الأحد , 28 أبريل 2024
الرئيسية » تاريخ النجف الأشرف » الوقائع » حوادث الشمرت والزقرت ومحنة العلماء

حوادث الشمرت والزقرت ومحنة العلماء

وقائع

سنة 1231هـ 1815م……

في هذه السنة بلغت المصادمات أشدّها بين طائفتي الشمرت والزقرت في النجف.

نقل المحدث النوري عن كتاب (التحفة الغروية) في أواخر بحث الخلل، للعالم الزاهد العابد الشيخ خضر بن شلال العفكاوي النجفي، قائلاً:

إن هذه المباحث كتبت والبنادق فوق رؤوسنا كمخاطف النجوم في الفئة الثانية الواقعة في النجف في ثاني شهر رمضان سنة 1231هـ بين طغاة الزقرت وفسقة الشمرت، حتى قتل بها خلقاً كثير منهم جماعة لا نظير لهم في النسك والتقوى، وبلغت إلى حدّ قد التقت حلقتا البطان فتفرق الناس في الأمصار ومنهم من تحول من مكان إلى مكان لاسيما العلماء، فرجّح كثير منهم الفرار إلى محلة الشمرت (المشراق) الذين يعلنون بسب شيخ الطائفة وعمادها المطهّر الشيخ جعفر قدّس الله نفسه، ويريدون بأولاده وبمن معهم من العلماء الأعلام سوءً زعماً منهم أنه وولده هم المقوّمون لجماعة الزقرت، على نحو ما زعمه الخوارج في علي عليه السلام يوم الصلح المقهور عليه، استناداً في الترجيح المزبور إلى أمور قد لا تكون عذراً لبعضهم منها مخافة الفتك من العساكر التركية التي توجهت من والي بغداد العثماني لنصرة الشمرت، فأعلموهم ما هم عليه من بغض أولاد الشيخ المرحوم ومن معه في محلة العمارة، وأنهم هم الذين قتلوا من قتل من المعسكر ونحو ذلك من الزور والبهتان ورشوهم أيضاً، فأمر القائد عساكره بقتال من تخلف من أهل العلم في المحلة المذكورة على وجه لا يرقبون فيهم إلا ولا ذمّة، فتدرّع أهل العلم عند ذلك بدرع الله الحصينة، وبما لو لم يتدرّعوا به لبقيت والله أعلم واضحة في وجه دين محمد صلى الله عليه وآله إلى يوم القيامة.

ولما رأى العسكر منهم ذلك وإنه لا طاقة لهم بمقالتهم ندموا على ما فعلوا، وعمدوا إلى إعمال الحيلة والخديعة، فطلبوا أن يجتمع معهم الشيخ علي بن المرحوم  الشيخ جعفر لأن أخويه شيخنا ومولانا الشيخ موسى والشيخ محمد كانا في ذلك الوقت في بلد الكاظمية، فاجتمع في محلة الشمرت في البيت الذي فيه الحاكم ورؤساء العسكر فقبضوا على الشيخ علي وابن عمّ له باحتشام، وشرطوا على بقية العلماء خروج الزقرت، أو طرد كل من في محلة العمارة من العلماء على وجه تكون طريقاً للعساكر الذين يخشى منهم على النفوس المحترمة والأعراض أشدّ الخوف.

ولو أعطينا الأمان والإيمان سبعين مرة ما دامت راية للزقرت الذين لم يرضوا بكلا الطريقين منصوبة، فتفاقم الأمر واضطرب الناس اضطراباً شديداً، وهرب كل من بقي مع أولاد الشيخ الصغار بعد القبض على أخيهم المذكور، ولم يبق إلا نفر يسير، كان الحقير من جملتهم تصديقاً لما رآه في عالم الطيف قبل هذه الواقعة بعدة سنين من أنه راية ليزيد وراية للحسين عليه السلام اقتتلتا فنصر الحقير راية الحسين عليه السلام التي رآها في ذلك العام على نحو ما رآها في اليقظة، فقلت لهم: قوموا إلى الدعاء والذي لا يعبأ الرب بكم لولاه، فقمنا إلى مرقد المرحوم الشيخ جعفر فدعونا عنده في ليلة القدر التي فيها يفرق كل أمر حكيم ببعض الأدعية المشتملة على الاستغاثة بمن جُعلت فداهم، إلا وشممنا رائحة الإجابة، فيما مضت ساعات إلا وبلغنا خروج الزقرت الذي كان ميؤوساً منه، فسُرَّ العسكر بذلك سروراً عظيماً وظنوا أن ذلك من أهل العلم، وأنهم لو تعرضوا لهم بسوء لعاد الأمر على ما كان، فأمهلوهم في الأيام التي اشتغلوا بها في هدم دور الزقرت ونهب ما بقي فيها من الأموال إلى أن انكسرت شوكة غضبهم، بعد أن دعاهم الشيخ علي بن الشيخ جعفر ـ بعد إطلاقهم له ـ إلى دار الضيافة ولكن بقوا يتوعّدون منهم الحقير الذي لهج بفعله لسان رئيس العسكر وكثير من أتباعه كفعل العالم العامل الشيخ إبراهيم الجزائري الذي بذل الجهد في نصرة الراية المنسوبة إلى راية الحسين عليه السلام بسيفه ولسانه حتى أدخل الرعب إلى الراية المنسوبة إلى يزيد حيث إنه كان يجمع عليهم من التفك ويضربهم به دفعة على وجه ترتعد منه فرائص العسكر، ويظنون أنهم قد أخذوا من كل مكان، واختفينا عنهم أياماً قلائل إلى أن ظهرت لأمير المؤمنين عليه السلام المعجزات التي يتبع بعضها بعضاً، فتفرق العسكر وهربوا جميعاً من البلاد على وجه لا يكاد يلحق آخرهم أولهم، وقبض على الحاكم وانهزم رئيس الشمرت ومن تبعه عند مواجهتهم والي العراق في طلب الجائزة، وحدث الحادث الذي كادت أن تميد الزوراء بخروج كثير من رؤساء الدولة مدعياً مقدمهم الوزارة لنفسه. هذا تمام كلامه، والحادث في الزوراء هو خروج الوالي داود باشا عن طاعة الدولة.

وتظهر مكانة الشيخ إبراهيم الجزائري ومقامه وقدره وفعاليّاته تجاه هذه الفتنة في النجف، في كلام للسيد محسن الأمين في ترجمته، قال:

الجزائري نسبة إلى جزائر خوزستان، والظاهر أنه من أجداد آل الجزائري النجفيين الموجودين إلى اليوم، وهم بيت علم وفضل ونجابة، خرج منهم جماعة من فحول العلماء وأعيان الشعراء والأدباء مقل الشيخ أحمد الجزائري صاحب

(آيات الأحكام) وغيره. والشيخ إبراهيم هو الفقيه المجتهد الذي أمضى حكمه أجلّاء الفقهاء، فقد وجد له حكم في صدر ورقة مؤرخة سنة 1223هـ بوقفية مدرسة الكاظمية، هذه صورته: (ما سطر فيها لا شك فيه، وقد حكمت به، وأنا الأقل إبراهيم الجزائري).

وكتب تحته بخط الشيخ جعفر صاحب (كشف الغطاء) ما صورته: حكم الشرع الشريف المنيف بأن مدرسة المرحوم المبرور المأجور بالأجر الموفور الشيخ أمين وقف على كافة المشتغلين، والمتولي جناب الشيخ حسن هادي بمحضر من الأقل جعفر بن خضر الجناحي بخط يده.

وكتب السيد محسن الأعرجي، والشيخ أسد الله الدزفولي التستري صاحب (المقابس): قضى حاكم الشرع الشريف بوقفية المدرسة المزبورة ونصب شيخنا الشيخ حسن هادي دام ظله.

( تاريخ النجف الأشرف- ج 2/محمد حرز الدين )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.