمالاً لما ابتدأ العمل فيه عام 1922م ومنها بناء القباب الثمانية التي شكلت فيما بعد المسجد الرجالي الحالي.

في سنة 1962م أجريت بعض الترميمات على الصحن والمرقد ومن ضمنها تجديد الباب الرئيس فأبدل الشيخ طالب أمين الخيكاني عجز البيت الثاني من الشعر الذي نظمه سابقاً الشيخ جاسم الحلي فقال:

لا تلمني على وقوفي بباب****تتمنى الأملاك لثم ثراها

هي باب لحمزة الفضل أرخ****(خير منشئ لها بديع بناها)

العمارة الرابعة:

في سنة 1976م قدم أحمد حسن البكر رئيس العراق آنذاك لزيارة مرقد الحمزة حيث تذكر القصة (شاءت الصدف أن يصاب البكر بمرض عجز عنه الأطباء، فأشار عليه أحد أصدقائه أن يتبرك بزيارة الحمزة كي يشفى من المرض، استحسن البكر الفكرة فجاء إلى مرقد الحمزة سراً ثم عاد إلى بغداد ليجد في زيارته تحسناً في حالته الصحية فأمر معاونيه بضرورة وضع خطة لتوسيع وتجديد بناء الصحن والمرقد وكانت أهم الأعمال ما يلي:

1ـ تغليف القبر بالكاشي الكربلائي.

2ـ بناء منارة عالية.

3ـ توسعة الصحن من الجهة الشمالية الشرقية.

4ـ استبدال المفروشات القديمة بالجديدة.

5ـ إحاطة الصحن الخارجي بسلسلة من الحوانيت التجارية.

6ـ رصف أرضية الصحن والمناطق المحيطة.

رحلتنا إلى الحمزة:

توجهنا يوم السبت المصادف 28 شعبان 1419هـ إلى مرقد الحمزة الغربي الذي يشكل أكبر مركز تجاري حيث تحيط به المحلات والأسواق التجارية حيث لا ينقطع المزار عن استقبال الزائرين على مدى ساعات اليوم.

الظاهر أن العمارة الموجودة حالياً هي العمارة الرابعة حيث لم يطرأ تغييراً عليها سوى نصب الشباك الجديد الذي صنع بأيد عراقية سنتحدث عنه فيما بعد.

للمرقد صحنان، أحدهما خارجي يحيط بالصحن الداخلي، تبلغ مساحة الصحن الخارجي حوالي (5300م2) يحيط به سور حديدي وله مداخل خارجية تطل على الشارع العام إلا أن المدخل الرئيسي يمثل بوابتين كبيرتين متجاورتين يفضيان إلى الصحن تقع في ركن الشمالي الشرقي مكتبة الإمام الحكيم العامة التي فتحت الآن بعد إغلاق دام أكثر من خمس وعشرين سنة وهي الآن تقدم خدماتها للقراء والمطالعين.

ترتفع منارة شاهقة في الصحن الخارجي بارتفاع (28م) وتبدو المنارة وقد زخرفت بالزخرفة العربية الإسلامية مما أضفى عليها جمالية.

يمكن الدخول للصحن الداخلي من خلال أبواب تتوزع على جوانب المرقد الأربعة، إلا أن الباب الرئيسية تمثل إيوان كبير مزخرف، ترتفع على جانبيه منارتين صغيرتين يبلغ ارتفاعهما (5م) تقريباً، أما الصحن الداخلي فتبلغ مساحته (2200م2)، وقد كسيت الأرضية بالمرمر، تحيط بالصحن الداخلي أواوين مفتوحة على باحة الصحن، مزخرفة بالكاشي الكربلائي وموزعة بطريقة هندسية أضفت على عمارة المرقد جمالية رائعة، تفصل الأواوين العامة عن رواق متصل معه لاستراحة الزائرين يحيط بالصحن من جهات ثلاث، أما المرقد فيقع في الجهة اليسرى للداخل من الصحن، والمرقد عبارة عن بناء متكامل يحتوي على باحة مركزية يتوسطها المرقد المطهر، إضافة لأروقة تحيط بالمرقد وقاعة كبيرة مفصولة إلى جزئين أحدهما للنساء والآخر للرجال.

أما المرقد فهو عبارة عن باحة مغلقة تبلغ مساحتها حوالي (80م2) يتوسطها الشباك الذي نصب مؤخراً بمساعي الخيرين الذين جمعوا مبلغاً من المال وشرع الحاج جليل عبد عون الحارس وأولاده في إنشائه عملاً وصياغة بإشراف المهندس رياض عبد الحسين السبع، ويمكن وصف الشباك بأنه تحفة فنية من حيث إتقان العمل وجمالية المنظر وإبداع النقوش، يضاهي العمل الذي يتم خارج العراق والصندوق الجديد تحيط به الشبابيك الفضية وتبلغ مساحته الإجمالية حوالي (7م2) تقريباً،وقد تحدث إلينا الأخ أبو جعفر الأمين الخاص لعتبة الحمزة(ع) عنه قائلاً( بعد اكتمال عملية جمع التبرعات لعمل الشباك الجديد، الذي أستمر لمدة اكثر من سنة، بدا العمل برفع الشباك القديم ، وكان ذلك في بداية شهر آذار 2008 وقد تضمن العمل مراحل عدة منها رفع كل ما كان موجوداً على الضريح المطهر ونصب قاعدة الشباك الجديد ثم نصب الهيكل وإتمام تشكيل الشباك، إضافة لذلك فقد تم تغليف أرضية الحرم بالمرمر الفاخر وعمل قواطع جديدة بين الرجال والنساء، وقد انتهى العمل في شهر حزيران 2008، وقد تم ذلك بمتابعة وتوجيه الأمانة العامة للمزارات الشيعية وإشراف ممثلية الأمانة في بابل والأمانة الخاصة للمرقد الشريف، بلغت كلفة العمل حوالي( 131 )مليون دينار عراقي جمع منها مبلغ (96) مليون من التبرعات وبقية المبلغ دفع من ميزانية المزار الشريف ).

ترتفع فوق الصندوق قبة شامخة يبلغ ارتفاعها (16م) تقريباً ويبلغ قطرها (30م)، تغطي الساحة الداخلية للمرقد بالكامل وقد زخرف وجهها الداخلي بالزخرفة المغربية ويحيطها طوق مكسي بالكاشي الكربلائي كتبت عليها الآية المباركة (الله نور السموات والأرض…) أما جدران المرقد الداخلية فقد كسيت بالمرمر الإيطالي بارتفاع (2.5م) تقريباً.

أما الأروقة فإنها تحيط بالمرقد المبارك وتطل عليه من خلال الجوانب الأربعة بواسطة فتحات تقع في منتصف كل جانب، وقد ألحقت بالمرقد قاعة كبيرة على شكل حرف (L)، لإقامة المآتم ومجالس الوعظ وغيرها.

ودعنا المرقد ونحن نقرأ في أعين الزائرين فرحة اغتنام هذه الزيارة لهذا السيد الجليل الذي لم يرد الوافدون إليه إلا بقضاء الحوائج وتسهيل الأمور.

 

المصادر:

(1) النجاشي، رجال، ص140.

(2) الأمين العاملي، أعيان الشيعة، 9/526.

(3) المثل الأعلى في ترجمة أبي يعلى، ص26.

(4) الدرة البهية في تاريخ المدحتية، ص63.

(5) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، ص357.

(6) الأوردوبادي، المثل الأعلى، ص37.

(7) عوض، الدرة البهية في تاريخ المدحتية، ص63.

(8) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، ص358.

(9) الأعلمي، دائرة المعارف الشيعية الكبرى، 8/477.

(10) سر السلسلة العلوية، ص92.

(11) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، ص358.

(12) النجاشي، رجال، ص267.

(13) الأوردوبادي، المثل الأعلى، ص38.

(14) عوض، الدرة البهية، ص67.

(15) المصدر السابق.

(16) العمري، المجدي في الأنساب، ص449.

(17) عمدة الطالب، ص359.

(18) عوض، الدرة البهية في تاريخ المدحتية، ص74.

(19) المصدر السابق، ص75.

(20) المثل الأعلى، ص23.

(21) حرز الدين، مراقد المعارف،1/269.

(22) المثل الأعلى، ص42.

(23) المصدر السابق.

(24) العمارات التي سوف نتحدث عنها سردها الكاتب عبد الرضا عوض في كتابه الدرة البهية وقد أخذنا ذلك مع التصرف.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *