الخميس , 28 مارس 2024
الرئيسية » شخصيات نجفية » شعراء » عباس بن أسد الله بن مولى على الخليلي الطهراني

عباس بن أسد الله بن مولى على الخليلي الطهراني

المعروف بـ(عباس الخليلي)

سيرة الشاعر:

ولد في مدينة النجف الأشرف سنة (1314هـ – 1869م)، وتوفي في طهران عام (1392هـ – 1972م).

عاش في العراق وإيران.

تولى أبوه تعليمه فلقنه الشعر وحفَّظه أجود المختارات وهو لا يزال صبيًا، فنظم الشعر وهو في الخامسة عشرة من عمره، ثم التحق بالمدارس الدينية المجانية في النجف، فدرس علوم العربية والعلوم الدينية.

شغل منصب سكرتارية جمعية سرية باسم «النهضة الإسلامية» لمقاومة الاستعمار البريطاني إبان الحرب العالمية الأولى، وعقب ثورة النجف وقتل الحاكم البريطاني، حُكم عليه بالإعدام غيابيًا، وتمكن من الهرب إلى إيران بعد مشقات شديدة، كان يسمى «فتى الإسلام».

يجيد الفارسية والإنجليزية ويلم بالألمانية، كما كان وسيطا نشطًا في مجال التأليف والترجمة بين الفارسية والعربية.

كانت حياته في إيران حافلة بالعمل الثقافي والوطني حيث لم ينقطع عن الشعر والكتابة في الصحافة العربية، و عمل سفيرًا لإيران في الحبشة واليمن، وفي وزارتي العدل والداخلية، وأسس جريدة «إقدام» التي ظلت تصدر أربعين عامًا.

في أعوامه الأخيرة فقد كافة ممتلكاته وأمواله بسبب خدعة من صديق، وأدى هذا إلى اضطراب في علاقاته الأسرية، ومن ثم في نفسيته، فغادر بيته وعاش وحيدًا يعاني الاغتراب.

كان أديبًا شاعرًا جريئًا حمل لواء التمرد والمعارضة في وطنه (العراق) ومهجره (إيران) الذي تعرض فيه للاغتيال.

كما ربطته صلات ودّ ومحبة بمصر وأدبائها وكتابها.

الإنتاج الشعري:

(الطهرانية) التي تصدر بالعربية، وترجم الشاهنامة (للفردوسي) إلى العربية نظمًا في سبعة عشر ألف بيت، كما ترجم جانبًا من أشعار سعدي الشيرازي (بوستان وگلستان) وجلال الدين الرومي (مثنوي)، الشاهنامة 1.

الأعمال الأخرى:

ألف رواية باللغة الفارسية بعنوان: «روز گارسياه»، صور فيها معاناة الرقيق الأبيض، وله رواية أخرى بعنوان «دير شمعان»، وترجم إلى الفارسية كتابي أحمد أمين فجر الإسلام وضحى الإسلام – كما ترجم قسمًا من الكامل في التاريخ، لابن الأثير، وكتب فصولاً من مذكراته، نشرها في مجلة (تهران مصور) ورحل عن الدنيا قبل إنجازها.

شهدت حياة المترجم له تقلبات ظهر صداها في شعره، فكتب القصيدة القومية، والوطنية، والإخوانية، وانعكست ملامح تجديد في صوره وقوافيه، كما ظهرت ثقافته التراثية واضحة، وفي قصيدته الأخيرة، الشاكية، تتجلى قدرة التأمل وقوة السبك في العبارة.

له قصائد في بعض مصادر الدراسة، و نشرت قصائده في مجلة أبولو (المصرية) والمقتطف، كما نشر في العرفان (اللبنانية)، ومجلة الإخاء.

نموذج من شعره:

الرائد

النسر الهاوي

المجد يشهد

من قصيدة: الرائد

أبثكِ ما بي من جوًى يفلق الصمَّا *** يجيش إذا ما رائد الأمل احتمَّا

وأخشى على نفسٍ بجنبك حرّةٍ *** إذا بحْتُ أن لا تحمل البثَّ والهمَّا

جوًى طالما أخفيتُه عنك فالتوى *** على القلب صِلاً أرقمًا ينفث السُّمَّا

رعى الله قلبًا قلَّبَتْه يدُ الهوى *** على الجمر إن ساد الظلام رعى النجما

تحيَّر بين الحب والمجد تائهًا *** فمن جاذبٍ عفوًا ومن دافعٍ رغما

فكم ليلةٍ وَسَّدَتْكَ الزندَ والض *** ينمُّ على وجدي كَريَّاك إذ نمَّا

ضجيعين نُمسي والهوى يستفزُّنا *** فنُخمده رشفًا ونُوقده لثما

فيُورثنا حرَّ الضمير فننثني *** عناقًا فنُطفي حرَّ أنفاسنا ضَمَّا

أبيت على هَمٍّ لوَ انَّ يسيره *** «برضوَى» لأهوى أو «بيذبلَ» لانهَمَّا

ومن كان ذا أنْفٍ أشمَّ فقد ضوى *** إليه من التبريح ما أثقل الشُّمَّا

أتدرين لِمْ لَم ْيألف النوم مقلتي *** ولِمْ لم تفارق مهجتي الهمَّ والسقما؟

لعلك ترضين العلا ليَ إن أبُحْ *** بسرِّيَ أو لا تنكرين بي الحزما؟

تهون عليَّ النفسُ عندك مثلما *** تهونين عندي عندما أنصر العِلْما

هو العزم ما بين المنيّة والمنى *** فسيَّان أودى المرء أو فَقَد العزما

أريد ارتياد القطب والحتفُ دونه *** فإما العلا فوزًا وإما الردى إمَّا

فقالت: أمسٌّ فيكَ أم أنت أبلهٌ؟ *** أعيذك، أم هل أعمَهٌ أنت أم أعمى؟

تركتَ يقينًا في وجودٍ مخلّد *** ورحت تعاني في يد العَدَم الوهما

فكم رائدٍ في البحر صاحَبَ حوته؟ *** وكم بَهْمةٍ في البرّ قد آنس البَهما؟

فما الرأيُ إن تفشلْ؟ وما النفع إن تفز *** وما شأن من يمسي الإيابُ له غُنما؟

فقلت لها: قد قال قولك معشرٌ *** ولكنَّ لي عن قولهم أُذنًا صمَّا

ونادٍ لنا إذ فيه أطلقتُ مِقولي *** وحاولت إقناع النفوس به حتما

ألحَّ عليّ القومُ ما بين عُذَّلٍ *** وبين جهولٍ قام يوسعني شتما

فمن قائلٍ: قد جُنّ هذا وزاعمٍ *** بأنيَ هدَّارٌ أصابتنيَ الحمّى

وقالوا: تطلّبتَ المحال ضلالةً *** وسمَّيتَ ويكَ الجهلَ: علمًا لنا ظلما

لأنك حاولت العروج إلى السما *** وأمسيت في قوس البروج إذًا سهما

لأسهلَ من أن تطويَ البرَّ خابطًا *** وأقرب من أن يعبر الرائد اليمَّا

وقلعُ مسامير النجوم من الفضا *** لأيسرُ من أن يبلغ القطب مَنْ أمّا

فقلت: إذا هاج الفتى العزم حلّقت *** عزائمه في الجوّ بالهمّة الشمّا

يحاورني الجُهّال في كل محفلٍ *** وترمقني الأبصار تفحص بي الوصما

فيُعجزني تبيان قصدي وإنّما *** عسيرٌ على الإنسان أن يُفهم العُجْما

فأزمعت بعد اللوم لا مترقّبًا *** وأَمَّلتُ حمدَ الرأي لا خائفًا ذمّا

وأهملت طيب العيش وهو محبَّبٌ *** وفضّلت حملَ النائبات على النعما

وفارقت أصحابي وأهلي وجيرتي *** وقوميَ حتى الصنو والخال والعمّا

فإنْ أنسَ لا أنسى العجوز إذا انحنَتْ *** تقبِّلني باللهف والأمرُ قد حُمَّا

تقول: ألا يا ليت نفسي لك الفدا *** وقَلّ الفدا لابنٍ أبِيت له أُمّا

ألا في سبيل العلم سرْ حيث ما تَشا *** وفي ذمة الرحمن ظعنُك إنْ زَمّا

وودّعتُ عِرسي وهي لي غاية المنى *** ونبَّذت أُنسي واستعضتُ به الغَمّا

ولما تعانقنا وحال فراقنا *** لممنا كلانا الشوقَ تحت النوى لمّا

فقبَّلتُ منها العين والخدَّ والفما *** وصيّرت زادي الضمّ واللّثم والشمَّا

فأشبه دُرُّ الدمع لؤلؤَ ثغرها *** فمن لامعٍ نثرًا ومن ناصعٍ نظما

فواللهِ لا أدري أَقبَّلتُ مَدمعًا *** إذا اختلط التبريحُ أم مبسمًا ألمى؟

ولي طفلةٌ كالبان قدّاً إذا انثنى *** وكالبدر في وجهٍ أغرَّ إذا تمَّا

بكت فبكى من كان حولي بأدمعٍ *** حِرارٍ تُذيب الشحم أو تفطر العظما

وقالت: رعاك الله ليتك ترعوي *** فتصرفَ عني يومَ ترحالك اليُتما

فخلّفتُها حسرى بعينٍ قريحةٍ *** وودّعتها والدمعُ يستمطر الرَّحْما

وحلّقت في الجو المريع مُخلّفًا *** لدى الأهل روحًا ثاويًا فارق الجِسما

وسخّرت بالعزم الفضاء وقد هوى *** من الهول نسرُ الجو إذ حاول الصدما

كأن لفيف السحب أوراق كاتبٍ *** يخطّ يراعُ البرق فيها لنا رسما

كأن الكراسي تحتنا أُكَرٌ بها *** تلاعبتِ الأرياح تقذفها لطما

بطيّارةٍ قد غالب النسرَ شأوها *** فكاد السحاب الجون يحْطمها حطْما

فباتت بعصف الريح ريشةَ طائرٍ *** وكان لفيف الغيم يهوي بها رغما

فمادت وحاولنا النزول إلى الثرى *** ولكنْ خشينا البحرَ يلقمنا لَقْما

فَمِلنا إلى ما لم يطأه ابن آدمٍ *** وصرنا لمن يرتاد من بعدنا أدْما

نزلنا على الأرض الجديد بهمّةٍ *** بلغنا السَّما بل قد بلغنا بِها الأسمى

فشاهدتُ ما لم تشهدِ العين مثلَه *** وحُمِّلت ما لم يحملِ المرء لو همَّا

ومرّت علينا أربَعٌ لم نذق بها *** طعامًا، ولم نعرف لغير الطوى طعما

سَلِ الجوع عنّا فهو يُنبيك أننا *** صبرنا كرامًا أو إذا شئت سل عمّا

فأردى الطوى طيّارَنا وهو خير مَن *** يعزّ علينا إذ شكا القَرّ والقرما

وصِدنا بُعيد الجوع دُبًا وقد غدا *** ألذَّ طعامٍ لم نذق مثلَه لحما

وكنا نروم الأكل من قبل شَيِّه *** وكِدنا نكدّ العظم نلهمه لَهْما

وخلِّ حديث البرد عنك فإنه *** تهاونَ لما شام من عزمنا الحِدْ ما

فلم يثننا هذا وذاك عن العلا *** ولم يسلبِ الجهل الذي غالب الحتما

مشينا على الأقدام لكنْ رؤوسنا *** تَنازعُ منا الأرجلُ الزحف واللدما

وأكبادنا كادت ترى لا عيوننا *** سُويعةَ لم نبصر طريقًا ولا رسما

قصيدة: النسر الهاوي

فِدًى لكِ نفسُ الحر إن لحْتِ يا مصْرُ *** وقلَّ الفدى بالنفس لو أنصف الحرُّ

قصدْتُكِ مثلَ النسر حلّق طائرًا *** فلما بدا منك السنى وَقَع النسر

فوكْري على هام الثريّا بفارسٍ *** عدلتُ ثرى مِصرٍ به فهو لي وكر

لأرضيَ في الدنيا سماء وما السما *** سوى روضةٍ غنَّاءَ أثوابها خُضر

فنِيلُكِ زاهٍ كالمجرّة، والرّبا *** بروجك، والنوَّار أنجمك الزُّهْر

نذرتُ إذا قرّت بك العينُ أن تَرَيْ *** غبارك كحلاً حينما يصدق النذر

فإن نحرتْ إنسانَها العينُ للفدا *** بخلتُ لكيلا يسبق النظرَ النحر

وإن متُّ قربانًا وضمَّخني الثرى *** رجوت حياةً من ثرى نشره النشر

رعى الله حيًا مَيْتُه مثل حيّه *** تَساوَى به عند العلا القبر والقصر

تمرّ على الميْت القرونُ ولم يزل *** صحيحًا ولم يهدم على الهرم القبر

كأن ثرى مصرٍ يزوِّد أهلها *** بقاءً فلا يفنون إنْ ذهب العمر

فلا الجسمُ يبلى لا ولا الروح ينزوي *** ولا الفضل يفنى لا ولا يخمد الفكر

كفاها فخارًا أنَّ أموات أهلها *** كأحياء أهل الأرض فينا وهم كُثْر

وأن الغنى فيها هو الفضل والنهى *** وفي غيرها في الفضل أو في الحجى فقر

فما نيلها إلا لجينٌ جرى على *** عقيقٍ من الواحات أو تُربها التِّبْر

وما الغيثُ إلا لؤلؤٌ وبساطها *** حريرٌ بديع النسج طرّزه الدرّ

ترحَّلت عن قومي بآماليَ التي *** بها انتشتِ الدنيا وضنَّ بها الدهر

وجئت إلى مصرٍ، ومصرُ هي المنى *** بها انتعش المصدور وانشرح الصدر

وما مصرُ إلا جنّةُ الخلد يلتقي *** بها العسل الماذيّ – في النيل – والخمر

أقول سقاها الغيث لا بل سقى بها *** بلادًا لها من فيض عرفانها وفر

أفاضت على البلدان علمًا وحكمةً *** فكم من يدٍ للفضل ليس لها نُكْر

من قصيدة: المجد يشهد

المجد يشهد يا قحطانُ والكرمُ *** أن العلا إرثنا إن تجحد الأممُ

فالأرض لوحٌ به خُطَّتْ مآثرنا *** يراعنا السيف فيها والمداد دم

تصدّعتْ وشكت آلامها ولقد *** شفَّتْ أذى رأسها في سعينا القدم

لولا بنو يعربٍ مدّوا ظلالهمُ *** على الأنام ولو لم يخفقِ العلم

لباتت الأرض كالمصدور نفثتُها *** على الورى شُعَلٌ في إرثها حُمم

لكنما قد فصدناها ومبضعنا *** صمصامةٌ فاشتفى منها بنا الألم

بنا أنوف الجبال الشمّ قد جُدعتْ *** بكل أشوسَ في عِرنينه شمم

فمن سفينٍ به انشقَّ العباب لنا *** ومن سَبوحٍ له ذلّت بنا القمم

والفلك في البحر كالأطواد ماخرةٌ *** والجُرد في البرّ كالأمواج تلتطم

والنقع ليلٌ كسا الزرقا بأسوده *** والبِيض شهبٌ جلَتْها في الضحى الظُّلم

سُقنا الجيوشَ كمرّ السحب مثْقلةً *** بوابلٍ من نجيعٍ دونه الدِّيم

فرعدها صوت أبطالٍ وزمجرةٌ *** والبرق فيها ثغور الشُّوس تبتسم

بها القنا مثل غاب الليث مشتبكٌ *** بها الظُّبى مثل نار العزم تضطرم

بها الحماس كغيظ الحرّ مشتعلٌ *** بها النفوس كهطل الوَبْل تنسجم

كنا خفافًا بأرواحٍ نطير إلى *** جوّ الوغى مرحًا إن تثقلِ الهمم

عفْنا الثرى ومشينا في مناكبها *** سهلاً وما غيرُ أشلاء العدى أُكَم

ثرنا أسودًا فألفينا الملوكَ بها *** مثلَ الذئاب جياعًا والورى غنم

بتنا الرعاة لها في عفةٍ وتقى *** لذاك تنفك ترعى عندنا الذمم

عفْنا الدما قبل ما نُروى ولا ظمأٌ *** وقد لزمنا الطوى عفوًا ولا نَهم

كنا إذا ما انتضينا السيفَ يومَ وغًى *** تهوي الأسرّةُ والتيجان تنحطم

وإن هززنا به الخطّيُّ من غضبٍ *** فكل حصنٍ عصيٍّ منه ينهدم

فلا تثيروا أُهيلَ الغرب غضبتَنا *** ألا احذروا بأس قومٍ طالما حلموا

نحن الأُلى قد بسَطْنا العدل مذ ملكت *** أيماننا لا كمن مذ مُلِّكوا ظلموا

فنحن أولى بما يدعونه عبثًا *** تمدّنًا ولنا قد نصّه القِدم

ونحن دون الورى الأعلون ليس نرى *** إلا العلا درجًا والسافلون هُم

فإن غضبنا لأمرٍ ليس يقنعنا *** إلا الفخار رضوا بالأمر أم نقموا

المصادر:

1 – جعفر بن باقر آل محبوبة: ماضي النجف وحاضرها (ج 2) – مطبعة النعمان – النجف 1957م.

2 – جعفر الخليلي: هكذا عرفتهم (ج 4) – دار الكتب – بيروت 1972م.

3 – علي الخاقاني: شعراء الغري (ج 4) – المطبعة الحيدرية – النجف 1954م.

4 – كاظم الفتلاوي: المنتخب من أعلام الفكر والأدب – دار المواهب – بيروت 1999م.

5 – محمد هادي الأميني: معجم رجال الفكر والأدب في النجف خلال ألف عام – مطبعة الآداب – النجف 1964م.

6 – الدوريات: مجلة أبولو – عدد يونيو 1933م – القاهرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.