شاه إيران يزور النجف
سنة 1278هـ ـ 1870م…
في شهر رمضان من هذه السنة زار النجف الأشرف السلطان ناصر الدين شاه القاجاري، وأنعم على المجاورين والعلماء وخدم الروضة المطهّرة، وقدّم لأعتاب الحضرة فص ماس مكتوباً عليه سورة الملك بحضور متولي الحضرة الشريفة، وخرج من النجف عائداً إلى كربلاء.
وكان السلطان ناصر الدين شاه قد ورد بغداد في يوم الاثنين الثامن والعشرين من شعبان1287هـ -1870م في أيام الوالي مدحت باشا، ويومئذ كان السلطان العثماني عبد العزيز خان. وقد دامت سياحة الشاه في العراق نحو ثلاثة أشهر زار خلالها العتبات المقدّسة في النجف وكربلاء وسامراء، وكان في خدمة الشاه جماعة كبيرة ذكوراً وإناثاً ومعهم أكثر من 15 ألف دابة.
قال شيخنا محمد حرز الدين: في يوم الخميس الرابع عشر من شهر رمضان سنة 1287هـ ـ 1870م دخل السلطان ناصر الدين شاه القاجاري النجف الأشرف للزيارة بموكب عظيم من عساكره وخواصه وأمرائه وخاصة عياله، وجاء معه من بغداد الوالي مدحت باشا ومعه جيش كثير. ومجموع الجيش الذي جاء معه هو ثمانون ألف جندي، وقد رأيته شخصياً حيث كنت مع المستقبلين. وكان دخوله النجف من غربية من الباب المعروف بالباب الصغير بالقرب من دارنا في محلة العمارة، وقد نزل الشاه من العربة التي يجرها الخيول الجياد قبل أن يصل إلى سور المدينة بقرابة نصف ميل احتراماً لأمير المؤمنين عليه السلام ومجاوريه من العلماء الأعلام.
وقف الجيش العثماني سماطين من موضع نزوله حتى دخوله الحرم العلوي المطهّر. هذا وخرج أهالي النجف لاستقباله، وكانت النساء على الدور وأفواه الأزقة من وراء العسكر التركي وعلى الجبل المشرف على الموكب تزغرد بأصواتها المتّصلة فرحاً بقدوم السلطان، ورجاءً، لفكّ وثاقهم من الخدمة العسكرية الإجبارية الطويلة الأمد.
وقامت حكومة آل عثمان بخدمات جليلة للشاه، منها:
فتح باب جديد للصحن الغروي باسمه وذلك غاية ما يتصور من الاحترام
والتبجيل ,وهو الباب الغربي المعروف بالباب السلطاني، وأخرى بباب الفَرَج.
ومنها بناء القنطرة القديمة التي على نهر الفرات القديم ,وهو كري سعدة (الخندق) ,قرب مسجد السهلة، تعرف بالقنطرة (علوة الفحل) في عصر إمارة خزاعة في هذه الناحية من العراق، فجددت كما هي لعبور موكب الشاه عليها.
ولما استقر السلطان في النجف الأشرف زار العلماء الأعلام في دورهم، وعظمهم وبجلهم وأعطاهم ما طلبوا من المهام. وسأله فقيه العراق العلامة الشيخ راضي بن الشيخ محمد آل الشيخ خضر رفع القرعة العسكرية عن النجف أو عن العتبات المقدسة بلسانه العربي، فسأل الشاه وزيره حسين خان عما يريده الشيخ، فقال له بالفارسية ما مضمونه بالعربية: (الذي قلت لك)، أي يتوقع المال، فأنعم الشاه، وبعد مدة فهم الشاه ـ بطريق من الطرق المؤدية إليه ـ ما أراد الشيخ راضي في كلامه، فاعتذر بأن الوزير لم يعلمه في نفس الوقت. وقد سلّط الله تعالى على هذا الوزير بعد مدة وجيزة ما سلب منه دنياه حيث كان السلطان حسن النيّة قليل العصبية، وبقي أهل النجف في أغلال قيود الخدمة العسكرية.
ضرب أخبية في وادي السلام في الشمال الغربي لمدينة النجف على هيئات مختلفة، وفسطاط السلطان في وسطها وحوله الجند الخاص طائفين بمخيّمه، وكان بقية العسكر قريباً من سور النجف. ثم ارتحل السطان إلى مكان أبعد منه إلى الشمال احتراماً لقبور المسلمين بسبب كثرة تردد الجنود ودوابهم في وادي السلام.
وسمعت من بعض أصحابنا أن السلطان خرج للنزهة وللصيد عند ساحل بحر النجف ويومئذ كان البحر فيه الماء الكثير.
وكلما جاء السلطان إلى زيارة المرقد الشريف تقف الناس المتفرج، وقد رأيته مراراً يسلم على المتفرجين.
وسمعت أن السلطان ناصر الدين لما أراد الدخول إلى الحرم المطهر أول مرة وقف ببابه وارتجل ببيتين من الشعر الفارسي قائلاً:
بر دركه تواى شه معبود صفـــات اسكندر ومن وصف نمويدم أوقـات
بر همّت من كه بصد همّت اوست من خاك درت جستم واو آب حيات
وقد طلب السلطان ناصر الدين شاه القاجاري بفتح الخزانة الحيدرية فاستأذن الوالي مدحت باشا من الذات السلطانية فإذن له، وأرسل للحضور والإشراف ناظر الأوقاف العام أحمد كمال فوصل بغداد بأسرع وقت, ثم انضم هو ومدحت باشا والجنود والأمراء إلى موكب الهمايوني الناصري وتوجهوا إلى النجف من طريق الحلة، فوردها في الثالث عشر من رمضان، وبعد ثلاثة أيام فتحوا له الخزانة العظمى وقد مرّ عليها سبع وأربعون سنة لم تفتح، فحضر فتحها رجال الدولة مع الشاه المزبور ووزيره مشير الدولة ومدحت باشا وأحمد كمال، ومن العلماء العلامة الشهير السيد علي آل بحر العلوم صاحب (البرهان القاطع) ومراجع التقليد في ذلك اليوم الشيخ مهدي حفيد الشيخ الأكبر كاشف الغطاء، وسبطه الشيخ راضي، ولما أخرجوا الصناديق وجدوها مشدودة بأسلاك وشرائط ومختومة بخاتم الشيخ موسى كاشف الغطاء، فقبله الشاه وأمر بالاحتفاظ به كأثر تاريخي وقطعوا الأسلاك مما دونه. وكان الحاضرون من الخدمة السادن الجليل جواد الكليدار، ونائبه السيد محسن الرفيعي، ورئيس الخدمة الحاج جواد شعبان، والسيد جعفر الخرسان. وبعد استقصاء النظر فيها أعادوهم كما كانت.
وانصرف الشاه خارجاً من النجف في اليوم التاسع عشر من شهر رمضان، وورد كربلاء في اليوم العشرين منه. وأرّخ الشعراء زيارته إلى العتبات المقدسة، منهم الميرزا محمد الهمداني صاحب (فصوص اليواقيت في التواريخ المنظومة) قائلاً:
ملك الفرس ناصر الدين لمـــــــــــــــا قد سعى محرماً إلى العتبـــات
برجال أعزةٍ وجنـــــــــــــــــــــــــــود خافقات الأعلام والرايــــــــــات
ونساء ما أبرزت قطّ يومـــــــــــــــــــاً من خدور وخرَّد خفـــــــــــــرات
ليزوروا الأطهار من أهل بيــــــــت الـ ـمصطفى بالعراق والطــاهرات
ويجوزوا سعادة الدين والدنيـــــــــــــا وينالوا شرائف الدرجــــــــــــات
مخلص الحب في الولاء ملـــــــــــيك مثله ما أتى ولا هـــــــــــــو آت
شكر الله سعيه حـــــــــــــــين وافى مستجيراً من طارق الحادثــــات
وأتاه النداء أهلاً فـــــــــــــــــــــــأرخ بمليك سعى إلى العتـــــــــبات
تاريخ النجف الأشرف- ج 2/محمد حرز الدين
2013-03-02