الأحد , 28 أبريل 2024
الرئيسية » تاريخ النجف الأشرف » الوقائع » غزوة داود باشا للعشائر ، حوادث الشمرت والزقرت

غزوة داود باشا للعشائر ، حوادث الشمرت والزقرت

داود باشا يغزو العشائر

سنة 1229هـ ـ 1813م…..

فيها جعل الوزير سعيد بن سليمان باشا الأول رئيس عسكره داود باشا فنهض داود باشا بأمر الوزير لغزو بعض الأعراب العاصين على الحكومة، وهم خزاعة، وزبيد، وشمّر، وآل ظفير، فإنهم منعوا الخراج، ونهبوا القرى، وقطعوا السبيل حتى أن بعضهم حاصر كربلاء. وكان إذ ذاك  في كربلاء نحو الأربعين ألفاً من زوّار العجم، و فيها حرم شاه العجم أتت للزيارة، فلما بلغ الوالي إفساد العربان حول كربلاء خاف أن يصيب الزوار ضرر فيرجع عليهم شاه العجم بالحرب والويل وتلومهم الدولة العليّة على إهمالهم في الأحكام حتى آل الأمر إلى هذه الحالة السيّئة.

فتوجه داود باشا بعسكره إلى العصاة وتشتتوا في القفار، ثم أرسل بعض عسكره إلى كربلاء لتأمين الزوار، ولخفر الزوار من كربلاء إلى النجف، ثم أن النجف إلى بغداد بعد قضاء وطرهم إلى أن يقفلوا إلى بلادهم آمنين.

وذكر العزاوي  في تاريخه: إن زبيد والخزاعل وسائر العشائر لم يؤدّوا الرسوم الأميرية. وكذا عشائر الجرباء، والظفير، والرولة، فعاثت بالقرى والقصبات المجاورة لها مثل الحلّة وكربلاء والنجف، فضج الناس من كل صوب،  فجهز داود جيشه وسار من بغداد بتاريخ 14 ذي القعدة ـ من هذه السنة ـ نحو الحلة فوصل إليها، وكانت آنئذ كربلاء والنجف مزدحمة بالعشائر في كافة أنحائها وحواليها، وأن كثرتها كانت تعادل أضعاف الجيش فلم يبال بكثرتهم. مكث في الحلة بضعة أيام للاستراحة  فذاع أمره فاستولى الرعب على العربان النازلة في تلك الجهات، لذا لم يحتج إلى المحاربة. فحذرت العشائر  منه وتفرقت دون أن يجرد سيفاً، وإنما أرسل مقداراً من الجيش لتخليص الزوار المحصورين فجاءهم إلى الحلة ثم ذهبوا إلى النجف، ومنها عادوا إلى الحلة، ثم توجهوا إلى بغداد دون أن ينالهم خوف أو يصيبهم ضرر.

حوادث الشمرت والزقرت

وفي هذه السنة ظلت نار الفتن تستعر في النجف الأشرف بين حين وآخر بين طائفتي الشمرت والزقرت حتى أدت الحالة إلى الفوضى عشرات السنين ذهب ضحيتها كثير من الأبرياء من أهل العلم وغيرهم، ومن النساء والأطفال، وقد عطلت الأسواق، وهدمت الدور، ونهبت الأموال حتى أصبح النجف مسرحاً للفسقة والعابثين من الشمرت والزقرت.

و في هذا الدور يصف النجف جمع من المؤلفين والعلماء، ومنهم من ذكر في مقدّمة مؤلّفه، ومنهم عند الفراغ من الكتاب، وإليك ما ذكره ـ خلال عام 1929هـ ـ الشيخ محمد بن يونس الشويهي في مقدمة كتابه (براهين العقول في كشف أسرار تهذيب الأصول) للعلامة الحلي، قوله:

 فشرعت فيه والعين تجري دماً، والقلب يرشح قبيحاً، قد ضاقت بي الأرض ذات الطول والعرض، فلا مأوى ألتجئ إليه، ولا مرجعاً أعتمد عليه، ولا سوراً به أحتمي، ولا حصناً إليه ألتجئ لما حلّ بي من المصائب، وكثرة النوائب، وسلب الرياش، وضنك المعاش، وعدم التأييد والسداد، وكثرة الخصماء والاحتداد، وموازرة السفهاء والحسّاد، والطعن من ذوي الجهل والحقد والعناد، في عشاء ليلتي أفكّر، ولعشاء الأخرى أتبصّر، لم آكل إلا الخبز اليابس كالحجر الجابس، بل بقيت مدة متحيراً في الفطور، ومفكراً في السحور، فكنت أكتب فيه في شهر رمضان سنة 1229هـ وقد كان الابتداء فيه في جمادي الثانية في تلك السنة … إلى أن قال:

وشرعت فيه في زمان قد غمر الأنام بلاؤه، وضاقت عليهم أرض الله وسماؤه، وقد ارتفعت جهّاله، وظلمت أحكامه وأعلامه، لا زال أهل العلم فيه قاصين عن أوطانهم، نائين عن بلدانهم، قد خمدت مصابيح الأمة، وانزوى الوكلاء من قبل الأئمة، واضمحلت شوكة الدين، واستقامت سلطة الجاهلين. قد ارتفعت فيه الجهلاء، وانخفض فيه العلماء، فلا مأوى يلتجؤن إليه، ولا مرجعاً يعتمدون عليه، ولا سوراً به يحتمون، ولا حصناً يعتصمون، قد عطلت منابرهم، ويبست مخابرهم، وغصبت مناصبهم، وتكاثرت مصايبهم.

واستشهد ببيت أبي العلاء المعرّي، بقوله:

ولمّا رأيت الجهل في الناس فاشياً           تجاهلت حتى ظنّ أنّي جاهل

والمدارس فيها بكاء ودموع، وحنين وخشوع، قد سدّت أبوابها وفقدت طلاّبها، وأبيدت عساكر الاشتغال، وأحييت سنن القيل والقال، واندرست المدارس، وتصرمت تلك المحافل والمجالس، وتلك الحلقات التي كانت تطلع في الحضرة الشريفة على الشموع قد اندرست وهيهات أن يكون لها رجوع، فوا أسفا على تلك الطلول والربوع… .

وللشيخ محمد بن يونس الشويهي النجفي وصف آخر لوضع النجف في عصره في مقدمة كتابه (ميزان العقول) في المنطق، فقد أطنب فيه وصور وضع النجف الأشرف في عصره من الفوضى الذي أحدثها الحزبان حزب الشمرت وحزب الزقرت كأنك تراه.

وفي هذه السنة توفي  في النجف وأقبر فيه السيد كاظم القزويني النجفي الشهير بالكيشوان، وكان عالماً فاضلاً.

( تاريخ النجف الأشرف- ج 2/محمد حرز الدين )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.