التحديد الجغرافي
لقد ورد ذكر الثوية في موضعين احدهما في الحيرة والاخرين في الكوفة فقد ذكرت بعض المصادر ان الثوية خريبة تقع الى جانب الحيرة على ساعة منها وانها كانت سجنا للنعمان بن المنذر كان يحبس فيها من اراد قتله وقال البكري انه موضع من وراء الحيرة قريب من الكوفة كان سجنا اذا حبس فيه انسان ثوى فيه قال عدي بن زيد:
وبتن لدى الثوية ملجمات وصبحن العباد وهن شيب
وقد اختلفت المصادر في تحديد موقع الثوية في الكوفة وقد قيل ان الثوية موقع في ظهر الكوفة وهذا يتفق مع الراي السابق ان الثوية موضع قريب من الكوفة وقد تبين بعد التدقيق والتحقيق ان الثوية موضع يقع بعد خندق الكوفة باتجاه مدينة النجف الاشرف التي تعتبر (ظهر الكوفة) ثم يأخذ خطا نحو الجنوب وباتجاه مدينة الحيرة وذلك بمحاذاة الخندق وبما ان الثوية هي في الاساس كانت مقبرة لاهل الكوفة وقد دفن فيها ستة الاف من المسلمين الذين استشهدوا في ليلة الهرير بيوم القادسية فدفنوا في الخندق .. فالخندق اذاً هو بداية الثوية ويسمى الخندق عند النجفيين والكوفيين في الوقت الحاضر (بكري سعدة) وهو نسبة الى سعد بن عمرو بن حرام وقد امر القائد سعد ابن ابي وقاص بكري الخندق بعد يوم القادسية.
يطلق على المنطقة الواقعة باتجاه مدينة النجف ابتداء من الخندق او كري سعد باسم (ظهر الكوفة) وهذه المنطقة كبيرة وشاسعة والجزء الاخر منه يسمى الاول منها وهو الملاصق لمدينة الكوفة يسمى بالثوية والجزء الاخر منه يسمى بالغري او الغريين وبما ان كلاً من الثوية والغري يقعان في ظهر الكوفة فقد اختلط الامر على كثير من المؤرخين فدمجوا المنطقتين معاً او وضعوا الواحدة مكان الاخرى.
وقد احتضنت مدينة النجف التي تشكل ظهري الحيرة والكوفة منطقتي الثوية والغري فالثوية تقع في شرق الغري وتضم منطقة الحنانة ومرقد كميل بن زياد النخعي اما الغري فهي المنطقة التي تشكل قمة الظهر حيث يتربع فوقها مرقد الامام علي (ع).
الثوية في الشعر العربي
انشد النعمان بن البشير الانصاري:
بين الثوية والجسرين يقدمها حمال ألوية طلاع أنجاد
والجدير بالذكر ان النعمان بن بشير كان واليا على الكوفة في عهد يزيد بن معاوية وقد عزله منها بعد قيام الامام الحسين (ع) بالثورة عام 61هـ فحل محله عبيد الله بن زياد.
وقال الشاعر الكبير ابوالطيب المتنبي:
وليلا توسدنا الثوية تحته كأن ثراها عنبر في المفارق
الثوية في التاريخ:
ترتبط منطقة الثوية بتاريخ مدينة الحيرة ومملكتها العربية قبل الاسلام وقد اختلفت المصادر في مدى ارتباطها بهذه المدينة فقد قيل: كانت سجنا للنعمان بن المنذر كما ذكرنا وقيل كانت مقبرة لأهل الحيرة وقد أشارت الى ذلك الشاعرة الاسدية هند بنت معبد في رثاء خالدين المضلل او ابن نضلة وزميله عمرو بن مسعود الذين قتلا بأمر المنذر بن أمرئ القيس المعروف بأبن ماء السماء:
فمن كان يعيا بالجواب فإنه ابو معقل لا حجر عنه ولا صدد
أثاروا بصحراء الثوية قبره وما كنت أخشى ان تناءى به البلد
ومن خلال ما ورد بيدو ان الثوية كانت تشكل مساحة شاسعة من الارض تمتد بين الكوفة والحيرة الى ظهريهما وتؤلف المنطقة (طرف البر) وتعتبر مدينة النجف في الوقت الحاضر جزءا منها وقد سكن في هذه الصحراء عدد من القبائل العربية ومنها قبيلة طيء.
اما في التاريخ الإسلامي فقد ارتبطت الثوية بمدينة الكوفة لاشك أنها وريثة الحيرة في عصر ما قبل الإسلام وقد نص بعض المؤرخين ان الثوية موضع بالكوفة أو في ظاهرها ولكن الأصوب أنها تقع في ظاهر الكوفة أو في ظهرها مما يلي خندقها وذلك بأتجاه مدينة النجف حيث يقع فيها مرقد كميل بن زياد النخعي المتوفي عام 82هـ وما زال قبره ماثلا حتى الوقت الحاضر، وقد احتلت قبيلتا ثقيف وقريش جزءا منها إذ أكدت المصادر ان المغيرة بن شعبة المتوفي عام 50هـ قد دفن في الثوية وفي مقابر تقيف مع أفراد قبيلته .. ولكن بعض المؤرخين لاسيما الخطيب البغدادي المتوفي عام 463هـ قد خلط بين الثوية والغري ولعل مرجع وهمه هو ان المنطقتين تقعان في ظهر الكوفة أولا ومتجاورتان ثانيا ولكن الثوية هي اقرب الى الكوفة من الغري ومن ثم لا أهمية لما ذكره الخطيب البغدادي ان أبا جعفر الحضرمي كان ينكر ان يكون القبر الواقع بظاهر الكوفة هو قبر علي ابن ابي طالب وكان يقول: لو عملت الرافضة قبر من هذا لرجمته بالحجارة، هذا قبر ا لمغيرة بن شعبة.
والمصادر تؤكد موضع قبر الامام علي بن ابي طالب(ع) في منطقة الغري خارج منطقة الثوية التي دفن فيها المغيرة بن شعبة وغيره من افراد قبيلته.
وذكر ابن طاووس المتوفي عام 693هـ عن زيد بن طلحة قال: قال لي ابو عبد الله الصادق (ع) وهو بالحيرة (أما تريد ما وعدتك قال: قلت بلى يعني الذهاب الى قبر امير المؤمنين(ع) قال فركب وركب اسماعيل معه وركبت معهم حتى اذا اجاز الثوية فكان بين الحيرة والنجف عند ذكوات بيض ونزل اسماعيل ونزلت معهم فصلى وصلى اسماعيل وصليت وقد حدد الامام الصادق(ع) لبعض صحابته موضع قبر الامام علي من الثوية بالقول: (إذا خرجتم فجزتم الثوية والقائم وصرتم على النجف على غلوه او غلوتين رأيتم ذكوات بيض بينهما قبر جرفه السيل فذاك قبر أمير المؤمنين والغلوه تحدد بقدر رمية سهم وهذا التحديد الذي ذكره الامام الصادق كان دقيقا لأن الانسان إذا اجتاز الثوية والقائم هي منطقة الحنانة في الوقت الحاضر ووصل الى حدود النجف تراءت له المرتفعات التي هي الذكوات البيض التي تقع بينها وبين قبر الامام علي … يقول ابن ابي حديد المتوفى 510هـ مات بالكوفة ثلاثمائة صحابي ليس قبر أحد منهم معروف سوى قبر أمير المؤمنين عليه السلام.وهذا القبر الذي يزوره الناس الآن جاءه جعفر بن محمد عليه السلام وأبوه محمد بن علي الباقر عليه السلام ولم يكن اذ ذاك قبرا معروفا ظاهرا حتى جاءه محمد بن زيد الداعي صاحب الديلم فأظهر القبة.
ان من الصواب ان يوصي الامام علي(ع) بنيه بالدفن في منطقة الغري خارج منطقة الثوية وأن يخفي موضع قبره خشية امتداد يد العابثين من أعدائه إذ انه لم يدر بخلد أحد من الناس او الكوفيين بالذات، انه قد دفن بالغري لأن المتعارف عليه ان الموتى من اهل الكوفة يدفنون في الثوية .. وقد بقي قبر أمير المؤمنين مخفيا طيلة العهد الأموي وجزءا من العهد العباسي، يقول ابن ابي الحديد (ولم يعلم دفنه في الحقيقة الا بنوه والخواص المخلصون من أصحابه فانهم خرجوا به عليه السلام وقت السحر في الليلة الحادية والعشرين من شهر رمضان فدفنوه في النجف بالموضع المعروف بالغري بوصية منه اليهم في ذلك، ومن المحتمل ان منطقة الحنانة تكون الحد الفاصل بين الغري والثوية وقد مر جثمان الامام علي بالحنانة وهو في طريقه الى الغري وقد روي عن المفضل بن عمرو قال: جاز الامام الصادق عليه السلام بالقائم المائل في طريق الغري فصلى ركعتين فقيل له: ما هذه الصلاة؟ فقال هذا موضع رأس جدي الحسين عليه السلام وضعوه هنا لما توجهوا من كربلاء ثم حملوه الى عبيد الله بن زياد.
ومن الجدير بالذكر ان كثير من المصادر التاريخية ذكرت ان الكثير من الصحابة والتابعين وحتى من اعداء أهل البيت ومنهم الاحنف بن قيس وزياد بن أبيه وأبو موسى الاشعري وعلى الأظهر ان جماعة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام قد دفنو في منطقة الحنانة منهم خباب بن الارت وقرضة بن كعب وسهل بن حنيف وعبد الله بن يقطر وعبد الله بن أبي أوفى وكميل بن زياد النخعي ولم يبقى من هؤلاء الصحابة والتابعين في الوقت الحاضر سوى كميل بن زياد المتوفى عام 82هـ.
وقيل عام 88هـ وكان كميل بن زياد والي الامام على هيت وقد شهد معه معركة صفين وقد قتل بأمر من الحجاج بن يوسف الثقفي وقد استطاع أحد المتصوفة أبراز قبره وبناء قبة عليه.
ومن الجدير بالذكر ان منطقة الثوية وخاصة مرقد كميل بن زياد قد أصبحت عام 1918م مقرا للجيش البريطاني الذي ارسل الى مدينة النجف بقيادة بلفور أثر مقتل حاكم النجف الكابتن مارشال وقد ضرب الجيش البريطاني حصارا عنيفا على المدينة قارب الخمسين يوما حرمت بموجبه المدينة من كل مورد وحتى من مياه الشرب، وفي أثناء فترة الحصار هذا أعدت جمعية النهضة الاسلامية عشرات الرسائل الموجه الى العشائر المحيطة بالنجف من أجل اسناد الثوار أولا وفك الحصار عن المدينة ثانيا وبعثت هذه الرسائل بيد رسول خاص من عشيرة العوابد الذي استطاع ان يخرج من باب (الثلمة) احدى أبواب سور النجف الكائن في الباب الغربي من المدينة، ولكن الانكليز المعسكرون حول البلدة قبضوا عليه وسيروه الى مقر الجيش الرئيسي في الثوية فاخذت منه الرسائل وأعدم شنقا كما أعدم في منطقة الثوية أيضا كل من كاظم بن مهدي البستنجي وشعلان تاجيه من قبل الانكليز وذلك قبل يومين من تنفيذ حكم الاعدام بقادة حركة النجف البالغ عددهم أحد عشر شخصا في 30 مارس 1918هـ وذكرت المصادر ان الانكليز قد اعدموا في (كري سعدة) كاظم بن مهدي البستنجي وهو من شرطة أبو صخير ممن ثاروا على الانكليز في ثورة النجف على الانكليز في المرة الأولى.