الجمعة , 22 نوفمبر 2024
الرئيسية » تاريخ النجف الأشرف » الوقائع » مقبرة الشيخ كاشف الغطاء وفتنة الشمرت والزقرت

مقبرة الشيخ كاشف الغطاء وفتنة الشمرت والزقرت

مقبرة الشيخ كاشف الغطاء

سنة 1228هـ ـ 1813م….

وفي اليوم الثاني من شهر ربيع الأول من هذه السنة اشترى أمان الله خان السنوي ساحة كبيرة من الأرض وأوقفها على الشيخ الأكبر كاشف الغطاء، واشترط الواقف إما أن تجعل هذه الأرض مدرسة، وإما أن تجعل مقبرة للشيخ الأكبر وأولاده، فأسست عليها مدرسة المعتمد ومقبرة الشيخ الكبير ومسجد آل كاشف الغطاء، كما تحكيه وثيقة الوقفية.

ظهور فتنة الشمرت والزقرت

في هذه السنة نشأ الحزبان المعروفان في النجف: حزب الشمرت، وحزب الزقرت.

والزقرت هو الصقر، ولعلهم كانوا يتصيدون بالصقور، أو يصطادونها أو شبّهوا أنفسهم بالصقور. والشمرت لعلّه مخفّف عن الشمردل وهو الفتى السريع.

يقيم الزقرت في مجلس العمارة والحويش، والشمرت في محلتي المشراق والبراق, والفتنة التي حدثت تبعتها حروب دامية بين الطائفتين.

ويظهر أن نشوء حزبي الشمرت والزقرت، كان لسببين:

الأول: مقتل السيد محمود بن السيد أحمد بن مير جمال الموسوي الصفوي الرحباوي في قصر عين الرحبة، وكان مقتله بعد وفاة الشيخ الأكبر بسبعة أشهر.

قال شيخنا محمد حرز الدين: والسيد محمود هذا هو أحد ثلاثة إخوة هربوا من همدان من جور السلطان أشرف الأفغاني، لما قتل الصفويين وأتباعهم حتى السجناء قتلاً فضيعاً بالجملة ثم أخذ يتتبَّع الصفويين في أنحاء إيران، فهرب هؤلاء الأخوة من إيران، أحدهم هرب إلى الهند وانقطع خبره علينا فلم نعرف عنه شيئاً، وثانيهم السيد محمود هذا قدم إلى العراق، وثالثهم أيضاً قدم العراق ـ بعد توطن أخيه السيد محمود ـ وتوفي فيه ولم يعقّب أولاداً، والعقب كله من السيد محمود. واشتهر عقبه في النجف وخارجه بالسادة (آل محمود) سادة الرحبة، ثم اشتهروا أخيراً بالسادة (آل فوّاز). وهؤلاء الإخوة لم يعرف عنهم الكثير من الناس بما أوضحناه.

وقد توطن السيد محمود في (الرحبة) بعد أن أخبره أحد الأعراب أنّ بها عين ماء مغمورة بالرمال من نسف الرياح، فقام السيد محمود باستخراجها وأحدث عليها مزارع وبساتين، وبنى عندها قصراً لسكنه، وهي باقية إلى اليوم فيها أولاده وأحفاده وذراريه. وكان السيد محمود رجلاً سخياً عند الأعراب بسخائه.

وذكر في مقتله سببان: أحدهما ما ذكره شيخنا محمد حرز الدين، قال:

كان قتل السيد محمود الرحباوي  غيلة على أيدي جماعة من وجوه النجفيين منهم درويش أبو عيسى البكري المعروف بالعنزي، والسيد سعد جريو، وخلف الدارمي، والسيد سلمان بن درويش، وقيل لم يشترك معهم، والسيد صقر جريو، ومحسن بقر الشام، وغيرهم. وهو ما رواه المعمّرون كالأستاذ علي المعمار، وعلي بيج المعمار.

وروى عبد سواد العكايشي، عن أبيه، قال: لمّا دخل سعود الوهابي العراق من ناحية القادسية غازياً النجف ماراً بعين الرحبة دان له السيد محمود، فأقرّه سعود وأمره بقلع سقف قبة قبر العلوي إلى جانب العين، وأعطاه كتاباً في أمانه على مذهبه، وأودع عنده سبعة رجال من أهل النجف قبضهم  في سواد العراق في طريقه لغزو النجف، ولما رأى أهل النجف يقظين ومستعدين للحرب رجع خالياً إلى كربلاء ودخلها عنوة وفعل ما  فعل فيها، ثم مضى إلى بلد السماوة وحاصرها ثلاثة أيام.

وحدثني الوجيه المعمّر مالح آل براك ـ عم الحاج شنين ـ من أهل الشنافية، قال: لما رحل ابن سعود عن السماوة جاء جماعة من أهل النجف إلى السيد محمود الرحباوي في القصر يطالبونه برجالهم السجناء، فامتنع السيد من إطلاقهم بزعم أنه متعهد بحفظهم وأنه إذا رجع ابن سعود ولم يجدهم عنده يقتله ويخرب داره كما هي عادته، فترادّوا بالقول،  فأطلق أحد المطالبين عليه النار من بندقيته وأخذوا رجالهم سالمين، فطلب الشمرت أتباع الملالي بدم السيد محمود، وأول قتيل في هذا السبيل هو عم محسن بقر الشام، ولما اجتمع النجفيّون لأداء ديته وإصلاح هذه الفتنة في دار محسن، قالت امرأة من آل بقر الشام منشدة بلسانهم شعراً، ولما سمعها أعمامها امتلئوا غيظاً وكفئوا قدور الطعام المعدة للجماهير المجتمعة، ونشبت الحرب بين الفريقين إلى يومنا هذا.

وذكر السيد محسن الأمين سبباً آخر لمقتل السيد محمود الرحباوي، قال: كان للسيد محمود الرحباوي أختان تسمى إحداهما (أمّ السعد) وهي التي تنسب إليها خرابة أمّ السعد في محلة العمارة، لأنها كانت داراً لها فخربت، والثانية تسمى (رخيتة) وقد منعهما أخوهما من التزوج، ولهما أبناء عم يخطبونهما منه  فلا يزوّجهما، فشكتا أمرهما إلى الشيخ جعفر كاشف الغطاء، وكذلك أبناء عمّه لما امتنع من تزويجهم  غضبوا عليه وطلبوا منه القسمة فطردهم وأنكر حقّهم،  فشكوه إلى الشيخ جعفر كاشف الغطاء، وطلبوا حضوره إلى مجلس الشرع، ولعلم الشيخ بأنه لا يحضر، لم يرسل إليه،  فالتمسوا  في ذلك ولده الشيخ موسى  فكلم أباه ولم يزل به حتى أرسل جماعة من أهل العلم مسلّحين مع آخرين من أهل النجف، وفيهم عباس الحدّاد أحد الشجعان، وعدتهم سبعون رجلاً وكلهم مدججون بالسلاح، وأمرهم بإحضار السيد محمود طوعاً أو كرهاً.  فنهاه تلميذه السيد محمد جواد العاملي صاحب كتاب (مفتاح الكرامة) عن ذلك وخوّفه وقوع فتنة لا تطفأ، فلم يقبل لاعتقاده أن ذلك أمر بالمعروف ونهي عن المنكر فلا يجوز له تركه وهو قادر عليه. وقد أشار إلى ذلك صاحب الجواهر  في بعض مجلداته.

فجاء الوفد إلى قصر السيد محمود في عين الرحبة، فلما أخبر بمجيئهم قال أخرجوهم وأغلقوا باب القصر دونهم فتفرقوا عنه أصحابه وباتوا عندهم، وأصبح السيد محمود مقتولاً، واتهم بقتله أبناء عمّه وأصحاب الشيخ، فتبرّؤا بنو عمه من دمه، فانحصر ثاره بأصحاب الشيخ.

وكان الحاكم في النجف الملاّ محمد طاهر وهو سادن الروضة الحيدرية المطهّرة، وكانت بين السيّد محمود وعشيرة الملاّ محمد طاهر خؤولة، فهو المطالب بثأره، فاستطال الملاّ محمد طاهر على أهل العلم وقصدهم بالأذى، ويقال: أنه كان يجلس على باب الصحن الشريف من جهة باب الطوسي ويأمر بغلق أبواب الصحن، وعبيده بين يديه عليهم السلاح،  فإذا مر بهم من أهل العلم من يظنون أنه من أصحاب الشيخ كاشف الغطاء يقول له: يا ملعون يازقرتي تمشي على الأرض بطولك آمناً وفي بطنك دم السيد محمود. فكانوا يتضرعون إليه ويحلفون له أننا لسنا من الزقرت ولا ممّن حضر الواقعة فينهرهم ويأمر عبيده فيوجعهم ضرباً، وقصد الشيخ وأبناءه بالأذى حتى اضطر الشيخ إلى الخروج من النجف. واستمرت الفتن والحروب بين الفريقين ما يزيد على مئة عام، ولكل واحدة من الطائفئتين شيوخ ورؤساء يتوارثون الرياسة خلفاً عن سلف، ومنهم من يأخذها بحقِّها دون سبق وراثة.

الثاني: كان نشوء حزبي الشمرت والزقرت على أثر انقراض حزبين متعارضين في النجف يعرف أحدهما بآل حبل، والثاني بآل طبل. وكان ابتداء ظهورهما في حدود عام 1180هـ، غير أن هذين الحزبين كان يهيمن على قوتهما أبناء العلم، فهما يختلفان عن تشكيله الشمرت والزقرت التي ضمت العوام والمتمردين والأشقياء.

وظهر ذلك جلياً في رسائل كتبها بخطه أحد أعلام ذلك العصر وهو الشيخ محمد بن يونس الشويهي الحميدي المولود بالنجف حدود عام 1160هـ، والمتوفي بعد سنة 1235هـ. وكان الشيخ الحميدي يتزعم (آل حبل) مقابل (آل طبل)، كما وصفهم الحميدي نفسه في رسائله. وفي الرسالة التالية ستقف على أسماء رجال من الفريقين، وقد بعثها الشيخ الحميدي إلى الحاج يوسف الأزري ببغداد، وفيها وصف الحالة الاجتماعية في النجف آنذاك، قال:

من عبد الله وابن عمه محمد بن يونس شيخ الحبليّين وقدوتهم وعالمهم وأسوتهم، إلى قطب المحققين، وسنام المتبحرين، وسلطان الفضلاء، ووجه العلماء، وفخر الأقران، وبهجة الزمان، وحكيم اليونان، وفيلسوف ساسان، بل الجوهري في صحاحه، والقزويني في إيضاحه، والسكاكي  في مفتاحه.

أما بعد،  فالحمد لله الذي حف  أولياءه بالمصائب، وغمرهم بالنوايب، واكتنفهم بالخطوب، وأمرهم بالصبر على بلائه، والرضا بقضائه، فمدّوا إلى أعناقهم لمطالبه، وذلوا جهدهم في إنجاز مآربه، فكلما اشتد بلاؤهم عظم شكرهم وثناؤهم، حتى كان ابتلاؤهم جنّة فيها يتنعمون، وحللاً فيها يتخيرون،  وعوضهم من ذلك فراديس الجنان، وحسان الحور والولدان، كما نطقت بذلك الكتب السماوية، وأتت به الرسل الإلهية، وها أنا قد سلك بي مسالك الأولياء فغذّاني ليلاً ونهاراً بالأذى والبلاء حتى أني قد استحلت أذية، وقد علمت بذلك كافة البرية، إلا من لعلّه شذّّ منهم، ولكنني تلقيته بالصبر الجميل والشكر الجزيل. أحمده على جزيل نعمائه، وأشكره على عظيم بلائه، ولا ريب  عند كل عاقل أن هذا شأنه مع من أحبّهم وارتضاهم، وهذا صنيعة بمن وفقهم وهداهم، ألا ترى محنه كيف خصت أنبياؤه، وبلاياه قد انغمرت بها أصفياؤه. من محب غرق  في بحر الهموم، وتلاطمت عليه أمواج الغموم، ودارت عليه الدوائر من جانب، ونفر عنه الأقارب والأباعد والأجانب، بل من محبّ تعاقدت عليه الأصحاب، وتواطأت على قتله وإخراجه المشتغلون والطلاّب، فجردوا عليه سيف غدرهم، وأوتروا ضدّه قوس شرهم ومكرهم،  فحفروا له حفرة عميقة، وعقدوا له عقدة وثيقة،  فعصمه الله من سهامهم، ووقاه الله من حسامهم، وكانت نجاتي منهم على يد الأشراف والأحرار والأخيار والأمجاد والأنجاد من أهل مصرنا من صلحاء وأتقياء عصرنا، ومنهم الأكارم والأعاظم: الحاج حسين بقر الشام، وشاذ من الأماجد العظام،  فلولاهم لأحرقتني نيرانهم، ولَوَثَب علي ثعبانهم، وخرقني حسامهم، ومزقتني سهامهم، واختطفتني مخالبهم. ولكن أخبرك أيها الأخ الوفي والمخلص الصفي، أن صلحاء أخواني وأتقياء خلاني قد عدلوا بي عن النهج القويم، وزاغوا بي عن الصراط المستقيم، ولا غرو في ذلك فلي أسوة بأبي ذر، وقدوة بيونس بن عبد الرحمن، وأحمد بن خالد من وجوه أصحابنا حيث أنهم نفوا عن بلدانهم وأخرجوا من أوطانهم، ولكنهم رموني بأسهم صايبة، وشهب ثاقبة، فمنهم من يقول: هذا رجل فاسق، ومنهم من يقول: هذا منافق، ومنهم من يقول: هذا عبد آبق عصى سيده ومولاه فضاعفوا أذاه، ومنهم من يقول: هذا يقذف العلماء ويسب الأتقياء، ومنهم من ركب له دليلاً من الضرب الأول من الشكل الأول، فقال: هذا قد اتبع  غير سبيل المؤمنين ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى …﴾ وانعقد على ذلك الإجماع، ولم يبق إلاّ الدني والمطاع، وفرّعوا على ذلك جواز أذّيتي، وإباحة غيبتي، وهتك حرمتي. ثم أنهم اختلفوا في كيفية الأذيّة، وفي الرمي لي بأية بلية، فالذي عليه جماعة من (آل أبي طبل) يقدمهم الشيخ جعفر، إنه لا أخالط ولا أجالس ولا أطالس، ولا أناقش ولا أبايع ولا أشايع، ولا أشاور، ولا ولا، ومن خالف جماعة من المسلمين عَنَدَ عن الحق المبين، وعاكسهم فخالطني وسالمني تسبى عياله وأطفاله، وتباح غيبته ودمه وماله، ونادى الشيخ وأصحابه إنهم بريئون منه. ثم قال الشيخ أيها الناس ألا وإني قد حرّمت دخول بيتي على من خالطه جهرة وسراً، وصمّم العزم على إخراجي من داري بغير اختياري، في جمع أوّلهم (ابن الصايغ)، وصدهم عن ذلك من تصدّى لنصرتي، وراعى حق حرمتي، وهم الذين ذكرناهم سابقاً وصار جمع، وفيهم: (المحقق الفراهي)، و(النحرير الأقرعاوي)، إلى مخالطتي سراً والإعراض عني جهراً، خوفاً من أشرار (آل طبل) وسفاهتهم، و فراعنتهم وأشقيائهم. وصار (اليوسفي) وأصحابه إلى الوقف والشك والارتياب، وقال لا أعلم أين الصواب. وقال قوم من (آل أبي طبل): كل ذلك لم يكن تحته طائل، ولم يرض به عاقل، بل الصواب أن تسلط عليه جماعة من أشرار مصرنا وفراعنة عصرنا، فسلطوا عليّ أقواماً،  فضربوني وسحبوني بمشهد من الناس، وهؤلاء الجماعة: ابن الأعسم، ونعمة، وابن عبد علي، ودردماش، وابنا دخيل، وابن عبرة، وخمسة من سائر الناس. وتعصب جماعة  في مخالطتي جهرة وسراً وهم: السيّد النجيب السيد صادق، والشيخ إبراهيم العاملي، والشيخ حسين بن الشيخ خضر، والشيخ أمين ابن الشيخ محمود الكاظمي، وأخوه الشيخ كاظم، وقوم من أبي حبل يقدمهم الشيخ حسين الجزائري، وكثير من سائر الناس، بل كاد أن تكون كافة الناس من حزبي، ألا أن حزب الله هم الغالبون، وإن جندنا لهم المنصورون. ونقل أشخاص عن السيد التقي الحكيم أستاذ سقراط أنه احتار في أمري لما رأى من ضيق صدري، فقال الذي أذهب إليه، إنه يشرب الدواء لأنه قد احترقت فيه السوداء، فيا معشر المشتغلين والطلاب أسقوا صاحبكم خمسة أروام جلاّب. ولعمري أنه أصاب في الخمسة أروام، ولكنه أخطأ في مصرفها، ولو قال: أعطوه الخمسة يصرفها حيث شاء لارتفع عنّي التعب والبؤس والعناء، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وهذه رسالة بعثها الشيخ الحميدي إلى الشيخ حمود بن إسماعيل الظالمي، قال: من عبد الله وابن عبده محمد بن يونس، قدوة العلماء لو أنصفوا، وأسوتهم لو نطقوا بالحق واعترفوا. أما بعد، فقد بلغنا أنك نصرتنا بلسانك، وواددتنا بجنانك، هكذا الحر الوفي … إلى أن قال: ثم اعلم أيها الأخ الوفي، والمخلص الصفي، إعلم أنني صمّمت العزم على الاشتغال، وترك القيل والقال، لا خوفاً من لسان الأخوان، ولا رهبة من رباع الخلاّن، بل اشتاقت نفسي إلى اشتغالي ودرسي، فكيف أخاف الموت وأرهب السرى وقوي ساعدي وزندي، وقد حفّت بي سيوف طوع يدي،  فإن ظنّ ظان أن انزوائي في بيتي خوفاً من سهامهم، ورهبة من حسامهم، فأبلغ إليّ ألخبر الصحيح والحق صريح، حتى أخرج إلى الصحن فأضرم نارها، وامحي آثارها، واهجم ديارها، وأهلك فراعينها، وأزعج شياطينها، واجعل أولها تاليها، وسافلها عاليها، ومقدّمها مؤخّراً، وباطنها ظاهراً. ولعمري فقد أخطأوا  في جميع ما فعلوه معي من الأفعال المردية، هذا وأنا لم أرتكب إلا الطرق النجية. ولعمري ما خالفت الشريعة، ولا سرتُ بغير ما سارت به الشريعة، ولكنهم كما قال الشاعر:

أباحوا من دمي وتوعّدوني       وكنت لا يُنَهْنِهُني الوعيد

وما أحسن ما قال حسّان:

لساني صارمٌ لا عيب فيــه        وبحرٌ لا تكدّره الــــــــدلاء

أنا القطران والحيرى فأنتم        وفي القطران للحيرى شقاء

ولكن العجب من شيخ الطبليين وإمامهم، وبطلهم وضرغامهم، حيث خطب فأبلغ، ونادى فأسمع، وقد كان الصحب أجمع. ثم قال: (ألا أيها الناس ألا وأني قد حرّمت دخول بيتي على من يخالط فحل المشتغلين، وقرم المحصّلين. ألا وإني بريء ممن يجالسه ويطالسه ويوانسه)، مما لا أدري، أقصد بهذا زجري وإرداعي أو مجرد إخباري وإسماعي. ولعمري ما يصدّني عن شيء لم أعص الله فيه عامة البلاد، بل ولا كافّة العباد، من جميع الأقصاد وكافة البلدان والأمصار… .

وقال الشيخ الحميدي في رسالة طويلة بعثها خزاعة سلمان بن محسن بن غانم:

يهدّدني ابن محسن بكلّ يــوم         وحولي صارمي ومعي سناني

وحولي من (بني حبلٍ) ليوثٌ        ضراغمةٌ تهشّ إلى الطـــــــعان

( تاريخ النجف الأشرف- ج 2/محمد حرز الدين )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.