الجمعة , 22 نوفمبر 2024
الرئيسية » تاريخ النجف الأشرف » الوقائع » إرجاع خزانة الحرم المطهر وصلح الدولتين الايرانية والعثمانية

إرجاع خزانة الحرم المطهر وصلح الدولتين الايرانية والعثمانية

سنة 1238هـ ـ 1823م……

في هذه السنة وقع القرار ما بين الدولتين الإيرانية والعثمانية على إرجاع خزانة حرم أمير المؤمنين عليه السلام إلى النجف الأشرف مع إشراف معتمد من رجال إيران. وكان ذلك في عهد خازن الحرم وحاكم البلد الملاّ محمد طاهر بن الملاّ محمود.

لما تحصنت مدينة النجف بسور السادس والأخير، والثكنات والعساكر النظامية، ومضت سنتان أو ثلاث على سكوت الوهابيين وخمود جمرتهم، رأى الشيخ موسى آل كاشف الغطاء أن الوقت قد حان لاسترجاع خزانة الحرم الحيدري من بغداد إلى محلها المختصّة به التي لا يسوغ ولا يجوز في شرع ولا عقل ولا قانون خروجها إلا للضرورة التي تقدر بقدرها، فأرسل جماعة لاسترجاعها من داود باشا، فتعلل وماطل، وقال: أخشى أن البلد لم تحصل لها الحصانة لحفظ تلك الخزانة.

فامتعض الشيخ من ذلك وعزم على السفر إلى بغداد بنفسه، واستاء عموم العلماء والأعيان والأشراف وسائر الطبقات، لأنهم جميعاً يرون أن حفظها في الحضرة المنورة كما كانت منذ تكونت أعز عليهم من أنفسهم ونفائسهم ومن أموالهم وذراريهم. نعم يرون أنها وديعة السلف إلى الخلف، وأن السكوت والإغماض خيانة لله ولرسوله.

ولما كثر القال والقيل بلغت الواقعة إلى سمع والي إياله الغرب حاكم كرمنشاه (قرمسين) ـ وعامة الحدود بين العراق وإيران من نواحي سناندج إلى الحويزة والمحمرة ونواحيها ـ وهو محمد علي ميرزا بن سلطان إيران في ذلك العصر فتح علي شاه القاجاري، وكانت له بعض الهنات الموجبة الاستياء من حكومة الأتراك، فجمع الأكراد وزحفوا تحت قيادته للهجوم على بغداد، وضربوا خيامهم وجعلوا معسكرهم في الشمال الشرقي من دار السلام على مرحلتين أو ثلاث من سامراء، ولم يكن فيها من القوة ما يكفي لدفاع عشر ذلك السيل المتراكم، ولم يبق بينهم وبين الفتح إلا عشية أو ضحاها، فاضطر داود باشا إلى الاستعانة بالشيخ موسى لإصلاح الحال وحفظ النفوس وحقن الدماء، سيّما وقائد الحملة محمد علي ميرزا كان مقلداً للشيخ موسى، فلم يجد الشيخ موسى بدّاً من السفر بنفسه لملاقاة القائد المزبور بعد تمهيد مباني الصلح مع الوزير داود باشا، فتوجه إلى بغداد في أواخر العقد الرابع من القرن الثالث عشر، ثم بعد إنهاء المفاوضة مع الوزير أصعد إلى سامراء، ثم اجتمع بالقائد الخطير محمد علي ميرزا، وألزمه بالصلح وإرجاع تلك الجموع المتدافعة تدافع السيل، فأجابه على شروط حررت وأرسلت إلى بغداد فأمضاها داود باشا وتمّ الصلح، وحقنت دماء المسلمين، واشتهر من ذلك اليوم الشيخ موسى بالمصلح بين الدولتين حيث كفى الله المؤمنين القتال ببركاته، ورجع إلى بغداد مؤيداً منصوراً، وأرجع الخزانة معه، كما سيأتي في أحداث السنة القادمة.

( تاريخ النجف الأشرف- ج 2/محمد حرز الدين )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.