هو الرجل الذي جيء به من اليمن الى ظهر الكوفة ودفن في الغري – النجف الأشرف – بمحضر إمام المتقين علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام.
مرقده في النجف الأشرف :
ويعرف بقبر اليماني تارة ومقبرة الصفا أخرى وصفة الصفا متأخراً وكانت الدراويش تسكنه وتسمي حرم قبره بالصفة فإذا أضافوها يقولون صفة الصفا ، والعوام تقول (صافي صفا) ويقع على رأس الوادي في الحد الغربي لمدينة النجف الأشرف، بين السورين ، عامر مشيد بعهد تأريخ بنائه القائم اليوم الى القرن السابع الهجري، عليه قبة بيضاء صغيرة، فوق حرم صغير، سميك الدعائم والجدران، تزوره الناس وتقام فيه الاحتفالات الدينية في مواسمها، وذكرى سيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام.
يقع مرقده بين المسجد الذي فيه مقام أمير المؤمنين عليه السلام غرباً ، وبين صحنه المربع المستطيل شرقاً ، وتحوط صحنه دور عامرة تسكنها اليوم سدنة القبر، وفي الجانب الشمالي من صحنه حياض ماء وبئر واسعة عباسية يستقي الزائرون منها الدلاء للوضوء وغيره، كل ذلك وقف على الزائرين، ويقع قبر اليماني على الضفة الغربية من وادي السلام، وتعرف الجهة التي فيها بقعته قديماً بمقبرة الصفا كما ذكرنا، ثم عرفت الجهة أيضا وما قاربها – عندما اتصل بها عمران مدينة النجف الأشرف – بـ(محلة المسيل) ثم اشتهرت بعد بـ(عمارة المؤمنين) ، وإنما سميت محلة المسيل لأن منها مسيل ماء الوادي الذي فيه بلد النجف الأشرف، لانخفاض هذه البقعة عن البلد ، وتسليط مجرى مياهها بطبعها على بحر النجف الأشرف، كما عرفت هذه البقعة أيضاً بـ(محلة الشيلان) وذلك بعد بناء السور الأخير سنة 1226هـ، والشيلان هذا هو دار ضيافة واستراحة للعمال والمهندسين الذين أشادوا هذا السور الحصن، وقد صار الشيلان بيد سدنة قبر اليماني يقيمون فيه ذكريات أهل البيت عليهم السلام ومن جملة دورهم.
وقبر اليماني يقع على ضفة الوادي الغربية الجنوبية تقريباً، كما يقع على ضفته الغربية الشمالية مقابله المقام القديم المشهور والمعروف بـ(مقام الامام زين العابدين) علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام، وهو مقام مشيد عليه قبة بيضاء حوله رواق ، تزوره الناس وتنذر له النذور، يعهد تاريخ بنائه القائم هذا الى عهد السلاطين الصفوية وعماراتهم في النجف الأشرف، وكان كلا الحرمين خارجين عن سور النجف الأشرف الذي بناه آصف الدولة الهندي، وأدخلهما الصدر الأعظم (نظام الدولة محمد حسين خان الأصفهاني وزير السلطان فتح علي شاه القاجاري) ببناء سور صغير يحوط المقامين ويدخلهما الى بلد النجف الأشرف ولا زالت جدران السور الصغير قائمة ترى حتى اليوم، وكان ابتداء بناء السور هذا المحيط بالنجف الأشرف سنة 1217هـ وكماله سنة 1226هـ، وقيل انتهى سنة 1231هـ.
وفي قبر اليماني آثار تاريخية مثل الصخور القديمة المثبتة في الجدران ولم تزل ولا تزال باقية لمن يرغب الاطلاع عليها، وفيها شعر عربي وفارسي وتأريخ بعضها يعود الى القرن الثامن الهجري، فمنها صخرة على باب مدخل قبر اليماني ، ومقام علي عليه السلام، وهذا نص ما كتب عليها : (اجهد نفسه وسعى في إنشاء هذه القبة الشريفة على مشرفها السلام ، السيد المعظم علاء الدين بن مير مجيد بن محمد المدني المداح، بمساعدة ملك الحاج المحتشم الفيحاني (أو الفهماني أو القهستاني تقرأ بهذه الوجوه لكسور في الصخرة) في سنة تسع وخمسين وسبع مائة للهجرة النبوية).
وهذه الصخرة هي الصخرة الرابعة في هذه البقعة، وقد بنيت هذه الصخرة في أعلى باب الصفة التي عليها القبة من الدهليز ، على يسار الداخل الى المقام بارتفاع قامتي إنسان ، صعدنا إليها وكتبناها ، بعد إزالة الغبار والجص حيث كانت بعض كتابتها مطموسة بالبناء، وقد ذكرنا هذه الآثار والشعر المنقوش على الصخور الأربعة في كتابنا (النوادر) المخطوط في نوادر الغري ، وذكرنا جملة منها في كتابنا (معارف الرجال) في تراجم العلماء والأدباء
عند ترجمة سادنه الأول الأديب الشاعر العارف الفاضل الشيخ اسماعيل الملقب بالدراويش ، وخادم قبة الصفا المتوفي سنة 1164هـ ، وهو والد الشيخ أحمد ، ثم توالت هذه الخدامة ودور الوقف بين أحفاده وذراريه المعروفين اليوم بـ(آل الدراويش) وهم أشرة محترمة جليلة في النجف الأشرف.
قلت المشهور بين علمائنا الأقدمين والمتأخرين أن قبر اليماني هو هذا في مقبرة الصفا، مضافاً الى التلقي المتسالم عليه يداً عن يد الى علمائنا أصحاب أئمة الحق عليهم السلام، وقد ذكره الفقهاء في أدلة جواز نقل الموتى الى وادي السلام لشرف بقعته الميمونة ، وسلامة دفينه من عذاب البرزخ ومسائلة منكر ونكير كما وردت به الأخبار الصحيحة، فقد ذكرت قصة اليماني في كتاب (أنيس الزائرين) و (فرحة الغري) و (ارشاد الديلمي).
روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: أنه إذا أراد الخلوة بنفسه خرج الى طرف الغري، فبينا هو ذات يوم هناك مشرف على النجف وإذا برجل أقبل من البرية راكباً على ناقته وقدامه جنازة فحين رأى علياً (ع) قصده حتى وصل إليه وسلم عليه فرد أمير المؤمنين عليه السلام وقال(ع) له: (من أين أقبلت؟) قال من اليمن ، (ما هذه الجنازة التي معك) قال : جنازة أبي لأدفنها في هذه الأرض ، (لم لا تدفنه في أرضكم؟) أوصى إلي بذلك وقال: أنه يدفن هناك رجل يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر.
قال علي عليه السلام : (أتعرف ذلك الرجل؟) قال: لا فقال (ع) : (أنا والله ذلك الرجل ثلاثاً، قم وادفن أباك) فقام ودفنه ، قال بعض علماء الأهواز : أن اليماني هذا كان من أصحاب الزاهد العابد الجليل أويس القرني، وحدث آخرون أنه من تلامذته الذين تخرجوا عليه في العلم والزهد والعبادة والولاء لعلي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام
قلت: ان ما حدثه العلماء ليس ببعيد من حيث أن أويساً كان ممن يقول بهذا الأمر ومتفانياً دونه، وتقدم ذكر أويس فانظره، والحمد لله أولاً وآخراً.
المصدر: مراقد المعارف
تأليف: محمد حرز الدين