وثائقي بحر النجف
إنتاج مؤسسة الحكمة
بقلم: علي اليساري
* حالما تتزود الروح من التمسح برياض بحر العلم ويهدأ لهفها لرؤية من حبه جنة ، ينتبه الجسد ناشداً حقه في الإفاقة واستنشاق هواء الدنيا في فراغ يشحذ الفكر بالتأمل في ذات الأجواء المقدسة.
* أسراب الحمام تسبح في سماء مأوى اليتامى ، ثم تتجه غرباً لتهوي في وادي سحيق ، ألاحقها ببصري ثم أتبعها بقدمي ، أمتار قليلة ثم أتوقف على أعلى نقطة تفصل بين الفضاء المفتوح وهاوية ذلك المنحدر الذي دهمته أمواج بحر (الإيمان كله)، فراح يغور حياءاً حتى جف بحر (الني) ولم يبق منه إلا طيف بأربعة ألوان:
* الساحل المتعرج في أماكن والمنبسط في أخرى، رماله الذهبية تحاكي في صفرتها أشعة الشمس.
* يتبعه شريط أخضر هو خليط من البساتين وأشجار الرمان والحمضيات، يبدأ من المكان المقابل لوادي السلام شمالاً ليتجه جنوباً حتى أقصى ما يدركه البصر.
* المزارعون الذين يستثمرون الساحل الرملي بالإضافة الى الشريط الأخضر في السكن، يعتمدون على جدول (غازية) في ري هذه البساتين ومروج خضراء هي مختلف أنواع الخضروات فضلاً عن حقول الحنطة والشعير التي تزرع شتاءاً لتشغل مساحة أكثر من 950 دونم.
* الأبيض هو ثالث ألوان البحر الذي قدر للملح وأحجار الدر أن تكتسي به فيها من الخيرات التي تزخر بها أرض هذا الوادي غامض التكوين.
* آخر ألوان الطيف هو الأزرق ، وقد أكتسبته البرك المائية المتصلة والتناثرة من السماء.
* هذا هو بحر النجف الذي ذكره الآراميون بإسم (فرقى) والساسانيون بإسم (الجوف) وأطلق عليه اليونانيون في زمن الاسكندر الكبير عبارة (أهواري يوميا) كما سماه اليهود (حاشور) ويعنون بها المياه المتجمعة من أصل واحد ، وبعد تأسيس مدينة النجف ، صار الاسم الشائع له هو هور النجف أو بحيرة النجف أو بحر النجف…
ولكن كيف حدثت النشأة الأولى لهذا البحر؟ ، وما هي الآراء المطروحة حول هذه النشأة ؟
* بعض الجغرافيين يقول أن بحر النجف هو المجرى القديم لنهر الفرات، حيث كان يمر بوادي حوران ثم أهوار أبو دبس فبحيرة الرزازة، لينتهي عند هور الشنافية، كما نجد رأياً آخر يقول أن ذلك البحر تكون بسبب التعرية السطحية المنحدرة من الشمال الغربي، ذاك أن المنطقة التي تحيط به منطقة صخرية صلبة تفسح صخروها المجال للمياه كي تنحدر نحو المنخفض، ويتغذى هذا البحر حالياً بأربعة جداول رئيسية تتجه من الجنوب الغربي الى الشمال الشرقي، وهي : السدير، أبو جذع ، البديرية ، الهاشمي .
* بحر النجف يوازي نهر الفرات في امتداده ولا يفصله عنه سوى (15 كيلومتر)، قاطعاً ما بين شمال غرب مدينة النجف الى جنوب غرب ناحية الحيرة (40 كيلومتر).
* تحده من الغرب الصحراء ومن الشرق مدن النجف والحيرة والمشخاب ، وهو متباين الاتساع، إذ يبلغ عرضه من الجنوب الشرقي ستة عشر كيلومتراً ، بينما يتقلص في الوسط ليصل الى عشرة كيلومترات، وتبلغ مساحته الكلية أربعمائة وخمسة وثلاثين كيلومتراً مربعاً.
* عمقه يقدر بعشرة أمتار فوق سطع البحر ولأنه بمنخفض عن الأراضي المجاورة له أربعين متراً فهو معرض للفيضانات المستمرة.
* حين أراد خالد بن الوليد فتح الحيرة سنة (12هـ) سأل عبد المسيح بن بقيله قائلاً له: ماذا أدركت؟ فأجابه : أدركت سفن الهند والصين تمخر في هذا النجف.
* وبينما كانت القصور المنيفة ، كالخورنق والسدير، والأديرة العامرة كالأبيض والعدسيين ودير هند ودير الاساقف، تقع على الساحل الشرقي لهذا البحر فإن السفن المحملة بالبضائع تأتي من أوربا لتلتقي بسفن الهند فيتحقق هنالك التبادل التجاري، فمتى بدأ هذا البحر بالجفاف؟
* جف البحر ولكن موارده لم تجف ، فقد تحول قسم من قاعه الى أراضي زراعية بلغت ثمانية وخمسون ألف دونم ، تنتج القمح والشعير والرز والخضروات والفواكه، إضافة الى التمر الذي يتم جنيه من البساتين الغناء التي تشكل شريطاً أخضر على الضفة الشرقية للبحر.
* كما أن الملح وصيد الطيور والأسماك هي مصادر رزق يدرها البحر لفئة كبيرة من الناس الذين يسكنونه.
* أناس كثر تقصد بحر النجف للاسترزاق من جمع الأحجار الكريمة كدر النجف بألوانه المختلفة ، والطين خاوة وغيرها.
* أنشئ في السنوات الأخيرة مصنع لتعبأة المياه النقية يعتمد على استخراج الماء من قاع بحر النجف لغزارة مياهه الجوفية التي تنطوي على فوائد صحية ربما تعطينا الاستكشافات العلمية القادمة صورة واضحة عنها.
بعد التحولات التي حدثت في العراق، جرت خطوات جادة لاستثمار البحر كمرفق ترفيهي مكمل للسياحة الدينية.
أولى هذه الخطوات بدأت بتغليف جبل الحويش الذي يطل على البحر بالحجر، كما تم تشجيره وتزيينه ليكون محطة استراحة للزائرين وأهالي المدينة، ولا شك أن الآتي أعظم