عبد المنعم بن محمد العكام
المعروف بـ(عبد المنعم العَكّام)
سيرة الشاعر:
ولد في مدينة النجف الأشرف سنة (1318هـ – 1900م)، وتوفي في بغداد عام ( 1394هـ – 1974م)، ثم دفن في النجف، قضى حياته في العراق.
تلقى تعليمه الابتدائي في المدارس العثمانية، ثم التحق بالمدرسة الرشيدية، ولم يكمل تعليمه فيها، فاتجه إلى الدراسة الدينية، ودرس الأصول والفقه وعلوم العربية والمنطق على عدد من العلماء، وبعد ذلك تحول إلى التعليم الحديث، فالتحق بدار المعلمين الابتدائية في بغداد وتخرج فيها، وكان إلى جانب ذلك يجيد الفارسية والتركية.
اشتغل بتدريس علوم الفقه واللغة، وتعلَّم على يديه تلاميذ منهم الشاعر «محمد جواد السوداني»، وعندما أنهى تعليمه الحديث، عين معلمًا وتنقل بين عدة مدارس في العراق، حتى استقر مديرًا لإحدى مدارس بغداد، إلى أن أحيل للتقاعد.
الإنتاج الشعري:
له قصائد منشورة في عدة كتب منها كتاب «شعراء الغري» لعلي الخاقاني، وكتاب «هكذا عرفتهم» لجعفر الخليلي، وكتاب «الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لفقيد العلم والأدب الشيخ محمد علي اليعقوبي»، وله قصائد منشورة في صحف ومجلات عصره منها قصيدة مهداة إلى «جعفر الخليلي» – جريدة «البلد» البغدادية –العدد 68 – 1965م، وله نشيد «الزهور»، ونشيد «التاج»، عن الملك فيصل الثاني، نشرتهما مجلة الغري (النجفية) – العددان 19- 20 – يناير 1948م.
يغلب على شعره طابع المناسبات، التزم البناء التقليدي للقصيدة العمودية، ونظم في الرثاء والغزل وتحية الوفود ووداع الأصدقاء، في لغته رصانة تشف عن ثقافته وقوة علاقته بتراث الشعر العربي، وكثير من شعره يعكس همومًا سياسية يتأمل فيها حال الأمة ويدعوها إلى النهوض من عثرتها، وهو في ذلك يسترجع الماضي تارة ويرنو إلى المستقبل تارةً أخرى، فيصدر شعره عن ذات مؤرقة بين اليأس والرجاء.
عناوين القصائد:
دائي ودوائي
مجون
عاق الزمان إرادتي
قصيدة: دائي ودوائي
زارتك ذاتُ المقلة النجلاءِ *** تجلو الظلام بوجهها الوضَّاءِ
شمسٌ ومن أفق السماء تحدَّرتْ *** فتمثّلت بشرًا لعين الرائي
وقَوامها غصنُ الأراك أَمَالَهُ *** عبثُ النسيم وَهِزَّة الخُيَلاء
زهرُ الشقائق ثغرها وبه اللمى *** قطراتُ طَلٍّ أرسلتْ بشفائي
أمِنَ العدالة أن أموت معذّبًا *** كَلِفًا بها وبكفّها إحيائي
في ثغرها سَكَبَ الجمال مُدامتي *** وبخدّها سفك الغرام دمائي
والكهرباء بلحظها مودوعةٌ *** نظرتْ إليَّ فكهربت أعضائي
أمليكةَ الحسن البديع تَسنَّمي *** عرشَ الجمال ودولة الندماء
فلكِ الظباء رعيّةٌ والورد وال *** نُور المنير وأنجم الخضراء
اللهَ في الولهان قلبي فارأفي *** فلأنتِ رَبُّ سعادتي وشقائي
رِقِّي فعقلي في يديك زمامه *** ودعي التباعد فالتباعد دائي
قالوا ارتشفتَ من الكؤوس مدامةً *** فغدت تهزّك نشوة الصهباء
أو أطربَتْك بلحنها الورقاء في *** ظل الغصون فهِمْتَ بالورقاء
فأهاج منك قريحةً وقَّادةً *** أزْرَتْ بكل نباهةٍ وذكاء
كلا فتلك خريدةٌ كَلِفَتْ بها *** نفسي ودام بحبها إعيائي
أم كيف أرتشف الكؤوس وثغرُها *** فيه المدامة كافلٌ إروائي؟!
قصيدة: مجون
زال الشقاء وبدَّدت أوصابي *** من بعدما سكبتْكَ في الأكوابِ
كَفُّ النديم وأغيَدٌ حاكيته *** إذ يسكر الرائي بغير شراب
بنتَ الكروم لأنتِ أفعل في النهى *** وأشدّ فتكًا في ذوي الألباب
صرعاك في هذي الحقول كثيرةٌ *** ما بين مقتولٍ وبين مصاب
الدوحُ أسكره النسيم فرنَّحتْ *** أغصانه كالواله المتصابي
والبلبل الغِرّيد يقفز خلسةً *** بين الغصون كخائفٍ مرتاب
ينحو بتيجان الأقاح مدامةً *** خُصَّت برشف البلبل الوثّاب
والطيرُ يسجع والغصون تعانقت *** تحكي الغرام بندوة الأحباب
والشمسُ في طيّ السحاب كأنها *** غيداءُ تستر وجهها بنقاب
حفلٌ أقامته الطبيعة في الربا *** لوصال سلمى بعد طول غياب
جاءت كغصن البان ماسَ بقدّها *** زهوُ الشباب ونشوة الإعجاب
تتميّز العضلات خلف ثيابها *** فكأنها برزت بغير ثياب
لا ريشةُ الفنان تبلغ مدحها *** وصفاً ولا وصَّافةُ الكُتّ
شمسٌ ومن أفق السماء تحدَّرت *** فتمثّلت خَوْدًا بلا جِلباب
ترتاح إن فقد النديم شعوره *** وبدا يماجنها بدون صواب
فتكاد تقطر رقَّةً وأنوثةً *** وتذوب من شوقٍ إلى الأصحاب
ويكاد يخطفها لما قد ناله *** متحيّزًا عن خطة الآداب
هاجت لهاتيك الأمور مشاعري *** فكسرتُ قيدي واخترقت حجابي
وطفقتُ أبتدع المجون مجازفًا *** ورميت نسكي واطَّرحت كتابي
وهجرت عقلي والوقار وحشمتي *** ونسيت هيبةَ وقفة المحراب
وغُمِرتُ في بحر النزوع كماهرٍ *** في الفسق لا وَجلٍ ولا هيَّاب
من قصيدة: عاق الزمان إرادتي
حكم القضاء بأن تعيش ذليلا *** فخُذِ التجمُّلَ صاحبًا وخليلا
ودعِ التأفّفَ والتأوّه جانبًا *** وضَعِ التدبّرَ والنهى إكليلا
أوَقد جنيتَ على البلاد جنايةً *** فغدت تسومك عدلها تنكيلا؟
كلا وربِّك ما اقترفتُ جنايةً *** إلا الولا والحبّ والتفضيلا
أواه كم عاق الزمان إرادتي *** ولكم تعوق النائبات نبيلا
قاسيتُ من محن الظروف كوارثًا *** سامت يديَّ القيد والتكبيلا
أسعى وأجهد كي أخلِّص أمتي *** وأعيد ذكرًا للبلاد جميلا
فأؤوب صفرَ الكفِّ مما أرتجي *** وأرى حسام عزيمتي مفلولا
يا عصبةً بذروا الشقاء بشعبنا *** باسم الإخاء وأضمروا التخذيلا
عجبًا تسنّمتم ذراها فارتضت *** بكمُ البلاد وحزتم التبجيلا
أفيأمن الموتور فتكَ عدوه *** ويرى الحسام بكفّه مسلولا
فلئن بقيت مع الليالي دائبًا *** مثّلتُ غاياتٍ لكم تمثيلا
ولأبدينَّ من الحقائق ما انطوى *** ولأهتكنَّ حجابها المسدولا
المصادر:
1 – جعفر الخليلي: هكذا عرفتهم – مطبعة الزهراء – بغداد 1963م.
2 – علي الخاقاني: شعراء الغري – المطبعة الحيدرية – النجف 1954م.
3 – محمد هادي الأميني: معجم رجال الفكر والأدب في النجف خلال ألف عام – مطبعة الآداب – النجف 1964م.
2015-03-29