الأربعاء , 24 أبريل 2024
الرئيسية » تاريخ النجف الأشرف » الوقائع » توجه نجيب باشا لحرب النجف

توجه نجيب باشا لحرب النجف

سنة 1259هـ ـ 1843م

في مطلع هذه السنة أراد الوالي نجيب باشا دخول النجف الأشرف بالحرب والقهر، لولا تدبير الشيخ حسن بن الشيخ الأكبر جعفر كاشف الغطاء ودفاعه عن ساكني النجف، بعد أن دخل الباشا كربلاء الجريحة وقتل أهلها ونهب وأحرق أموال مجاوريها. وقيل إن الذين قتلوا في كربلاء يزيد عددهم على العشرة آلاف مسلم ومسلمة، وكانت الوقعة يوم الغدير 18 ذي الحجة الحرام سنة 1258هـ، وأرّخت (غدير دم).

روى شيخنا محمد حرز الدين قائلاً: حدثنا الثقات من المعمرين وبعض مشايخ الغري، وآخر من حدثني الثقة الجليل الشيخ حسين نجل الأستاذ الشيخ حسن الفرطوسي سنة 1330هـ، عن أبيه، قال: كتب الوالي نجيب باشا إلى الشيخ حسن كاشف الغطاء كتاباً وفيه قوله تعالى (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ) فعلم بالكتاب مجاورو قبر علي أمير المؤمنين عليه السلام، فاضطربوا لما سبق من مجزرة كربلاء، فخرج العجزة والضعفاء إلى بساتين الحيرة الكوفة.

أخذ نجيب باشا بجمع الجموع من الجيش التركي ورؤساء القبائل خارج كربلاء قاصداً حرب النجف وباقي مدن العراق التي لم ترضخ لجور الولاة العثمانيين، فعندئذ خرج الشيخ حسن لملاقاة الوالي في كربلاء وبصحبته جماعة من أهل الفضل والدين، ومنهم الفقيه الشيخ حسن الفرطوسي وكان كهلاً، ولما قاربوا كربلاء رجع البعض لما شاهدوه من الجيوش المجتمعة  في الصحراء، وبقي نفر يسير مع الشيخ حسن منهم الشيخ الفرطوسي حتى دخلوا المعسكر، وأخبروا أنه قدم الشيخ حسن نجل كاشف الغطاء مع جماعته، فأمر الوالي بخيمة كبيرة ضربت لهم فجلسوا فيها، ثم أقبل الوالي عليهم، والشيخ لم يقم له بل بقي على جلسته. قال الوالي مخاطباً الشيخ: ألم يصلك كتابي؟ ألم تسمع بسطوتي؟.

قال الشيخ: سمعنا كل ذلك، وكان يزيد بن معاوية أشد منك سطوة.

قال الوالي: لِمَ لَمْ تؤدي حقّ الوافد والقيام له؟

أجابه الشيخ: إني بالنسبة إليك كالسلطان إلى الرعية.

الوالي: وكيف ذلك؟.

فصاح الشيخ بأعلى صوته لكي يسمع الأمراء والضباط الحاضرون، قائلاً: أنا أخو الشيخ موسى المصلح بن الدولتين، ونحن لنا الفضل عليكم، ولولا أخي لاحتل أهل إيران العراق منكم، فأخي السلطان وأنا أخوه، وإذا أسأت إلينا تغضب عليك حكومة استانبول. ثم أن الضباط والجيش لابدّ وأن يخالفوك إن نويت عقوبة النجف البلد الذي ضمت تربته جسد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بطل الإسلام والمسلمين، والنجف بلد العلم والدين، فاستجوب الأمراء والضباط ورؤساء القبائل الذين زهوت بهم، واعرف موقفك منهم، ثم أدخلوا بقيّتهم إلى الخيمة وخاطبهم الشيخ بعد أن عرّف نفسه لهم قائلاً:

(ناشدتكم الله تعالى هل تطيعون الباشا بضرب النجف ومن فيها)؟.

الجواب: كلا.

قال الباشا: الآن عفونا عنكم.

أجابه الشيخ: بعد أن عفوت فلك علينا حق الوافد، ثم قام الشيخ من مجلسه وتصافحا.

قال الباشا: الآن نرجع الأمر إليك يا شيخ النجف بالانصراف، أو ندخل النجف سلماً.
الشيخ: لا معنى لدخول الجيش النجف بعد العفو، والذي أراه أنت وخاصتك ضيف عندنا لكي تزور مرقد بطل الإسلام علي أمير المؤمنين عليه السلام، فأجاب الدعوة، وقدم الوالي نجيب باشا النجف مع خواصّه وحراسه بما يقرب من أربعمائة فارس تركي، فاستقبلهم سدنة الحرم الأقدس حاملين المصاحف التي تُحمل أمام الملوك إذا زاروا، والأعلام بأيديهم. وأقام الباشا ثلاثة أيام ضيفاً على الشيخ في دارهم الكبيرة، وعادوا إلى بغداد.

تاريخ النجف الأشرف- ج 2/محمد حرز الدين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.