الأحد , 24 نوفمبر 2024
الرئيسية » تاريخ النجف الأشرف » لمحات من تاريخ الحركة الفنية في النجف – القسم الأول

لمحات من تاريخ الحركة الفنية في النجف – القسم الأول

لمحات من تاريخ الحركة الفنية في النجف – القسم الأول

najef2

 

موضوع طريف وشيق، ومهم جداً، وليس من السهل مطلقاً الخوض فيه، واستيعاب جوانبه المتعددة، وفروعه كافة، وتطوره، وشرح أحوال أعلامه، وذلك لعدم تدوين ما يتعلق به من مصادر تكون مرجعاً لمن يريد أن يكتب فيه، لاسيما في مدينة رائدة كالنجف التي تزخر بكل شيء في مختلف جوانب المعرفة.

وليس معنى هذا إننا يجب أن نشيح وجوهنا عن هذا الموضوع بحجة عدم توفر المعلومات الكافية، لذلك قررت أن أضع أول لبنة في هذا البناء الشامخ، لتكون بداية يضيف عليها من له التتبع والدراية فيه، ليستكمل حلقاته، وفي النهاية ليقف على رجليه ويكون مرجعاً بعد ذلك لمن يريد أن ينتهل من مادته. واقترحت على نفسي ـ تسهيلاً لها وترغيباً في دفعها لإنجاز المهمة ـ أن أتناول هذه الحركة في فترة نصف القرن الأخير من تاريخنا المعاصر وسأتناول فيه الجوانب التالية:

 

ـ التمثيل والمسرح.

 

ـ التصوير الفوتوغرافي.

 

ـ الرسم.

 

ـ الخط.

 

ـ النحت.

 

ـ الزخرفة المعمارية.

 

وأعتبر هذا الموضوع على بساطتها مساهمة في تدوين تاريخ وتطور هذا الجانب الحيوي من تاريخ هذه المدينة ولعل بعض المطالعين له يرون ذلك أيضاً تسامحاً منهم.

 

 

 

1. التمثيل والمسرح:

 

كانت مدينة النجف الأشرف من أوائل المدن العراقية التي أولت المسرح أهمية، ومنحته جهداً لا يستهان به باعتباره المؤثر والموجه لأخلاق الناس، والأداة الجيدة لإشاعة الكثير من القضايا الإصلاحية، والمنافع العامة، ومحاربة الرذيلة.

 

وأول رواية مثلت على مسرح مدرسة الغري الأهلية هي رواية (فتح الأندلس)، ولعلها أول رواية تمثل في النجف عام 1923ـ1924، وكان من المشاركين في تمثيلها السيد صادق كمونة المحامي، وكان له دور بارز فيها، وهو طالب في الصف المنتهي من المدرسة، ومن الطلاب المشاركين كذلك السيد حسن زوين وكان طالباً في الصف الرابع، وأعيد تمثيلها في صيف ذلك العام لغرض منفعة فقراء مدارس النجف.

 

ومن أقدم الروايات التي مثلت على مسارح النجف هي مسرحية:

 

(وفاء العرب ـ السمؤال) مثلت يوم العاشر من حزيران 1925 على مسرح مدرسة الغري الأهلية، ومن طلابها المشاركين فيها:

 

السيد حسن هادي زوين، السيد حسن جواد الرفيعي، وعبد الهادي الوائلي، ومحمد رضا السيد سلمان، وكان من الممثلين كذلك معلم مدرسة الغري السيد كاظم الحبوبي. وحصل الطالب السيد حسن زوين على جائزة نقدية من هيئة المدرسة قدرها (25) روبية لبراعته في التمثيل، وإجادته لدوره، وكانت له ـ كذلك ـ القابلية التامة في حفظ كل الرواية، لذلك كان يقوم أحياناً بتمثيل أدوار من يتغيب من الممثلين أثناء العرض، إلا ما كان يتعارض مع دوره.

 

ومن الطريف الذي يروى أنه هذه التمثيلية أثناء إجراء البروفة وعند إسدال الستار كان مجموعة من الممثلين يقومون ببعض الحركات الهزلية المضحكة وكان القسم الآخر من الممثلين ينظر إليها من خلف الستار فأعجب بالمنظر، مما دعا الممثلين لأن يضيفواً إلى الرواية فاصلاً هزلياً طريفاً يمثل من وراء الستار.

 

ثم أعيد تمثيل هذه الرواية ـ السمؤال ـ لمنفعة فقراء المدارس في الثلاثينات وكان ممن شارك في التمثيل عبد المهدي البرمكي، وعلي الصافي، وهاشم الحلي.

 

ثم مثلت رواية أخرى على قاعة مدرسة الغري الأهلية عام 1926ـ1927 الدراسية وهي تحت عنوان (فتح الأندلس) ومن المشاركين من طلاب متوسطة النجف: السيد حسن زوين، والسيد محمد رضا السيد سلمان، وعبد الهادي الخليلي، وعبد الهادي الوائلي، ومن المعلمين علي الوائلي، وأكرم رؤوف.

 

وفي العشرينات أيضاً وعلى وجه التقريب في العام الدراسي 1927ـ1928 مثلت رواية (يوليوس قيصر) مثلها طلاب (المدرسة الأولى) يوم كان مديرها الأستاذ محمد رؤوف الجواهري وفي الثلاثينات مثلت رواية (اليوم الموعود) وهي تمثل أمل العرب في الوحة وإنقاذ فلسطين بزعامة العراق المتمثل بالملك فيصل الأول، وأعيد تمثيلها في الحلة والديوانية والكوفة، على التتابع وقد شارك في التمثيل كل من: عبد الهادي الوائلي، ومحمد رضا السيد سلمان، وعبد الهادي الخليلي، وهاشم الحلي. وإسماعيل الجواهري، وإبراهيم كاشف الغطاء، وعلي الجزائري، ومثل دور فيصل الأول محمد علي إسماعيل.

 

وفي مساء يوم 21 شباط 1936 والمساء الذي يليه مثلت رواية (الاستعباد) على مسرح ثانوية النجف قام بتمثيلها فرع جمعية تشجيع المنتجات الوطنية وقد حضر هاتين الليلتين جمع كبير من المشاهدين لمشاهدتها من مختلف مدن الفرات. وعلى رأسهم متصرف (محافظة) كربلاء صالح جبر، وتخللت الفصول أناشيد وطنية مؤثرة من قبل كشافة مدرسة الغري الأهلية، كما خطب في الأثناء الشاعر محمد صالح بحر العلوم، وألقى قصيدته (الأثير) التي مطلعها:

 

 

 

آية يسعد فيها من وعى
عبد الله بها شرعته

  ليس للإنسان إلا ما سعى
ودعى العبد فلبى مسرعا

 

وخطب كل من سكرتير الفرع عبد الهادي محبوبة، والطالب عبد الهادي الوائلي ومعتمد المركز العام مهدي حيدر، وبعد نهاية التمثيل وزع متصرف (محافظة) كربلاء الأوسمة التي تحمل شعار الجمعية (الوطن قبل كل شيء وفوق كل شيء) على ممثلي الرواية وهم كل من: هاشم السيد محمد، وعاصم السيد محمد، وعبد الأمير محمود الوائلي، والسيد حسن زوين، وإسماعيل الجواهري، والسيد حميد السيد مجيد.

 

وفي جمادى الأول من عام 1325هـ/1933م مثل فريق من الشبيبة النجفي رواية (في سبيل التاج) لمنفعة جمعية الرابطة الأدبية، وكان المشاركون كل من: رشيد كريم السيد سلمان، عباس الشيخ جواد الخضري، نصر الله عبد الله الخضري، علي الطرفي، ناجي رمزي، عبد الأمير الخرسان، كاظم كريم عليوي، موسى صبار، حسين الشبيبي، عبد الهادي سميسم، محمد علي إسماعيل الحافظ، سلمان عبد الرضا السباك، علي الجواهري، عبد الصاحب الخضري، محمد رضا السيد سلمان، علي الجزائري، نوري كاشف الغطاء، عبد الجليل مطر، وقد أخذت لهم صورة تذكارية يتوسطهم عميد الرابطة السيد عبد الوهاب الصافي، وكان الروايات الوطنية الحماسية هي المرغوب في تمثيلها غالباً. ولذلك كان هذا هو الطابع العام الغالب لكل ما قبل في النجف لاسيما في العشرينات والثلاثينات.

 

وكان للسيد الفاضل المرحوم السيد يحيى الحبوبي الأثر الكبير في رعاية وإنعاش هذا الجانب من الحركة الفنية في النجف، إذ كانت له القابلية الجيدة في وضع الروايات وحسن إخراجها وصرف جهداً كبيراً في خدمة مدرسة الغري الأهلية ودفعها إلى الأمام في هذا الاتجاه لاسيما وأن مدرسة الغري الأهلية كانت مدرسة سياسية قبل أن تكون تربية وتعليم، وهو أحد أعضاء هيئتها الإدارية.

 

ثم تتابع بعد ذلك تمثيل الروايات من قبل الهيئات المدرسية وطلابها، ومن تلك الروايات رواية (آمال) التي وضعها الأستاذ علي الجزائري، وقد مثلت على قاعدة ثانوية النجف مساء يوم 25 ذي الحجة 1367هـ، وأثارت اهتمام الناس، وكتب حولها دراسة نقدية بقلم رياض حمزة شير علي تناول كل جوانبها (راجع كتابه مختارات ص6ـ11 مطبعة الغري الحديثة النجف 1370)كما أثارت هذه الرواية اهتمام الصحافة فنشر حولها نقد وتعليق في مجلة البيان عدد 1 س1 ص44ـ46/ 5 تشرين2 1948م/ 13 محرم 1368هـ.

 

ومن تلك الروايات التي مثلث كذلك:

 

رواية (نجدة فلسطين) وهي رواية شعرية للأستاذ المرحوم عبد المنعم العطار، مثلتها المدرسة الحيدرية عام 1947، ورواية: تاجر البندقية، شبح الأندلس، عرب القادسية، بالإضافة إلى التمثيليات الكثيرة التي لا تخرج عن نطاق المدارس.

 

أما بالنسبة للتمثيل الفلكلوري فقد شاع هذا في النجف بشكل واضح، وكانت هناك عدة فرق للتمثيل، تقوم بتمثيل الروايات الاجتماعية لمعالجة بعض الأمراض الشائعة بين الناس في الكثير من المناسبات، وقد هيأت نفسها منذ عهد، وهي بكامل عدتها استعداداً للطوارئ ولتلبية الدعوات المفاجئة التي قد يدعون لها أثناء الأعراس والمناسبات الإسلامية كالمواليد، وكان الناس يتبعون ويلاحقون هذه التمثيليات ممتزجين بفكرتها ومستفيدين من مناسبتها التي عقدت من أجلها، ومأنوسين مما يلقى فيها من جديد الشعر المغنى، وأشهر تلك الفرق فرقتان كان تأسيسهما عام 1950 تقريباً، الأولى هي (فرقة الفرات الأوسط) وهي مجموعة صادق الأنصاري القندرجي، وأبرز من فيها: صادق القندرجي، وأسطه حسن، ومحمد غلوم وانتهى وجودها بموت مؤسسها صادق القندرجي.

 

والثانية (فرقة الأفراح) وهي مجموعة كريم باغي، وأبرز من فيها كريم باغي، وأخوه غني باغي ومنعم أبو غنيم، ولم تزل هذه الفرقة تمارس التمثيل في المناسبات التي تدعى لها.

 

أما البدايات لهاتين الفرقتين فهي قديمة إلا أنها لم تكن منظمة ومهيئة وهي مقتصرة على أشخاص انطبعت نفوسهم بطابع المرح والخفة وحضور النكتة، ومن أمثلة أولئك: كريم باجة، وحسن قائمقام، وهاشم الشامي.

 

ولعل المرحوم حسين قسام الشاعر الهزلي المرح، القدح المعلى في هذا الجانب الذي يحسن تمثيل الأدوار الغريبة ويجيد تمثل الأصوات المختلفة ويضرب الأنغام المتنوعة بواسطة يده ورجله فهو فرقة قائمة بذاته، وكم له من مواقف مدهشة مع أناس لهم مقام اجتماعي كبير، تلفت النظر، وكان لا يفتعل هذه الأمور إنما هي مزاجه الخاص وروحه المرحة، وأما مواقفه مع المرحوم الملا عبود الكرخي فكان يتندر بها العام والخاص، وللمرحوم حسين قسام ثلاثة دواوين مطبوعة ولعدة مرات هي غاية في المرح والمتعة وهي: سنجاف الكلام، وقيطان الكلام، ومحراث الكلام، وقصة واحدة بعنوان (ملك أورخنة) طبعت ملحقة بديوانه.

 

ولا يمكن أن تنسى النجف التمثيليات الطريفة التي كان يقوم بها الممثل الشهير حسين تاجر النجف الذي أحيا الكثير من الليالي حتى على مسارح بغداد.

 

وكانت في النجف فئة خاصة من الشباب تتابع قراءة ما ينشر في المجلات المصرية من قضايا التمثيل والمسرح بكل شوق وتلهف وبمواصلة، وبعضهم الآخر كان يكاتب، أقطاب الحركة من الممثلين والمسرحيين المخرجين المصريين بل ويتتلمذ، وكان في مقدمة أولئك المرحوم عبد الرضا محمد علي المطبعي، الذي سعى في النهاية إلى تأليف (لجنة الفن) وهي مكونة من مجموعة من الشباب الذين مالت نفوسهم إلى التمثيل والمسرح. ومنهم كاتب هذه السطور، وقد قامت ببعض الأدوار في أوائل الخمسينات وأخذت بعض الصور التذكارية تخليداً للذوق وذكرى.

 

إلى هنا أنتهي من تدوين هذه المعلمات في تطور حركة التمثيل والمسرح في النجف إلى أوائل الخمسينات بعد جهد من التتبع والسؤال تاركاً ما بقي من تاريخها واستمراريتها وسعتها وثباتها على قوائم راسخة إلى من له الإطلاع الكافي.

 

 

 

2. التصوير الفوتوغرافي:

 

فن مهم وخطير، وصفحة وثائقية دامغة لا تقبل الشك في تدوين وتخليد الكثير من المناسبات والحوادث، وإليه يعود الفضل في معرفة بعض الناس الذين شاركوا في بعض القضايا في أي نشاط من أنشطة الحياة المتعددة.

 

وقد وصلت إلى أيدينا بعض الصور القيمة التي تخص النجف قبل ممارسة أبنائها لهذا الفن الرفيع، وأقدمها لدينا هي ثلاث صور أخذت عام 1316هـ:

 

الأولى للسادن نقيب الأشراف السيد جواد الرفيعي الكليدار (ت1331).

 

والثانية للحاج عبود شلاش والد الحاج عبد المحسن شلاش.

 

والثالثة للحاج عبود شلاش ـ المذكور ـ مع أولاده بواسطة مصور استدعاه السيد جواد الكليدان من إيران لأجل أخذ صورة للحرم الحيدري المقدس، ونقل إليّ أن صورة الحاج عبود شلاش وصورته مع أولاده كلفت خمسين ليرة ذهبة عثمانية.

 

ثم تأتي صور افتتاح فرع حزب الاتحاد والترقي العثماني عام 1909 في مدرسة الخليلي الكبرى وكانت من سحب أعضاء الهيئة التي رافقت مبعوث الحزب من اسطنبول وهو الدكتور ثريا بك الذي فتح الفرع بحضوره ورئاسته، ولم تشر كتب التاريخ إلا إلى الشيخ مانع وولده الشيخ جعفر من حضار حفلة الافتتاح، ويشير المرحوم الشبيبي في مذكراته إلى حضوره ولكن الصورة كشفت لنا أسماء آخرين من أولئك، منهم بل ومن أهمهم العلامة الكبير الشيخ ميرزا عبد الرحيم البادكوبي رأس الجالية الإيرانية في النجف، ومن حضاره كذلك العلامة المجاهد السيد محمد علي بحر العلوم، والسيد علي الرفيعي، والحاج عبد الرزاق شمسة، وغيرهم كثيراً ولكننا لا نعرف أسمائهم، وكان العلمان العثماني والإيراني يظلان على رؤوس الحاضرين، ويحف بهما بعض الجنود من الحامية العثمانية في النجف.

 

 

وتلى هذه الصورة الفوتوغرافية صورة أخرى وبعدها مباشرة صورة افتتاح النصب التذكاري الذي أقامته الحكومة العثمانية في النجف، وحضر لافتتاحه وفد عسكري من بغداد برئاسة شوكت باشا ميرميران وقد وقف إلى جانب الوفد الحاج محمد باقر شمسة وكان قد أقسم مقابل البريد القديم والموجودة بنايته الآن مقراً لنقابة البريد والمطابع بجنب مدخل السوق الكبير على اليمين للداخل إلى السوق.

 

ثم بعد هذه المرحة بدا أبناء هذه المدينة يمارسون هذا الفن وكان أقدمهم بل أولهم ـ حسب تتبعنا ـ هو الحاج عبود شكر، وهذا الرجل هو من الهواة، أديب طريف النكتة، حلو المعشر، التحق بمعية آل رشيد أمراء جبل حائل، وشارك في غزواتهم، ونظم الشعر فيهم، وجمع بعض أشعارهم، واعتمادا عليه، وتقديراً له استوزر للمالية، فكان آخر وزير مالية لهم قبل تقويض الإمارة عام 1925، وهو من هواة التصوير مارسه في أحرج المواقف والظروف وتعود إليه بعض الصور النادر التي التقطتها عدسته في إمارة حائل ومدينة النجف، ولم يصل إلى أيدينا إلا الصورة التي أخذت في مسجد السهلة عام 1912 لسيد مجاهدي العصر السيد العلامة محمد سعيد الحبوبي يحف به بعض كبار العلماء، وأعلام أسرته الحبوبية وبعدها بسنتين قاد جحافل المجاهدين إلى سوح الحرب ضد الاستعمار البريطاني في الشعيبة وبها كانت وفاته.

 

وقد امتدت يد العبث والجهل إلى زجاجات الصور التي خلفها فصنع بعضها إلى الفوانيس التي كانت تشتهر النجف بصنعها، واستقر الحاج عبود شكر في أواخر أيامه في مسجد الكوفة متخذاً إحدى غرف المسجد مقراً له في أوائل الخمسينات.

 

 

ويأتي الحاج عبود الحاج عبد المحسن شلاش بعد الحاج عبود شكر مباشرة في اتخاذ التصوير هواية مفضلة على كل هواياته والتقطت عدسته بعض الصور النادرة كل في مقدمتها صورة للملك فيصل الأول في أول زيارة إلى النجف عام 1920 ومن الصور النادرة كذلك صورة (الطرزينة) في ترامواي النجف وهي عربة تسير على سكة الحديد بين النجف والكوفة وكانت تسحبها ماكنة.

 

وصورة للملك علي في أول زيارة له إلى النجف وفي دار آل شلاش وكان ذلك عام 1926 وبحضور قائمقام النجف عبد الله مظفر والحاج عبد المحسن شلاش والحاج رؤوف شلاش وتومان عدوة وغيرهم.

 

أما المحترفون من المصورين فأولهم كان الحاج رضا الإيراني الجنسية صاحب ستوديو (عكاسي شمس) مارس مهنة التصوير الكبير في إشاعة هذا الفن، وعلى يده تتلمذ كل من ـ المصور الوطني ـ محمد الحاج إسماعيل، والسيد يوسف السيد جعفر، وروى لي أن الكثير من مصوري إيران كانوا يقصدونه لابتياع صور العلماء ورجال الفكر من النجفيين للسحب عليها في إيران وعن طريقه وصلت إلى أيدينا الكثير من صور العلماء الذين عاصرهم وبعد وفاته بعد عام 1926 بيعت موجودات محله كافة ولعلها آلت إلى التلف بعد ذلك.

 

ومن الرعيل الأول من المصورين المرحوم السيد يوسف السيد جعفر السيد علي (النجف 1966) كان من أوائل المصورين ومن تلاميذ الحاج رضا زاول التصوير مهنة ردحاً من الزمن، ثم تركه، ولم يزل أولاده يحتفظون بمجموعة من جامات تصاويره ولعل في بعضها ما هو نافع ومن الصور الأثرية.

 

ويله في الأهمية المرحوم محمد الحاج إسماعيل الشكرجي ـ المصور الوطني ـ (النجف 1906 ـ حدود 1960) الذي يعتبر وارث مجاميع الحاج رضا وأضاف عليها هو خلال مدة طويلة من ممارسته هذا العمل بعض نوادر الصور الشخصية لاسيما من الأجانب الذي يفدون إلى زيارة القبر الشريف المقدس، ومن بعد وفاته بقى محله مشغولاً من بعض أقاربه عدة سنوات ثم أغلق وتبعثرت بعض محتوياته.

 

ومن هذا الرعيل الأول المرحوم يوسف الحاج عبود شكر (المصور العربي) الذي ورث هذا الفن من والده، وعن طريقه شاعت بعض الصور التي سحبتها كامرة والده من الصور الشخصية، وكان ذواقة في الحرص على زجاجات صور والده إلا أنها تعرضت ليد جاهلة فخسر الفن بذلك ثروة فنية قيمة.

 

وكان من المعاصرين للمرحوم محمد الحاج إسماعيل، جواد نقش وكان محترفاً لهذا الفن، ولم يزل على قيد الحياة، ولكنه انتقل من النجف وغير محل سكناه.

 

ويعتبر الحاج نوري الشيخ عبد الرضا الفلوجي (المصور الفني) (النجف 1908) أقدم المصورين النجفيين المحترفين الآن، تتلمذ في الأصل على يد مصور هندي ثم بدأ يمارس العمل كحرفة في مدينة الكوفة، ثم انتقل بعدها إلى الديوانية عام 1933، ثم جاء إلى النجف عام 1940 ولم يزل يمارس مهنة التصوير بذوق وشوق، يحتفظ محله ببعض النوادر التي التقطتها كامرته في مناسبات تاريخية تعد جزء من تاريخ هذه المدينة كما قالت عنه مجلة ألف باء: (وكان المصور الوحيد لاستقبال الملوك والرؤساء الذين زاروا مدينة النجف).

 

أما المصور عباس الحاج إسماعيل الشكرجي (فينوس) (النجف 1915) فهو شقيق محمد الحاج إسماعيل، استهوى هذا الفن كحرفة عن طريق ستوديو أخيه، وعليه تتلمذ بعد أن كان طالباً في المدرسة حدود عام 1940، وفي عام 1959 فتح محله الحالي منفرداً بنفسه، ولم يزل قائماً بممارسة عمله الفني، ويحتفظ محله بمجموعة نادرة من الصور التي تخص النجف، ولعل بعضها مما كان حصل عليه من ستوديو أخيه.

 

ولعل أثقف مصور عرفته هو الأستاذ محمد باقر محمد حسين الغروي (النجف 1925) الذي عمل مدرساً للغة العربية في النجف ثلاثين سنة، ويجيد من اللغات عدا العربية الفارسية والتركية والإنكليزية وشيئاً من الفرنسية، مارس عددا من الهوايات كانت في مقدمتها هواية التصوير حيث ابتدأ بالتدريب عليها منذ عام 1952، واستمر عليها حتى أصبح من أحذق المصورين في هذه المدينة وتحولت الهواية إلى حرفة مدة من الزمن، ثم ترك العمل نهائياً متوجهاً إلى إكمال التركية، وكان قد طبع له كتابه المخطوط في تعليم اللغة قبل ذلك كراس قيم في النحو باسم (موجز الضمائر).

 

ومن محترفي هذا الفن وهاب الظالمي صاحب ستوديو (النجف) الذي مارس العمل مدة طويلة ثم تركه إلى غير رجعة، ولم تكن له أهمية تذكر فنياً.

 

ومن محترفي هذا الفن كذلك زهير ناصر شكر (ستوديو بابل) (النجف 1938) الذي فتح محله في 1/4/1957. وإن كان محله يحتفظ ببعض النوادر الشخصية إلا أنه لا يكترث بها ولا يحاول أن يستفيد منها أو يرغب في التفتيش عن غيرها.

 

بينما المصور فرحان البغدادي (ستوديو الخيام) (النجف) وإن كان محترفاً لهذا الفن إلا أنه صاحب قابلية جيدة فيها، لاسيما في إحياء الصور القديمة عن طريق (الكوبية). وكان قد ترك العمل مدة من نيسان 1971، وعاد إليه في تموز 1972 ولم يزل مستمراً فيه.

 

أما إبراهيم جمال: (ستوديو إبراهيم) (النجف 1939) فإنه احترف التصوير بعد هواية منذ عام 1964وجند لها كل نفسه وترك تحصيله العلمي في الصف الثالث من كلية الفقه على هذا الأساس، واستطاع أن يجمع لديه مجموعة نادرة من الصور ولم يزل يقتنص النوادر.

 

وستوديو (دنيا الحديث) جواد رضا عبد محمد القزويني (النجف 1954) محترف مشهور ونشط لا يهتم في اقتناء الصور النادرة، ولا يميل إليها.

 

وستوديو (الرسالة الخالدة) محمد طاهر باقر من الذين مالوا إلى احتراف هذا الفن منذ عام 1976 وهو يحتفظ بمجموعة من الصور القديمة إلا أنها حديثة العهد شارك في كل معارض دور الثقافة الجماهيرية.

 

وستوديو (نينوى) سليم عبد الحسين الخليلي فنان قدير، رفيع الذوق من هواة الدرجة الأولى، متعدد في هواياته، مشهور في الوسط الفني، يمتلك ثروة فنية قيمة من الصور في مختلف الاتجاهات ألقى عدة محاضرات في التحنيط والسكرين، والتصوير طبعت كلها، ووزعت على الحاضرين، اضطر بالنهاية إلى غلق الاستوديو، وهو الآن المصور الخاص لإعلام محافظة النجف.

 

وهناك عدد كبير من الاستوديوات تتفاوت أهميتها من حيث القابلية والسمو في الذوق الفني بين الجيد والوسط والعادي، هي: ستوديو أسعد، وعقيل، وحامد، وحمورابي، والخليج العربي، وعلي، والأجيال، وآسيا، والوطن، وهادي، ودنيا، والطليعة، والشرف، وبعض هذه الأستوديوات لم يعد لها وجود الآن.

 

وحسناً فعلت مديرية دور الثقافة الجماهيرية في المعرض السنوي للتصوير لإبراز نشاط هذه الاستوديوات الفني مع تقديم الجوائز التقديرية السنوية لمن تفوز معروضاتهم في تلك المعارض السنوية، وهذا عمل جليل يدعو إلى التحفز والعناية فيما يعرضه الفنان، وحبذا لو أن دور الثقافة الجماهيرية تطبع الصور الفائزة في ألبوم خاص بالمناسبة تثميناً لذوي القابليات، وتخليداً لأصحاب المواهب، ورعاية للحركة الفنية في البلد، ونحن لا نستكثر ذلك عليها مطلقاً لأننا لمسنا منها أكثر من ذلك في مجالات أخرى.

 

 

 

3. الرسم:

 

لم يكن الرسم بصورة عامة فناً بسيطاً أو قليل الأهمية، بل هو من الفنون الرفيعة الذوق البالغة الأهمية ولا يمكن أن يكون هنالك تحديدات تاريخية مضبوطة لممارسة أبناء هذه المدينة له في مرحلة نصف القرن الماضي من تاريخها.

 

إنما هنالك حدود تقريبية يمكن لنا أن نذكرها، وبشكل خاص بعد أن أصبح للرسم الآن مدارس واتجاهات ولكل مدرسة من تلك المدارس خصائصها ومزاياها التي تحدد أبعادها وتعين موقعها من المدارس الأخرى.

 

ونشأت هذه الحركة في أول أمرها بسيطة جداً وفطرية ومن أوائل العشرينات كانت تتمثل في رسوم أهل البيت(ع) وبعضها يمثل واقعة كربلاء الشهيرة، وكانت هذه الرسوم مقتبسة من رسوم هندية التخطيط تستورد من هناك، وبدأت النجف تطبع هذه الرسوم معتمدة على فنانين هنود يرسمونها في النجف وتطبع في مطابعها الحجرية وتوزع للبيع في المكتبات، وأول من مارس عملية طبعها الكتبي المرحوم الحاج محمد جواد الكتبي في مطبعة المرتضوية.

 

ولم تكن النهضة الفنية الجيدة التي نلمسها الآن في هذا المجال في النجف بقديمة العهد، إنما تعود إلى أواخر الثلاثينات، ولكن جذورها تمتد إلى أواخر العشرينات من أيام الأستاذ جعفر الخليلي الذي يعتبر من أقدم مدرسي الرسم في النجف، وكذلك الأستاذ حسن سامي، والد الفنان الشهير عطا صبري.

 

ثم بدأت المعارض المدرسية هي التي تتبنى هذا الفن، وعن طرق التنافس، في التفوق في معروضاتها، مما حدا بتزاحم المواهب، وظهور القابليات وبشكل كان يؤدي في بعض الأحيان إلى تبادل التهم بين المعلمين واللجان المكلفة بانتقاء رسوم المتفوقين لتوزيع الجوائز، وقد تصل الاتهامات إلى مسامع الجهات العليا في المدينة، وهذا التنافس هو الذي إذا هذه الحركة بشكل ملموس وواضح.

 

وكانت الرسوم في أول أمرها نقل من الواقع، ثم بدأت تعالج بعض القضايا الشعبية، ثم تطورت إلى نقد الأمور التي لها علاقة بالمحيط الذي نعيشه، وأضرب مثل على ذلك: الصورة التي رسمها الفنان كريم الرواف باسم (شقاوة رقم 17) وكانت تمثل شاباً على رأسه طاقية، وعلى كتفه يشماغ، وهي تمثل نموذجاً للشباب المتمرد المعتدي المتهور الذي يحمل تحت ثيابه آلة جارحة يستعملها عند الحاجة في الإجهاز على خصومه، وكانت هذه الصورة مصدراً للتندر مدة من الزمن، ولعلها من عوامل انحسار كل هذا اللون من الشباب، ومن أشهر من نعرفه من مبرزي هذه المرحلة هم: المرحوم سمير جواد الحلو، والمرحوم علي رسول الشكرجي، والمرحوم عبد الحسين الجمالي، والأستاذ سعدي الكعبي، والسيد سليم الخليلي، فكانت معارضهم متميزة على أقرانهم، ورسومهم ذات طابع يتميز فيه الذوق الهادف، وكان ذلك بانتقاء واكتشفا وتوجيه الأستاذ وهاب شمسة الذي اكتشف مواهبهم ورعاهم ودفعهم إلى أمام.

 

ولا يمكن أن ننسى ونحن ندون تاريخ الحركة الفنية شخصية المرحوم المربي الكبير السيد صادق الحكيم الذي تسلم مختلف المناصب التربوية، من مدرس رياضيات، إلى مدير ثانوية النجف، إلى مفتش تربوي، إلى مدير تربية كربلاء، فهو يعتبر بحق صاحب الفضل الأول في إقامة المعارض في النجف والتي كانت لها اليد الطولى في التنافس وإشاعة الفن في هذه المدينة، كما قلت…

 

كما لا يمكن أن ننسى فضل الأستاذ عبد الوهاب شمسة (النجف و1913) الذي زاول تدريس الرسم ردحاً طويلاً من الزمن لمختلف المراحل، فكان المربي لأغلب المواهب الفنية التي ظهرت في النجف من نهاية الأربعينات حتى الآن، هذا المربي الذي كان طالباً في دار المعلمين الريفية ببغداد، وكان أستاذه في الرسم الأستاذ سعيد تحسين، وهو الذي اكتشفه، ومن عهدها بدأ نجمه يتألق، وعلى يديه تركزت الحركة الفنية بما رعى من تلاميذ في الرسم أصبحوا بعد ذلك رعاة الحركة الفنية في الرسم في النجف.

 

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأستاذ عبد الوهاب شمسة كان من المعجبين بالفنان جعفر الحاج حسين صاحب المقهى الشهير بباب الطوسي، وكانت هذه المقهى (ندوة) تضم مجموعة من الفنانين وأصحاب العبقرية في مختلف الاتجاهات، وهي إلى يمين الخارج من باب الطوسي من الصحن الشريف بجنب مقبرة المجدد محمد حسن الشيرازي، قبل تهديم الأزقة المحيطة بالصحن، ومن هؤلاء الذين كانت تضمهم الندوة الحاج عبد الله الصراف الرسام الموهوب، والحاج جعفر محي الدين الميكانيكي الشهير الفنان، والسيد صالح الحلي الخطيب الحسيني الشهير، والشيخ حميد المحتصر المنكت الشهير، والسيد خضر القزويني المقرئ الشهير، فكان كثير التردد عليها، وشديد الإعجاب بروادها ومن المتأثرين بفنهم، وروى لي الكثير من روائع القصص عنهم، وكانت جدران المقهى منقوشة بأبدع الصور التي تدعوك إلى أن تطيل النظر إليها.

 

واستمر فن الرسم يخطو خطوات سريعة حتى ظهور فن: البوستر أي (الملصق الجداري) وهو رسم إعلامي شعبي مبسط مفهوم، يعوض عن الإعلان، وكانت بداياته بعد أول مؤتمر قمة لدول عدم الانحياز والحياد الإيجابي في منتصف الخمسينات، وقد أوجد الملصق الجداري لمعاجلة القضايا التحررية خاصة بعد الانطلاقة التي تمت للدول التي كانت ترزح تحت السيطرة الأجنبية لتوعية الجماهير فيما هم فيه من التخلف والسيطرة الأجنبية عليها من شعوب آسيا وأفريقيا.

 

وهو يحتوي على الصورة مع العبارة في آن واحد ليوضح أحدهما الآخر، ويشترط فيها سهولة الفهم والتعبير وبساطة الألوان، على أن لا يتعدى الأربعة ألوان، وقد تعقد هذا الفن بإضافة أشياء جديدة عليه بحيث أصبح عسر الفهم للذي يمعن النظر فيه.

 

وقد ظهر الملصق الجداري في النجف لأول مرة عام 1968 وقفز هذا الفن قفزات سريعة في مدة قصيرة، حتى شهدت النجف عام 1969 معارض تحتوي على نماذج جيدة منه ومن أعلام هذا الفن: عبد الإله سياب، وعبد الإله جمال الدين، وعبد العال الرماحي، وحسين مهدي، وعلاء عبد الزهرة، وعباس غالي، وحمودي الرفيعي، ووهاب المرعبي، وحسن قاسم، وكريم الرواف، وكان لكل فنان من هؤلاء الفنانين أقام لنفسه معرضاً، وبعضهم عدة معارض عرضوا فيها نماذج من لوحاتهم الفنية.

 

ومن الفخر والاعتزاز أن نشير إلى ابن النجف الفنان حسن مسعود الذي أقام معرضاً لرسومه عام 1976 في باريس وأحرز شهرة مرموقة أشير إليها في الصحف العراقية، ولم يزل مقيماً هناك مزاولاً العمل في إحدى الصحف العربية الجزائرية.

 

وقد أنجبت النجف عدداً من الرسامين الفطريين اشتهروا في الوسط الفني بكثرة ما قدموه من لوحات ورسوم وبعضها جيد، نذكر منهم: عباس الترجمان، وعلي أبو قدر، وفاضل الصباغ، وصالح غلام، ومحمد معلة، أما رشيد المطبعي فهو فطري انطباعي، وبالرغم من أن الرسم موزع على مدارس متمايزة يعرفها كل الفنانين على اختلاف مستوياتهم، إلا أن أغلب هؤلاء هو كل المدارس أو بعضها، ونادراً ما نجد الاختصاص متمثلاً فيهم.

 

ثم بدأت منذ عهد مديرية الثقافة الجماهيرية، تستقطب الفنانين الجيدين في المناسبات المهمة السياسية والاجتماعية، والعلمية لتعرض لهم نماذج من لوحاتهم، مجتمعة وعلى انفراد، في الطرقات والساحات العامة، لبث الوعي بالمناسبات المذكورة، وأخذ الناس يواجهون هذا اللون من الفن لأول مرة، حتى أصبح اعتيادياً لهم لكثرة ما زخرت به هذه الأماكن العامة من لوحات هذا الفن بالإضافة إلى إقامة المعارض السنوية لها.

 

ونحن نختم هذه الحلقة عن الرسم نشير إلى جهود الفنان كريم الرواف خلال ربع قرن منذ عام 1953 وحتى الآن ربى فيها مجموعة من الفنانين في تدريسه هذه المادة على مختلف المستويات، وما أقامه من دورات تدريبية مهنية للمعلمين.

 

 

 

 

المصدر: مجلة آفاق نجفية العدد 13

 

 

الشهيد الأستاذ عبد الرحيم محمد علي                                              

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.