التجنيد في النجف
سنة 1274هـ ـ 1857م…… التجنيد في النجف
في الخامس من شهر رجب من هذه السنة ولي الوزارة السردار عمر باشا بعد وفاة رشيد باشا الكوزلكلي وعيّن والياً على العراق. وفي ثالث يوم من وروده هدم القلاع في أنحاء الديوانية والهندية دفعة واحدة، وطلب من جميع الجهات الجندية في المدن والعشائر وسارع في الأخذ، فظهرت ثورات وقلاقل من جرّاء ذلك في العشائر العراقية والمواطن المختلفة، فزادت الاضطرابات في كل موطن، وأدّت الحالة إلى وقوف الأعمال، ولكنّ عزم الوزير لم يصبه فتور، وصار يبعث بالجيوش متوالياً لإسكان الفتن.
وفي شهر شوال من هذه السنة أمر بأخذ الجندية من النجف وكربلاء بعد أن حبس الأهلين ونهب الدور وأخذ السلاح وسبى الأولاد والذرية، ولم يطرأ خللٌ على همته، وتولّى قيادة الجيش بنفسه لعشائر الشامية والهندية. ولم يسترح العراق وأهله إلّا بعد عزل الوالي عمر باشا في ربيع الثاني من سنة 1276هـ ـ 1859، فكان يوم عزله عيداً من أكبر الأعياد عند العراقيين وخاصّة الفراتيين.
وفي أيام التجنيد الإجباري نظم شاعر أهل البيت السيد حيدر سليمان الحلي النجفي المتوفي سنة 1304هـ قصيدة يندب بها الإمام المنتظر عجل الله فرجه، قال:
يا غمرة من لنا بمعبــــــــرها موارد الموت دون مصدرهــــــــــــــــا
يطفح موج البلا الخطير بــها فيغرق العقل في تصوّرهــــــــــــــــــا
وشدة عندها انتهت عظــــــماً شدائد الدهر مع تكثّرهــــــــــــــــــا
ضاقت ولم يأتها مفرجـــــــها فجاشت النفس من تحـــــــــــــيّرها
الآن رجس الضلالة استغرق الأرض فضجّت إلى مطــــــــــــهّرها
وملّة الله غيّرت فــــــــــغدت تصرخ لله من مغيّــــــــــــــــــــــرها
من مخبري والنفوس عاتبـــة ماذا يؤدّي لسان مخبرهــــــــــــــــا
لم صاحب الأمر عن رعيّتــه أغضى فغضت بجور أكفرهــــــــــــــــا
ما عذره نصب عينه أخــــــــــــذت شيعته وهو بين أظهرهـــــــــــا
يا غيرة الله لا قـــــــــــــرار عـــلى ركوب فحشائها ومنكرهــــــــــــا
سيفك والضرب إن شيعـــــــــــــتكم قد بلغ السيف حزّ منحرهــــــا
مات الهدى سيّدي فقم وأمِــــــــــــتْ شمس ضحاها بليل عيثرهــــــا
واترك منايا العدى بأنفســــــــــــــهم تكثر في الروع من تعثّرهـــــــــا
لم يشف من هذه الصدور ســــــــوى كسرك صدر القنا بموغرهـــــــــا
وهذه الصحف محو سيفك لـــــــــلأ عمار منهم أمحى لأسطرهـــــــــا
فالنطف اليوم تشتكي وهي فـــي الأ رحام منها إلى مصوّرهــــــــــــا
فالله يا ابن النبي في فـــــــــــــــــئة ما ذخرت غيركم لمحشرهـــــا
ماذا لأعدائها تــــــــــــــــــقول إذا لم تنجها اليوم من مدمّرهــــــــــــا
أشقة البعد دونك اعترضـــــــــــت أم حجبت منك عين مبصرهـــــــــا
فهاك قلب قلوبنا تـــــــــــــــــرها تفطرت فيك من تنضرهــــــــــــــــا
كم سهرت أعين وليس ســـــــوى انتظارها غوثكم بمسهرهــــــــــــا
أين الحفيظ العليم للفئــــــــــــــــة المضاعفة الحق عند أفــــــخرها
تغضي وأنت الأب الرحيم لــــــها ما هكذا الظن في ابن أطـــــــهرها
إن لم تغثها لجرم أكبرهــــــــــــا فارحم لها ضعف جرم أصغـــــــرها
كيف رقاب من الجحيم بكــــــــم حرّرها الله في تبصّرهـــــــــــــــــا
ترضى بأن تسترقّها عصــــــــبٌ لم تله عن نأيها ومزهرهـــــــــــــــا
إن ترضى يا صاحب الزمان بها ودام للقوم فعل منكرهــــــــــــــــــــا
ماتت شعائر الإيمان واندفــــنت ما بين خمر العدى وميسرهــــــــا
أبعد بها خطة تزاد لـــــــــــــها لا قرّب الله دار مؤثرهـــــــــــــــــا
الموت خير من الحياة بـــــــــها لو تملك النفس من تخيّرهــــــــــا
ما غرّ أعدائنا بربّــــــــــــــــهم وهو مليء بقصم أظهرهـــــــــــــا
مهلاً فلله من بريّتـــــــــــــــــه عوائد جل قدر أيسرهـــــــــــــــــا
فدعوة الناس إن تكن حجبــــت لأنها ساء فعل أكثرهـــــــــــــــــا
فرب جرى حشى لواحدهــــــا شكت إلى الله في تصوّرهــــــــــا
توشك أنفاسها وقد صــــــعدت أن تحرق القوم في تسعّرهـــــــــا
(تاريخ النجف الأشرف- ج 2/محمد حرز الدين )
2013-03-04