الخميس , 28 مارس 2024

النجف في رحلات الشرقيين -1-

najaf5

رحلة ابن بطوطة

ثم رحلنا (من القادسية) فنزلنا مدينة مشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالنجف، وهي مدينة حسنة في أرض فسيحة صلبة ، من أحسن مدن العراق وأكثرها ناساً وأتقنها بناء. ولها أسواق حسنة نظيفة. دخلناها من باب الحضرة فاستقبلنا سوق البقالين والبطاخين والخبازين، ثم سوق الفاكهة، ثم سوق الخياطين والقيسارية، ثم سوق العطارين، ثم الحضرة حيث القبر الذي يزعمون أنه قبر علي عليه السلام(1).

وبإزائه المدارس والزوايا والخوانق معمورة أحسن عمارة، وحيطانها بالقاشاني، وهو شبه الزليج عندنا لكن لونه أشرق ونقشه أحسن.

ذكر الروضة والقبور التي بها

ويدخل من باب الحضرة الى مدرسة عظيمة يسكنها الطلبة والصوفية من الشيعة. ولكل وارد عليها ضيافة ثلاثة أيام من الخبز واللحم والتمر، مرتين في اليوم.

ومن تلك المدرسة يدخل باب القبة، وعلى بابها الحجاب والنقباء والطواشية. فعندما يصل الزائر يقوم إليه أحدهم أو جميعهم، وذلك على قدر الزائر فيقفون معه على العتبة ويستأذنون له، ويقولون: (عن أمركم يا أمير المؤمنين، هذا العبد الضعيف يستأذن على دخوله الروضة العلية، فإن أذنتم وإلا رجع، وإن لم يكن أهلاً لذلك فأنتم أهل المكارم والستر!). ثم يأمرونه بتقبيل العتبة، وهي من فضة، وكذلك العضادتان. ثم يدخل القبة، وهي مفروشة بأنواع البسط من الحرير وسواه، وبها قناديل الذهب والفضة منها الكبار والصغار. وفي وسط القبة مسطبة مربعة مكسوة بالخشب، عليه صفائح الذهب المنقوشة المحكمة العمل، مسمرة بمسامير الفضة. وقد غلبت على الخشب بحيث لا يظهر منه شيء، وارتفاعها دون القامة. وفوقها ثلاثة من القبور: يزعمون أن أحدها قبر آدم عليه الصلاة والسلام، والثاني قبر نوح عليه الصلاة والسلام، والثالث قبر علي رضي الله تعالى عنه، وبين القبور طسوت ذهب وفضة فيها ماء الورد والمسك وأنواع الطيب، يغمس الزائر يده في ذلك ويدهن به وجهه تبركاً.

وللقبة باب آخر عتبته أيضاً من الفضة، وعليه ستور من الحرير الملون، يفضي الى مسجد مفروش بالبسط الحسان، مستورة حيطانه وسقفه بستور الحرير، وله أربعة أبواب عتباتها فضة وعليها ستور الحرير. وأهل هذه المدينة كلهم رافضية.

وهذه الروضة ظهرت لها كرامات ثبت بها عندهم أن بها قبر علي رضي الله عنه.

فمنها أن ليلة السابع والعشرين من رجب – وتسمى عندهم ليلة المحيا – يؤتى الى تلك الروضة بكل مقعد من العراقين وخراسان وبلاد فارس والروم، فيجتمع منهم الثلاثون والأربعون ونحو ذلك، فإذا كان بعد العشاء الآخرة جعلوا فوق الضريح المقدس، والناس ينتظرون قيامهم، وهم ما بين مصل وذاكر وتال ومشاهد للروضة، فإذا مضى من الليل نصفه أو ثلثاه أو نحو ذلك قام الجميع أصحاء من غير سوء وهم يقولون: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله…

وهذا أمر مستفيض عندهم سمعته من الثقات، ولم أحضر تلك الليلة لكني رأيت بمدرسة الضياف ثلاثة من الرجال، أحدهم من أرض الروم والثاني من أصبهان، والثالث من خراسان، وهم مقعدون… فاستخبرتهم عن شأنهم فأخبروني بأنهم لم يدركوا ليلة المحيا، وأنهم منتظرون أوانها من عام آخر.

وهذه الليلة يجتمع لها الناس من البلاد، ويقيمون سوقاً عظيمة مدة عشرة أيام.

وليس بهذه المدينة مغرم ولا مكاس ولاى وال، وإنما يحكم عليهم نقيب الأشراف.

وأهلها تجار يسافرون في الأقطار. وهم أهل شجاعة وكرم، ولا يضام جارهم. صحبتهم في الأسفار فحمدت صحبتهم، ولكنهم غلوا في علي رضي الله عنه.

ومن الناس، في بلاد العراق وغيرها، من يصيبه المرض فينذر للروضة نذراً إذا برئ، ومنهم من يمرض رأسه فيصنع رأساً من ذهب أو فضة ويأتي به الروضة فيجعله النقيب في الخزانة، وكذلك اليد والرجل وغيرهما من الأعضاء.

وخزانة الروضة عظيمة، فيها من الأموال ما لا يضبط لكثرته.

ذكر نقيب الأشراف

ونقيب الأشراف مقدم من ملك العراق، ومكانه عنده مكين، ومنزلته رفيعة. وله ترتيب الأمراء الكبار في سفره، وله الأعلام والأطبال، وتضرب (الطبلخانة) عند بابه مساءً وصباحاً ، وإليه حكم هذه المدينة ولا والي بها سواه، ولا مغرم فيها للسلطان ولا لغيره.

وكان النقيب في عهد دخولي إليها نظام الدين حسين تاج الدين الآوي (نسبة الى بلدة أوة من عراق العجم أهلها رافضة). وكان قبله جماعة يلي كل واحد منهم بعد صاحبه، منهم جلال الدين بن الفقيه، ومنهم قوام الدين بن طاوس، ومنهم ناصر الدين مطهر ابن الشريف الصالح شمس الدين محمد الأوهري من عراق العجم، وهو الآن بأرض الهند، من ندماء ملكها. ومنهم أبو غرة سالم بن مهنا بن جماز بن شيحة الحسيني المدني.

(1) من المؤسف أن يتمسك هؤلاء الناس بتعصباتهم المذهبية في كل مناسبة، إن هذا القبر الذي يتحدث عنه ابن بطوطة هو قبر علي عليه السلام، وإن كره هو وأمثاله هذه الحقيقة الناصعة. ولابن بطوطة أشياء أخرى من هذا القبيل في رحلته هذه(الناشر)

المصدر : موسوعة النجف الأشرف ج4

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.