الخميس , 21 نوفمبر 2024
الرئيسية » تاريخ النجف الأشرف » الوقائع » حوادث الشمرت والزكرت

حوادث الشمرت والزكرت

سنة 1269هـ ـ 1852م ….. حوادث الشمرت والزكرت
في هذه السنة وقعت حادثة في النجف راح ضحيتها سبعة رجال من رؤساء الشمرت منهم: عبّود الفيخراني، وأخوه مهدي الفيخراني، وعلي وهب، وظاهر الملحة، ومحجوب عبد الملّا يوسف وغيرهم، وكان قتلهم بأمر علي باشا الكوزلي، وبكر أفندي، ويعقوب حاكم النجف. ولقتلهم أسباب أهمها عندهم: أن هؤلاء دخلوا ليلاً بالقوة على يعقوب أفندي حاكم النجف في داره وأنّبوه وشتموه، وكان عنده جماعة من أصحابه يلعبون مقدّمة لختان أولاده، فكاتب بغداد بذلك، فأرسلوا إلى النجف أربعة آلاف جندي، وكان أحد قوّاد هذا الجيش يدخل إلى مرقد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ويتوسل به إلى الله أن يقبض على هؤلاء بلا حرب ـ وقد أُمِرَ بقتالهم على كل حال ـ ويقول هذا القائد: إن نجيب باشا تُعرف داره في إسلامبول بدار يزيد بن معاوية، وتسميه الناس هناك يزيد باشا، للحادثة التي أوقعها في كربلاء سنة 1258هـ المؤرخة (غدير دم) وذبح أهلها بالجملة.
وجعلت الحكومة العثمانية ترسل العساكر ليلاً إلى النجف وتدخلها إلى القلعة التي بجانب سور المدينة من جهة الشرق، فكانوا يدخلون إليها ليلاً من الباب الخارجي، ولا يعلم بهم أحد من أهل النجف فلمّا تكاملت العساكر قامت الدولة بأمور، منها: إنهم أرسلوا عبّود الفيخراني ونصبوه رئيساً للتفكجي باشية وعليه سيف الدولة.
وجاء بعض رؤساء الدولة مظهراً أنه جاء لبعض الإصلاحات، ورفع بعض المظالم، فزاره العلماء والرؤساء، ثم في بعض الأيام عمل وليمة في الدار التي كان نازلاً فيها قرب القلعة، وشحن الدور التي كانت حولها بالعساكر، ودعا إلى هذه الوليمة علماء البلد كالشيخ مهدي بن الشيخ كاشف الغطاء ووجوهها منهم عبود الفيخراني، فجاء بعض وامتنع آخرون، ولما تم النصاب عندهم ووضعت الموائد نزع الحاكم يعقوب الطربوش عن رأسه، وهي العلامة بينه وبين العسكر، فامتلأت الدار بالعساكر وقبض على كل واحد من شيوخ الشمرت جماعة من العسكر وأوثقوهم كتافاً، فخاف العلماء وخرجوا حتى أن بعضهم خرج حافياً فأمّنهم الرئيس وطيب خاطرهم، وضرب هؤلاء المتقدم ذكرهم بالسياط حتى ماتوا تحت الضرب، وألقى جثثهم خارج السور حتى بقيت أياماً فسكنت الفتنة بعد قتلهم مدّة، ثم عادت إلى الظهور.
رسالة من العلماء إلى والي بغداد
وفيما يلي نص الرسالة من بعض علماء النجف الأشرف إلى والي بغداد محمد رشيد باشا في شأن هذه الحادثة:
معروض الدعوات الخيرية لدى مراحم الحضرة المشيرية أيّدها ربّ البرية آمين.
هو أنه يوم الاثنين المبارك سابع وعشرين من شهر الحال حضر في المجلس صاحب العزّة مير آلاي العساكر الشاهانة عمر بك لأجل تمييز رسم الشمرت،  فحضر فيهم مهدي الفيخراني، وظاهر الملحة، وعبود الفيخراني، والسيد سعد وظاهر الحجي، وبعض أتباعهم، وبعد انعقاد المجلس على هذا الوجه دخل مقدار (بلوك) من العسكر المنصور، فأمرهم حضرة البك المذكور بأن يقبضوا على  المغرورين من رؤساء الشمرت المذكورين، فقبضوا عليهم بأقل من لمحة طرف وأدخلوهم إلى القشلة وثوّروا التفك، وأرادوا الهجوم على الحضرة الشريفة وبعض الأماكن الحصينة، فوجدوا العسكر المنصور قد سبقهم إليها وغلبهم عليها واستمرت محاربتهم إلى الليل. فجاء قاسم الحداد الزقرتي ودخل على حضرة البك الموما إليه وهو في القشلة المعمورية وطلب الأمان لنفسه ورفقائه وتعهّد بالإطاعة والمتابعة للعسكر المنصور، فأعطاه الأمان وخلع عليه. فبلغ ذلك طائفة الشمرت فانحلت كلمتهم وتفرقت جماعتهم وتبّرت منهم وأخذهم الخوف من كل جانب، وجعلوا يهربون خفية شيئاً فشيئاً إلى حين الصبح من هذا اليوم المبارك وهو يوم الأربعاء تاسع وعشرين من شهر الحال ولم يبق للمذكورين في البلد خبر ولا عين ولا أثر، وقد انقطع دابر القوم الذين ظلموا وذاقوا وبال أمرهم بما قدّموا واستراحت منهم البلاد وأمنت مكرهم العباد. لم يقع بحمد الله تعالى وشاية الدولة العلية وبركاته أنفاس الحضرة المشيرية أدنى ضرر أو أذية على أحد من الرعية، بل لم يفقد بالمرة شيء ولا بقدر الذرة. وعند ذلك ضج العلماء وكافة الفقراء لدى حضرة بن عمّ سيد الأنبياء بالدعاء للدولة الغرّاء، وقد أدّوا فروض الأدعية الخيرية المشيرية، وأظهروا كمال الفرح لوقوعه القضية بهذه الكيفية، حتى كان ذلك عندهم من أجلّ الأعياد السنية، وقد أكثروا أيضاً من شكر حضرة إلبك المشار إليه دامت نعم الله تعالى عليه لحسن تدبيره وسياسته ووفور عقله وشجاعته وبذل مجهوده في صيانة الحضرة الغراء وحفظ كافة الفقراء وحمايتهم من جميع الأسواء، ووقوع المعدّة على يده بهذه الحالة الحسنة لم تتيسر لغيره من قديم الزمان، وذلك بالحقيقة كله من بركات أنفاس الحضرة الآصفية أيّدها رب البرية. ثم لأجل إشعار المسامع الشريفة بوقوع القضية المذكورة على هذه الصورة وكون الأهالي جميعاً قد أصبحوا في كمال الراحة وتمام الأمنية والاستراحة، تحررت عريضة، ولا زلتم بحراسة فاطر السماء.
الداعي لدوام حضرتكم السيد جعفر الخرسان.
الداعي لدوام حضرتكم عبد الحسين محمد حسن.
الداعي لدوام حضرتكم مهدي بن الشيخ علي كاشف الغطاء.
الداعي لدوام حضرتكم السيد محمد تقي بن محمد رضا الطباطبائي.
الداعي لدوام حضرتكم الشيخ إبراهيم العاملي.

(تاريخ النجف الأشرف- ج 2/محمد حرز الدين )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.