فيلم وثائقي عن مراقد وشخصيات السادة آل طاووس في محافظة الحلة
الوقت : 21 دقيقة
مصدر النص: مجلة ينابيع
مراقد آل طاووس في الحلة
شواخص خالدة في الفكر الإسلامي
نالت الأسر العلمية شهرة في آفاق المعمورة عموماً وفي الأمة الإسلامية خصوصاً حيث برزت أدوار خالدة لتلك الأسر أثرت بعطائها ونتاجها العلمي على المجتمع فأثرت فيه وأثرت شرائحه بإرث رصين سجله التاريخ بأحرف من نور.
وفي عالم التشيع كادت هذه الأسر أن تكون عنواناً بارزاً حيث لازالت تعيش أحفادها بمجدها وخلودها وأصبح توارث العلم والنبوغ المعرفي سمة ملازمة لأفراد الأسرة الواحدة، يأخذون من آبائهم العلم كما يأخذون الصفات الوراثية بدنية كانت أو نفسية.
ومن هذه الأسر برزت أسرة آل طاووس التي نبغ فيها عدد من العلماء، الذين حملوا مشعل العلم والأدب والمعرفة وتحملوا أعباء نقابة العلويين يدفعون عنهم الضيم ويدافعون عن حقوقهم وامتيازاتهم، فكانت الحلة الفيحاء ميداناً لبطولاتهم وشاهداً على منجزاتهم التي حفظت لنا تراثاً ضخماً حوى في صحائفه ضروباً من علوم آل محمد(ع).
وإحياءً لذكرى هذه الأسرة، توجهنا إلى مراقد آل طاووس الموجودة في مدينة العلم الحلة وغايتنا الوقوف على تلك المزارات المشرفة وليكن خلاصة رحلتنا استطلاعاً لمجلتنا (ينابيع) فرأينا قباباً مشرقة تضج بالداعين ممن يحطون الرحال عند تلك الرياض فلا يغادرون إلا بقبول الدعوات وقضاء الحوائج.
آل طاووس نظرة عامة:
تعد أسرة آل طاووس من الأسر العريقة الجليلة جمعت من الشرف والعلياء ما لا يخفى على أحد نسباً وحسباً، وقدمت للمجتمع الإسلامي الكثير من رجالات الفكر والعقيدة(1) وقد نسبت هذه الأسرة الى (طاووس) وهو لقب جدهم السيد أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن الحسن بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب(2)، وقد لقب بالطاووس لحسن وجهه وجماله وقصر رجليه(3)، كان سيداً وجيهاً عفيفاً، من سادات المدينة الكبار، كان يسكن سوراء المدينة والظاهر إنها غير سورا العراق والظاهر أن السيد الطاووس لم ينتقل الى الحلة، بل إن أحفاده هم الذين تركوا منازلهم في سوراء، ونزلوا الحلة الفيحاء ثم جعلوا يترددون على بغداد والنجف وكربلاء، وقد أشار إلى ذلك إبن عنبة بقوله:(وولده كانوا بسوراء المدينة ثم إنتقلةا إلى بغداد والحلة)، كما لم يحدثنا التاريخ عن الفترة التي عاصرها السيد الطاووس وإذا ما قارنا خطه النسبي المنتهي بالإمام الحسن(ع) وخط الأئمة الأطهار المنتهي بالإمام الحسين(ع) نلحظ أن الطاووس كان معاصراً للإمام علي الهادي(ع) المتوفى سنة (254هـ) تقريباً أي في العصر العباسي الثاني وهذا ما يؤكد عدم انتقاله الى الحلة، لأن الحلة سُكنت سنة (495هـ) عندما نزلها آل مزيد الأسديون.
وقد لمع اسم آل طاووس على عهد سعد الدين موسى، العالم والد العلماء الذين بلغت بهم شهرة آل طاووس الآفاق، فهو أبو إبراهيم موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي عبد الله محمد الطاووس(4)، ولم يسلط التاريخ حسب تتبعي أضوائه على أحد من آباء السيد موسى، ومن المؤكد أن وأحداً منهم انتقل من المدينة المنورة الى الحلة الفيحاء ولعل انتقاله كان طلباً للعلم إذا ما عرفنا أن الحلة كانت المدرسة الفقهية المركزية بالنسبة للشيعة، أو كان انتقاله خوفاً من بطش العباسيين الذين ما برحوا يطاردون آل علي أينما حلوا ولا ينسى مأساة الهاشمية التي قضى فيها خيرة آل الحسن بن علي(ع) على يد أبي جعفر المنصور.
والسيد موسى عالم إمامي، من الرواة المحدثين، والعلماء الفاضلين، جمع ولده السيد علي رواياته في أربعة مجلدات وأسماها (فرحة الناظر وبهجة الخاطر) وقد توفي في أوائل المئة السابعة، في حدود (620هـ) ودفن في الغري، كما ذكر ولده أن والديه مدفونان في الغري.
وإذا ما علمنا أن السيد موسى كان متزوجاً من بنت الشيخ ورام بن أبي فراس (ت 605هـ) الذي قال عنه منتجب الدين: (عالم فقيه صالح، شاهدته بالحلة، ووافق الخبرُ الخبر)(5).
وقد توفي في الحلة، وحمل الى الكوفة، فدفن في مشهد الإمام أمير المؤمنين(ع)، فهذا يعني احتمال امتلاك آل طاووس مقبرة عند جدهم الإمام علي(ع)، دفن فيها أبيهم السيد موسى وأمهم وجدهم لأمهم الشيخ ورام إضافة للأحفاد.
وقد خلف السيد موسى آل طاووس أربعة بنين(6)، وهم:
1ـ السيد شرف الدين محمد، وقد قتل ببغداد سنة (656هـ) أي في السنة التي هجم فيها التتر على بغداد وأسقطوا الخلافة العباسية ولم يعرف هل دفن ببغداد أم نقل للحلة أم دفن في مقبرة الأسرة في النجف.
2ـ السيد عز الدين الحسن، مات سنة (654هـ).
3ـ السيد جمال الدين أحمد، مات سنة (673هـ).
4ـ السيد رضي الدين علي، مات سنة (664هـ).
وقد شمل استطلاعنا جمال الدين أحمد وولده غياث الدين عبد الكريم و رضي الدين علي لذا سيتركز الكلام عليهم.
أما السيد عز الدين الحسن وقد وصفه الفوطي بالسيد الجليل وقد كان زاهداً(7)، أعقب هذا السيد من ثلاثة أولادهم:
1ـ مجد الدين محمد توفي سنة (656هـ).
2ـ قوام الدين أحمد، توفي سنة (704هـ).
3- سعد الدين موسى.
وقد قام السيد مجد الدين محمد بدور عظيم في حقن دماء المسلمين حيث قام بتصنيف كتاب (البشارة) وقدمه لهولاكو الذي غزا العراق ودمر بغداد سنة (656هـ)، الأمر الذي دفع هولاكو لعدم مساس الحلة وكربلاء والنجف بسوء، كما عين محمد هذا نقيباً بالبلاد الفراتية، في حين كان قوام الدين أحمد أميراً للحاج، امتاز بالكرم وحسن السيرة ودماثة الأخلاق، وقد نال نقابة العلويين في النجف وبانقراض عقب الأخوة الثلاثة، أبناء السيد عز الدين الحسن يكون قد انقرض عقبه، ولا نعلم شيئاً عن مراقد الحسن وأولاده، هل هي في مدينة الحلة؟ أم انهم نقلوا إلى مقبرتهم الكبرى في النجف؟
السيد جمال الدين أحمد بن طاووس:
نال جمال الدين أحمد منزلة سامية في نفوس معاصريه، كما سجل له التاريخ سطوراً مشرقة وعناوين بارزة في مختلف الكتب، وذكره جمع من الأعلام بأساليب مختلفة دلت على بالغ احترامهم لشخصه، وكاد لقب ابن طاووس ينحصر فيه وفي أخيه السيد رضين الدين علي لما قدماه من جهد علمي تمثل في نتاجهما المتنوع الخالد.
وقد لقبه بعض المؤرخين بـ(بقية أهل البيت(ع)) وهذا يعكس عبارات الإطراء والمدح التي أطلقت عليه من أكابر علمائنا الأعلام، فقد وصفه الشهيد الثاني قائلاً: (كان مجتهداً واسع العلم، إماماً في الفقه والأدب والرجال)(8)، كما أثنى عليه كل من ابن داود الحلي والعلامة الحلي وغيرهم ممن كتبوا في الرجال والسيرة.
نأخذ ما قاله السيد محمد باقر الموسوي الخونساري: (كان السيد جمال الدين أبو الفضائل أحمد مجتهداً واسع العلم، إماماً في الفقه والأصول والأدب والرجال، وهو أول من قسم أخبار الإمامية الى أقسامها الأربعة المشهورة ـ الصحيح، والحسن، والموثق، والضعيف ـ واقتفى أثره في ذلك تلميذه العلامة الحلي وسائر من تأخر عنه من المجتهدين الى اليوم…)(9).
أساتذته:
وقد تتلمذ السيد على خيرة أساتذة مدرسة الحلة ونذكر منهم:
1ـ السيد فخار بن معد الموسوي الحائري.
2ـ الحسين بن أحمد السوراني.
3ـ الشيخ نجيب الدين هبة الله بن نما الحلي.
4ـ السيد محمد بن عبد الله بن علي بن زهرة الحلبي.
تلامذته:
من أشهر تلامذته:
1ـ الشيخ جمال الدين الحسن بن يوسف الشهير بالعلامة الحلي.
2ـ الشيخ تقي الدين الحسن بن داود الحلي.
3ـ ولده السيد عبد الكريم بن طاووس.
4ـ شمس الدين محمد بن أحمد بن صالح القسيني.
مؤلفاته:
نذكر أيضاً بعض مؤلفاته التي خلفها، وما هي إلاّ عطر يفوح كلما قُرأت ونور تجلي عن العقول دياجير الجهل وهي:
1ـ الاختيار في أدعية الليل والنهار، مما يعني أن آل طاووس اختصوا وعرفوا بجمع الأدعية والأعمال العبادية وليس كان هذا المجال مختصاً بالسيد رضي الدين علي كما سيأتي في ترجمته.
2ـ الأداب الحكمية.
3ـ إيمان أبي طالب.
4ـ الأزهار في شرح لامية مهيار.
5ـ بشرى المحققين (المخبتين) في الفقه، المشهور بالبشرى في ست مجلدات.
6ـ بناء المقالة العلوية في نقض الرسالة العثمانية.
7ـ الثاقب المسخر على نقض المشجر في أصول الدين.
8ـ حل الإشكال في معرفة الرجال.
وقد ذكر عدد من المؤلفات الأستاذ سعد الحداد فوجدها تصل الى ثماني عشرة مؤلف(10).
وفاته:
بعد عمر طويل مليء بالجهود المثمرة، قضاه السيد أحمد في تزكية النفس وهداية الخلق الى الله ورفع راية أهل البيت(ع) رحل إلى لقاء ربه في سنة (673هـ) بالحلة الفيحاء، وقد أرخ وفاته أحد الشعراء بقوله(11):
فقيه أهل البيت ذو الشمائل هو ابن طاووس أبو الفضائل
هو ابن موسى شيخ بن داود في (باخع) مضى إلى الخلود
تاريخ مرقده:
أول من أشار إلى المحل الذي دفن فيه السيد أحمد معاصره ابن الفوطي حيث قال: (… ودفن عند جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب)، في حين عين جمع من الباحثين والمؤرخين قبره بالحلة، ينقل الشيخ الأركاني: (عمر مرقده الشريف بعد مضي سنين من تركه ونسيانه وذلك إثر منام رآه أحد الصالحين حول هذه القبر بعد تركه، لذا فقد عمر وحظي باهتمام الناس، يقصدونه من الأمكنة البعيدة ويأتون إليه بالنذور…)(12).
والظاهر أن القبر الذي زرناه في الحلة هو لابن أخيه السيد أحمد بن الحسن الذي ذكرناه آنفاً إن لم يكن قبره فتشابه الاسم واللقب تركا انطباعاً عند الناس بأن المدفون في المرقد هو أبو الفضائل أحمد وليس قوام الدين أحمد المتوفي سنة (704هـ).
وقد أشار الى هذا القبر الشيخ البحراني المتوفى سنة (1186هـ) قائلاً: (… قبره الآن في الحلة، مزار مشهور…)(13)، بمعنى أن القبر كان في هذه السنة مشيداً ويمكن أن نحتمل ظهوره في العقد السادس أو الخامس من القرن الحادي عشر الهجري، ثم يعين في هامش اللؤلؤة هذا القبر بقوله: (في الحلة ـ اليوم ـ في محلة الجباويين في الجهة الغربية قبر ينسب إلى جمال الدين أبي الفضائل أحمد بن طاووس، وكانت هذه المحلة تسمى في القرن الثاني عشر بمحلة أبي الفضائل)(14).
أما الشيخ محمد حرز الدين فذكر: (… مرقده في الحلة المزيدية بـ(محلة أبي الفضائل)، حيث نسبت الحارة التي فيها قبره إليه، وقبره معروف مشهور عليه قبة بيضاء قديمة، وله حرم يزار وعليه السيرة من علمائنا الأقدمين إلى المعاصرين، يقع قبره في الشارع الغربي بظاهر مدينة الحلة، قرب باب كربلاء أو باب الحسين، هكذا معروف عند الحليين قديماً)(15).
وقد تهيأت لنا زيارة هذا المرقد المطهر بصحبة السيد حسام الشلاه الحلي الذي لم يبخل علينا بوقته ومعلوماته، يطل المرقد على الشارع العام وله مدخل مركزي عبارة عن باب حديد خضراء تصطف المحلات التجارية على جانبيها والظاهر أن هذه المحلات وقف للمرقد، تعلو الباب كتيبة بالكاشي الكربلائي، خط عليها شعر للشيخ الخطيب محمد علي اليعقوبي:
سمت فيحاء بابل في رجال حووا علم الأواخر والأوائل
بها تركوا المآثر والمساعي تضوع بطيب ذكراها المحافل
فزر فيها مشاهدهم عياناً تجد نعم الشواهد والدلائل
وعاد بذكرها التاريخ (لما أبو الوهاب شاد أبو الفضائل)
وقد أشار الشيخ اليعقوبي فيما نظمه الى دور المرحوم الحاج عبد الرزاق مرجان الفعال في بناء هذا المرقد سنة (1377هـ) أي بين عامي (1956 ـ 1957م) وقد رصد مبلغ ثلاثة آلاف دينار لبنائه، والظاهر أن القبر لحد الآن لم تجر فيه أي أعمال صيانة أو تجديد فالبناء قديم والأرضية تحتاج الى قلع وإكساء حديث، وأنت تدخل المرقد تجد على اليمين مرقد عبارة عن حجرة مربعة الشكل (6×6)م تتقدمها ساحة مسقوفة، وتعلوها قبة يبلغ ارتفاعها (6)م تقريباً كانت بيضاء اللون ثم طليت باللون الأخضر الفاتح وعلى ما يبدو أن التجديد في المرقد كان يشمل صبغ القبة باللون الأخضر فقط؟! أما الجدران الداخلية فهي على ما كانت عليه سابقاً عدا إكساء مترين منها تقريباً بالسيراميك، يتوسط الحجرة قبران يرتفعان عن الأرض بحدود نصف متر تقريباً وهما مغطان بالشال الأخضر أحدهما كتب عليه أحمد بن طاووس والآخر عبد الله بن طاووس وقد نقل عبد الله هذا الى جنب السيد أحمد صاحب المرقد بسبب إزالة قبره لاستحداث جسر في تلك المنطقة وعبد الله هذا من المحتمل أن يكون عبد الله بن احمد بن رضي الدين علي بن رضي الدين علي بن طاووس، تطل الحجرة أيضاً من خلال شباك على زقاق خارجي مجاور للمرقد، أما عن يسار الداخل فتلاحظ قاعة كبيرة أعيدت لإقامة الصلاة والى جنبها توجد قاعة أخرى، كانت مكتبة ضخمة أطلق عليها اسم مكتبة الإمام الصادق(ع) ثم صودرت أغلب كتبها أيام النظام المباد وهي الآن تعود إلى لتقديم خدماتها للباحثين والطلاب، تتوسط باحة المرقد حديقة صغيرة، تبلغ المساحة الكلية للمرقد حوالي (1600)م2 وقد طلب إلينا بعض القائمين على خدمة المرقد إيصال صوتهم إلى الوقف الشيعي لكي يولي المرقد اهتماماً، فهو يعد من أهم المعالم البارزة في مدينة الحلة.
عبد الكريم بن طاووس:
هو ابن السيد جمال الدين أبي الفضائل أحمد، يلقب بـ(غياث الدين) ويكنى بـ(أبو المظفر)، ولد في شعبان من سنة (648هـ) أو (647هـ) في الحائر الحسيني، نشأ وترعرع بالحلة الفيحاء، ثم كانت عمدة دراسته في بغداد، بمعنى أن السيد أحمد كان عمره ست وعشرون سنة يوم مولد ابنه عبد الكريم في كربلاء ولا نعلم عن سبب تواجد السيد أحمد وزوجته في كربلاء حينها هل كانا زائرين للحائر المقدس أم مقيمان فيه؟ وإذا كان السيد أحمد مقيماً فهل كان يدرس فيها ويُدرّس وهذا يعد مؤشر على وجود حوزة علمية في كربلاء منذ القرن السابع الهجري، إن صح هذا الاحتمال.
اختصر لنا الشيخ ابن داود طول الذكر والسيرة فقال عن السيد عبد الكريم: (كان أوحد زمانه، حائري المولد، حلي المنشأ، بغدادي التحصيل، كاظمي الخاتمة، كنت قرينه طفلين الى أن توفي(قده) ما رأيت قبله ولا بعده كخلقه وجميل قاعدته، وحلو معاشرته ثانياً، ولا لذكائه وقوة حافظته مماثلاً، ما دخل في ذهنه شيء فكاد ينساه، حفظ القرآن في مدة يسيرة وله إحدى عشرة سنة، اشتغل بالكتابة واستغنى عن المعلم في أربعين يوماً وعمره إذ ذاك أربع سنين، ولا تحصى مناقبه وفضائله)(16).
كما حدث معاصره ابن الفوطي عن الميزات التي امتاز بها السيد غياث الدين عبد الكريم فقال: (…كان جليل القدر، نبيل الذكر، حافظاً لكتاب الله المجيد، ولم أر في مشايخي أحفظ منه للسير والآثار والأحاديث والأخبار والحكايات والأشعار، جمع وصنف وشجر وألف وكان يشارك الناس في علومهم، وكانت داره مجمع الأمة والأشراف، وكان الأكابر والولاة والكتاب يستضيئون بأنواره ورأيه وكتبت له لخزانته كتاب الدر النظيم في ذكر من تسمى بعبد الكريم)(17).
أساتذته:
وقد سار السيد ابن طاووس الى العلم كما يسير الصادي الى المعين فكان (قدس سره) يتردد على المجالس والمنتديات العلمية يتزود من أكابرها العلوم والمعارف وكان من هؤلاء:
1ـ أبوه السيد أحمد بن طاووس.
2ـ نجم الدين جعفر بن الحسن المعروف بالمحقق الحلي.
3ـ عبد الحميد بن فخار بن معد بن فخار الموسوي الحائري.
4ـ الحسن بن محمد، من آل طحال البغدادي.
تلامذته:
وقد تتلمذ على يديه صفوة من العلماء منهم:
1ـ الشيخ الحسن بن علي بن داود الحلي.
2ـ الشيخ كمال الدين عبد الرزاق الشيباني المعروف بابن الفوطي.
3ـ علي بن أنجب، المعروف بابن الساعي البغدادي.
نال السيد عبد الكريم كما نال من قبله أبوه وعمه نقابة العلويين، بالرغم من وجود الأعيان من العلويين إلا أن النقابة أبت أن تسلم زمامها إلا إلى السيد عبد الكريم فكان لها (فقد كان في مستوى المسؤولية التي ألقيت على عاتقه والمتمثلة بمتابعة شؤون السادات من ذرية الرسول(ص) بحيث تكون المسؤوليات القضائية والمرافعات الجزائية للسادة ومتابعة المحتاجين والأيتام منهم من جملة وظائفه)(18).
مؤلفاته:
أخرج السيد عبد الكريم للنور نفائساً، احتلت في المكتبة الإسلامية مكاناً مرموقاً حيث كانت ولازالت محطاً لإعجاب الباحثين والدارسين وكان أهمها:
1ـ فرحة الغري بصرحة الغري، وفيه الآثار الدالة على قبر أمير المؤمنين(ع) ويعد أول كتاب وضع لإثبات قبر الإمام(ع) وقد تضمن قضايا تاريخية لا غنى للباحث عنها.
2ـ الشمل المنظوم في مصنفي العلوم، يعرف أيضاً بـ(رجال السيد عبد الكريم).
3ـ الحواشي على المجدي، كتاب في النسب.
وبهذه الكتب الثلاثة يمكن اعتبار السيد عبد الكريم مؤرخاً رجالياً نسابة.
أولاده:
خلف السيد عبد الكريم ولدين هما:
1ـ السيد أبو الفضل محمد، المولود سنة (670هـ) وقد سماه جده بهذا الأسم.
2ـ السيد رضي الدين أبو القاسم علي، وقد أطرى عليه ثلة من العلماء الأجلاء كل عبارات الإطراء تدل على ما حازه من مكانة علمية واجتماعية مرموقة.
وفاته وتاريخ مرقده:
توفي السيد عبد الكريم بن طاووس في يوم السبت السادس عشر من شوال سنة (693هـ) في مشهد موسى بن جعفر(ع) وكان عمره خمساً وأربعين سنة وشهرين وأياماً ونقل جثمانه الطاهر الى مشهد أمير المؤمنين علي(ع)، ودفن في النجف الأشرف عند أهله بجوار مرقده الشريف.
إذن لمن يكون هذا المرقد العامر في الجلة؟!
ربما كان المكان العامر هو بيت السيد الذي كان يقطنه وفيه درس ولا بأس باعتباره مقاماً تقصده الناس، وربما يكون مرقداً لولده أبو الفضل محمد أو أحد أحفاده ممن شابهه اسمه إذا ما بنينا على احتمال دفنه في النجف.
أما مرقده في الحلة فهو ملاذ للسائلين والمتوسلين، يقع في منطقة الشاوي ولا يبعد عن مرقد عمه السيد علي إلا مسافة قليلة، قال الشيخ حرز الدين: (… مرقده في الحلة قرب باب النجف، عليه قبة عتيقة متوسطة الحجم، وله حرم فيه صندوق رسم قبره…)(19)، وهذا الوصف كان سنة (1315هـ/ 1894م)، أما حفيد الشيخ حرز الدين فقد زار المرقد سنة (1387هـ/1968م).
ونقل لنا: (مرقده في محلة الجامعين الجديدة وقفت عليه وكان قبره في بستان حوله نخيل وعمارة الدور والمساكن الجديدة قد قربت من مدخل قبره، وخلف قبره وقتئذ قطعة أرض زراعية ازدحمت منها المساكن الجديدة، وعند زيارتي له كانت عليه قبة بيضاء عالية ولم نوفق للدخول الى مرقده حيث كان مغلوقاً…)(20).
أما مرقده اليوم فهو عبارة عن صحن واسع يضم معالمان بارزان، أحدهما الحرم والثاني المسجد.
أما المسجد فقد شيده أحد المحسنين وهو عبارة عن قاعة كبيرة يتقدمها المحراب وترتفع في إحدى جوانبها المئذنة، وقد زينت بالكاشي الكربلائي بحيث أصبحت جماليتها تدل على فن العمارة الإسلامية، وكان في نية هذا المحسن إزالة البناء القائم على الحرم وتشييد آخر يناسب السيد الطاووسي، ولم يتم ذلك بسبب وفاته، فعهد الى ورثته بإكمال مشروعه وبالفعل تم إزالة البناء وكان البناء جيداً وق شاهدته قبل ثلاث سنين تقريباً ولكن الذي حصل لم يكن متوقعاً إذ تخلى الورثة عن فكرة إقامة البناء الجديد مما حدى بجمع من المؤمنين أن يتكلفوا البناء وبالفعل فقد لاحظنا الحرم وأعمال البناء لازالت جارية فيه وهو عبارة عن قاعة كبيرة تبلغ مساحته (1000م2) تقريباً يتوسطه صندوق حديدي صغير (6م2) تقريباً وتعلوه قبة ذات ارتفاع يبلغ (15م) وقطره (6.5م)، مكسوة من الداخل من الداخل بالبورك ومن الخارج بعد لا يزال يظهر الطابوق وعن هذا الصندوق ذكر لنا السادن: (أنه كان يعلو ضريح مسلم بن عقيل(ع) ونقل للسيد ابن طاووس)، يحيط بالمرقد والمسجد سور حديد له أكثر من مدخل ولكن المدخل الرئيسي يواجه المرقد.
السيد رضي الدين علي بن طاووس:
جمال العارفين أبو القاسم رضي الدين علي بن موسى، ولد قبل ظهر يوم الخميس منتصف المحرم سنة (589هـ) في مدينة الحلة، ولا يسع المقام ذكر مقامه المعظم لأن سيرته(قده) تأتي على مجلدات فكان بين أخوته وآله كالقمر بين النجوم، غاص في كل بحر من بحور العلم فأخرج كنوزاً وارتقى في الخلق والزهد مراقي الكمال وحاز من المجد والسؤدد ما أهله لكي ينفرد تقريباً بلقب (ابن طاووس).
وقد ترجم(قده) شطراً من حياته في مقدمات كتبه، وعن بداياته قال: (أول ما نشأت بين جدي ورام ووالدي، وتعلمت الخط والعربية، وقرأت علم الشريعة المحمدية، وقرأت كتباً في أصول الدين واشتغلت بعلم الفقه، وقد سبقني جماعة الى التعليم بعدة سنين، فحفظت في نحو سنة ما كان عندهم وفضلت عليهم…)(21).
كما صادف وجود السيد في بغداد احتلال التتر لها فذكر ذلك قائلاً: (… تم احتلال بغداد من قبل التتر في يوم الاثنين الثامن عشر من محرم سنة 656هـ وبتنا ليلة هائلة من المخاوف الدينية فسلمنا الله من تلك الأهوال)(22).
لقد وقف السيد موقفاً حفظ به الدماء والحرمات فقد كان الغزو التتري الهمجي ناوياً تخريب البلاد وسفك دماء أهلها، جاء في الفخري: (ولما فتح هولاكو بغداد سنة 656هـ، أمر أن يستفتى العلماء، أيهما أفضل السلطان الكافر العادل أم السلطان المسلم الجائر، ثم جمع العلماء في المستنصرية لذلك، فلما وقفوا على الفتيا، أحجموا عن الجواب، وكان رضي الدين علي بن طاووس حاضراً هذا المجلس، وكان مقدماً محترماً، فلما رأى إحجامهم تناول الفتيا ووضع خطه فيها، بتفضيل العادل الكافر على المسلم الجائر، فوضع الناس خطوطهم بعده)(23).
أساتذته:
نذكر جملة من أساتذته وشيوخه:
1ـ الشيخ جمال الدين أبو العباس أحمد بن محمد العاملي العينائي.
2ـ الشيخ الحسين بن أحمد السورائي.
3ـ الحسين بن عبد الكريم الغروي الخازن.
4ـ سالم بن محفوظ بن عزيزة بن وشاح.
5ـ السيد شمس الدين فخار بن معد الموسوي الحائري.
6ـ قريش بن السبيع، أبو محمد العلوي الحسيني.
تلامذته:
عد الشيخ الأركاني تلامذته والراوون عنه فكان عددهم اثنان وعشرون نذكر منهم:
1ـ السيد أحمد بن محمد بن علي العلوي.
2ـ علاء الدين أشرف بن أحمد بن الحسن بن مودود الحسني.
3ـ العلامة الحلي جمال الدين الحسن بن يوسف.
4ـ نجم الدين أبو نصر محمد الموسوي، نقيب مشهد الكاظمين.
5ـ الشيخ سديد الدين يوسف بن علي والد العلامة.
مؤلفاته:
رجل بهذه المواصفات لابد أن يتميز بالعطاء المتدفق، بلغت مؤلفاته خمس وستون مؤلفاً، تنوعت أبوابها ومناهجها وإليك منها:
1ـ اليقين في اختصاص مولانا علي بإمرة المؤمنين.
2ـ مهج الدعوات ومنهج العنايات.
3ـ الملهوف على قتلى الطفوف، مقتل ابن طاووس.
4ـ كشف الحجة لثمرة المهجة.
5ـ فرج المهموم في معرفة نهج الحلال والحرام من النجوم.
6ـ الاقبال بصالح الأعمال.
ذريته:
للسيد علي بن طاووس أربعة من الأبناء وهم:
1ـ صفي الدين محمد بن علي (ت680هـ).
2ـ رضي الدين علي بن علي (ت704هـ) صاحب كتاب الزوائد والفوائد.
3ـ العلوية شرف الأشراف.
4ـ العلوية فاطمة.
وفاته وتاريخ مرقده:
توفي رحمه الله ببغداد بكرة يوم الاثنين الخامس من ذي القعدة سنة (664هـ)، وأما مدفنه الشريف ففيه أقوال كما في أخيه السيد أحمد وابن اخته السيد عبد الكريم والظاهر أن تشابه أسمال آل طاووس وألقابهم، وتقارب محل سكناهم في الحلة وبغداد وكربلاء والنجف ووجود مقبرتهم في النجف كانت أسباباً قوية في عدم دقة تحديد مراقدهم.
ينقل ابن الفوطي في كتابه الحوادث: (توفي السيد النقيب الطاهر رضي الدين علي بن طاووس وحمل الى مشهد جده علي بن أبي طالب(ع) وقيل كان عمره نحو ثلاث وسبعين سنة…)(24).
أما الشيخ يوسف البحراني فيقول أن قبره غير معروف الآن، وعلق السيد محمد صادق بحر العلوم على عبارة الشيخ التي ذكرناها قائلاً: (… في الحلة اليوم مزار معروف بمقربة من بناية سجن الحلة المركزي الحالي، يعرف عند أهالي الحلة بقبر رضي الدين السيد علي بن موسى بن جعفر بن طاووس فيزوره الناس ويتبركون به)(25).
وفي رأيي القاصر أرى إذا لم يكن هذا قبر السيد علي بن طاووس فهو قبر ابنه علي الذي أشبه والده بالاسم واللقب والكنية أو قبر ابن السيد عبد الكريم، الذي شابه السيد علي أيضاً بالاسم واللقب والكنية أيضاً.
يقول الأستاذ سعد الحداد: (أما عمارته فلم يعرف بالتحديد وقت بنائها ومن عمره وجدده فيما بعد، غير أن أيادي الخيرين والمحسنين من أبناء الحلة الفيحاء كانت دوماً تجود بما يؤدي إلى صيانة هذا المرقد الشريف وترميمه تقديراً وتبجيلاً لحرمته وقداسته، وآخر تجديد شامل وفق طراز معماري حديث كان بعد سقوط النظام المباد سنة (2003م)، حيث تم بناء مسجد كبير للصلاة منفصل عن المرقد الشريف فضلاً عن المرافق الخدمية الأخرى)(26).
يقع المرقد سابقاً في بستان كبير أما اليوم فقد امتدت العمارة حتى لم يبق لذلك البستان أثراً يطل المرقد على الشارع العام وتحيط به المحلات التجارية وتبدو أنها موقوفة، يتوسط الصحن ذي المساحة البالغة (1600م2) المرقد، ويتقدم المرقد ساحة مسقوفة يليها مدخل كبير، يفضي الى الضريح وهو عبارة عن حجرة مربعة الشكل وقد وضع فوقه شباك من الخشب الساج المزخرف وتعلو المرقد قبة كبيرة مفروشة بالكاشي الأزرق، مزخرفة تحيط بها أسماء الأئمة المعصومين(ع)، يقع الى يمين الضريح رواق خاص للنساء ويطل على الحرم الذي قسم إلى نصفين أحدهما للرجال والآخر للنساء، أما الرجاء فقد خصص لهم المسجد الجديد، ويطل المسجد على الحرم، كما يطل على الصحن من خلال بوابتين كبيرتين أحدهما مغلقة والأخرى مفتوحة وقد لاحظنا وجود حلقات علمية معقودة في المسجد.
أينما حل العلماء أحياءً وأمواتاً حلت البركة والرحمة لمقامهم الوجيه ومكانتهم السامية ورحم الله الشاعر حين قال:
ما الفخر إلا لأهل العلم أنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء
ففز بعلم تعش حياً به أبداً الناس أموات وأهل العلم أحياء
المصادر:
(1) ابن زهرة، غاية الاختصار، ص58.
(2) الأمين، أعيان الشيعة، 6/368.
(3) ابن عنبة، عمدة الطالب، ص190.
(4) الأركاني، أنس النفوس في تزاحم رجال آل طاووس، ص29.