النجف في رحلات الشرقيين -6-
رحلة صحفي*
لم يكن في (مدينة النجف) خلال بسط النفوذ التركي عليها رغم جودة هوائها وحسن مناخها أي أثر من آثار الحضارة والعمران وكل ما تمتاز به هذه (المدينة) المقدسة هو وجود ضريح الإمام علي بن أبي طالب فيها وقد عني بتشييد هذا الضريح وتنسيقه وزخرفته في صورة تبهر الألباب وتسبي العقول أشهر مشاهير مهندسي الفرس وكان ذلك تحت إشراف ملوك إيران وأمراء الهند وعظمائهم ولقد زاد في جمال ذلك البناء الفخم بعض سلاطين آل عثمان وحكام العراق أما الضريح فقائم في مقصورة مربعة طول كل منها ثلاثة أذرع بوجه التقريب على ما أذكر وهكذا ارتفاعه. وهذه المقصورة تعلوها قبة شاهقة عظيمة يزين سقفها نقوش هندسية بديعة، وآيات من الكتاب العزيز وأحاديث نبوية تختص بآل البيت وكلها محلى بالذهب الإبريز ولهذه القبة من الخارج شكل قلّما يوجد له نظير بين قباب الأضرحة والمساجد أيضاً في العالم كله، إذ أنها مكسوة بطبقة نحاسية تعلوها طبقة ثانية من الذهب الخالص ويبلغ سمك هذه الطبقة الذهبية ثلاث (مليمترات) على ما أكد لي بعض الفنيين المطلعين على بنائها.
وهكذا شرفات المآذن الكبيرة والمحيطة بالقبة الذهبية فإذا ما أشرقت الشمس بأشعتها على تلكم القبة والمأذنتين فإن الناظر إلى (النجف) يجد وهو على بعد أميال منها بريقاً يأخذ بالأبصار، وتألقاً يشع النور في الفضاء، ويرتفع إلى عنان السماء أما الأموال التي أنفقت في سبيل كساء القبة وحدها بطبقة ذهبية فتقدر بمبالغ طائلة جادت بها نفوس ملوك الفرس وأمراء الهند وسواهم من أثرياء الشيعة، ويحيط بضريح الإمام علي بن أبي طالب (ع) رواق واسع لطواف الزائرين، ولهذا الطواف وكذا الزيارة نظام ينفذه أناس عديدون وفي الرواق المذكور من الزخرف ونفيس الآثار القيمة ما يدهش العقول، ومدخل الرواق محلى من الذهب الإبريز أما بابه فمصنوع من الفضة وحوله فناء واسع يحيط به سور عظيم(1) شيدت إلى جوانبه غرف عديدة خصص بعضها لسكن القائم على صيانة الضريح ورؤية شؤونه والبعض الآخر لتعليم الأطفال وبيع الكتب وغير هذا من المتاجر، ويوصف أمين الضريح (الكليدار) وهي كلمة فارسية معناها حافظ المفتاح ولا بد أن يكون من الأشراف الذين توارثوا سدانة الضريح ولهذا الأمين نفوذ كبير لدى الخاصة والعامة.
———————————————————————————————————-
* السيد عبد الرحمن شرف صاحب جريدة السفير المصرية ونشرت رحلته هذه تحت عنوان رحلة في (الشرق المجهول) بالعدد المرقم 30 والمؤرخ 18 كانون أول سنة 1928م نقلاً عن كتاب مشهد الإمام ج1 صفحة 57.
(1) يقصد الصحن الشريف
رحلة عبد الوهاب عزام*
برحنا كربلاء – والساعة خمس من المساء – قاصدين النجف الأشرف، فناوحنا الجنوب منحرفين قليلاً إلى الشرق، في بيداء جرداء. فبلغنا النجف، والساعة سبع.
والنجف ، مدينة مسوَّرة. بني سورها – أيام ثورة الوهابيين الأولى – خيفة على المدينة من عاديتهم.
نزلنا في دار النائب الوجيه عبد الرزاق آل شمسه، فاستقبلنا – هناك – حاكم البلد (القائمقام) وكثير من العلماء والفضلاء.
ثم سرنا إلى مشهد الإمام علي، والمسجد إحدى آيات البناء عظمة أبهة ونظاماً.
فيه فناء عظيم، تحيط به أبنية كثيرة رفيعة، فيها معاهد للدرس، ومساكن للطلاب والعلماء.
وقد حُدّثت أن طلاب العلم في النجف يزيدون على عشرة آلاف. ولا عجب، فهو مشهد تهفو لذكراه أفئدة المسلمين عامة، ولا سيما الشيعة منهم.
يحيط الفناء بمسجد عظيم، يزيغ البصر من جلاله وأبهته. مقدم المسجد كله والمنارتان الشامختان على جانبيه – كل هذا مغشى بصفائح الذهب الخالص. ولكن أنّى للداخل – الى حضرة أمير المؤمنين علي – عليه السلام – أن يعبأ بالذهب والزخرف.
* وهو شخصية تعنى بالفلسفة والتاريخ والأدب حيث حازت على أكثر من شهادة دكتوراه في هذا المجال وقد شغل مناصب دبلوماسية وتوفي سنة 1959م.
المصدر: موسوعة النجف الأشرف ج4