الأربعاء , 17 أبريل 2024
الرئيسية » تاريخ النجف الأشرف » الوقائع » مفتي مصر يزور النجف

مفتي مصر يزور النجف

سنة 1260هـ ـ 1844م

في هذه السنة ورد النجف الأشرف مفتي مصر بجلالة عظيمة ومعه بعض الطلبة، فسأل عن علماء النجف، فأرشد إلى الشيخ حسن بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء، فزار المفتي الشيخ عصراً في محل تدريسه ـ وهي الدار المعدة لذلك من عهد أبيه وإخوته ـ وكان مع المفتي جماعة، وعند الشيخ كثير من تلامذته، فلما استقر به الجلوس وأنس بمفاكهة الشيخ وجرت بينهما أسئلة في العقائد حتى انتهى الأمر إلى ذكر الصحابة وشيعتهم، وعلي وشيعته.

وقال الشيخ حسن: علي وشيعته هم الناجون وغيرهم مرجون لأمر الله تعالى.

فقال المفتي: إنها قسمة ضيزى.

فقال الشيخ ما تقول في ابن الأثير، أهو محدّث صادق؟.

قال: نعم.

فقال الشيخ. وأنت تعترف بصدق حديثه؟

قال: نعم.

قال: إنه قال في باب (قمح): وفي حديث علي عليه السلام قال له النبي صلى الله عليه وآله: (ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين، ويقدم عليه عدوّك غضاباً مقمحين) ولا ريب أن شيعة علي صار علماً لأناس مخصوصين كما نصّ عليه غير واحد من علمائكم، وأنا أسألك بالله العلي العظيم: مَن شيعة علي، ومَن أعداؤه وأعداؤهم؟ ثم أمسك. فقال المفتي لم أر هذا الحديث، وإنشاء الله أراجع كتاب (النهاية) وأنظر من أي صحيح أخرجه ابن الأثير، وأرسل لكم الجواب.

مناظرة بين الشيخ حسن كاشف الغطاء وعلماء بغداد

وفي هذه السنة وقعت مناظرة بين الشيخ حسن نجل الشيخ كاشف الغطاء وعلماء بغداد، حينما قدم العراق رئيس البابية وصار يدعو لعقيدته الفاسدة.

قال شيخنا محمد حرز الدين: حدّث مشايخنا عن مناظرة الشيخ حسن كاشف الغطاء في عهد الوالي نجيب باشا حينما قدم العراق ممثل علي محمد الباب رئيس البابية، وصار يدعو لمذهبه الفاسد، وهاجم المسلمين في بغداد، فأحضر الوالي علماء الفريقين لمناظرته، فكان الشيخ حسن يرأس الوفد النجفي، والسيد إبراهيم القزويني صاحب (الضوابط) يرأس الوفد الكربلائي، والمفتي محمود أفندي الآلوسي يرأس علماء بغداد. وأعدّ الوالي مجلساً عاماً بإشرافه، وهناك أصبح الشيخ حسن يمثل الشيعة عامة.

ولمّا استقر بهم المجلس وتناولوا بعض الكلام، حكم مفتي علماء بغداد وزملاؤه بردّة علي محمد الباب وممثّله، وأن توبته لا تقبل وحدّه القتل، وكانوا يأملون موافقة الشيخ حسن لرأيهم كي لا ينتقض ما أبرموه، للتطرق إلى كل من ينتحل التشيع أو ينسب إليه على زعمهم فيحكم عليه بالتكفير وحدّه القتل بهذا الطريق، وقد سدّ الشيخ حسن هذا الباب الذي فتحوه، وقال: إن الرجل يُستتاب فإن تاب قبلت توبته.

فقال المفتي: لا تقبل توبته.

فقال الشيخ حسن: هذا الإمام الأعظم أبو حنيفة يقبل توبته.

فقالوا له: العجب ممّن ينقل لنا فتوى مذهبنا ونحن أعلم به منه، وقد أضمروا تبهيته بذلك.

فقال الوالي: عليّ برسالة أبي حنيفة فوجدوا له قولاً بذلك، هذا وكان الاستفتاء مكتوباً موقّعاً من كل منهم بردّة هذا، فتناوله الشيخ حسن وخرقه بمرأى منهم ومسمع وتلا قوله تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً) وقام الشيخ ظافراً منصوراً، فتبرّأ الوالي من جماعته وحسنت عقيدته بالشيخ حسن لعلمه وصفاته، ثم أقبل الوالي عليه وصافحه وعظّمه.

الهجرة إلى النجف

وفي حدود هذه السنة أخذ الطلبة الأجانب بالهجرة إلى النجف الأشرف، وكان الملّا يوسف بن الملّا سليمان ـ كما حدث به خواصّه ـ يمنع المهاجرين من السكن في النجف لأسباب منها:

1ـ عدم قدرته على حفظهم وحفظ أموالهم وتعاهد شؤونهم في النجف، لأن العراق عامة والنجف خاصة كان في العهد العثماني فوضى.

2ـ خوفه من دخول بعض البابية والجواسيس من بعض الدول الغربية بزمرة المهاجرين، حيث كانوا يتوصلون إلى مآربهم بزي أهل العلم، ويدخلون النجف ويقربون من العلماء من حيث لا يعرفونهم، كما اشتروا ضمائر بعض الرجال الضعفاء المحسوبين على المسلمين.

تاريخ النجف الأشرف- ج 2/محمد حرز الدين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.