سنة 1073هـ – 1662 م …
في حدود هذه السنة حصلت إحدى الكرامات عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام.
قال الشيخ المجلسي: ومن الكرامات ما تواترت به الأخبار , ونظموها في الأشعار , وشاع في جميع الأصقاع والأقطار , واشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار , والواقعة على ما سمعته من الثقات , أنه كان في المشهد الغروي المطهر عجوز تسمى مريم , وكانت معروفة بالعبادة والتقوى , فمرضت مرضاً شديداً وامتد بها حتى صارت مقعدة مزمنة وبقيت كذلك قريباً من سنتين بحيث اشتهر أمرها , ثم إنها لتسع ليالٍ خلون من رجب تضرعت لدفع ضرها الى الله تعالى, واستشفعت بمولانا أمير المؤمنين عليه السلام , وشكت إليه عليه السلام في ذلك , ونامت فرأت في منامها ثلاث نسوة دخلن إليها , وإحداهن كالقمر ليلة البدر نوراً وصفاءً, وقلن لها: لا تخافي ولا تحزني فإن فرجك في ليلة الثاني عشر من الشهر المبارك , فانتبهت فرحاً, وقصّت رؤياها على من حضرها , وكانت تنظر ليلة ثاني عشر رجب, فمرت بها ولم تر شيئاً, ثم ترقبت ليلة ثاني عشر شعبان فلم تر شيئاً أيضاً, فلما كانت ليلة تاسع من شهر رمضان رأت في منامها تلك النسوة بأعينهن وهنّ يبشرنها , فقلن لها إذا كانت ليلة الثاني عشر من هذا الشهر فامضِ الى روضة أمير المؤمنين عليه السلام وأرسلي الى فلانة وفلانة وسمّين نسوة معروفات- وهنّ باقيات الى حين هذا التحرير- واذهبي بمن معك إليها , فلما أصبحت قصّت رؤياها وبقيت مسرورة ومستبشرة بذلك الى أن دخلت تلك الليلة , فأمرت بغسل ثيابها وتطهير جسدها , وأرسلت الى تلك النسوة, دعتهن فأجبن وذهبن بها محمولة لأنها لا تقدر على المشي, فلما مضى قريب من ربع الليل خرجت واحدة منهن واعتذرت منها وبقيت معها اثنتان وانصرف منهن جميع من حضر الروضة المقدسة وغلقت الأبواب ولم يبقى في الرواق غيرهنّ, فلما كان وقت السحر أرادت صاحبتاها أكل السحور أو شرب التتن فاستحيتا من الضريح المقدس, فتركتاها عند الشباك المقابل للضريح المقدس في جانب القبلة وذهبتا الى الباب الذي في الجهة الخلفية والذي يفتح على الصحن المبارك, وبعد ساعة رجعتا إليها بعد قضاء وطرهما فلم تجداها في الموضع الذي تركناها ملقاة فيه, فتحيرتا , فمضتا يميناً وشمالاً فإذا بها تمشي في أتم الصحة والاعتدال , فسألتاها عن حالها وما جرى عليها, فأخبرتهما:
إنكما لما انصرفتما عني رأيت تلك النسوة اللاتي رأيتهن في المنام أقبلن وحملنني وأدخلنني داخل القبة المنورة وأنا لا أعلم كيف دخلت ومن أين دخلت, فلما قربت من الضريح المقدس سمعت صوتاً من القبر يقول : حركنّ المرأة الصالحة وطفن بها ثلاث مرات, فطفن بي ثلاث مرات حول القبر, ثم سمعت صوتاً أخر يقول : أخرجن الصالحة من باب الفرج فأخرجنني من الجانب الغربي , والآن مضين عني , وجئتماني وأنا لا أرى بي شيئاً مما كان من المرض والألم والضعف, وأنا في غاية الصحة والقوة, فلما كان آخر الليل جاء خازن الحضرة الشريفة وفتح الأبواب فرآهنّ يمشين لا تتميز واحد منهنّ.
قال ( أي المجلسي ): وإني سمعت من المولى الصالح التقي مولانا محمد طاهر الذي بيده مفاتيح الروضة المقدسة , ومن جماعة كثيرة من الصلحاء الذين كانوا حاضرين في تلك الليلة , أنهم رأوها في أول الليلة محمولة وفي آخر الليل سائرة أحسن ما يكون عند خروجها .
أورد هذه الحكاية الخاقاني في ترجمته من كتابه ” نشوة السلافة ” , وقد نظم الشيخ يوسف الحصري هذه الكرامة في أرجوزة تزيد على مئة بيت , قال في بعض منها:
عام ثلاث بعد ســـــــبعين تلـت ألفاً من الهجرة في الحصر علت
قـــــــد كانت فيه امرأة كبــيرة صــــالحة بدينها بـــــــــــصيرة
حتى جـــــــفاها أعطف الأولاد فضلاً عن الجيران والـــــــعوّاد
فجاءها في شهر جمادي الأول في النوم نســــــوان ثلاث تنجلي
فقلن يا أختاه مهلاً فاصبـــري وبالثواب في المعاد فابشــــــري
حتى يقول ………..
قالت ففي أي دواءٍ دائـــــي يذهب حتى أرتجي شفائـــي
قلن شفاك عند من تزعزع منه السموات البطين الأنزع
( تاريخ النجف الأشرف- ج 2/محمد حرز الدين )