وقائع
سنة 1320هـ ـ 1902م..مجموعة وقائع.
وباء الطاعون:
في الخامس عشر من ربيع الأول من هذه السنة ظهر وباء الطاعون في النجف. وقد أرخ الشيخ أغا رضا الأصفهاني عام ارتفاع الطاعون الذي حل بالنجف في قصيدة أرسلها إلى الشيخ مرتضى كاشف الغطاء، قال فيها:
بلغوا عني الإمام المرتضى من به قدر العلوم ارتفـــعا
فرق المال على وفـــــــاده وبه شمل المعالي جـمعا
يالك البشرى فما نحـــــذره بأبي السبطين عنا دفعـــا
جاءه مستشفعاً شيعــــــته وهو في شيعته قد شفعا
مزنة العفو علينا هتفــــــت وغمام الغم عنا انقشــــعا
فأتى تاريخه (كل الــــــــوبا بأمير المؤمنين ارتفــــــعا)
نقل الماء إلى النجف:
وفيها جلبت الحكومة التركية أنابيب حديدية لنقل الماء من نهر الفرات في الكوفة إلى النجف بمسافة خمس أميال، وكانت الأنابيب من شركة جرمنية. وعند تكامل أكثرها في النجف وقعت الحرب العالمية العظمى فكانت الضربة القاضية على ذلك المشروع، وبقيت الأنابيب مطروحة على الجادة ما بين النجف والكوفة، وقد نسفت الرمال على جملة منها وسترها التراب. وبعد تطاول السنين اتفق انكشاف بعضها بسبب من الأسباب، وخرجت من تحت التراب والرمال.
حوادث الشمرت والزقرت:
وفي هذه السنة حدثت وقعة بين الشمرت والزقرت انتصر فيها الزقرت على الشمرت، وتعرف بوقعة أولاد عزيز بقر الشام، وأولاد عزيز هما صكبان ومحمد من رؤساء الشمرت وكانا من الشجعان المعروفين، وقتل في هذه الحادثة أبوهما عزيز، بعد أن قتل رجالاً مشهورين بالنجدة والشجاعة من الزقرت، وعند قتله خمدت الفتنة.
كان الزعيم عطية أبو كلل من رؤساء الزقرت، ويرأس الشمرت وقتئذ عزيز بقر الشام. وكان التزام حراسة محلة المشراق في النجف الأشرف بيد محمد وصكبان أولاد عزيز بقر الشام، فوقع النزاع على الحراسة بينهم وبين أقاربهم من الشمرت، وزاحمهم عليها السيد سلمان الشمرتي، فأحالت الحكومة العثمانية الحراسة إليه، فثقل ذلك عليهم وأجمعوا على الإيقاع به حيث يرون أن ذلك تحدياً لمكانتهم المرموقة في النجف.
وفي ليلة أخذت أصوات البنادق تلعلع في سماء النجف، وتبين أن محمد وصكبان أولاد عزيز وأصحابهم ـ من الشمرت الساكنين خارج النجف وعددهم نيف وعشرون مسلحاً ـ قدموا النجف وهم مدججون بالسلام يريدون قتل خصمهم السيد سلمان، فاعترضهم الحراس وأصلوهم نار بنادقهم، وقابلوهم المثل وتكاثروا عليهم رجال الشمرت الأقوياء قصدوا هجومهم وأزاحوهم حتى أدخلوهم إلى محلة العمارة قرب الثلمة التي فيها دار الزعيم عطية أبو كلل. أصيب صكبان بطلقة وقع جرائها جريحاً، وهرب الباقون إلى خارج المدينة. غير أن محمد رجع يتفقد أخاه الجريح، وتبادل إطلاق النار معهم ووقع محمد جريحاً أيضاً. ووصل نبأ أمرهما إلى الزعيم عطية، فأمر بإيداع الجريحين عند مختار محلة العمارة دخيل العكايشي حتى تعرف النتيجة بعد.
وطلب أحد زعماء النجف إلى الزعيم عطية أن يجهز على الجريحين ليطمئن إلى وفاتهما. وكان الوسيط في ذلك رجل يدعى حمزة أبو السود، فرفض الطلب الدنيء، بالرغم من أن الجريحين كانا من خصماء الزعيم عطية.
وعمد الزعيم المؤمى إليه فأخبر الحكومة بأن الزعيم عطية عازم على إنهاء أمر الجريحين، أو أنه فعل، فألجأ بأخباره الكاذبة الحكومة أن تجلب قوة من بغداد. فأتى مزهر باشا بجيش كثيف إلى النجف، وأول عمل قام به أن أخذ يجرد سلاح كل من يراه مسلحاً ليطفأ النائرة المستعرة، وطلبت الحكومة من الزعيم أبوكلل أن يدفع إليهم ابني عزيز، ومن الصعب عليه أن يمتنع عن أمر يلحف في طلبه الحكومة والشمرت وقسم من الزقرت، فأمكن القوة أن تتسلم الجريحين، فقادهم مهدي أغا إلى سراي الحكومة. وفي طريقهم تحت ساباط الدرويش أمر ضابط عثماني أحد جنوده فطعن الجريحين عدة طعنات مما أدى إلى موتهما. ولما فجع عزيز بابنيه ثار طالباً بدمهما من الزعيم عطية أبو كلل وليس لديه دليل على أن دمهما عنده، والذي خلق الشبهة في ذهن عزيز بأن قاتلهما أبو كلل هو افتراء الزعيم المشار إليه لدى الحكومة.
فعزم عزيز أن يشن حرباً جماعية على الزقرت، فأخذ يشاور الشمرت ويحضر من كان خارج النجف، فاهتمت الحكومة لذلك، وقامت بجمع السلاح، غير أن الشمرت امتنعوا من تسليم سلاحهم وطلبت الحكومة من الزقرت أن يقفوا إلى جنب الحكومة، وكان قصدها إلقاء القبض على عزيز فاندلعت نار الحرب بين الحكومة والشمرت في داخل مدينة النجف ولم يمض عليها بضع ساعات حتى قتل زعيم الشمرت عزيز بقر الشام وانهزمت الشمرت، وبقوا مشردين خارج النجف مدة.
تاريخ النجف الأشرف- ج 3/محمد حرز الدين